المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم: مردخاي كريمنيتسر (*)

طالع مواطنو إسرائيل مؤخرا أنباء عن تأييد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اقتراحا يجعل منح الجنسية الإسرائيلية للمتجنس مشروطًا بقسم يمين الولاء لدولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية بدلا من دولة إسرائيل، كما يظهر ذلك حتى الآن في القانون.

إن هذا الاقتراح يعتبر شاذا في عالم التشريع. فالقوانين بطبيعتها تهدف إلى مواجهة مشكلات. ومنذ سنوات عديدة لم تواجه أية مشكلة متجنسين أظهروا عدم ولاء للدولة، ومن الواضح أيضا أن مثل هذا الإعلان - التصريح لا يشكل بأي حال من الأحوال مانعا أو عائقا أمام سلوك غير موالٍ. إن كل غاية الاقتراح هي خلق أو مفاقمة مشكلة. وتدل خلفية الاقتراح - والتي تتمثل في مشاريع قوانين بعيدة الأثر قدمها عضو الكنيست دافيد روتم [من حزب "إسرائيل بيتنا"]، ومجموعة من مشاريع القوانين الساعية إلى المس بالسكان العرب، بالإضافة إلى تصريحات وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان وفي سياق الاقتراح المتعلق بإدانة النائبة حنين زعبي- على غايته الحقيقية. فهو لا يهدف سوى إلى التشكيك في ولاء مواطني الدولة العرب، والذين يمكن الافتراض أن الكثيرين منهم غير مستعدين للتوقيع على إعلان (قسم) من هذا القبيل وذلك، من بين جملة أسباب أخرى، لأن الدولة عودتهم على أن تعبير "دولة يهودية" هو المفتاح لتبرير غبن الأقلية العربية والتمييز المنهجي ضدها، ولأن مصير المطلب الفلسطيني بتقرير المصير في دولة فلسطينية مستقلة ما زال مجهولا. وبصورة عملية، فإن الزوجين العربيين- عربي إسرائيلي وعربية من ديانته من الضفة الغربية أو من أي مكان آخر في العالم- اللذين يريدان الزواج وإقامة أسرة مشتركة في إسرائيل، سيواجهان صعوبة في تجنيس الزوجة. ومن هذه الناحية الأولية- لماهية وغاية القانون- فإن الاقتراح لا يجتاز اختبار أية غاية جديرة أو نزيهة. فغايته سيئة ومرفوضة. إن وضع علامة استفهام أو شك على مواطنة عرب إسرائيل، في الوقت الذي تشكل فيه المواطنة الأساس لمجمل حقوقهم في الدولة، هو استفزاز غايته تأليب السكان العرب. ولذلك من غير المعقول أو المنطقي أن تساهم حكومة إسرائيل في مثل هذا الاستفزاز.

خلافا لدول أخرى، ثمة في هوية إسرائيل عنصر خاص وأيديولوجي، إضافة إلى العنصر المتعلق بالأغلبية اليهودية، فضلا عن ذلك فإن ماهية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية لم تُرسخ أو تتوطد بعد، وهي موضع خلاف شديد في العمومية الإسرائيلية. فهناك عدد من المفسرين يعطون للتعبير معنى دينيا أو قوميا وطابعا ديمقراطيا باهتا وضعيفا للغاية. وبسبب هذا العنصر فإن الاقتراح يخلق مشكلة خطيرة من ناحية حرية الضمير والرأي. وفقا لمبدأ حرية الضمير والرأي (وهو مبدأ عالمي من الدرجة الأولى منصوص عليه في إعلان استقلال إسرائيل) فإنه لا يجوز إجبار يهودي حريدي، ليس صهيونيا أو غير ديمقراطي، على التصريح بقسم الولاء لإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، والتي هي حسب أحد معانيها دولة صهيونية وديمقراطية. كذلك الحال لا يجوز فرض هذا القسم على ملحد أو على من يتبنى الفصل التام بين الدين والدولة، تماما مثلما لم نكن لنحتمل رهن مواطنة يهودي في دولة أخرى بقسم ولائه لدولة مسيحية وديمقراطية.

إن طابع إسرائيل كدولة يهودية يضيف أيضا عنصرا دينيا إلى هذا التعريف إذ إن الانضمام إلى الشعب اليهودي يمر عبر التهويد. ويخلق هذا العنصر صعوبة من ناحية غير اليهود في التصريح بقسم الولاء لدولة يهودية. إن قبول الاقتراح يمكن أن يمنع نصير أمم العالم المسيحي من الحصول على جنسية (مواطنة) دولة إسرائيل. فلا يجوز إجبار شخص على التصريح بالولاء- ولو بطريقة غير مباشرة - لوجهة نظر أيديولوجية خاصة، أو لديانة معينة أو قومية معينة كشرط لكونه مواطنا، بل يكفي الولاء للدولة.

ليس هناك سبب وجيه يدعو إسرائيل لأن تعكس أمام العالم صورة دولة إقصاء منغلقة وانعزالية تعتبر أبوابها موصدة أمام كل من هو مستعد للالتزام بالولاء للدولة وقوانينها، ولكن ليس لوجهة نظر أيديولوجية معينة قائمة في أساسها. ورغم أن الاقتراح لا ينطوي على أية فائدة، إلا إنه ينطوي على أضرار كبيرة جداً سواء بالنسبة لنسيج العلاقات الحساسة والمشحونة بين الدولة وبين الأقلية العربية فيها، أو بالنسبة لصورة ومكانة إسرائيل في أسرة الشعوب.

ومع الانتباه إلى تاريخ الشعب اليهودي، فإنه ما من شعب في العالم يمتلك مبرراً قويا لإقامة دولة قومية خاصة به في وطنه التاريخي أكثر من الشعب اليهودي. إن من الغريب والمقلق أن حكومة إسرائيل تعمل بحزم على تقويض هذه البدهية، بدءا من الفكرة الغريبة التي تطالب بالاعتراف بذلك من جانب الفلسطينيين، وكأن تقرير مصيرنا منوط بهم، وانتهاء- حتى الآن- بمحاولة البحث عن دعم لطابع الدولة في التصريح بقسم الولاء من جانب المتجنسين. فذلك ينطوي أكثر من أي شيء آخر على عدم ثقة بالنفس- بشكل غير مبرر البتة - وبهوية الدولة الجلية كدولة الشعب اليهودي.

إن من شأن الاقتراح المذكور أن يثير انتقادات وخلافات شديدة، وأن يولد الانطباع الخاطئ بأن ثمة كثيرين بين يهود إسرائيل لا يقبلون بيهودية الدولة. وفي ميزان الفائدة والضرر ينبغي أن يسجل بأن الفائدة هي صفر وأن الأضرار جسيمة، لذلك يطرح السؤال: أين اختفى العقل والحكمة؟!

___________________________

(*) بروفسور في القانون ونائب رئيس "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" لشؤون بحث الديمقراطية. المصدر: موقع المعهد على شبكة الإنترنت. ترجمة خاصة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات