المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

فوز أرئيل شارون في انتخابات الكنيست على رأس قائمة الليكود منحه ما يدحض به الكليشيه المألوفة: فرصة ثانية لترك انطباع الوهلة الأولى. فحتى الآن كان يترأس حكومة تستند إلى كنيست انتخبت مع إيهود باراك. والآن غدا وحده على القمة، ومسؤوليته جسيمة مثل الامتحان الذي يواجهه.

في خضم التوتر الذي لا نهاية له بين الواقع والطموح يبرز شارون في القطب البراغماتي العقلاني. قد لا يكون تخلى عن الفكرة النزقة بالتمسك بمعظم المستوطنات والمناطق في الضفة الغربية، ولكن حماسته تصطدم بالحسابات التي لا عواطف فيها المتعلقة بمدى ما سيسمح له الرئيس جورج بوش بالقيام به. هذا ليس من صنيع "رجل الدولة" بالضرورة، ولكن يكفي اعتباره من لوازم البقاء. لا قبل لشارون بأن يسمح لنفسه بأن يصطدم ببوش، الأمر الذي سيضع حدا لحكومته ولحياته السياسية. ستكون هناك عندئذ انتخابات مبكرة مرة أخرى، وستجري هذه المرة على خلفية مغايرة تماما لما حدث في انتخابات كانون الثاني 2003، أي في جو من الخصام بدلا من الحب بين بوش وشارون، وسنرى شارون يتوجه إلى مزرعة سيكامور متقاعدا. الناخب الإسرائيلي، بغض النظر عن حكمه المتروي على مسألة "مقايضة الأرض بالسلام"، ليس ميالا إلى التصفيق لزعمائه عندما يفقدون الحظوة لدى البيت الأبيض.

كان هذا واضحا في الأشهر الثلاثة الماضية، عقب استقالة بنيامين بن إليعيزر ووزراء العمل الآخرين من الحكومة. لقد آثر شارون إجراء انتخابات مبكرة على تشكيل حكومة ضيقة تعتمد على أفيغدور ليبرمان. حقا لقد كانت في ذهنه أيضا حسابات تتعلق بالتنافس الداخلي مع نتانياهو، حليف ليبرمان (ويكفي أن نتذكر رد الفعل المضطرب لشارون في يوم الانتخابات الداخلية لليكود، عقب الهجمات على مومباسا وبيسان، لنفهم مدى أهمية هذه الحسابات بالنسبة إليه). مع ذلك لم يفكر قط في التخلي عن استعداده لإنشاء دولة فلسطينية – ليس دولة كاملة السيادة، ولا دولة ضمن الحدود المقبولة للفلسطينيين ولمؤيديهم - ولكن مع ذلك فهذا تحد لإحدى المحرّمات، وتحد لنتانياهو وليبرمان ولذلك القطاع من الجمهور الإسرائيلي الذي يعد أقرب من شارون إلى اليمين المتطرف (ونسبته الربع أو أقل فيما يبدو، ولكن أنصار هذا الاتجاه أقوياء داخل الليكود بشكل خاص).

لقد اتخذ شارون من رؤية بوش، كما عبر عنها في خطابه في 24 يونيو 2002، نصا مقدسًا. هذا هو القانون المكتوب. وأما تأويلاته، أو القانون الشفوي (تحديدا "خريطة الطريق" التي ترعاها وزارة الخارجية الأميركية) فهي عرضة للمناقشة والتحسين. المغزى العملي لرؤية بوش بسيط: الدولة الفلسطينية ستؤسس بحلول عام 2005، ولكن سيكون هناك أولا عام 2004 (العام الذي تجري فيه إعادة انتخاب بوش، وانتخابات الكونغرس حيث يأمل بوش أن يحافظ على الأغلبية الجمهورية الهشة)، وسنشهد قبلئذ اختفاء قوتين إقليميتين سلبيتين، اختفاء حقيقيا أو سياسيا، وهما صدام حسين وياسر عرفات.

بدونهما سيبرز نظام إقليمي جديد. ستتحرر الأردن من الضغط العراقي شرقا والفلسطيني غربا، وستقر فلسطين التي بدون عرفات وذات قيادة جديدة (أفرادها لم يفقدوا مصداقيتهم مع شارون حتى قبل خمس سنوات في سنوات حكم نتانياهو) بإخفاق الإرهاب، وسترسي صيغة مقبولة. لا لعرفات، نعم لفلسطين.

بشكل أو بآخر فإن هذا هو ما اقترحته على شارون في أواخر تموز 2002 شعبة التخطيط في قيادة أركان جيش الدفاع الإسرائيلي: اصمد، وانتظر حتى يرحل عرفات وينسحب من المشهد، وحتى يذهب صدام وحتى يتم إنشاء جدار الفصل بين الضفة وإسرائيل. يمكن النظر إلى هذا كامتداد لموافقة شارون على تقرير لجنة ميتشل، ويمكن ربطه بتصريح شارون عقب تفجير الدولفناريوم بأن "ضبط النفس قوة"، وبمواقفه إزاء مهمتي الوساطة اللتين قام بهما جورج تينت وأنثوني زيني. في كل تلك المواقف تصرف شارون وكأنه مضطر إلى ضبط النفس بسبب شريكه في الائتلاف الحكومي: حزب العمل. ولكن حتى بعد انسحاب العمل فإنه لم يخرج عن خطه – ولا حتى لتنفيذ رغبته المعلنة بإبعاد ياسر عرفات.

إن جهود شارون لإعادة حزب العمل إلى حكومته، حكومة من الوسط ليس فيها جناح يميني ولا جناح يساري، تعكس نيته التمسك بسياسة ستحقق رؤية بوش. إن مدى إصرار بوش على تحويل رؤيته إلى واقع هو الذي يحدد المدى الذي سيبلغه شارون.

أمنون ابراموفيتس أحد كبار المعلقين في القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات