ظهرت إلى السطح في الأيام الأخيرة قضيتان من القضايا الداخلية الأكثر إلحاحا التي تواجهها إسرائيل: أزمة الاختناقات المرورية، الناجمة عن تأخر تنفيذ مشاريع بنيوية كبيرة، بالتزامن مع تدفق المركبات بوتيرة عالية، تفوق طاقة الشوارع، خاصة في السنوات الست الأخيرة. والثانية، هي قضية إنتاج الكهرباء على صعيدين: الأول خطر أن تواجه إسرائيل نقصا في الكهرباء في السنوات القليلة المقبلة، والثانية هي عملية الانتقال بوتيرة أسرع نحو الطاقة المتجددة.
بتاريخ 6 أيلول 2022 انتُخب شلومو نئمان رئيسا جديدا لـ"مجلس المستوطنات" (أو ما يسمى بالعبرية "مجلس يشع"). و"مجلس المستوطنات" هذا هو جمعية عامة تمثل كل المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة (حتى بعد الانسحاب منه)، وتمثل مصالح كل الإسرائيليين المقيمين في الأرض المحتلة منذ العام 1967، وتشكل جسماً ضاغطاً أو استشارياً أمام الحكومة الإسرائيلية، وتضطلع بكل المهمات المتعلقة بتوسيع الاستيطان، ومساعي فرض السيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. سيتم في الشق الأول من هذه المقالة، التركيز على مجلس "يشع"، لمعرفة تنظيمه الداخلي، مهماته، وأساليب علمه، ومصادر تمويله. والقسم الثاني سيعرض بإيجاز بروفايل رئيس المجلس الجديد، وسيرته المهنية.
ازداد الحديث في إسرائيل خلال العقد الأخير عن أنها تواجه صراعات داخلية عميقة تهدّد وجودها، وتعيد أغلب الكتابات هذه الصراعات إلى الاستقطاب الداخلي الشديد على خلفية الصراع الديني- العلماني والشرقي- الأشكنازي الذي انضفر أيضاً في الصراع الأيديولوجي بين معسكري اليمين الجديد الشعبوي الذي يقوده بنيامين نتنياهو ويجمع تحت مظلته المتدينين من التيارات الاستيطانية المتزمتة والحريديم وتيارات واسعة من الشرقيين، ومعسكر وسط - يسار علماني يغلب عليه طابع أشكنازي وينضوي تحت مظلته بالأساس أبناء الطبقات العليا والوسطى من سلالات "المؤسسين" الذين يرفعون راية "المؤسساتية" و"الدولانية" ويحلمون بإعادة إسرائيل "إلى مجدها" الذي يقصد به إجمالاً فترة هيمنة حزب "مباي" في عقودها الأولى، على الرغم مساعيهم الحثيثة لنزع صفة "ورثة" مباي عنهم والابتعاد قدر الإمكان عن ربطهم به.
إلى الشرق من قراوة بني حسان، في محافظة سلفيت، تقع البؤرة الاستيطانية "معاليه يسرائيل". تحتوي البؤرة على كرافانات عدة أقيمت ابتداء من العام 1997، وما تزال مأهولة بسبب قربها من التجمع الاستيطاني "برقان" في عمق الأراضي المصنفة "ج". يعتبر المجتمع الصهيوني الديني المتطرف الذي يسكن هذه البؤرة، الأراضي المصنفة "ج" بمثابة تخوم مفتوحة، فارغة من السكان الأصلانيين، وإن كان يشوبها بعض الأشواك والمارقين والوحوش البرية الفلسطينية التي يمكن "تحييدها". بالتالي، فإن أراضي "ج"، تكاد تشبه مفهوم الغرب الجامح (wild west) في ذهنية المستوطن الأميركي الكاوبوي، الذي استوطن بداية في شرق القارة الأميركية الشمالية، ثم تخلص من السكان الأصلانيين، قبل أن يتحوّل إلى راعي بقر، ويمتطي الخيول لينطلق غرباً ويحوّل أراضي الغرب الجامح، والمتوحش، وغير المأهول إلى أراض "حضارية" يقوم المستوطن بتعميرها. وبالعودة إلى البؤرة الاستيطانية "معاليه يسرائيل"، فقد أقام المستوطنون فيها مزرعة خيول في العام 2009، وأطلقوا عليها اسم "الغرب الجامح"، ربما تيمناً بأسلوب المستوطن الأميركي الكاوبوي.
الصفحة 125 من 859