قضية الانشغال في تبعات تتويج انسان اصولي على رأس بلدية القدس تجاوزت حتى حدود الأبعاد التاريخية التي ترافق كل حدث يمكن إلصاق اسم المدينة المقدسة به. ماذا حدث؟ ناشط سياسي متواضع ولطيف وخاضع لإمرة حاخام عجوز منغلق علي نفسه وإداريّ ناجع لمؤسسة إغاثة للمرضي - الذي لم ينجح خلال عقد من السنين في البروز بأي مبادرة بلدية - عين خليفة مؤقتا لرئيس بلدية متعال ولاذع كان يتعامل مع منصبه مثل المخاطة التي يستخدمونها ومن ثم يلقونها، وفوق ذلك كله يتجرأ ويتهجم علي كل من لا يسجد لنجاحاته وانجازاته التي أدت بعاصمة اسرائيل الي أسفل السلم الحضري.
تبدأ حكومة ارييل شارون الجديدة، احدى اكثر الحكومات يمينية في تاريخ اسرائيل، مهامها في اجواء قاتمة، مع تفاقم الوضع الاقتصادي وغياب آفاق تسوية سلمية مع الفلسطينيين. فقد تبدد الحماس في صفوف اليمين الذي اعقب فوز الليكود، حزب شارون، الساحق في الانتخابات التشريعية في 28 كانون الثاني مع المساومات الشاقة جدا التي جرت لتشكيل الحكومة.
اذا كنتم قد تلقيتم في الاونة الاخيرة أمر استدعاء للخدمة الاحتياطية بعد الاول من نيسان، فمن الأجدر بكم ان تشدوا علي أيادي وزارة المالية. اذا انتصر موظفو المالية في الصراع حول الميزانية الامنية فان هذه الأوامر ستلغي خلال الشهر القادم. هذا ما يقولونه في جيش الدفاع: اذا لم يكن هناك مال فلن نستدعي الاحتياط.المعركة حول ميزانية الدفاع توفر لنا في كل عام سيناريو شبه ثابت، ذروة هذا السيناريو المعتادة هي الحركة التكرارية التي تعرض فيها وزارة المالية قسيمة مليئة بالاضافات علي عميد معين فيرد الجيش برسالة غاضبة موجهة من زوجة ضابط في الخدمة الالزامية حول ضحية العائلة. الا ان الحكاية مغايرة تماما في هذه السنة. فبعد مدة طويلة من السنين التي شهدت عمليات تملص وتهرب سقط الحذاء الثاني. المسألة في هذه المرة تدور حول مطالب حقيقية فعلا.
يطلق الاسرائيليون على ارئيل شارون اسم "البلدوزر"، اذ انه ضخم البنية وعنيف. وفي الاسبوع الماضي اعيد انتخاب شارون (74 عاما) رئيسا للوزراء بعد ان وعد الاسرائيليين بحمايتهم.. لكن هل سيقودهم شارون إلى السلام؟
يقول محللون اسرائيليون وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ان الاجابة على هذا السؤال في يد الولايات المتحدة أقوى حليف لاسرائيل ورئيسها جورج بوش. وقال عريقات لرويترز: "للاسف لا تركز الادارة الامريكية على احياء عملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين التي نحن في امس الحاجة إليها وانما تركز على الحرب على العراق."
ويشكو الفلسطينيون من ان شارون لم يتفاوض على السلام خلال عامين منذ ان أصبح رئيسا للوزراء. بل قالوا انه يقتات على العنف الذي تعهد بالقضاء عليه واعادة احتلال مدنهم وتوسيع المستوطنات اليهودية. انهم يتشككون بشدة في انه قادر على تحقيق السلام.
وقال عريقات انه يتعين على "رباعي" الشرق الاوسط الذي يضم الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا "والادارة الامريكية على وجه الخصوص" ان يحددوا للجانبين الاسرائيلي والفلسطيني جدولا زمنيا ومراقبين واليات اخرى لاحياء جهود السلام.
ويذهب الرأي السائد إلى ان أي ضغوط امريكية لدفع عملية السلام لا بد وان تنتظر نتيجة حرب محتملة في العراق. ويتشكك كل من الشعبين في ان بوش سيدخل في "مستنقع سلام الشرق الاوسط" الذي ابتلع سلفه بيل كلينتون.
ويتساءل محللون اسرائيليون ان كان بوش سيستغل انتصارا في الحرب كي يضغط من أجل سلام بين العرب واسرائيل مثلما فعل ابوه الذي كان رئيسا للولايات المتحدة في عام 1991 عندما اطلق محادثات تمهيدية في مدريد في أعقاب حرب الخليج.
وشعر بعض الاسرائيليين ومن بينهم أنصار شارون بغبطة لوعوده بتقديم تنازلات مؤلمة لم يحددها. ويقول شارون انه يريد ان ينضم عدد أكبر من الأحزاب المعتدلة اليه في حكومة جديدة موسعة قادرة على اتخاذ قرارات صعبة.
ويتكهن كتاب الصحف واخرون ان الجنرال المتشدد سيغير من أساليبه قرب نهاية حياته العملية ويصبح "صانعا للسلام" على غرار مناحم بيجن في اسرائيل أو الجنرال شارل ديجول في فرنسا.
قال شمعون شيفر كبير المراسلين الدبلوماسيين في صحيفة يديعوت احرونوت كبرى الصحف اليومية في اسرائيل "هذا من قبيل التمني. وبصراحة فان الأمر ليس هكذا". وقال شيفر الذي يعرف شارون منذ 30 عاما ويتحدث إليه عدة مرات في الاسبوع ان الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لرئيس وزراء من حزب الليكود هو شراكته مع الرئيس الامريكي بالاضافة إلى الخطوات الفلسطينية لكبح جماح المواجهات.
وقال شيفر لرويترز "انه متحالف مع بوش. هذه هي المصلحة الأكثر أهمية." وأضاف "انه يدرك انه (التحالف مع بوش) الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لاسرائيل وحكومته وبالنسبة لمستقبله الشخصي كسياسي وانه لن يصل إلى وضع يهدد تحالفه."
وتقول اسرائيل والولايات المتحدة ان علاقتهما تقوم على مباديء ديمقراطية وأهداف استراتيجية مشتركة. وتحصل اسرائيل على معونات امريكية أكثر من أي دولة اخرى حيث تحصل على أكثر من 2.7 مليار دولار من هذه المعونات سنويا معظمها معونات عسكرية.
وزار شارون واشنطن سبع مرات للاجتماع مع بوش خلال عامين منذ ان تولى الاثنان منصبيهما. ويقول الاثنان انهما يؤيدان قيام دولة فلسطينية شرط ان يقدم الفلسطينيون على تغيير قيادة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
وقال حيمي شاليف المعلق السياسي الاسرائيلي المخضرم "هناك شخصان نواياهما الاساسية تجاه الصراع الاسرائيلي الفلسطيني غير معروفة أو على الأقل يتعذر فهمها. أحدهما شارون والاخر هو الرئيس بوش." وقال شاليف الذي يكتب لصحيفة معاريف الاسرائيلية ان الاجابة ربما تظهر بعد حرب محتملة في العراق. وأضاف ان شارون سيتعامل بجدية مع السلام اذا فعل بوش ذلك.
وقال لرويترز "اذا اكتشف شارون ان بوش غير جاد بخصوص الصراع الاسرائيلي الفلسطيني فمن المرجح ان تستمر الأمور على ما كانت عليه خلال العامين والنصف الماضية" في اشارة للانتفاضة الفلسطينية من أجل الاستقلال.
وقال شيفر انه يتوقع ان يقبل شارون بدولة فلسطينية لها حدود مؤقتة وانه مستعد للتفاوض على اتفاق على الوضع النهائي مما يعني الانسحاب من مزيد من الأراضي وربما التخلي عن بعض المستوطنات في المستقبل البعيد.وأضاف "اذا تقدم الامريكيون بمبادرة جديدة لحل المشكلات مع الفلسطينيين بعد الحرب اعتقد ان شارون سيحذو حذو الادارة الامريكية."
كتب أسعد تلحمي:
تودع إسرائيل العام 2002 في أجواء مربدّة يصعب معها التكهن بما سيحمله إلينا العام الجديد. لكن يمكن الإشارة إلى تطورين هامين تقف إسرائيل، من أقصاها إلى أقصاها، وهي مشدودة أمامهما. ألأول الإنتخابات البرلمانية المبكرة المقررة ليوم الثامن والعشرين من كانون الثاني (يناير) المقبل، وهي خامس انتخابات خلال السنوات العشر الأخيرة، سنوات "الصراع على السلام" وغياب الإستقرار السياسي. والثاني هو الحرب الأميركية المقررة على العراق التي تواترت المؤشرات في الأيام القليلة الماضية إلى كونها غاية مشتهاة، إسرائيليا. ويقف أكثر من مراقب على كون الإنشداد الإسرائيلي إلى هذين التطورين وتحديدا إلى الثاني عائدين إلى حقيقة أن نتائجهما ستكون الأسطع انعكاسا على القضية الأهم التي ما زالت تؤرق إسرائيل منذ تأسيسها بل منذ أكثر من قرن من الزمن، هي القضية الفلسطينية.
بخطوات عريضة نخطو نحو دولة السيادة العرقية، التي تتنكر للحقوق الاساس لكل مواطن غير يهودي وتبني سياجا قاطعا عنصريا بين مواطني الدولة.
لم يسبق ابدا ان اغلقت صحف "الحرديم" جراء اقوال التحقير التي تنشرها ضد الدولة الصهيونية وقادتها. ولم يخطر ببال المستشار القانوني للحكومة ان يقدم الحاخام عوفاديا يوسيف وحاخامات اخرين للمحاكمة، تقطر السنهم بالعنصرية والتحريض والكراهية. كذلك الحاخام من صفد، الذي انتخب مؤخرا لمجلس الحاخامية الرئيسية، ويحظر بيع او تأجير بيت لعربي، هو مواطن محترم عندنا.
الصفحة 109 من 119