يُستدلّ من التقرير السنوي للتعليم الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD أن هناك تراجعاً في نسبة الأكاديميين في إسرائيل، وهو ما اعتبره مراقبون اقتصاديون "فقدان إسرائيل لإحدى مزاياها الرئيسة في مجال التعليم - النسبة العالية للأكاديميين". المقصود هنا هو نسبة الأشخاص الحاصلين على درجة أكاديمية بين السكان عموماً. وبموجب التقرير الدولي الجديد انخفضت هذه النسبة إلى ما دون المتوسط في الدول أعضاء المنظمة من حيث نسبة الأكاديميين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاماً. فبعد أن كانت إسرائيل العام 2015 في المكان الرابع عشر بين الدول الـ 38، تراجعت العام الماضي 2022 إلى المكان العشرين. والسبب في ذلك هو أن إسرائيل راوحت في مكانها من حيث نسبة الأكاديميين الشباب، وهي 46%، بينما ارتفع متوسط دول OECD بـ 6 درجات مئوية، من 41% إلى 47%.
كانت الدول الوحيدة التي لم تسجل فيها أية زيادة هي إسرائيل وفنلندا وبولندا، بينما في كوريا الجنوبية، مثلاً، الرائدة بين دول المنظمة، يتبيّن أن 70% من الشباب فيها أكاديميون، بينما وصلت إيرلندا، المنافس الرئيس لإسرائيل في مجال الهايتك، إلى المكان الرابع بنسبة 63%. وارتفعت تركيا بنسبة 13 نقطة مئوية. (اللجنة الفرعية لتعزيز قطاع الهايتك التابعة للجنة الاقتصاد البرلمانية كرّست بحثاً خاصاً لهذه النقطة، أنظروا فيما يلي).
وسبق أن تراجعت إسرائيل قبل سنوات من المكان الرابع إلى المكان الخامس في النسبة العامة للأكاديميين بين السكان البالغين (ممن تتراوح أعمارهم بين 25-64 عاما) وهي 51%. الدولة الأولى في هذه الفئة هي كندا وتصل فيها نسبة الأكاديميين بين السكان البالغين 63%. وهكذا، فإن الانخفاض المذكور والمراوحة موضعياً في نسبة الأكاديميين الشباب، سيؤدي في السنوات القادمة إلى انخفاض إسرائيل من حيث تصنيف الأكاديميين بين عموم السكان أيضاً.
الإنفاق العام كبير لكنه منخفض جديّاً قياساً بالطالب الواحد
يتبيّن من ناحية الأرقام أن إسرائيل تخصص ثاني أعلى ميزانية بين دول المنظمة من حيث الإنفاق على التعليم، بعد كولومبيا. لكن الصورة تختلف حين نأخذ بالاعتبار أن عدد الطلاب كبير، وبالتالي فإن الإنفاق على كل طالب منخفض. وهو أقل من متوسط إنفاق دول المنظمة في جميع الأعمار. إذ تتراوح النسبة بين إنفاق إسرائيل وإنفاق دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من 58% في رياض الأطفال إلى 87% في المدارس. تحتل إسرائيل المكان 28 من بين 30 دولة قدمت معلومات حول رياض الأطفال، والمكان 24 من بين 36 دولة في المدارس، والمكان 29 من بين 37 دولة في التعليم العالي، بعد المدرسة الثانوية.
ولاحظ شاحر إيلان في الصحيفة الاقتصادية "كلكاليست" أن الإنفاق العام الحكومي للطفل ما قبل المدرسة حتى جيل عامين في إسرائيل العام 2020 بلغ 930 دولاراً. وبهذا الرقم، فإن إسرائيل ليست فقط الأخيرة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية – بل إن نسبتها 8% فقط من متوسط المنظمة الذي يبلغ 11570 دولاراً. وهذا أيضاً أقل من المبلغ الضئيل البالغ 1075 دولاراً في العام 2019. للتوضيح: تنفق أستراليا، التي تأتي في المكان الثاني من الأسفل، 5600 دولار سنويا لكل طفل حتى جيل عامين - أي ستة أضعاف ما تنفقه إسرائيل. وفي الإنفاق القومي أيضاً (الذي يشمل الإنفاق العام والخاص) تأتي إسرائيل في المكان الأخير.
في كل عام، تضيف الصحيفة، تذكّر البيانات الواردة من تقرير التعليم السنوي في "الدول المتقدمة" القارئ الإسرائيلي أنه على الرغم من أن جميع الدراسات تثبت أن الاستثمار في مرحلة الطفولة المبكرة هو الأهم لمستقبل الطفل، وأيضا الأكثر فائدة من الناحية الاقتصادية، فإن الاستثمار في إسرائيل ضئيل ويؤول إلى الصفر. إن الرقم الذي يعكس حقا مكانة التعليم في الأولويات القومية هو الإنفاق لكل طالب مقارنة بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. والتحقق من هذا الرقم يزيل على الفور الانطباع الخاطئ بأن إسرائيل تؤمن حقا بالتعليم. هنا، تحتل إسرائيل المكان الثالث عشر من الأسفل باستثمار يبلغ حوالي 9800 دولار، بينما تنفق النرويج والنمسا وأيسلندا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أكثر من 15000 دولار، ولوكسمبورغ، التي تحتل المكان الأول، تنفق ما يقرب من 25000 دولار سنوياً على الفرد في التعليم.
إسرائيل في المكان الثالث من حيث الكثافة في الصفوف الابتدائية
يتجلّى حجم الإنفاق مقابل عدد الطلاب الكبير، في أن كثافة الطلاب في الصفوف الدراسية في إسرائيل ما زالت من أعلاها بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وفقاً لتقرير الأخيرة، تجري محاولات لفتح المزيد من الصفوف الدراسية، لكن الحكومات غير قادرة على مواكبة العدد المتزايد من الطلاب. فاليوم، تحتل إسرائيل المكان الثالث بين 31 دولة من حيث الكثافة في الصفوف الابتدائية، والخامسة في المدارس الإعدادية. وفي التعليم الابتدائي، يبلغ متوسط عدد الطلاب في الصف الواحد 26.2 طالب مقارنة بـ 20.6 طالب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أي بفارق يبلغ حوالي 27%. كثافة الطلاب في صف المدرسة الإعدادية أكبر في إسرائيل بحوالي 23% - 28.3 طالب في المتوسط لكل صف مقارنة بـ 23.0 طالب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. البيانات مماثلة لتلك التي نشرت قبل عامين – 26.3 طالب لكل صف في التعليم الابتدائي و28.1 في المدارس الإعدادية.
صحيح أنه كان في العقد الماضي انخفاضٌ ما في عدد الطلاب في الصف، ولكن تم تحقيق نجاح أقلّ بتحقيق هذا الهدف مقارنة بالدول الأخرى. التحليلات تنوّه إلى أن العامل الرئيس الذي تجد إسرائيل صعوبة في التعاطي معه، هو معدل نمو الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً، وهو الأعلى في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. فبين العامين 2010 و2021 ارتفع العدد بنسبة 25.1%، في حين سجّل المتوسط في البلدان الأخرى انخفاضاً بنسبة 1.1%. وفي 20 دولة من أصل 38 دولة شملها التقرير، طرأ هذا الانخفاض. ففي كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، كان هناك انخفاض بنسبة 26%، وفي ليتوانيا انخفض بنسبة 23.4%.
مواقع متدنّية جداً وأحياناً أخيرة في الامتحانات الدولية
يطرح دور عتصمون، في الموقع الاقتصادي المستقلّ "بيزبورتال"، السؤال عن العلاقة بين حجم الإنفاق على التعليم وبين نتائج الامتحانات المعتمدة دولياً، فيكتب: "في العام 2020، أنفقت إسرائيل 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي على المؤسسات التعليمية ورعاية الطفولة المبكرة، و5% من إجمالي الناتج المحلي على التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي. هذه المعدلات أكبر بكثير من المعدلات المقابلة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: المعدل في دولة إسرائيل يبلغ 6.2% مقارنة بـ 4.5% في متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للمؤسسات التعليمية من مرحلة ما قبل المدرسة إلى ما بعد الثانوية، وفقاً لبيانات تقريرها قيد البحث. ومع ذلك، وعلى الرغم من الاستثمار الأكبر فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي، فإن دولة إسرائيل ما زالت في مكان أقل من المتوسط في الامتحانات الدولية وفي المراكز الأخيرة بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فيما يتعلق بمستوى الرياضيات وفهم المقروء والعلوم لدى طلابها. على سبيل المثال، في اختبارات PISA، تحتل إسرائيل المكان 41 في الرياضيات، وفي العلوم طلابها في المكان 42، وفي دراسات اللغة في المكان 37 (من بين 79 دولة). هذه فجوة تبلغ حوالي 10% بين إسرائيل مقارنة بمتوسط الدول المتقدمة".
وينوّه المعلّق الاقتصادي أن لهذه المشكلة تداعيات اقتصادية خطيرة أيضاً. فوفقا لدراسة أجراها بنك إسرائيل في العام 2015، جاء ما يلي: "تتأخّر جودة التعليم في إسرائيل عن متوسط الدول في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ويقلّل حجم هذا التأخُّر حوالي 0.4 إلى 0.6% من معدل النمو السنوي طويل الأمد، وحوالي خُمس إلى ربع إجمالي مستوى الإنتاجية على المدى الطويل".
"الهايتك في العالم يستعيد عافيته لكن الحالة في إسرائيل يُرثى لها"
ارتباطاً بوضع صناعات الهايتك وما تتعرّض له من أزمات، عقدت اللجنة الفرعية لموضوع تعزيز قطاع الهايتك التابعة للجنة الاقتصاد البرلمانية جلسة حول "الاستثمار الوطني في مجال البحث والتطوير ومنح الحوافز بهدف تعزيز قطاع الهايتك في إسرائيل". ممثلو شركات الهايتك والمستثمرون الذين حضروا الجلسة حذّروا من تداعيات الأزمة التي يمر بها قطاع الهايتك الإسرائيلي. وقال أحدهم: "سوق الهايتك في أميركا وفي العالم بشكل عام تستعيد عافيتها الاقتصادية، ولكن الحالة في إسرائيل يُرثى لها. وللأسف جميع التنبؤات قد تحققت: تراجُع سوق الهايتك، وهروب المستثمرين، وإغلاق الشركات ومغادرتها لإسرائيل، الأرقام مذهلة".
ممثّلة وزارة المالية ادّعت أن الحكومة تستخدم اليوم أدوات واسعة لدعم الهايتك ابتداءً من دعم مباشر بواسطة مِنَح بمبلغ مليار ونصف المليار شيكل كل عام. وعدا ذلك هناك دعم مباشر بواسطة امتيازات ضريبية واسعة وملحوظة. صحيح أن ميزانية سلطة الابتكار والمنح بالكاد تتغير في كل عام لكنها تقف على نسبة 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، بصورة مشابهة جداً للولايات المتحدة وبلدان الـ OECD بحيث تقوم دولة إسرائيل برصد الميزانيات لصالح تأهيل الثروة البشرية لقطاع الهايتك ضمن جهاز التعليم، ومن خلال مراكز إقليمية لدراسة الفيزياء مرورا بزيادة عدد الطلبة الجامعيين في مجال الهندسة وعلوم الحاسوب وأخرى.
ولكن وفقاً لمعطيات قطاع الهايتك: تراجع حجم الاستثمارات بأكثر من 70% منذ بداية العام، وتم تسريح 12 ألف عامل منذ بداية العام، في الشركات الصغيرة والكبيرة، وطرأ انخفاض على قيمة الشركات بعشرات النسب المئوية. وجرى التحذير من أنه على الرغم من كون هذه الأزمة صغيرة الحجم نسبياً إلا أن قطاع الهايتك سيشهد أزمة حادة بعد 3-5 أعوام بحيث أن أغلبية الشركات التي ستنشأ لن تتواجد هنا، "وعلى الائتلاف الحكومي أن يتفهم أننا لسنا على حافة الهاوية إنما نتدهور في المنحدر الزلق وبعد 3-4 أعوام سنبقى في حالة لا رجعة منها بدون هذه الصناعة التي تشكّل محرك النمو لدولة إسرائيل".
وقد لخّصت اللجنة جلستها بالقول: إن عالم التكنولوجيا الفائقة هو ضخم ومتغير ويجب علينا أن نحتل مكان الصدارة، وأن نحسّن نهجنا ونضع البنى التحتية التي ستسمح لهذا العالم بالتطور... لذلك لا بد من التقدم في الميزانيات، وهذه مسألة قرار سياسي. إذا كانت هناك تدابير أو فوائد ممنوحة لشركات الهايتك في أماكن أخرى، نريد الحصول على معلومات عنها، حتى نتمكن من فحصها ودفعها إلى الأمام هنا أيضاً. خطوة أخرى يمكن دفعها إلى الأمام هي تشجيع استثمار الهيئات المؤسسية في إسرائيل في قطاع الهايتك الإسرائيلي. هذه الهيئات تمتلك وتستثمر 3 تريليون شيكل ومعظم الأموال تذهب إلى الخارج. على سلطة الابتكار أن تسمح لهذه الهيئات دون أي خوف بالاستثمار في الشركات الناشئة بناء على توصيتها أو أي جهة أخرى مؤهلة... وللأسف الشديد فإن هذه القضية ليست من أولويات الحكومة حاليا.