نزعة القوة في المجتمع الإسرائيلي ليست وليدة الأمس، فهي ترجع إلى "زوايا الماضي المعتمة" قبل تجسيد الفكرة الصهيونية. وليس سرًا أن الصهيونية بدأت أو شقت طريقها عبر نشاطات وأعمال غير منتظمة، بعضها جرى سراً خشية من السلطة (في شرق أوروبا)، وبعضها الآخر خوفاً من الشارع (في غرب أوروبا)، فيما جرى جزء ثالث بصورة مكشوفة وعلنية، وعلى الأقل ضمن سيرورة تاريخية استمرت عدة سنوات.
ثمّة فجوة مذهلة بين الخطاب العالمي حول خطّة "فك الارتباط" الخاصة بحكومة أريئيل شارون وبين الواقع المحلّي. ففي الوقت الذي يتمّ فيه عرض الانسحاب الإسرائيلي في المنتديات الدولية العامة بأنّه قرار تاريخيّ يوفّر فرصة نادرة لتحقيق السّلام في المنطقة، يحذّر المراقبون المحلّيون- وخصوصًا في فلسطين- من أنّ الخطّة لن تدفع، على الأرجح، بعمليّة السّلام قدمًا؛ وفي الحقيقة هي تُعتبر محاولةً إسرائيليّة مقصودة لإعاقة أيّ تقدّم مستقبليّ نحو حلّ مقبول.
مرت 38 عاماً على احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، ومع مرور كل عام تجد إسرائيل أعذاراً وحججاً جديدة لتبرير استمرار احتلالها، مرة مستندة إلى أعذار أمنية ومرة أخرى إلى أعذار دينية قومية.
مثلها مثل جميع الاحتلالات "المتنورة" التي سبقتها، تحاول إسرائيل أن تجد إطاراً قانونياً لعملها ولترتيب علاقتها مع الشعب الخاضع للاحتلال، وفي الغالب يكون رجال القانون في خدمة رجال السياسة لتقديم المشورة والعون القانوني لقوننة الاحتلال وإضفاء الشرعية على ممارساته.
الصهيونية هي حركة التحرّر الوطني للشعب اليهودي، ودولة إسرائيل هي التجسيد السياسي لها. كانت إسرائيل رمزاً للحرية ومصدر افتخار ليهود الشتات. لكن سوء معاملة إسرائيل للفلسطينيين حوّلها عائقاً وعبئاً أخلاقياً بالنسبة إلى الفئة الليبرالية في المجتمع اليهودي. حتى إنّ بعض اليهود، لا سيما في اليسار، يذهبون إلى حدّ ربط سلوك إسرائيل بموجة العداء الجديد للسامية حول العالم.
الصفحة 738 من 880