من السابق لأوانه إستشراف السبل، التي سيسلكها رئيس الوزراء الاسرائيلي، أريئيل شارون، للخروج من عنق الزجاجة الذي يجد نفسه فيه، أكثر فأكثر، نتيجة التطورات الأخيرة في حزبه "الليكود"، الذي تصرّ غالبيته في الحكومة والكنيست على أن تقلب له ظهر المجنّ في كل ما يتعلق بجهوده المنصرفة إلى دفع خطته حول "فك الارتباط" الأحادية الجانب، خطوات إلى الأمام.
بقلم: جدعون ألون
كما في كل سنة صادقت الكنيست بهيئتها الكاملة، الأسبوع الفائت، على طلب الحكومة تمديد سريان "حالة الطوارىء" القائمة منذ العام 1948. وكانت لجنة فرعية مشتركة للجنة الخارجية والأمن ولجنة الدستور والقانون والقضاء التابعتين للكنيست قد قررت، الأسبوع الماضي، تقديم توصية للكنيست بتمديد حالة الطوارىء لمدة نصف سنة فقط، تعبيراً عن احتجاج اللجنة إزاء تجاهل الحكومة لطلبات متكررة من الكنيست باستبعاد بعض القوانين والأنظمة من قائمة قوانين وأنظمة الطوارىء، والتي ليس لها إلا صلة عابرة بحالة الطوارىء.
قد يبدو للرائي أو للمتابع، في غمرة الجنون والهلع الأمني المُدجّجيْن بالأكاذيب، أنّ "اليسار الصهيوني" أو غير الصهيوني قد خرج، أو هو خارجٌ، من غيبوبته التي غاص فيها منذ انتخاب أريئيل شارون رئيسًا للحكومة في 2001، والتي ذاب فيها وانصهر منذ الاجتياج الكبير في 2002. ذلك الاجتياح الذي قضى نهائيًا على أية فرصة لإحياء ما درجنا على تسميته تيّمنًا بـ "العملية السلمية". في تلك الأيام احتضن أريئيل شارون جميع شعب إسرائيل في إجماعٍ قومجي لا مثيل له في أية ديمقراطية حديثة. عن تلك الأيام يصحّ القول، على لسان شعب إسرائيل لشارون، وببعضٍ من السخرية: "في الاجتياح الكبير نحبّك أكثر"!
ما يعنينا توكيده، الآن، بازاء مختلف التحركات السياسية والحزبية الأخيرة في إسرائيل أنه لا يمكن استكناه موقف سياسي واضح في مقدرة المراقب الركون إليه، مما يصطلح البعض على توصيفه بأنه "عدم إنهراق" من طرف حزب "العمل" للإنضمام إلى حكومة أريئيل شارون. فما انفك أساطين هذا الحزب يعلنون، بملء الفم، أن ما يحول دونهم ودون ذلك ليس إختلاف المواقف السياسية من "عملية التسوية" بصورة جوهرية وأنهم جاهزون الجهوزية كلها لمثل هذا الإنضمام إذا ما جاءت التوصية الموعودة للمستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، متعارضة مع توصية النائبة الاسرائيلية العامة، عيدنا أربيل، بتقديم شارون إلى المحاكمة بتهمة الارتشاء والفساد (تصريح رئيسة كتلة "العمل" البرلمانية، النائبة داليا إيتسيك، شفّ حرفيًا وبصراحة متناهية عن هذا المعنى، الذي سبق لرئيس الحزب، شمعون بيريس، أن كرره مرات عديدة).
الصفحة 738 من 859