أحتفل قبل يومين بافتتاح شارع النفق الجديد الذي يختصر الطريق بين (مستوطنة) معاليه أدوميم والقدس، وبين غور الأردن ووسط البلاد. والأصح القول أن هذا الشارع يختصر الطريق لليهود الذين يعيشون في هذه البلاد بين نهر الأردن والبحر المتوسط. وبفضل الطرق السريعة التي جرى ويجري شقها أصبحت سائر المستوطنات المحيطة بالقدس قريبة ومتصلة بوسط المدينة، ومرتبطة ببعضها البعض بواسطة شبكة من الطرق الواسعة، والمريحة دون اختناقات مرورية، ودون عرب أو حركة مرور عربية. هنا لا وجود لـ "الخط الأخضر" ولا فرق بين حي ومستوطنة، بين مدينة وبلدة، ولا بين يافطات انتخابية تدعو للتصويت لصالح باروخ مرزل ولـ "حيروت" وليبرمان، على أحد الشوارع داخل إسرائيل وعلى أحد هذه الشوارع في الضفة الغربية، لا فرق بين مستوطنة وصفها إيهود باراك بـ "معزولة" وبين "كتلة مستوطنات".
تدخل معركة الانتخابات الاسرائيلية في الشوط النهائي، وسط دلائل واضحة على احتفاظ كتلة اليمين بشكل عام وحزب السلطة الحاكم، "الليكود"، بشكل خاص، بقوتهما، مقابل تراجع "مأساوي" في قوة "اليسار"، و "العمل" بالذات.
الصعود الاسطوري لشمعون بيريس الى فوز استطلاعي صوري هو من المؤشرات غير المذهلة بتاتاً في معركة الانتخابات المنفلتة هذه. انها منفلتة وحتى خطيرة لأن ناخبيها يؤيدون اساسا ما هو غير ممكن. بدءا بالتتويج العبثي لبيريس رئيسا للحكومة حتى ابقاء شارون المتوقع في منصبه بعد ان نقض كل وعوده. ليس هناك شيء مستحيل في بلاد النقائض. لا عجب مثلا في ان هناك اغلبية مع الشيء الاخير الذي يمكن للجهاز السياسي ان ينتجه – الحل الوسط مع الفلسطينيين – وفي نفس الوقت نجد هذه الاغلبية تصوت الى جانب العكس من ذلك تماما.الناخبون الحائرون يهرولون بجموعهم وراء "شينوي"، الذي ينفي وجود "شاس" لذلك لن يسمح لـ "الليكود" بتحقيق نزعة قومية اخرى: التواجد مرة اخرى في حكومة وحدة. وفي داخل كارثة اقتصادية، فإن تفضيلاتهم في الصندوق تميل الى الحزب الذي جلبهم. في انتخابات العكس هذه سيحص الناخبون على ما لا يريدونه، وبنسبة تركيز اعلى. لأنه الدلائل تقول انهم سيحصلون على تحالف يمين رافض سيعمق ضائقتهم الاقتصادية. قد تكون الشبهات المتشعبة حول الفساد سببا في اثارة غثيانهم، لكن ذلك لا يضايقهم بالضبط. بالعكس: قبل اسبوعين، وعندما بدا لاول مرة في هذه الحملة المتدنية ان الليكود سيتلقى ضربة بسبب ملفات الفساد، حدث العكس تماما.
يصل عدد اصحاب حق الاقتراع في اسرائيل اليوم 4،3 مليون ناخب، وهو يشمل ابناء الثامنة عشرة فما فوق والمسجلين على انهم سكان دائمون في البلاد، باستثناء العرب الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة، والدروز في هضبة الجولان السورية المحتلة، وافراد جيش لحد الموجودين في اسرائيل وعائلاتهم، ممن لا يحق لهم التصويت في الانتخابات.
أعدّ حزب السلطة الاسرائيلية الحاكم، "الليكود"، حملة انتخابية خاصة بالمترددين، تلك "الاصوات العائمة" التي يقال انها ستحسم في حجم المعسكرين الكبيرين، اليمين واليسار، بعد ان باتت نتيجة الانتخابات بين الحزبين الكبيرين، "الليكود" و "العمل"، محسومة في صالح الاول.
وتقول الاستطلاعات ان نسبة هذه المجموعات من الناخبين تصل في قطاعات معينة الى اربعين بالمائة، لكن نسبتهم العامة من مجموع الناخبين الاسرائيليين لا تقل عن عشرين بالمائة.
في السبت الماضي ليلا، أضرمت النار في المقر الانتخابي لحزب "يهدوت هتوراه" في القدس، وإلى جانب الكنيس التابع لزعيم التيار "الليطائي"، الراب يوسف شالوم إلياشيف، رُسم صليب معقوف. ويدعي نشطاء "يهدوت هتوراه" أنهم يعرفون من قام بهذه الأعمال، لكنهم يترددون بإعطاء الأسماء للشرطة. من الواضح لديهم أنهم جاءوا من جمهور "الحريديم" نفسه.
الصفحة 104 من 119