في نطاق "الموضة" الجديدة لخطب الزعماء في الشرق الأوسط، والتي استهلها الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه في القاهرة، ألقى رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل خطاباً في الخامس والعشرين من حزيران الماضي رد فيه على خطابي أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. وتكمن أهمية خطاب مشعل في أنه عرض الرؤية السياسية الكاملة والمحدَّثة لحركة "حماس"، وحسم بذلك أيضاً الجدل الدائر داخل الحركة ذاتها بين الذين يوصفون بالمعتدلين وأولئك الذين يوصفون بالمتطرفين، لصالح معسكر المعتدلين.
إن مشاهد القتل والدمار في غزة فظيعة، في حين ما زال سكان جنوب إسرائيل تحت قصف صاروخي لا يتوقف. هذا الوضع يدعو إلى الغضب والحزن والتمرد. في زمن النزاع الدامي يصعب في الحقيقة النظر إلى ما هو أبعد من العنف، ولكن نظرة من هذا القبيل تعتبر حسب رأيي ضرورية وملحة بغية فهم ما يحدث أمام أعيننا.
قال أحد الكتاب القدماء في أستراليا ذات مرة، في أثناء النضال من أجل حقوق الأطفال: "حيثما تمتد البقعة الجغرافية القومية، يكون زمننا ميتا. لكن زمننا له أيضاً عادة العودة بعد الموت". وهذه الملاحظة يمكن أن تساعد في فهم ما يحصل في غزة.
تدلّ العملية العسكرية ضد "حماس" في قطاع غزة، والتي يهاجم الجيش الإسرائيلي خلالها ليس فقط خلايا مطلقي صواريخ القسام وغراد وإنما أيضاً مؤسسات ومقار السلطة (الشرطة ووزارات الحكومة)، على فشل أساسي في تفكير القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل. وهذا الفشل، الذي تجلى في أثناء حرب لبنان الثانية في مواجهة منظمة "حزب الله" وقبل ذلك في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ينبع من حقيقة أن صانعي القرارات في إسرائيل لا يدركون ضرورة التمييز بين المس بمن يمارس العنف ضد إسرائيل وبين من يمكن، عاجلاً أم أجلاً، أن ينجح في إقامة سلطة مستقرة- وإن لم تكن بالضرورة مؤيدة- في الجانب الآخر.
الأزمات الاقتصادية الخطرة ليست معزولة عن مسألة الأمن القومي. فمثل هذه الأزمات تمس بالمناعة القومية وتؤثر على قدرة الدول على تحقيق أهدافها القومية. فهي تزيد من الأعباء والضغوطات المالية على أجهزة الأمن وتحد من هامش المناورة السياسية وتهدد رفاهية الجمهور وتفاقم الإجرام وربما تخلق منفذاً لسيرورات اجتماعية خطرة. لذلك من المهم معالجتها بسرعة وبحزم ومن خلال رؤية شمولية.
الصفحة 688 من 859