رأينا أن تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن التي أبدى فيها امتعاضه من مضي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قدماً في خطة حكومته الرامية إلى إضعاف الجهاز القضائي، وردّ هذا الأخير بأن من يقرّر سياسات إسرائيل، بصفتها دولة مستقلة تماماً، هو حكوماتها المنتخبة من قبل الشعب وليس الضغوط الخارجية حتى ولو كانت من أقرب أصدقائها وأرفعهم قيمة على غرار الولايات المتحدة، شكلّا مناسبةً أخرى لإعادة النبش في جذور ما يوصف بأنه "علاقات خاصة" بين الدولتين وتقييم صيرورتها الراهنة.
اختتم الكنيست الإسرائيلي في الأسبوع الماضي دورته الشتوية الأولى بعد انتخابات مطلع تشرين الثاني 2022، التي أظهرت تماسكا للائتلاف الجديد الحاكم، إلا أن العاصفة جاءت من الميدان، وبمستوى لم تشهده إسرائيل بهذا المستوى من قبل، مع الأخذ بالحسبان الدوافع التي حرّكت الشارع، إذ أن نزول مئات الآلاف إلى الشوارع، على مدى أيام، وأحيانا بسرعة تعد فائقة، وحتى اندفاعية، هو مشهد لم تعرفه إسرائيل من قبل، نجح حتى الآن في لجم الأزمة التي خلقتها حكومة بنيامين نتنياهو لضرب جهاز القضاء؛ لكن كما يبدو فإن هذا ليس أكثر من تأجيل لبضعة أشهر لأزمة قد تشتد في المرحلة المقبلة، في حين لم يتوقع نتنياهو أن يخترق هيجان الشارع صفوف حزب الليكود، ولو بهذا القدر المحدود، ولكن هذا دلّ على نواة تململ من نهجه، بعد أن باتت قبضته على الحزب أشد من أي وقت مضى.
تشهد إسرائيل حالة صراع داخلي غير مسبوقة تشرخ المجتمع الإسرائيلي اليهودي وتقسمه إلى فئتين متصارعتين يبدو الجسر بينهما غير ممكن، على الأقل في الظرف القائم. تنتظم هاتان الفئتان حاليًا في معسكرين متنازعين: معسكر اليمين الجديد الذي يتبوأ الحكومة ويضم في صفوفه تنويعات من أقصى اليمين الشعبوي واليمين الكهاني والصهيونية والحردلية (المتزمتة قوميًا ودينيًا) والحريدية التي مرت بعملية "تهويد قومي" مستمرة، وذلك في مقابل المعارضة التي تقوم بالاحتجاجات على خطة الانقلاب القضائي لياريف ليفين وتجمع أحزاب الوسط واليسار واليمين الدولاني. ولكل معسكر سماته الطبقية والاجتماعية والإثنية ورؤيته لطابع الدولة. ويتوافق المعسكران على يهودية الدولة وعلى الصهيونية لكنهما يختلفان على باقي التفاصيل.
يعتبر جيش الاحتياط الإسرائيلي عنصرًا أساسيًا من مكونات "الأمن القومي الإسرائيلي"، وأحد أهم الركائز التي تستند إليها آلة الحرب الإسرائيلية. لطالما تم اعتبار الجيش الإسرائيلي بشكل عام، وجيش الاحتياط بشكل خاص، بقرة مقدسة، ومحط إجماع يستثنى من الانتقاد ولا يتأثر بالصراعات السياسية أو الحزبية داخل إسرائيل. منذ شروع حكومة نتنياهو السادسة بعملية "الإصلاحات القضائية"، امتد الانقسام السياسي الإسرائيلي إلى داخل الجيش وطال جيش الاحتياط، الأمر الذي يشي بتغيرات جوهرية لا بد من الوقوف عندها لما لها من تداعيات قد تكون حاسمة على الأمن القومي الإسرائيلي. هذه المقالة تستعرض أهمية جيش الاحتياط الإسرائيلي، مكانته في إسرائيل، والجدل الأخير حوله.
الصفحة 102 من 859