في الأيام التي أعقبت هجوم حماس غير المسبوق في 7 أكتوبر على القواعد العسكرية الإسرائيلية، والكيبوتسات، والمدن، ومهرجان نوفا الموسيقي، أعلن عدد من المسؤولين الإسرائيليين رفيعي المستوى أنهم يعتزمون حرمان السكان المدنيين في غزة من أبسط احتياجاتهم. في ذلك الوقت، جاء أكثر من 80 في المئة من البضائع التي دخلت قطاع غزة من إسرائيل، التي أبقت المنطقة تحت حصار صارم مدة سبعة عشر عاما. في 9 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد يومين من القصف الجوي المكثف، أعلن وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أنه أمر بقطع المياه والكهرباء والوقود. وأضاف: "ما كان لن يكون".
في اليوم نفسه، طالب وزير الدفاع، يوآف غالانت، بفرض "حصار كامل" على القطاع: "لن يكون هناك طعام، لن يكون هناك وقود". (منذ ذلك الحين أصبح شائعا منطقه سيئ السمعة: "نحن نقاتل حيوانات بشرية"). في 17 أكتوبر/تشرين الأول، أصر وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، على أنه "طالما أن حماس لا تطلق سراح الرهائن الذين بين يديها... لن تدخل أوقية واحدة من المساعدات الإنسانية" إلى غزة – فقط ستصل "مئات الأطنان من المتفجرات التي يطلقها سلاح الجو". وفي اليوم التالي، طرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المسألة بعبارات صارخة مماثلة: "لن نسمح بالمساعدات الإنسانية في شكل أغذية وأدوية من أراضينا إلى قطاع غزة".
كانت هذه كلها إعلانات عن نية حرمان الفلسطينيين في غزة "ﺑﺤﺮﻣﺎﻧﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﻮاد اﻟﺘﻲ ﻻ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﻬﺎ ﻟﺒﻘﺎﺋﻬﻢ، ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ تعمد ﻋﺮﻗﻠﺔ اﻹﻣﺪادات اﻟﻐﻮﺛﻴﺔ"" – وهذه الأفعال تقع تماماً في صلب التعريف القانوني لـ "تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب"، وهي جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي. وفي الوقت نفسه، كانت الصحف والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية مشبعة بالدعوات لتدمير السكان، كليا أو جزئيا: "محو" غزة، و"تسويتها"، وتحويلها إلى "دريسدن" [المدنية الألمانية المشهورة بتعرضها للقصف]. في 13 تشرين الأول/أكتوبر - وهو اليوم الذي أمرت فيه السلطات الإسرائيلية 1.1 مليون شخص في شمال غزة بإخلاء منازلهم في غضون أربع وعشرين ساعة - قال الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، علنا إنه "لا يوجد مدنيون أبرياء" في القطاع.
منذ ذلك الحين، قصف الجيش الإسرائيلي أحياء بأكملها، مما أسفر عن مقتل أكثر من 32,000 فلسطيني، منهم أكثر من 13,000 طفل (هذه الأرقام لا تشمل الأشخاص المفقودين تحت الأنقاض)، وأصيب أكثر من 74 ألفا من السكان. وقد تدمر أو تضرر سبعون بالمائة من البنية التحتية المدنية، مما جعل العديد من المناطق غير صالحة للسكن. وحتى تشرين الثاني، كان أكثر من 75 بالمائة من سكان غزة، أي نحو 1.7 مليون شخص، قد فروا من منازلهم. وقد أجبر الكثيرون على الانتقال مرارا وتكرارا.
هاجم الجيش بشكل منهجي عشرات مرافق الرعاية الصحية، تاركا واحدا من كل ثلاثة مستشفيات في غزة يعمل بشكل جزئي، وأجبر الأطباء على العمل في ظل ظروف غير ملائمة للغاية بسبب التدفق المستمر للجرحى المدنيين، وكثير منهم من الأطفال. هذا المستوى من القتل والدمار في مثل هذا الوقت القصير لم يسبق له مثيل في القرن الحادي والعشرين. وخلصت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، الأسبوع المنصرم إلى أن "هناك أسبابا معقولة تدفع إلى الاعتقاد" بأن إسرائيل قد تجاوزت عتبة ارتكاب الإبادة الجماعية.
وفي الوقت نفسه، لا يزال الكثير من إجراءات تسليم المساعدات محظورا. إن المساعدات التي تصل إلى غزة هي، كما حذرت وكالات الأمم المتحدة، "مجرد جزء لا يذكر مما هو مطلوب". حتى الآن، سمحت إسرائيل بدخول ما معدله 112 شاحنة يوميا، أي أقل من ربع العدد الذي دخل يوميا في الأشهر التي سبقت 7 أكتوبر/تشرين الأول، عندما كانت الاحتياجات أقل حدة بكثير. في منتصف كانون الثاني، بعد ظهور تقارير تفيد بأن الجيش الإسرائيلي يعرقل شحنات المساعدات، خاصة إلى المناطق الواقعة شمال وادي غزة، وهو وادٍ جاف يفصل بين النصفين الشمالي والجنوبي من القطاع، أصر نتنياهو على أن حكومته ستسمح فقط بـ "الحد الأدنى" من المساعدات اللازمة لمنع حدوث أزمة إنسانية. في الأسابيع الستة التي سبقت 12 شباط، منعت السلطات الوصول إلى 51 بالمئة من البعثات التي خططت لها المنظمات الإنسانية لإيصال المساعدات إلى الشمال.
أدت هذه القيود إلى تقليل قدرة العاملين في المجال الإنساني على توزيع المعونة، وكذلك بروز التهديدات التي تهدد سلامة العاملين في المجال الإنساني وداخل المواقع المختلفة. وقد أشار فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، مؤخرا إلى أن منظمته، "شريان الحياة الرئيسي للاجئي فلسطين، محرومة من تقديم المساعدة المنقذة للحياة إلى شمال غزة". ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قتل ما لا يقل عن 171 من أفراد فريق الأونروا.
في مناسبات عدة، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على شاحنات تابعة للأمم المتحدة تحمل إمدادات غذائية على طول الطرق التي حددها الجيش بأنها آمنة، مما أدى إلى تدمير المساعدات وتعليق عمليات التسليم. وفي أوقات أخرى، قتلت القوات الإسرائيلية فلسطينيين كانوا ينتظرون تلقي المساعدات: ففي إحدى الحالات، التي أصبحت تعرف باسم مجزرة الطحين، قتل ما لا يقل عن 112 شخصا كانوا قد تجمعوا للحصول على مساعدات في مدينة غزة. وبحلول أواخر شباط، أعلنت الأونروا أنها اضطرت إلى وقف تسليم المساعدات إلى الشمال.
لم تكتف إسرائيل بمنع دخول المواد الغذائية إلى القطاع. فمنذ بدء الحرب، دمرت أيضا أكثر من ثلث الأراضي الزراعية في غزة، وأكثر من خمس الدفيئات الزراعية، وثلث البنية التحتية للري – وكلها مصادر حيوية للغذاء. وصفت المؤسسة البحثية Forensic Architecture أن ما تقوم به إسرائيل من "تدمير الأراضي الزراعية والبنية التحتية في غزة هو عمل متعمد من أعمال الإبادة البيئية". وقد دمر الجنود مساحات شاسعة من تلك الأراضي باستخدام جرافات D9 والمتفجرات لتوسيع "المنطقة العازلة" على جانب غزة من الحدود من ثلاثمائة متر إلى ما يقدر بثمانمائة متر، مما أدى إلى تقليص مساحة القطاع بنسبة 16٪. كما ألحقت القوات البحرية الإسرائيلية أضرارا أو دمرت نحو 70 بالمئة من سفن الصيد في غزة. وبسبب الجوع، لا يزال عدد قليل من الصيادين يخرجون إلى البحر في قوارب صغيرة (ما يعرف باسم اللنش)، مخاطرين بحياتهم بسبب وجود القوات البحرية الاسرائيلية. وبعضهم، كما ذكرت نقابة الصيادين في غزة، تعرضوا للهجوم والقتل.
تأثير هذه الإجراءات واضح. فمنذ كانون الأول، حذرت وكالات الإغاثة من أن سكان غزة معرضون لخطر المجاعة، وهو الشكل الأكثر كارثية لانعدام الأمن الغذائي بحسب نظام التصنيف المرحلي للأمن الغذائي (IPC). في تقرير مدعوم من الأمم المتحدة نشر في 18 آذار، قدمت لجنة من الخبراء تنبؤاً مروعا. وأفادوا بأن "المجاعة متوقعة ووشيكة الآن" بالنسبة لـ 70٪ من سكان شمال غزة – أي نحو 210,000 شخص - و "من المتوقع أن تصبح واضحة" بحلول شهر آيار. وقال سكان يعيشون في شمال غزة بإن الناس هناك يطحنون الحبوب المستخدمة كعلف ويحولونها إلى دقيق، وعندما نفد العلف، السكان يطعمون أطفالهم العشب.
https://www.madarcenter.org/27e83890-4e25-497f-b73e-64155f9c0ec9" alt="A group of people reaching out to a group of pots Description automatically generated" width="468" height="349" />
وفقا لليونيسيف، ينتشر سوء التغذية بين الأطفال بسرعة ويصل إلى مستويات غير مسبوقة. حتى 15 آذار، يعاني واحد من كل ثلاثة أطفال دون سن الثانية في شمال غزة، من سوء التغذية الحاد. وتفيد التقارير بأن ما لا يقل عن سبعة وعشرين طفلا استشهدوا من الجوع. وفي الشهر الماضي، وجدت عمليات فحص التغذية التي أجرتها اليونيسف ومنظمات أخرى، على حد تعبير المنظمة، أن 4.5 بالمائة من الأطفال في الملاجئ والمراكز الصحية [في شمال غزة] يعانون من الهزال الشديد، وهو أكثر أشكال سوء التغذية تهديدا للحياة، مما يعرض الأطفال لخطر المضاعفات الطبية والوفاة ما لم يتلقوا تغذية وعلاجا بشكل عاجل. لكن بسبب الهجمات الإسرائيلية، لم يعد هذا العلاج متاحا في غزة. وأضافت اليونيسف أنه في الشهر الذي سبق صدور التقرير، "ارتفع معدل انتشار سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة في الشمال من 13٪ إلى 25٪".
في آذار، وجدت الفحوصات التي أجرتها المنظمة في المنطقة الوسطى من القطاع أن 28٪ من الأطفال دون سن الثانية يعانون من سوء التغذية الحاد. من ضمن هذه المجموعة، أكثر من 10٪ لديهم هزال شديد. في رفح، وهي "منطقة آمنة" حددتها اسرائيل على الحدود الجنوبية حيث تمكن العمال من تقديم المزيد من المساعدات، أظهرت عمليات الفحص أن عدد الأطفال دون سن الثانية الذين يعانون من سوء التغذية الحاد تضاعف من 5٪ في كانون الثاني إلى نحو 10٪ بحلول نهاية شباط (وعلى الرغم من وضعها الاسمي كمنطقة آمنة، تعرضت رفح نفسها للقصف المتكرر). ومن بين المجموعة نفسها، ارتفع معدل الهزال الشديد أربعة أضعاف خلال الشهر الماضي، ليصل إلى أكثر من 4٪.
كما ارتفع سوء التغذية بين النساء الحوامل والمرضعات ارتفاعا حادا. اعتبارا من شباط 2024، تواجه 95٪ من هؤلاء النساء فقراً غذائياً حاداً. ولأن الأمهات اللاتي يعانين من سوء التغذية غير قادرات على إنتاج ما يكفي من الحليب للرضاعة الطبيعية، يجب أن يعتمد المزيد من الرضع على الحليب الاصطناعي للبقاء على قيد الحياة. لكن الحليب الصناعي يتطلب مياها آمنة ونظيفة، وهو أمر غير متوفر لمعظم الأمهات - مما يزيد بدوره من خطر الإصابة بالعدوى وسوء التغذية.
كل هذه المعاناة من صنع الإنسان، وهي نتيجة مباشرة للحرب الإسرائيلية التي لا هوادة فيها. مثل معظم المجاعات، فهي أيضا نتاج تاريخ طويل. منذ العام 1967، عندما احتلت إسرائيل قطاع غزة أول مرة، سيطرت على سلة الغذاء الفلسطينية، وهندست المدخول الغذائي لسكانها واستخدمت الغذاء كسلاح لإدارة السكان. على مدى عقود، وبشكل منهجي، ألحقت إسرائيل الضرر بقدرة القطاع على إنتاج المواد الغذائية الخاصة به، مما قلل من قدرته على الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والغذاء. إن فهم هذه السياسات طويلة الأمد أمر بالغ الأهمية لفهم المجاعة التي تتكشف في غزة الآن.
قطاع غزة هو منطقة مسطحة وضيقة تمتد نحو 41 كيلومتر على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط. عندما احتلتها إسرائيل عام 1967، عاش فيها ما لا يقل عن 385,000 فلسطيني، نحو 70٪ منهم لاجئون فروا أو طردوا من منازلهم خلال نكبة عام 1948. وكما كتب نيف غوردون [الذي يشارك في كتابة هذا النص] في دراسة من العام 2008، فإن إسرائيل على الفور "سيطرت على جميع المرافق الرئيسة، مثل المياه والكهرباء، واستولت على أنظمة الرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية والقضاء والتعليم". كما أدخلت مجموعة متنوعة من آليات المراقبة لإدارة السكان الذين تم احتلالهم عام 1967. أحصت السلطات الإسرائيلية أجهزة التلفزيون والثلاجات ومواقد الغاز، والمواشي، والبساتين، والجرارات. وقامت بتفتيش الكتب المدرسية والروايات والصحف ومراقبتها في كثير من الأحيان؛ وأجرت جرداً مفصلاً لمصانع الأثاث والصابون والمنسوجات ومنتجات الزيتون والحلويات؛ واستخدمت صور الأقمار الصناعية والصور الجوية لمراقبة بناء المنازل والمباني العامة والشركات الخاصة؛ وجمعت البيانات الديمغرافية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك البيانات الحضرية وقارنتها بالمناطق الريفية وأحصت اللاجئين مقابل أولئك المقيمين الدائمين. لقد دققوا في معدل وفيات الرضع، ومعدل نمو السكان، ومستويات الفقر، ودخل الفرد، وحجم القوى العاملة وتركيبتها: العمر والجنس ومجال المهنة. كما أولوا اهتماما وثيقا لحجم الصناعة ونوعها في الأراضي المحتلة، وكذلك مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، وأنواع المحاصيل المزروعة، وعدد الماشية والدواجن. ولترسيخ سيطرتها، تتبعت إسرائيل أيضا معدل الاستهلاك الخاص والقيمة الغذائية للسلة الغذائية الفلسطينية.
توضح التقارير الرسمية سرعة وكثافة المراقبة التي يخضع لها المجتمع الفلسطيني من قبل إسرائيل. ومن اللافت للنظر أنها تظهر أنه في أواخر ستينيات وسبعينيات القرن العشرين حاولت الحكومة العسكرية زيادة نصيب الفرد في قطاع غزة من المدخول الغذائي. في إحدى الدراسات، تفاخرت وزارة الزراعة الإسرائيلية بأن سلسلة من التدخلات، بما في ذلك برامج التدريب المهني للمزارعين، قد رفعت نصيب الفرد من استهلاك الفلسطيني العادي في غزة من 2,430 سعرة حرارية في اليوم في العام 1966 إلى 2,719 سعرة حرارية في العام 1973. ويشير تقرير آخر إلى أنه في العام 1968 ساعدت إسرائيل الفلسطينيين في القطاع على زراعة نحو 618,000 شجرة وزودت المزارعين بأصناف محسنة من بذور الخضروات والمحاصيل الحقلية. وخلافا لتقرير وزارة الزراعة، فإن المحفز الرئيس لتحسين مستوى معيشة السكان لم يكن دعاية خيرة من قبل قوات احتلال، بل أتى من التحويلات المالية التي تدفقت إلى اقتصاد غزة منذ أوائل عام 1970، بعد أن أدرجت إسرائيل أكثر من 30٪ من عمال القطاع في قطاعي البناء والزراعة داخل إسرائيل مستغلة عمالتهم الرخيصة.
يوضح أرشيف الدولة الإسرائيلي أن هذه المبادرات تهدف إلى تطبيع الاحتلال واسترضاء السكان. في العام 1973، كان العديد من اللاجئين في غزة لا يزالون يعيشون في مخيمات في ظل ظروف مزرية. في ذلك العام، اقترح موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، نقلهم إلى "مدن جديدة، في شقق بها مياه في الحنفيات، وتوفّر التعليم والخدمات للأطفال". وكان الدافع الأساسي لهذه المبادرة دافعاً استراتيجياً [يتعلق بإدارة السكان] وليس دافعاً انسانياً. وأوضح أنه "طالما بقي اللاجئون في مخيماتهم، سيقول أطفالهم إن أصلهم من يافا أو حيفا. وإذا خرجوا من المخيمات، فإن الأمل هو أن يشعروا بالارتباط بأرضهم الجديدة".
بدأت إسرائيل في عكس هذه السياسات بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في كانون الأول 1987. في السنوات التي تلت ذلك، أصبح الحد من القيمة الغذائية وخلق انعدام الأمن الغذائي بين الفلسطينيين في غزة أمرا محوريا في استراتيجية الدولة لمكافحة التمرد. وكانت التغييرات على أرض الواقع تدريجية. في العام 1989 فرضت إسرائيل رقابة أكثر صرامة على تدفق العمال من غزة من خلال إصدار بطاقات ممغنطة تحتوي على معلومات مشفرة حول "الخلفية الأمنية" للعامل، والضرائب، وفواتير الكهرباء، والمياه. بعد فترة وجيزة، خلال حرب الخليج الأولى، فرضت ما تسميه الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إغلاقا "محكما" على القطاع، مما زاد من تقييد حركة الأشخاص والبضائع. وفي العام 1994، بين توقيع اتفاقات أوسلو الأولى والثانية، بدأت ببناء سياج بطول اثنين وثلاثين ميلا وطريق دوريات حول المنطقة. ومنذ ذلك الحين، ربطت خمسة معابر فقط بين إسرائيل وقطاع غزة، اثنان منها يعملان في اتجاه واحد فقط، مما يسمح بدخول البضائع والأشخاص من إسرائيل إلى غزة. ويربط معبر سادس – معبر رفح – غزة بمصر. طوال تسعينيات القرن العشرين فُرضت قيود على عدد العمال الذين يمكنهم دخول إسرائيل وكمية البضائع التي يمكن أن تدخل غزة ونوعها. وكان هذا أيضا عندما تم تحويل الخط الأخضر، وهو الحدود المعترف بها دوليا بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، من حدود "مفتوحة عادة" إلى حدود "مغلقة عادة".
https://www.madarcenter.org/e7591151-a292-452b-990b-339075daaaf4" alt="Women sitting in a market Description automatically generated with medium confidence" width="468" height="303" />
في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أيلول 2000، قلبت إسرائيل كلياً السياسات التي نفذتها في أواخر ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. كجزء من جهوده لقمع المقاومة، دمر الجيش المزارع، ودمر أكثر من 10٪ من الأراضي الزراعية في غزة، واقتلع أكثر من 226,000 شجرة. وفي ذلك الوقت تقريبا، عززت أيضا سيطرتها على الجو والبحر في غزة، وقصفت المطار الذي بني في العام 1998 كجزء من اتفاقات أوسلو، وفي العام 2002، دمرت ميناءً بحريا كان تحالف هولندي-فرنسي يعمل على بنائه كجزء من الاتفاقات التي تم التوصل إليها في مذكرة شرم الشيخ عام 1999. كما قيدت إسرائيل المناطق التي يمكن للفلسطينيين الصيد فيها في مساحة صغيرة جدا من البحر قبالة الساحل، مما وجه ضربة رهيبة لأحد أعمدة النظام الغذائي في غزة. وأدت هذه الممارسات، مقترنة بقيود أشد من أي وقت مضى على حركة الأشخاص والبضائع، إلى انعدام كبير للأمن الغذائي. في العام 2002، ذكرت كلير داير (Clare Dyer)، التي تكتب للمجلة الطبية البريطانية، أن عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في غزة قد تضاعف في غضون عامين.
وفي الوقت نفسه، بدأ رئيس الوزراء أرييل شارون يدرك أنه لم يعد من الممكن نشر مئات الجنود الإسرائيليين لتأمين ثمانية آلاف مستوطن يهودي في القطاع. كما اعتقد أنه من خلال تنفيذ "خطة فك الارتباط" أحادية الجانب يمكن لإسرائيل أن تقدم نفسها على أنها قد أنهت احتلال غزة. وهذا بدوره سيساعد على فصل غزة عن الضفة الغربية في المخيلة العامة ويسمح لإسرائيل بتحصين مستوطناتها في الضفة الغربية. في العام 2005 قامت الحكومة الإسرائيلية بتفكيك المستوطنات غير القانونية في غزة وإعادة نشر قواتها على الحدود. وفي الوقت نفسه، كثفت سيطرتها على القطاع عن بعد، وبنت قواعد عسكرية خارج القطاع، ونصبت مدافع رشاشة يتم التحكم فيها عن بعد على أبراج المراقبة، وزادت من استخدام الطائرات بدون طيار، وأنشأت منطقة عازلة بعرض 150 إلى 500 متر تلتهم الأراضي الزراعية وتفرض على المزارعين أن يقتصروا على المحاصيل الورقية القصيرة مثل السبانخ، الفجل والخس، على الأرجح لتمكين الجنود الإسرائيليين من مراقبة ما يكمن وراء هذه المحاصيل.
في هذا الوقت تقريبا، بدأت إسرائيل في وضع قوائم بالمنتجات التي لا يمكن إدخالها إلى غزة، وفرضت قيودا صارمة على السلع التجارية والإنسانية. في العام 2006، عندما سلط المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومنظمات أخرى من غزة الضوء على كيف تسببت الإجراءات الإسرائيلية في نقص الدقيق وحليب الأطفال والأدوية، أوضح دوف ويسغلاس (Dov Weisglass)، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي، سياسة الحكومة قائلا: الفكرة هي وضع الفلسطينيين على نظام حمية غذائية، لا جعلهم يموتون من الجوع. وحتى مع زيادة هذه القيود من الفقر وانعدام الأمن الغذائي، أعفت الحكومة الإسرائيلية نفسها من كل مسؤولية. وتماشيا مع صياغة "خطة فك الارتباط" الإسرائيلية أحادية الجانب - التي تشير أنه بعد انسحاب قواتها "لن يكون هناك أساس للادعاء بأن قطاع غزة أرض محتلة" - أكد المدعي العام للدولة أن إسرائيل لم تعد تتحمل أي واجبات كقوة احتلال.
وفي الواقع، استمرت إسرائيل بممارسة الاحتلال، ولكن من خلال تشديد مراقبة الحدود. في أعقاب استيلاء حماس على قطاع غزة، وكجزء من مبادئه التوجيهية بشأن تنفيذ الحصار، أصدر مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي تعليمات للجيش والأجهزة الإسرائيلية الأخرى "بتقليص إمدادات الوقود والكهرباء" وعدم السماح بدخول سوى السلع الضرورية للبقاء على قيد الحياة.
بالكاد أخفت إسرائيل جهودها لهندسة سوء التغذية في غزة. وكتبت سارة روي (Sara Roy) في كانون الأول الماضي عن برقية مرسلة من السفارة الأميركية في تل أبيب إلى وزير الخارجية الأميركية في 3 تشرين الثاني 2008: "كجزء من خطتهم الشاملة للحصار على غزة"، كما تلاحظ، "أكد المسؤولون الإسرائيليون لـ [مسؤولي السفارة] في مناسبات متعددة أنهم يعتزمون إبقاء اقتصاد غزة على حافة الانهيار دون دفعه إلى حافة الهاوية". ولم يسمح بدخول سوى الأنواع الأساسية من السلع، ولا سيما المعدات الطبية والأدوية والمنتجات الصحية والغذائية الأساسية. وشملت الأطعمة المحظورة الشوكولاتة والكزبرة وزيت الزيتون والعسل وبعض الفواكه - والتي وصفتها إسرائيل بأنها "سلع فاخرة". تم تحديد حصة اللحوم الطازجة لجميع السكان بثلاثمائة عجل في الأسبوع.
وفي العام 2008، قدمت شركة للصناعة والتجارة في غزة التماسا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية للطعن في هذه القيود. ورد المدعي العام بأن الحكومة حسبت أن سكان غزة يحتاجون إلى ثلاثمائة عجل في الأسبوع لتلبية احتياجاتهم الإنسانية. وتمشيا مع تقاليدها في مسائل حقوق الإنسان الفلسطينية الأساسية، رفضت المحكمة التدخل.
بعد فترة وجيزة، بدأت منظمة "چيشاه/ مسلك" الحقوقية – التي كانت منى حداد [التي تشارك في كتابة هذا النص] تعمل معها كمحامية – ما أصبح معركة قانونية استمرت ثلاث سنوات ونصف لرفع السرية عن السجلات التي تظهر أن إسرائيل ابتكرت مجموعة من الصيغ الرياضية لتحديد كمية الطعام وأنواعه المسموح بدخولها إلى غزة. في العام 2012 أصدرت وزارة الدفاع وثيقة تستند إلى نموذج أعده موظفون في وزارة الصحة، يسمى "استهلاك الغذاء في قطاع غزة - الخطوط الحمراء". ويشمل على جداول ورسوم بيانية حول الاستهلاك الغذائي اليومي حسب الجنس والعمر ويتم احتساب الحد الأدنى من السعرات الحرارية التي من شأنها أن تسمح "بالتغذية الكافية على حد الكفاف دون تطور سوء التغذية".
افترضت الوثيقة أن الفلسطينيين في غزة لن يكونوا قادرين على استيراد سوى كميات محدودة من "المواد الغذائية الأساسية"، مثل الدقيق والأرز والزيت والفواكه والخضروات واللحوم والأسماك والحليب المجفف وحليب الأطفال، والتي حسبت إسرائيل أنه يمكن تسليمها بسبع وسبعين شاحنة في اليوم. وبإضافة الأدوية والمعدات الطبية ومنتجات النظافة والمنتجات الزراعية، بلغ عدد الشاحنات المسموح بدخولها يوميا، خمسة أيام في الأسبوع، 106 شاحنات – بالإضافة إلى ستين شاحنة محملة بالقمح أسبوعيا عبر حزام ناقل عند "معبر كارني"، ليصل إجمالي عدد الشاحنات المسموح بها 118 شاحنة يوميا. واعتبرت هذه الحسابات أن المواد الغذائية التي تدخل غزة ستوزع بالتساوي بين السكان، وهو افتراض لم يسبق له مثيل في أي مكان تاريخي أو جغرافي. وافترضت إسرائيل أيضا أن 10٪ فقط من الاحتياجات الغذائية للسكان سيتم تلبيتها من الفواكه والخضروات المنتجة في غزة - وهو اعتراف ضمني بمدى سيطرة إسرائيل على شرايين الحياة للفلسطينيين.
https://www.madarcenter.org/3418b635-a767-4240-b7fe-4b600360912c" alt="A table with numbers and a number of people Description automatically generated" width="468" height="274" />
استندت هذه الحسابات إلى ما يمكن تسميته بـ "الفترات العادية". ومع ذلك، في سلسلة الحروب على قطاع غزة- وكانت هناك خمسة حروب منذ العام 2008 - خفضت إسرائيل "الحد الأدنى" بشكل كبير، مما أدى إلى ارتفاع حاد في سوء التغذية. بعد أكثر من أسبوعين من حرب 2008-2009، ذكرت هيومن رايتس ووتش أن "المخابز لم تتلق دقيق القمح منذ بداية العملية البرية الإسرائيلية، وأن تسعة فقط من أصل سبعة وأربعين مخبزا في غزة كانت تعمل". في آب من ذلك العام، وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن ما يقرب من 75 بالمائة من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وأشار إلى أن الأسباب الرئيسة هي "زيادة الفقر وتدمير الأصول الزراعية والتضخم في أسعار المواد الغذائية الرئيسة". هذه الحرب، التي تفاقمت بسبب الحصار الإسرائيلي، عجلت "بتحول تدريجي" في النظام الغذائي لسكان غزة، من الأطعمة الغنية بالبروتين إلى الأطعمة منخفضة التكلفة والغنية بالكربوهيدرات، "التي يمكن أن تؤدي إلى نقص المغذيات الدقيقة، وخاصة بين الأطفال والنساء الحوامل".
في العام 2010، قامت سفينة "مافي مرمرة" – المشاركة في اسطول الحرية والتي كانت تحمل 10,000 طن من المساعدات – بتحدي الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة. وفي 31 أيار، هاجمت القوات الإسرائيلية السفينة وقتلت عشرة من النشطاء الذين كانوا على متنها، مما أثار غضبا واسع النطاق. بعد أسابيع عدة، وبمحاولة تحسين صورتهم امام العالم، أصدر المجلس الوزاري الأمني الاسرائيلي خطة لتخفيف القيود المفروضة على السلع المدنية التي يمكن أن تدخل غزة. منذ ذلك الحين يسمح بإدخال مواد مثل الكاتشب والشوكولاتة ولعب الأطفال، لكن السلطات لا تزال تحظر الآلاف من المواد التي تعرفها انها "ذات الاستخدام المزدوج" أي التي يمكن استخدامها لأغراض مدنية وعسكرية. هذه القائمة واسعة وغامضة، وتشمل مواد أساسية مثل خلاطات الأسمنت، والمواد اللازمة لإصلاح قوارب الصيد، والأسمدة، والحاويات البلاستيكية للنباتات، ومضخات لسقيها. كما تتضمن المواد اللازمة لضمان جودة البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، والتي تحتاج إلى إصلاح بعد كل جولة من الهجمات الإسرائيلية على القطاع. في تشرين الأول/أكتوبر 2021، حذر المعهد العالمي للمياه والبيئة والصحة والمرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من أن سكان القطاع بالكاد يحصلون على المياه النظيفة: من الثابت الآن أن 97٪ من مياه غزة أصبحت ملوثة. ويزداد الوضع سوءا بسبب أزمة الكهرباء الحادة التي تخنق تشغيل آبار المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، مما يؤدي إلى تصريف نحو 80 بالمائة من مياه الصرف الصحي غير المعالجة في غزة في البحر بينما يتسرب 20 بالمائة إلى المياه الجوفية. وتابعوا أن سكان غزة "محبوسون في حي فقير سام منذ الولادة وحتى الموت... أجبروا على مشاهدة التسمم البطيء لأطفالهم وأحبائهم بسبب المياه التي يشربونها وربما التربة التي يمشون عليها ويزرعونها".
وبعبارة أخرى، قبل الحرب الحالية بوقت طويل، جعلت إسرائيل غالبية سكان غزة معدمين ويعانون من نقص التغذية. كان الأطفال حديثو الولادة أكثر عرضة للوفاة بسبع مرات مما لو كانوا قد ولدوا على بعد ساعة بالسيارة في بئر السبع أو تل أبيب. في العام 2021، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في غزة نحو 1,050 دولارا، مقارنة بـ 52,130 دولارا في إسرائيل. ليس من المستغرب إذن أن تقوم الأونروا في العام 2022 بتزويد الغذاء لأكثر من 1,139,000 لاجئ في غزة - أي أربعة عشر مرة أكثر مما كانت عليه في العام 2000. وفي كانون الأول من ذلك العام، أفادت الأونروا أن 81٪ من اللاجئين في القطاع يعيشون تحت خط الفقر. كما أشارت إلى أن 85٪ من الأسر اشترت بقايا الطعام من السوق و59٪ طلبت المساعدة أو اضطرت إلى استعارة الطعام من الأقارب. أكثر من ثلاثة أرباع الأسر كانت تقلل من عدد الوجبات التي تتناولها كل يوم وكمية الطعام في كل وجبة.
منذ بداية الحرب الحالية، ربما كان لإسرائيل مصلحة في إيصال المساعدات إلى الفلسطينيين، حتى لو كان ذلك فقط لإخفاء العنف الذي يرتكبه جيشها. وبدلا من ذلك، ومع تسارع أزمة الغذاء في غزة، أطلقت الحكومة حملة ممنهجة للقضاء على الأونروا. وبالفعل في كانون الثاني، كما أفاد أمجد العراقي مؤخرا، كانت اللجنة الفرعية للسياسة الخارجية والدبلوماسية العامة في الكنيست تناقش كيفية التعامل مع الوكالة. ويستشهد بباحثة في منتدى كوهيليت للسياسات تدعى نوغا أربيل: "سيكون من المستحيل كسب الحرب إذا لم ندمر الأونروا، ويجب أن يبدأ هذا التدمير على الفور".
واتهمت إسرائيل اثني عشر موظفا من موظفي الأونروا بالتورط المباشر في هجمات 7 تشرين الأول وأكثر من ألف من التورط الغامض مع حماس أو الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وطلبت على الفور من جميع الحكومات الأجنبية وقف تمويل الوكالة. مع وجود 13,000 عامل في غزة، تعد الأونروا ثاني أكبر مُشغل في القطاع، بعد حكومة حماس. فهي لا تقدم الخدمات لأكثر من 1.78 مليون لاجئ مسجل فحسب، بل "تضخ 600 مليون دولار سنويا في اقتصاد القطاع البالغ 2 مليار دولار من خلال الرواتب والمشتريات والمساعدات الغذائية والبناء وغيرها من الأنشطة"، كما كتبت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير نشر قبل شهر من اندلاع الحرب:
وإذا اختفت كل من خدمات الأونروا ووظائفها، واختفت معها القوة الشرائية التي تجلبها، فإن التأثير سوف يكون واضحا في جميع أنحاء المجتمع الغزي. سيفقد الكثيرون سبل عيشهم، مما يعجل بانهيار الشركات الصغيرة ويحد من البناء الجديد. وسيترك اللاجئون دون رعاية صحية أولية ويترك أطفالهم دون تعليم. هذه ليست سوى الآثار الأكثر وضوحا.
والحالة الراهنة أكثر خطورة بكثير. ومنذ تشرين الأول، تعيش شرائح كبيرة من سكان غزة في مدارس الأونروا وعياداتها ومبانيها الأخرى، وتعتمد على الوكالة ليس فقط لكسب العيش، بل للحصول على الغذاء والمأوى للبقاء على قيد الحياة. وقال الاتحاد الأوروبي مؤخرا إنه لم يتلق أدلة ملموسة من إسرائيل لدعم اتهاماتها ضد موظفي الأونروا، لكن الميزانية الأميركية الجديدة لن تتضمن تمويلاً للوكالة في العام المقبل.
وفي الوقت نفسه، في 24 آذار، أفاد لازاريني أن السلطات الإسرائيلية أبلغت الأونروا "أنها لن توافق بعد الآن على أي قوافل غذائية تابعة للأونروا إلى الشمال". وفي مقابلة مع قناة الجزيرة، شدد سام روز، مدير التخطيط في الوكالة، على أن القرار سيكون له آثار "دراماتيكية": "ببساطة سيموت المزيد من الناس". وكأن هذا لم يكن كافيا، فقد أخذ المتظاهرون الإسرائيليون بقيادة مستوطنين من الضفة الغربية على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، ومن الواضح أنهم غير راضين عن الدمار الذي أحدثته إسرائيل بالفعل، على عاتقهم منع تسليم المساعدات عند معبر كرم أبو سالم. مع كل تطور جديد، لا يسع المرء إلا أن يتساءل عما تنوي إسرائيل القيام به لإبادة سكان غزة وجعل تعافي المنطقة أمراً مستحيلا.
ترجمة عن مجلة نيويورك ريفيو (New York Review of Books) وهي مجلة فكرية تصدر باللغة الانجليزية.
* نيف غوردون هو مؤلف كتاب "الاحتلال الإسرائيلي" والمؤلف المشارك مع نيكولا بيروجيني لكتاب "الدروع البشرية: تاريخ الناس في خط النار"، وكلاهما نشرته جامعة كاليفورنيا.
** منى حداد محامية فلسطينية في مجال حقوق الإنسان ومرشحة لنيل درجة الدكتوراه في كلية الحقوق في جامعة كوين ماري في لندن. (آذار 2024)