المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وجهة نظر إسرائيليةثمة صلة مباشرة بين الهجوم الأميركي المقبل في العراق والتدخل الدبلوماسي المصري الحثيث في المواجهة الإسرائيلية - الفلسطينية العنيفة التي بدأت قبل نحو ثلاثين شهرا. حاولت مصر إرغام الفصائل الفلسطينية المشاركة في الإرهاب ضد إسرائيل على هدنة من جانب واحد لا تكون مرتبطة بما تقوم به إسرائيل.

مهندس هذا التحرك المصري هو مدير المخابرات العامة اللواء عمر سليمان، بمباركة من الرئيس مبارك طبعا. وقد قدم اللواء سليمان، أحد أهم الشخصيات المؤثرة في الساحة المصرية، لمبارك ثلاثة أسباب رئيسية تحمل مصر على التدخل في الصراع في هذا المنعطف. وجميعها ذو صلة بالحرب الوشيكة في الخليج.

أولا، الولايات المتحدة على وشك التحرك في الخليج؛ ومصر، بوصفها حليفا، يجب أن تقدم المعونة في هذا الوقت عن طريق تهدئة الساحة الإسرائيلية الفلسطينية.

ثانيا، من المرجح أن يستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون الهجوم في العراق لتصعيد النشاطات العسكرية ضد الفلسطينيين مما يجعل الحل المستقبلي المحتمل أصعب بكثير.

ثالثا، قد يكون لتصعيد إسرائيلي فلسطيني أثناء الحرب في العراق أثر سلبي على مصر، وسيشحن "الشارع" ويدفع الناس إلى التظاهر ضد النظام.

حاول سليمان في البداية أن يدخل إسرائيل أيضا في مبادرته، فقد طلب في لقاء مع رئيس الوزراء شارون أن تقدم إسرائيل تعهدا بأنه في حال قيام الفلسطينيين بإنهاء الهجمات "الإرهابية" فإن إسرائيل ستتجاوب بوقف هجماتها ضد النشطاء "الإرهابيين" الفلسطينيين. كان رد إسرائيل: فليتوقفوا أولا، وبعدئذ سنرى.

واللافت أنه حتى بعد رفض إسرائيل إلزام نفسها فإن المصريين قرروا متابعة مبادرتهم من جانب واحد. وكان المنطق وراء ذلك أنه في حال إيقاف الفلسطينيين النار من جانبهم فإن إسرائيل لن تتمكن من تبرير استمرار نشاطها العسكري طويلا أمام الرأي العام العالمي، وسوف تكون مجبرة على وقف إطلاق النار أيضا.

جرت محادثات القاهرة في موقع مدني تابع للمخابرات المصرية. وفي أحد الاجتماعات الأولى التي شارك فيها ممثلو الفصائل الفلسطينية الرئيسية طلب اللواء سليمان منهم توقيع تعهد بوقف كلي وغير مشروط لإطلاق النار في كل من الأراضي المحتلة وداخل الخط الأخضر مدة عام كامل. ولكن مصر أومأت في أحاديث الممرات إلى أنها تكتفي بنصف عام.

ضغط المصريون على عرفات بشدة قبل أن يوافق على الصيغة النهائية، ومارسوا ضغطا إضافيا عليه حتى يسمح لأبو مازن (محمود عباس)، وهو من أعلى قيادات منظمة التحرير، بالتوجه إلى القاهرة على رأس وفد فتح. ولجأت حماس، التي عارضت فكرة الهدنة منذ البداية، إلى سلسلة من تكتيكات الإعاقة لتجنب مواجهة مع المصريين: فمرة تبعث قيادة حماس ممثلا على مستوى منخفض جدا بدلا من إرسال شخصية مهمة مثل خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي، ومرة تتغيب عن الاجتماعات احتجاجا على عدم دعوة مصر "كل المنظمات الفلسطينية".

لم يأل المصريون جهدا لتطويع حماس في الاتجاه الذي يريدون. تحدث مبارك مع الرئيس السوري الأسد، وطلب إليه الضغط على حماس لترسل مشعل إلى القاهرة. وأخبر اللواء سليمان أعضاء وفد حماس بشكل قاطع أنه في حال رفضهم التوقيع فإن القاهرة ستبدأ من الآن فصاعدا باعتبارهم "أعداء عملية السلام".

لكن حماسا لم تنثن، ووصلت محادثات القاهرة إلى طريق مسدود. وقد انفض المشاركون الأسبوع الماضي دون صدور بيان مشترك. وجرى كلام عام بشأن استئناف الاجتماعات في موعد لاحق لم يتم تحديده.

إلى حد ما فإن إيران مسؤولة على الموقف المتشدد الذي وقفته حماس. ولكن السبب الرئيسي هو فهم تؤمن به الحركة فحواه أنها تتمتع الآن بتأييد كبير في الشارع الفلسطيني لمطلبها بالاستمرار في العمليات الانتحارية. وقد انعكست هذه النظرة في تصريحات أدلى بها في نهاية الأسبوع الماضي محمود الزهار، المسؤول الكبير بحماس، فحواه أن الحركة مستعدة من مختلف النواحي لأن تكون بديلا عن السلطة الفلسطينية كقيادة للشعب الفلسطيني.

إذا كان لإخفاق محادثات القاهرة أي فائدة فإنما هي إدراك العناصر المعتدلة داخل فتح أن سياسة حماس المتمثلة في استمرار شن الهجمات الإرهابية لا تعكس فقط استراتيجية حماس الثابتة ضد إسرائيل بل هي وسيلة لتحقيق الغلبة في الصراع على قيادة الشعب الفلسطيني. المحاولات القليلة التي قام بها أفراد فتح في قطاع غزة في الأيام الأخيرة لمواجهة حماس وإيقاف إطلاق قذائف الهاون وصواريخ القسام على المستوطنات الإسرائيلية قد تشير إلى أن هذه الصحوة ستتواصل. تم نشره في bitterlemons.org

عوديد غرانوت كبير معلقين في الشؤون العربية، ورئيس قسم أخبار الشرق الأوسط في التلفزيون الإسرائيلي - القناة الأولى.

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات