تزداد في الآونة الأخيرة المؤشرات التي تفيد بأن إسرائيل تعتبر من إحدى الدول الأكثر غلاء في العالم، ما يفاقم الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها الشرائح الفقيرة بالأساس. ولعل أخيرها هو مؤشر معهد "بانلز بوليتيكس" الذي نستعرضه في مكان آخر (راجع مقال هشام نفاع)، وقد بيّن، من ضمن أمور أخرى، أن غلاء المعيشة يشكّل أحد أبرز مصادر القلق لدى الإسرائيليين بل وحتى أكثر من مترتبات الصراع مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ 1967 وفي مقدمها ما يوصف بـ"عمليات الإرهاب"!
يأتي الشهر العبري المسمى "تشري" من كل عام خلال شهري أيلول وتشرين الأول الميلاديين، وتحل خلال هذا الشهر ثلاثة أعياد اليهودية هي: رأس السنة العبرية، ويوم الغفران، وعيد العرش. خلال هذه الأعياد، يُفرض إغلاق كامل على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. والإغلاق، أو ما يسمى بالعبرية "سيغر"، هو إجراء عسكري يستند إلى مسوغات "قانونية" و"إدارية" و"إجرائية" تفرضه البنية العسكرية للاحتلال في حالات عدة، أهمها: 1) الأعياد اليهودية؛ 2) تصاعد أعمال المقاومة وتحولها إلى مقاومة شعبية مسلحة كما حدث في الانتفاضة الثانية؛ 3) في ظل الكوارث الطبيعية مثل تفشي وباء كورونا. وربما هذه هي الفرصة المناسبة لشرح مفهوم "الإغلاق"، والبنية التحتية والقانونية والبيروقراطية التي يستند إليها.
يكاد لا يخلو أي نقاش في سياق الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة التي ستجري يوم 1 تشرين الثاني المقبل، من قضية الغلاء ورفع الأسعار، وأثرها على أنماط تصويت المواطنين المرتقبة، وعلى المسؤولين عنها في الحكومات السابقة والحكومة الحالية، وتزايد التململ وربما النقمة في صفوف المجتمع على تكاليف الحياة الباهظة، إذ تؤكد دراسات إحصائية دولية إن أسعار شتى السلع الاستهلاكية في إسرائيل هي بين الأغلى على مستوى العالم كله. فبين أبرز المحادثات التي يجريها العائدون من رحلات في الخارج هي تلك التي تروح تعدّد الفروق في الأسعار، ابتداء بالمقهى والمطعم والمواصلات العامة، مروراً بالملابس واللوازم البيتية والشخصية، وحتى الأدوات الكهربائية والرقمية.
يصادف هذه الأيام مرور عقد على حدثين ليس مبالغة القول إنهما أثّرا في المصير الذي آلت إليه المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية في الوقت الحالي. الحدث الأول هو محاولة مجلس التعليم العالي إغلاق "قسم السياسة والحكم" في جامعة بن غوريون في بئر السبع، والتي باءت بالفشل في نهاية المطاف. والحدث الثاني هو تحويل المركز الأكاديمي في مستوطنة أريئيل إلى جامعة إسرائيلية معترفٍ بها على الرغم من كونها قائمة في أرض محتلة (الضفة الغربية) بموجب القانون الدولي.
الصفحة 122 من 859