المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1435

أسفرت انتخابات الكنيست التي جرت يوم الثلاثاء الماضي (17 آذار 2015) عن فوز ساحق لحزب الليكود وخاصة زعيمه بنيامين نتنياهو. واللافت أن الدعاية الانتخابية لهذا الحزب خلت من قياداته ولم يظهر فيها تقريبا سوى رئيس الحكومة نتنياهو.

 

ورغم أن الاستطلاعات توقعت، طوال فترة المعركة الانتخابية تقريبا، تفوق قائمة "المعسكر الصهيوني" (تحالف حزب العمل برئاسة إسحاق هرتسوغ وحزب "هتنوعا" – الحركة – برئاسة تسيبي ليفني) على الليكود، إلا أن النتيجة النهائية كانت عكس ذلك. وفاز الليكود بثلاثين مقعدا في الكنيست مقابل 24 مقعدا لـ"المعسكر الصهيوني".

ويبدو في أعقاب هذه الانتخابات أن حكم اليمين راسخ في إسرائيل.

والدليل أنه منذ "الانقلاب" وفوز حزب الليكود بالحكم في العام 1977 وحتى اليوم، جرت 13 معركة انتخابية، واحدة منها كانت على رئاسة الحكومة فقط ومن دون حل الكنيست وجرت في العام 2001، وقد فاز الليكود في 11 معركة انتخابية منها بينما فاز حزب العمل في اثنتين فقط: في العام 1992 بقيادة إسحاق رابين وفي العام 1999 بقيادة إيهود باراك.

وعشية انتخابات الكنيست الأخيرة، تزايدت الآمال لدى "المعسكر الصهيوني" وحزب ميرتس، وحتى لدى القائمة المشتركة للفلسطينيين في الداخل، وكذلك لدى نخب اقتصادية وفي معظم وسائل الإعلام المركزية، بانتصار "المعسكر الصهيوني" على الليكود بأربعة مقاعد على الأقل وبأن يخرج من الانتخابات كأكبر حزب، وبذلك يكون قد فُتح المجال أمام الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، لأن يكلف هرتسوغ بتشكيل الحكومة المقبلة، وأن ينجح في سلخ أحزاب من كتلة أحزاب اليمين - الحريديم وضمها إلى حكومته. لكن فوز الليكود الساحق قطع الطريق على سيناريو كهذا.

سنحاول في هذا التقرير استعراض بعض التحليلات حول أسباب فشل "المعسكر الصهيوني" وكتلة الوسط - اليسار عموما في الفوز في هذه الانتخابات.

 

غياب "واقعية  أمنية شجاعة"

 

إن أحد الادعاءات التقليدية لتبرير فوز الليكود في السنوات السابقة وهذه السنة يتعلق بـ"التصويت القبلي"، أي تأييد قسم كبير من اليهود الشرقيين لليكود، انتقاما من حزب العمل الأشكنازي، وسلفه حزب "مباي" الذي أسس الدولة، ومن تعامله الاستعلائي والعنصري حتى ضدهم.     

إلا أن المحاضر في قسم التاريخ في الجامعة العبرية في القدس والكاتب الصحافي الدكتور غادي طاوب، استبعد تأثير هذا الادعاء.

وكتب طاوب في موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني، أن "هذا التفسير لا يعطي رصيدا للناخب الإسرائيلي الذي رغم كل مساوئه مستهلك للأخبار بكثافة. ولذلك فإن هذا تفسير يخطئ الأساس، إذ ليس فقط أن نتنياهو انتصر بالانتخابات، وإنما الحاصل هو أن المعسكر الصهيوني خسرها".

ورأى طاوب أن "المعسكر الصهيوني" خسر الانتخابات "لأنه لم يضع أي بديل سياسي لنتنياهو. وهو أعطى شعورا غير مركز وحسب بأنه سيكون أكثر لطفا تجاه الفلسطينيين. وشعر الجمهور الإسرائيلي، وبحق، أن هذا ليس حلا حقيقيا للوضع المعقد الذي تتواجد فيه إسرائيل". 

ويعبر طاوب في هذا المقال عن أفكار الكثير من الإسرائيليين، الذين يعارضون حكم نتنياهو، خاصة بسبب الأزمة مع الإدارة الأميركية، لكنهم في الوقت نفسه لا يرون أن ثمة حلا للصراع في الأفق ويحملون الجانب الفلسطيني مسؤولية ذلك، لأنه يطالب بالانسحاب إلى حدود العام 1967، وبضمن ذلك الانسحاب من القدس الشرقية، وبحل قضية اللاجئين ويرفض طلب إسرائيل الاعتراف بيهوديتها.

وقد عبر القيادي السابق في حزب الليكود والوزير السابق، دان مريدور، عن مواقف مشابهة لهذه التي يطرحها طاوب في مقابلة أجرتها معه صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قبل أسبوعين، وأعلن فيها أنه لن يصوت لليكود.

ووفقا لطاوب فإن "الرسالة الوحيدة التي انتقلت بوضوح من دعاية هرتسوغ وليفني الانتخابية هي أنهما يقترحان ’الأمل’ و’التفاؤل’ على عكس ’اليأس’ و’التشاؤم’ لنتنياهو. والتفاؤل هو أمر لطيف، لكن ليس عندما لا يكون هناك شيء يستند إليه. وفيما الشرق الأوسط هائج، وقنبلة إيرانية موقوتة في الخلفية، ومع قيادة فلسطينية ترفض التسوية، يُعتبر المتفائل، وليس بدون حق، كما لو أنه معزول عن الواقع".

واعتبر طاوب أنه "إذا أراد المعسكر الصهيوني كسب ثقة الجمهور الإسرائيلي، عليه أن يعترف بشكل واضح، أن برنامج تسليم مناطق للفلسطينيين مقابل إنهاء الصراع والسلام قد فشل، لأن الفلسطينيين لا يوافقون عليه"، مشيرا إلى أن حزب ميرتس الذي يدعو إلى السلام عبر نسبة الحسم بصعوبة.

ورأى أن "المعسكر الصهيوني ينافس نتنياهو على الأمن، وليس على السلام. وما يقترحه هو أمن أكثر وليس أقل... وقادة المعسكر الصهيوني يعرفون ذلك في أعماقهم. والمشكلة هي ليست أن نتنياهو يُبعد السلام. فالسلام بعيد أصلا. وسياسة نتنياهو، بتوسيع المستوطنات، وبالتصادم المتكرر مع الولايات المتحدة، وتصوير إسرائيل أنها رافضة للمفاوضات، تشكل خطرا على أمن إسرائيل، وعلى مجرد وجودها في الأمد البعيد".

وأردف أن "الاستيطان يقدمنا خطوة تلو الأخرى باتجاه مزج مجموعات سكانية على غرار البوسنة ولبنان. وهو يجرنا تدريجيا إلى حالة الدولة الثنائية القومية والتي ستصبح في نهاية المطاف دولة عربية توجد فيها أقلية يهودية. وفي الطريق إلى هناك يتسبب الاستيطان بتقويض الدعم الدولي لإسرائيل، وتزداد عزلتها. وإسرائيل لا يمكنها التنازل عن هذين الأمرين: دولة لا يكون اليهود أقلية فيها والدعم الدولي".

ورأى طاوب أن البديل لسياسة نتنياهو الذي يتعين على "المعسكر الصهيوني" طرحه هو "لجم الاستيطان، إبقاء الجيش في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) في المستقبل المنظور، السعي إلى الفصل بين المجموعتين السكانيتين، وحرب صارمة ضد الإرهاب، العمل مع وليس ضد الولايات المتحدة في الموضوع الإيراني، كشف تعنت القيادة الفلسطينية أمام العالم، والوقوف بصلابة أمام إطلاق الصواريخ على أراضينا".

وبحسب طاوب، فإن "المعسكر الصهيوني" بإمكانه إدارة الصراع أفضل من نتنياهو، وإن الخطأ الذي ارتكبه أنه لم يمنح الناخب "واقعية أمنية شجاعة".

 

"استعلاء اليسار"

 

رأى الكاتب والصحافي إيهود عزريئيل مئير، في مقال نشره في موقع "واللا" الالكتروني، أن ما أسماه بـ"اليسار"، أي كتلة أحزاب الوسط - اليسار، وخاصة "المعسكر الصهيوني"، لن ينتصر أبدا "طالما أنه يفضل الجلوس خلف الطابعة وكتابة المقالات... وحتى لو صوتت جميع قنوات التلفزيون والمحاكم لميرتس واليسار".

ورأى أن "اليسار" سينتصر "في حال نفذ أمرين: الأول، التوقف عن الاستعلاء والاعتقاد بأن ناخبيه فقط هم أذكى البشر وجميع الباقين مخطئون أو أغبياء؛ الثاني، النهوض وترك الحياة الرغيدة، والانتقال بصورة أيديولوجية إلى الأطراف، وإقامة نوى يسارية في نتيفوت وسديروت وبئر السبع (التي حقق الليكود فيها فوزا ساحقا في الانتخابات الأخيرة)... والعمل في ما يفترض باليسار أن يعمل به، وهو العمل الاجتماعي العميق وليس المتعالي، أي أن يكونوا إنسانيين وبشر".

من جانبها اعتبرت الباحثة في الثقافة والإعلام والناشطة الاجتماعية، ميراف ألوش لبرون، في مقال نشرته في صحيفة "هآرتس"، أن "ناخبي الليكود من غير المستوطنين لم يصوتوا لأنهم ذُعروا من ارتفاع نسبة التصويت لدى العرب، فهم يخافون من القائمة المشتركة أقل مما يخافون من ناخبي يائير لبيد المتنورين، وحتى من ناخبي إسحاق هرتسوغ".

ورأت أن ناخبي الليكود، من اليهود الشرقيين والطبقات الضعيفة، عادوا للتصويت إلى هذا الحزب "لأنهم فهموا بصورة واضحة وصافية أن مصلحتهم تتعارض مع مصلحة ناخبي لبيد وهرتسوغ. وفي السياق الاجتماعي، فإن ما نجح هو منطق قبيلة مقابل قبيلة أكثر من منطق زعيم مقابل زعيم. وقبيلة البيض انقسمت وفقا لموقعها الاجتماعي الاقتصادي (بين "المعسكر الصهيوني" وحزب "يش عتيد" بقيادة لبيد)، بينما القبيلة القومية انطوت في نواتها المركزية". 

وأضافت ألوش لبرون أن "الطبقة الوسطى القوية التي تؤيد لبيد، والتي تمثل الأنانية الطبقية، صوتت من أجل نفسها مرة أخرى. وهددت الفئوية الطبقية والثقافية التي رعاها لبيد الخبز والهوية لناخبي الليكود، الذي يعتبرون أنفسهم كمن دفعوا الثمن (من سياسة لبيد كوزير للمالية). ولبيد وهرتسوغ لم يقولا إنهما سيأخذان من الأقوياء ويعطيان الضعفاء، ولم يتعهدا بفرض ضريبة على الورثة. ورغم أن هرتسوغ تحدث عن محاربة الفجوات الاجتماعية وحمل رسالة المساواة، لكنه تحدث بالأساس إلى المقتنعين أصلا في تل أبيب".

وأشارت إلى أنه "تم نسيان بلدات الأطراف والشرقيين، سواء من حيث مصالحهم أو من حيث الخطاب السياسي، الذي كان معاديا للشرقيين بقدر كبير. إذ أن المعسكر الصهيوني كان يتوق إلى إعادة أمجاد حزب العمل. وهذا الأمر برز كثيرا في الحملة الانتخابية ولم يفلت من أعين مؤيدي الليكود وأعادوا الليكود إلى مكانه، إذ ما الذي يربطهم بأمل مجهول، عناصره ليست واضحة، ولا يشمل روايتهم التاريخية وهويتهم؟ هل هذا يعني أنهم عميان ولا يرون أن حكمهم سيء؟ لا لكنهم يشعرون على الأقل أن هذا حكمهم، وهم يشعرون معه بأنهم في بيتهم وأنهم مرتاحون بهويتهم القومية واليهودية – المحافظة".

ورأت ألوش لبرون أنه "إذا كان المعسكر الصهيوني يرغب بالعيش ومعني بمنافسة حقيقية في الانتخابات المقبلة، عليه أن يجعل قائمة مرشحيه وسياسته شرقية أكثر. ومن يسخر من هذا الجمهور عليه ألا يتوقع أن يصوت له في الانتخابات. هذا لم يكن انتصار الخوف، فهم لا يشعرون بالإهانة منذ زمن طويل، وإنما هم ببساطة لا يصوتون".

 

إهدار فرصة كسب الاحتجاجات  الاجتماعية في بلدات الأطراف

 

تساءل المحاضر في كلية القانون في جامعة تل أبيب، البروفسور إيال غروس، في "هآرتس"، حول سبب فشل اليسار في كسب أصوات الشرائح السكانية الضعيفة. وأشار إلى أن حزب ميرتس مثلاً "لديه أفضل برنامج اجتماعي وفقا لكافة المؤشرات، لكنه يؤيد الفلسطينيين ضد الاحتلال، ويدعم طالبي اللجوء الأفارقة ويعارض حبسهم، وهو نسوي وداعم للمثليين. فكم عدد الذين يؤيدون اليوم هذه الرزمة في المجتمع الإسرائيلي؟".

لذلك رأى غروس أنه "لا يمكن التحدث اليوم عن سقوط اليسار، وخاصة ميرتس، من دون التطرق إلى صعوبة تسويق رسائل كهذه في المجتمع الإسرائيلي اليوم. من جهة أخرى، فإن الرسالة الأكثر تعريفا لميرتس هي مفاوضات سلام مع الفلسطينيين والإيمان بأن هذه المفاوضات قد تجلب السلام والأمن، وهي رسالة فقدت مكانتها في المجتمع الإسرائيلي وخاصة منذ اندلاع الانتفاضة الثانية".

وأضاف غروس أنه "يصعب اليوم أن يكون المرء في اليسار السياسي. لكن الفشل لا يكمن في ذلك فقط. إن فشل أحزاب اليسار يتعلق أيضا بأنها أخفقت في أن تكون بيتا لأصوات كثيرة تبحث عن بيت وتريد أحزابا ذات علاقة بحياتها وبمطلب العدالة الاجتماعية. وليس المقصود معسكر خيام الاحتجاجات الاجتماعية في تل أبيب، وإنما بالأساس روح معسكرات الخيام في بلدات الأطراف. والحديث يدور هنا حول فرصة أهدرها اليسار في معركتين انتخابيتين" في إشارة إلى أن الانتخابات السابقة جرت في أعقاب الاحتجاجات الاجتماعية في صيف العام 2011.                

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات