ما إن انتهت جولة القتال الأخيرة، وصمتت المدافع، حتى بدأت حرب من نوع آخر بين طرفين إسرائيليين أساسيين هما وزارة المالية ووزارة الدفاع حول كلفة هذه الجولة وكيفية سداد فاتورتها الاقتصادية، وهو ما يثير الى جانب الأسئلة الاقتصادية والمادية، أسئلة أخلاقية وسياسية تتعلق بجدوى جولات القتال المتكررة دون أفق سياسي، في ظل عدم الحسم من جهة، وتكبد المواطن العادي من جيبه تكاليف هذه الجولات التي تترجم على شكل ضرائب وارتفاع في الأسعار.
بشكل ملح واستثنائي، اجتمع الحزبان المتدينان التابعين للحريديم، شاس (للحريديم الشرقيين بزعامة آرييه درعي) ويهدوت هتوراة (للحريديم الغربيين بزعامة موشيه غفني ويعقوب ليتسمان)، يوم الثلاثاء الموافق 8 حزيران، مع اقتراب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة. وكانت هناك على طاولة النقاش قضية واحدة اتفق الطرفان على أنها كارثة جديدة حلت بالمجتمع الحريدي، ومن شأنها أن تدنس يهودية إسرائيل وتنهي حالة "الوضع القائم" الذي نجح بالحفاظ على توازن بين الدين والدولة طيلة 73 عاما. باختصار، يرى الحريديم أن الائتلاف الحكومي الجديد "سيلقي بتوراة إسرائيل وقيمها إلى سلة المهملات"، كما يقول ليتسمان (أحد زعماء يهدوت هتوراة). فقضايا حساسة دينيا مثل التهويد، المدارس الدينية، عالم التوراة، قدسية السبت، "حائط المبكى"، وغيرها ستواجه تهديدات عظمى في حكومة مشكلة من "أعداء الدين" من أمثال كل من يائير لبيد، وأفيغدور ليبرمان، ونفتالي بينيت.
يمكن لكل من ينشط داخل المجتمعات اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية اليوم، رؤية مدى غياب كلمة صهيونية من الخطاب الدائر. و"الصهيونية الأميركية" بوصفها رؤية بلورها أشخاص عظماء مثل لويس براندز، قاضي المحكمة العليا اليهودي الأول. وقد هدفت إلى الربط بين الهويات: اليهودية، الصهيونية والأميركية. هذه الرؤية تكاد تختفي. في عهد ما بعد الحقيقة والخطاب المتقاطب، تقلص معنى "أن تكون صهيونيا" بنظر كثيرين من اليهود الأميركيين إلى الدعم الأعمى لسياسة الحكومة الإسرائيلية. ولذلك فإن منظمات يهودية في قلب الاجماع فضّلت على مدى السنين التنازل عن التشديد الصهيوني بهدف تضييق التوترات في صفوف المجتمع، ومنع هرب الشباب الذين باتوا
بغض النظر عن أي نتائج ناجزة، من المؤكد أنها لن تظهر إلا في المستقبل، سجلت القائمة العربية الموحدة تحت قيادة النائب منصور عباس سابقة خطرة بتوقيعها في الأيام الأخيرة اتفاقاً ينصّ على دخولها إلى الحكومة الإسرائيلية الأكثر هُجنةً التي توشك أن تتسلم مقاليد الحكم، في حال عدم ظهور عقبات تعرقل ذلك في آخر لحظة، وهي حكومة لا يجمعها جامع أكثر من هدف إطاحة بنيامين نتنياهو، ووضع حدّ لحكمه المستمر منذ العام 2009.
وتؤكد القائمة الموحدة أن دوافعها براغماتية، غير أن سلوكها ينطوي في العمق على تجاهل لخصوصية الفلسطينيين في إسرائيل حتى لدى التعامل معهم باعتبارهم أقلية، وهي خصوصية ناجمة عن كونهم أقلية وطن وليسوا أقلية مهاجرين، وعن كونهم جزءاً من الشعب الفلسطيني، والحل العادل لقضيتهم لا يمكن أن يكون سوى جزء من الحلّ الكليّ لقضية فلسطين.
الصفحة 227 من 883