بقلم: مئير إلـران (*)
بعد أربع سنوات تقريبا من حرب لبنان الثانية (2006) وأكثر من سنة ونصف السنة من عملية "الرصاص المصبوب" (الحرب على غزة) ضد حركة "حماس" (شتاء 2008- 2009) ثبت أن الردع، كأداة مركزية في أمن الجبهة المدنية، يعمل ويؤثر على الأقل حتى الآن. وعلى الرغم من أن "حزب الله" يواصل بناء قدراته العسكرية، إلا إنه يحافظ بصرامة على وقف إطلاق النار، وهي أطول فترة من الهدوء منذ سنوات عديدة على الحدود الشمالية مع لبنان، كما أن حركة "حماس" تمتنع من جهتها عن إطلاق الصواريخ على جنوبي إسرائيل، وتقوم بكبح محاولات الفصائل الأخرى التحرش بإسرائيل، وتركز جهودها على توطيد سلطتها في قطاع غزة وتحسين قدراتها الهجومية. غير أن الكثيرين لا يتوقعون أن تستمر فترة الهدوء النسبي هذه لوقت طويل. والاعتقاد السائد هو أن الحديث يدور على وقت مستقطع وأن التهديدات للجبهة المدنية الإسرائيلية تزداد وتتصاعد باستمرار. وتعتقد المؤسسة الأمنية وخبراء من خارجها أن على إسرائيل أن تعد نفسها لسيناريو ذي احتمالية عالية جداً في المستقبل القريب من المواجهة المكشوفة، سيكون "حزب الله" و"حماس" وربما سورية أيضا أطرافا ضالعة فيها، علما أن هذه الأطراف كافة تمتلك قدرة على ضرب أي منطقة مأهولة في إسرائيل تقريبا، وبمستوى من الدقة آخذ في الازدياد، كما أن في حوزة سورية رؤوسا حربية غير تقليدية. ولا بد من أن نضيف إلى هذا التهديد إمكانية تجدد الهجمات الانتحارية، كما كان عليه حجم استخدام هذا النمط من العمليات في أثناء الانتفاضة الثانية، وربما أيضا بمساعدة مباشرة أو غير مباشرة من جانب إيران، وكل ذلك وسط ضرورة الانتباه إلى انعكاسات استكمال البرنامج النووي الإيراني في المستقبل. فهذه الإمكانية ستكون بالضرورة عاملا حاسما يجب تفحصه بحذر شديد لغرض بلورة نظرية دفاعية شاملة وجذرية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي حد ستستغل إسرائيل بأفضل صورة الزمن المتبقي إلى حين تبدد وزوال تأثير قدرتها الرادعة، بحيث يكون السكان المدنيون، في جولة المواجهة المقبلة، مستعدين كما يجب للصمود أمام التهديدات المتربصة بهم؟. إن الإجابة عن هذا السؤال ليست قاطعة. فمن جهة، حققت حكومة إسرائيل - بواسطة أجهزتها وهيئاتها المختلفة التي لا يتوفر في بعض الأحيان تنسيق كاف فيما بينها- تقدما كبيرا جداً في عملية الجاهزية المركبة، ومن جهة أخرى هناك عدة مسائل أساسية لم تجد حلا لها بعد، وهو ما يمس بالتقدم الذي أحرز حتى الآن.
في هذا المقال سنحاول تفحص معادلة الجاهزية وتقدير مستوى الجاهزية الراهنة للجبهة المدنية لجولة مواجهة أخرى قادمة .
تقدير مكوّن التحسن
اتخذت خلال السنة الأخيرة جملة من الخطوات التي تستحق التقدير- بعضها يمثل بداية عملية طويلة، مع أنه لم يستكمل أي منها- والهادفة إلى دفع جاهزية الجبهة المدنية في إسرائيل. ولعل العنصر أو المكون المشجع أكثر من سواه حتى الآن هو التنفيذ المنهجي لمناورات الاستعداد والجاهزية على مختلف المستويات والتي تمثل مظاهر مختلفة لتوجه عام للمدى البعيد. وتتناول المناورات سيناريوهات تهديد مختلفة، تشرك سائر الجهات التي تشترك في استعدادات الطوارئ وتساهم بشكل مباشر في تحسين القدرة المهنية للجهة الأولى التي تعطي الجواب أو الرد. وتعتبر هذه المناورات مهمة أيضا في نقل المعرفة للجمهور بصورة عامة مع التركيز على المدارس، فيما يتعلق بأشكال وطرق مواجهة انعكاسات المخاطر المختلفة.
ثمة عنصر مركزي آخر يستقطب اهتماما عاما وهو مجال التحصينات. وتتضمن النظرية الرسمية أربعة مكونات:
المكون الأول: التحصين الشخصي، الذي يفترض معالجته بمساعدة الكمامات الواقية التي توفر رداً على التهديد الكيميائي. فبعد فترة طويلة من التردد والجدل قررت الحكومة في مطلع العام 2010 الشروع بتوزيع الكمامات الواقية على مجمل السكان وعلى مدى فترة تصل إلى ثلاث سنوات. غير أنه لم تخصص، من جانب آخر، ميزانية لهذا المشروع بأكمله، ولذلك فإنه شمل حتى الآن ثلثي السكان فقط.
المكون الثاني: التحصين العائلي المستند إلى قرار الحكومة من العام 1991 والذي يلزم ببناء ملجأ محصن في كل شقة سكنية جديدة. نتيجة لذلك فإن قرابة ثلث الشقق السكنية في الدولة باتت محصنة الآن وقادرة على توفير حماية ملائمة حيال سيناريو انفجار 500 كغم في مدى- مسافة- 15 متراً بالإضافة إلى توفير حماية من المواد الكيميائية. في المقابل فإن خطة تحصين الشقق القديمة فشلت من ناحية عملية، وهي موضع إعادة نظر تهدف إلى جعلها خطة مغرية أكثر للجمهور. إلى ذلك، يجري الآن تنفيذ مشروع خاص لتحصين البيوت في منطقة "غلاف غزة"، وقد استكملت المرحلة الأولى من هذا المشروع في آذار من العام الجاري.
المكون الثالث: التحصين المؤسسي، ويتناول بالأساس المدارس والمستشفيات، وهنا تبدو الصورة أكثر تعقيداً، كما أن الميزانيات التي تخصصها الحكومة لهذا الغرض محدودة.
المكون الرابع: هو التحصين العام (الجماهيري) الذي يبدو فيه الوضع مختلفا مقارنة مع الاحتياجات، على الرغم من بعض التحسينات المحلية التي أتيحت بفضل تبرعات للسلطات المحلية.
وإجمالا لهذا الموضوع، يبدو أن إسرائيل لم تصل بعد إلى الحسم في مسألة الاستثمار في التحصينات المدنية، فالتكاليف عالية، بينما القيمة الإضافية لها ما زالت موضع شك. مع ذلك فإن الضغوط السياسية المستمرة إلى جانب الفهم بأن التحصين يساهم أيضا في تعزيز الشعور بالأمن لدى المواطنين، يبقيان المسألة على مائدة النقاش.
وتبدو الصورة أكثر وضوحا بقليل حين يتناول الحديث مسألة تحصين البنى التحتية الوطنية بشكل عام، والبنى والقواعد العسكرية بشكل خاص. وكما يبدو فقد استوعبت المؤسسة العسكرية - الأمنية انعكاسات تهديد منظومات الأسلحة الصاروخية على منشآتها، وخاصة سلاح الجو، وقواعد الاستخبارات والقيادات العليا. ويقضي الفهم المتبلور بأنه إذا ما ضربت قواعد حيوية ومناطق انتشار قوات عسكرية بواسطة الصواريخ المتقدمة والدقيقة أكثر، فإن الأمر سيؤثر على قدرة الجيش الإسرائيلي في أن ينفذ بحرية وباستمرار خططه الهجومية. والنتيجة هي تخصيص أكبر من الماضي للموارد لصالح التحصين المادي- الجسدي بالإضافة إلى التهيئة العقلية للجنود وعائلات الذين يخدمون في قواعد سلاح الجو، وذلك من منطلق فرضية مؤداها أن هؤلاء سيشكلون "هدفا" للصواريخ، وتتطلب مسألة البنية التحتية المدنية ومن ضمنها البنى التحتية الإعلامية والحاسوبية، نظرة أكثر جدية للتهديد الذي سينشأ عن امتلاك أعداء إسرائيل صواريخ أكثر دقة من الصواريخ الموجودة حاليا في حوزتهم، وربما سيطورون أيضا قدرات "إرهابية" في مجال أسلحة الدمار.
في الوقت ذاته فقد سجل تقدم في تطوير قدرة الدفاع العسكرية الفعالة لدى إسرائيل في مواجهة تهديدات مختلفة للصواريخ والقذائف الصاروخية، وهناك تقدم ملموس في تطوير ونشر بطاريات الصواريخ الاعتراضية "حيتس 2" وشبكة الدفاع الجوي للمدى المتوسط "الصولجان السحري" المقرر نشرها في العام 2014، ولكن الإضافة الأخيرة لمنظومة الدفاع الفعالة تتمثل في منظومة المدى القصير "القبة الفولاذية"، والتي جرى تطويرها في سلطة تطوير الوسائل القتالية "رفائيل"، وأعلن أنها جاهزة للاستخدام التنفيذي في الربع الأول من العام الحالي (2010). وقد ظلت هذه المنظومة، منذ بداية تطويرها عقب حرب لبنان الثانية (2006)، موضع خلاف وجدل صاخب، والآن بعدما أصبحت جاهزة للنشر من قبل سلاح الجو، ليس من الواضح متى وبأي حجم وأين سيتم نشر البطاريات التالية بعد الأولى المخطط نصبها في أحد قواعد سلاح الجو، كما أنه ليس من الواضح ما إذا كانت تجمعات سكانية مهددة ستحظى بحماية هذه المنظومة، كما تعهدت علنا القيادة السياسية الإسرائيلية.
إن قرار الولايات المتحدة منح إسرائيل مبلغ 250 مليون دولار لتمويل التزود بهذه المنظومة سوف يحسن الوضع لكنه لن يحل المشكلة، فالنقاش بشأن المنظومة وجدواها واستعمالاتها ما زال مستمرا، ذلك لأن تكلفة الدفاع عن أهداف مدنية باهظة جداً، ويميل الكثيرون إلى تفضيل حماية مقدرات البنى التحتية الوطنية على حماية السكان المدنيين.
انعكاسات التحسن
على المناعة الاجتماعية
إن هذه الخطوات وغيرها الكثير، والتي تهدف إلى دفع جاهزية وقدرة الدفاع عن النفس لدى الجبهة المدنية، تساهم أيضا في تعزيز المناعة الاجتماعية لدى الجمهور. والفكرة الموجهة هي إعداد وتهيئة السكان المدنيين لمواجهة انعكاسات صعبة لحالات الطوارئ في أثناء مجابهة عسكرية والانتعاش السريع والعودة إلى الحياة العادية بعد أحداث صادمة. ويدرك اليوم الخبراء في مجال إدارة الكوارث الكبرى بأنه إذا لم يتم تحقيق وصيانة مستوى معقول من المناعة الاجتماعية، فإن صانعي القرارات قد يكونون عرضة لضغط سياسي ثقيل من جانب جمهور منهك ومنهار، وبالتالي فإنه سيلحق ضرر شديد بحرية عملهم في إدارة النزاع الشامل.
معظم القادة وذوي المناصب العليا المنشغلين في مجال حماية الجبهة المدنية يعبرون في الكثير من الأحيان عن فهمهم بأن المناعة الاجتماعية هي مكون مهم في إعداد الجبهة الداخلية للمواجهة المقبلة. لقد بات مصطلح "مناعة"، بمعان كثيرة، واحدا من المفاتيح الأساس المتعارف عليها. فقائد قيادة الجبهة الداخلية، الجنرال يائير غولان، عرف مؤخرا هذا الاصطلاح أو المفهوم على أنه "قدرة المواطنين ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني على أن يجتازوا بنجاح الأزمات، عن طريق صيانة القدرة الأدائية والتكاتف الاجتماعي وشرعية الحكومة، بغية الحد من الضرر الناجم وتحقيق الانتعاش في أسرع وقت". في السنوات الأخيرة يجري تنفيذ عدة مشاريع ملموسة لتحسين المناعة الاجتماعية في عدة مدن في أنحاء الدولة. وتركز هذه المشاريع على المستوى الجماهيري، وتضمن ملاءمة وإعادة تصميم منظومات اجتماعية وسياسية محلية بغية تهيئة السكان المدنين لأوضاع أزمات وطوارئ. وتشمل المكونات الرئيسية لهذه المشاريع، التي يختلف أحدها عن الأخر في التخطيط والتنفيذ، لكنها متشابهة من حيث الجوهر، تطوير زعامة محلية ودفع التعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص، ونشر المعلومات ودفع الجاهزية الجسدية/ المادية والعقلية، مع التأكيد بشكل خاص على جهاز التعليم وعلى جوانب الرفاه والصحة العامة. وتجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بمجال إدارة الكوارث الكبرى أخذ يزداد في السنوات الأخيرة لدى المجتمع الأكاديمي أيضا، وفي هذا الإطار طورت عدة مؤسسات ريادية في التعليم العالي خططا وبرامج خاصة في هذا المجال. ولكن السؤال الجوهري هو: بأي حد تساهم هذه النشاطات والجهود بالفعل في دفع وتحسين مناعة الجمهور الإسرائيلي توطئة لنشوب حرب على الجبهة الشرقية؟!
من ناحية فعلية فإن الترابط والتنسيق بين البرامج والخطط المختلفة ليسا منهجيين إذ لا توجد خطوط موجهة مشتركة للمشاريع المختلفة، كما لا توجد معايير متعارف عليها لتقدير نتائج المبادرات المختلفة في هذا المضمار. على أية حال، ثمة حاجة إلى منهجية متفق عليها لقياس وتقدير المناعة الاجتماعية للمجموعات المختلفة وللجمهور بشكل عام في أثناء الأزمات. هناك توافق على وجوب العمل على تعظيم المناعة الاجتماعية مسبقا، قبل نشوب الأزمات وقبل وقوع الضرر. كذلك ثمة توافق عام فيما يتعلق بالمكونات المطلوبة لدفع وصيانة المناعة الاجتماعية، وأهمها نجاعة المكلفين بتوفير الرد الأولي في حالة الطوارئ، وقدرة الرد والعمل الذاتي لدى المجتمعات والمواطنين ومستوى أداء القيادة.
إن تحسين النجاعة والكفاءة المهنية لدى المكلفين بتوفير الرد الأولي (الشرطة الإسرائيلية ونجمة داود الحمراء- الإسعاف الأولي- ومصلحة الإطفاء وغيرها) هو شرط ضروري لمواجهة حالة الطوارئ. ويمكن الافتراض أن السلطات المختلفة توظف جل الجهود وفقا لقيود الميزانية، بغية الوصول إلى أعلى المقاييس والمعايير في مجال تفعيل القوة. وتعتبر إسرائيل دولة متصدرة عالميا في مجال الرد في حالات الطوارئ. لكن ذلك لا يعني أنه لا يمكن عمل المزيد، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق والتعاون بين الهيئات المختلفة.
حتى الآن ما زالت نقطة الضعف تكمن في القيادة والسيطرة، وبعبارة أخرى، المسؤولية في ساحة العمل. نظريا هناك إقرار متزايد بالدور القيادي للسلطات المحلية كعامل مركزي يفترض أن يقود سائر الأجهزة في حالة الطوارئ. ولكن الوضع ليس كذلك فعليا، كما ثبت في أثناء عملية "الرصاص المصبوب"، والتي برهنت على التفوق الأدائي لقيادة الجبهة الداخلية. حتى الآن لم تحل مسألة المسؤولية، لا نظريا ولا عمليا، وذلك بسبب الشكوك المتعلقة بالقدرة الحالية للكثير من السلطات المحلية على ممارسة صلاحياتها وسلطتها على الهيئات الأخرى التي توفر رداً أوليا في أثناء حالة الطوارئ.
ثمة تحد مركب أكثر وهو دفع المناعة الاجتماعية وتعزيز قدرة الرد لدى المجتمعات المحلية ذاتها. ووفقا لإحدى الفرضيات السائدة فإن المجموعات الأكثر قوة من ناحية اجتماعية ستكون أكثر صمودا في أثناء الأزمات، الأمر الذي قد يؤدي إلى الاستنتاج المنطقي بأن ثمة ضرورة لتعزيز النسيج الاجتماعي والاقتصادي لدى المجموعات الضعيفة، بما في ذلك لغرض الصمود في أثناء حالات الطوارئ والأزمات. وعموما فإن الحديث يدور على عملية طويلة ومركبة، تحتاج إلى ميزانيات كبيرة، من المشكوك أن يتم رصدها لهذا الغرض. وفي هذه الأثناء يمكن عمل وتحقيق الكثير من أجل تجسيد العنوان القائل "المجتمع الفاعل هو المجتمع المحصن"، ويشمل ذلك ما يلي: تحسين العلاقات والاتصال بين أعضائه؛ تشجيع انخراط المواطنين في مشاريع الجاهزية في أوقات الطوارئ، تشجيع التعاون بين القطاعين الخاص والعام؛ توسيع انخراط ودور المنظمات غير الحكومية والمتطوعين في المواضيع المرتبطة بمناعة المجتمع المحلي؛ توعية الجمهور باحتياجاته ومسؤوليته.
إن الفجوة الأكثر ملموسية بين المرغوب والموجود فيما يتعلق بجاهزية الجبهة المدنية في إسرائيل قائمة في مجال الزعامة (القيادة) والمسؤولية. وتبرز هذه الفجوة بشكل أساس في المستوى القطري، ولكن في الكثير من الأحيان في المستوى المحلي أيضا، ففي كلتا الحالتين ثمة ضبابية مستمرة فيما يتصل بهوية الجهات المسؤولة عن إعداد الأجهزة المدنية والسكان لحالات الطوارئ وعن إدارة الأجهزة في وقت الأزمة. هناك تحد مرتبط، مركب للغاية، وهو نوعية القيادة ومستوى الالتزام المطلوب منها بغية الوصول بقدرات المواجهة لدى الجمهور إلى أعلى مستوى ممكن.
التحديات للمستقبل
القريب
وضعت الجبهة المدنية الإسرائيلية خلال العقد الأخير أمام ثلاثة اختبارات قاسية، وهي الانتفاضة الثانية، حرب لبنان الثانية وعملية "الرصاص المصبوب".
ورغم أن السنة الأخيرة وصفت على أنها السنة الأكثر هدوءا واستقرارا منذ عقدين، ثمة من يتوقع تصعيدا أمنيا في المستقبل، يضع المواطنين الإسرائيليين أمام تهديدات وأوضاع صادمة، جنبا إلى جنب عملية بلورة الجاهزية المستمرة من دون توقف للمدى البعيد وتحسن المناعة الاجتماعية، هناك عدة مواضيع ملحة ينبغي أن تشكل رافعة لتحقيق تقدم ملموس . وتدور هذه المواضيع كافة حول الزعامة (القيادة) والمسؤولية والقدرات التنفيذية.
فبعد مرور ثلاث سنوات على إقامة سلطة الطوارئ الوطنية ("رحال")، لم يطرأ أي تغيير حقيقي في بنية الجهاز المسؤول عن الجبهة المدنية في إسرائيل، لجهة إصلاح الثغرات التي تكشفت في حرب لبنان الثانية (2006). فما زالت هناك حاجة لآلية أو جهاز دستوري متفق عليه يجسد المسؤولية والسلطة أو الصلاحية، ويقود منظومة الأجهزة بصورة منسقة نحو مجابهة التحديات المستقبلية. وقد صممت "رحال" منذ البداية لتعمل كـ "هيئة تنسيقية إلى جانب وزير الدفاع تساعده في تجسيد مسؤوليته الشاملة تجاه معالجة الجبهة الداخلية في جميع حالات الطوارئ"، وفي أوقات الأزمة "على تركيز خطة لمساعدة وزير الدفاع في اتخاذ القرارات المتعلقة بالجبهة الداخلية [...] ومتابعة تنفيذها". لكن هذه الهيئة المقلصة، التي تعمل بتوجيه مباشر ودائم من قبل نائب وزير الدفاع، مقيدة جدا في قدرتها على العمل حتى على قدم المساواة إلى جانب قيادة الجبهة الداخلية الممأسسة والقوية، والتي ازداد تأثيرها ونفوذها في السنوات الأخيرة، والشرطة الإسرائيلية ووزارات الحكومة الأخرى، مثل وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم أو وزارة الرفاه الاجتماعي. عمليا، يبدو أن ثمة اليوم، على المستوى القطري، خلافات بيروقراطية وسياسية أكثر مما يوجد تعاون حقيقي. إن هذا الوضع يتطلب إعادة تنظيم جذرية. كذلك فإن السلطات المحلية يجب أن تشكل "حجر الزاوية" في إدارة الأزمات، لكن الكثير منها يواجه ويعالج بصعوبة مهامه الاعتيادية الروتينية، وغير قادر على أخذ المسؤولية الشاملة عن حالات الطوارئ والأزمات على عاتقه. وحتى تتمكن هذه السلطات من تولي المسؤولية اللازمة عن إدارة الساحة في أثناء الطوارئ، إلى جانب الهيئات الأخرى، فإنه لا بد من تزويدها بالوسائل الأساسية للنهوض بهذه المهمة الجسيمة. إن الجهة الوحيدة القادرة على تزويدها بهذه الوسائل والصلاحيات هي الحكم المركزي.
تجدر الإشارة إلى أن السلطات المحلية التي وصلت إلى مستوى جاهزية معقولة ولعبت دورا قياديا حيال الهيئات الأخرى العاملة في منطقة نفوذها أو سلطتها فعلت ذلك بالأساس اعتماداً على مواردها الذاتية، وهذه السلطات هي بالطبع السلطات الأكثر قوة من ناحية اقتصادية وسياسية.
ويمكن إجمال كل ما تقدم بالآتي: لقد أيد نائب وزير الدفاع متان فيلنائي بثبات ضرورة سن قانون جديد في الكنيست لتنظيم البنية السياسية والبيروقراطية للمسؤولية والسلطة على الجبهة المدنية. ثمة تقدم في هذا الموضوع، ومن المؤمل أن يوفر القانون الجديد جوابا ملائما للاحتياجات المهمة المتمثلة بوجود قيادة عليا ونجاعة، وخصوصا أن يوفر تعاونا وتنسيقا بين الهيئات والأجهزة المختلفة. ولا بد للقانون الجديد من أن يتطرق بشكل واضح وملزم إلى موضوع الميزانية المخصصة للجبهة الداخلية وأن يتضمن بنوداً لا لبس فيها فيما يتعلق بالدور القيادي للسلطات المحلية. إن التفكير المتجدد في هذا الاتجاه سيشكل أساسا متينا ورافعة لتحسين القدرات اللازمة للجبهة المدنية والمناعة الاجتماعية للجمهور الإسرائيلي في مواجهة التهديدات المتربصة به.
[ترجمة س. عياش]
______________________
(*) باحث كبير في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، وهو متخصص في شؤون الجبهة الداخلية. وهذا المقال هو أحد فصول "التقدير الإستراتيجي السنوي لإسرائيل - 2010" الصادر مؤخرًا عن المعهد.