في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" ثمة تركيز خاص على علاقة إسرائيل والأكثرية اليهودية فيها بالفلسطينيين في الداخل، وذلك بعد أن أعادتهم الهبّة الشعبية الفلسطينية المتدحرجة إلى صدارة الاهتمام مرة أخرى.
وهو تركيز نقوم به من زاويتين، مع العلم بأنه ممكن أيضاً من زوايا عديدة أخرى: الأولى، زاوية النظرة الإسرائيلية العامة حيالهم والتي لا تنفك ترى فيهم بمثابة عدو داخلي وطابور خامس ومثار قلق استراتيجي، ما يستلزم استمرار التعامل معهم بمقاربة أمنية فقط. والزاوية الثانية، هي التنائي عن الاستثمار في التربية على مناهضة العنصرية حيال الفلسطينيين والعرب عموماً، كما تثبت ذلك التقارير الإسرائيلية الرسمية على نحو دوري، بما يخدم تكريسها ضدهم كجنس بشري أدنى، غير مستحق لأي حقوق جماعية. وبموجب ما يقرّ به حتى عدد كبير من الباحثين الإسرائيليين فمن الخطأ الجسيم الاعتقاد بأن المؤشرات إلى تغلغل فكرة دمج فلسطينيي الداخل في الاقتصاد الإسرائيلي داخل صفوف جهات مسؤولة كثيرة بمن فيها بعض صناع القرار، من شأنها أن تنطوي على مؤشر إلى استبطان فكرة استحقاقهم حقوقا جماعية. وهذا ما يؤكده مثلا المقال الخاص المترجم في هذا العدد لأحد هؤلاء الباحثين.
من المتوقع أن يصوّت الكنيست هذا الأسبوع، أو في مطلع الأسبوع المقبل، على أول حكومة منذ 12 عاماً ليست برئاسة بنيامين نتنياهو، هذا إذا لم تتفجّر الاتفاقيات المبرمة قبل طلب الثقة من الهيئة العامة للكنيست؛ والحكومة الافتراضية ستكون برئاسة تناوبية بين زعيم حزب "يمينا" نفتالي بينيت، وزعيم حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، وهي لا أكثر من لملمة كتل برلمانية صغيرة، مليئة بالتناحرات السياسية والاجتماعية، تلاقت في ما بينها، على موقف رفض استمرار حكم نتنياهو، لا أكثر. وفي حين سيرى الجمهور الإسرائيلي أن الانتخابات الخامسة قد زالت عن جدول الأعمال، على الأقل لعدة أشهر أو أكثر، فإنه سيبدأ بالاصطدام أكثر مع واقع سوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار البضائع الاستهلاكية الأساسية، وبالتالي ارتفاع كلفة المعيشة ككل.
يمكن القول إن انتشار ظاهرة المنظمات والجمعيات العنصرية والمتطرفة- والعنصرية والتطرّف هنا موجّهان ضد كل ما هو عربي بشكل رئيس- هي سمة ملازمة للمشروع الصهيوني منذ بدايته، ولاحقاً، دولة إسرائيل، كاستمرار، وكأداة تنفيذ للمشروع. وهذه الظواهر يُمكن تفسيرها بسهولة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار البنية الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية لهذه الدولة وجوهرها الذي يُسهم في إطلاق العنان لهذه المنظّمات، بل وشرعنتها في أغلب الأحيان، كونها لا تختلف معها من حيث الجوهر، وإن وِجدت بعض الاختلافات على صعيد الممارسات والسلوكيات. وفي سياق الحديث عن منظمة "لافاميليا"- كمنظّمة يمينية عنصرية متطرّفة- لا يجوز لنا إغفال حقيقة أن انتشار المنظمات والجمعيات اليمينية والاستيطانية، وكذلك المنظمات التي تعمل في مجالات الحياة المختلفة، هي سمة غالبة للسنوات الأخيرة، خصوصاً بعد هيمنة اليمين الصهيوني بكل ما يتضمّنه من قيم وممارسات وأدوات خطابية، على نظام الحكم، والذي يسعى بشكل مسعور للهيمنة على كل قطاعات المجتمع الإسرائيلي الأخرى، في إطار سعيه لإعادة كتابة تاريخ دولة إسرائيل بعد عقود طويلة من "الإقصاء" والغياب، وهو الأمر الذي نجد ترجمته العملية في العداء الشديد لكل ما هو عربي، أو لكل ما هو "آخر" بالمفهوم الصهيوني.
تتكرّر الفرص وتحتشد تقاطعات الأحداث التي يندلع فيها مشهد العنصريّة المستحكمة في مفاصل المؤسسة والمجتمع الإسرائيليين. أخرج العدوان الأخير على قطاع غزة هذه الصور القاتمة، التي تذكّر بفترات موازية كان المجرم الراهن ضحيّة سابقة فيها، تعود لأواسط القرن الماضي وسط قارة أوروبا. هذه العنصرية الضاجّة الزاعقة، قولا وفعلا، في شكل عنف تنفذه قوى بوليسية مؤسسيّة وأخرى يمينية استيطانية منظّمة في الحيّز العام، تضاف الى العنصرية المتفشية، ولكن "بصمت"، وتمتد من إقصاء لمواطنين فقط لكونهم عرباً باسم يهوديّة الدولة، وما يترتب على ذلك من خلق مكانتين مدنيّتين في جميع قطاعات الحياة: مواطنون كاملون بكونهم يهوداً، ومواطنون أقلّ مواطنة لأنهم عرب.
الصفحة 229 من 883