المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ليس جيداً.. وليس فظيعاً

بقلم: حيمي شاليف

نشرت دائرة الاحصاء المركزي في الآونة الأخيرة معطيات تفيد بأن 83% من سكان الدولة راضون عن الحياة، وجاء الرد السائد، على الأقل في وسائل الاعلام، على شكل ضحكة كبيرة، إذ تقريبا ليس في البلاد شخص واحد لا يصف الوضع الراهن بأنه كارثي، في جميع الميادين وبكل المعاني، ولذلك فإن معطيات دائرة الاحصاء استقبلت بشكل غريزي وكأنها اختراع من إنتاج وزارة دعاية في عهد تشاوشيسكو.


غير ان استطلاع "معاريف الموجة الجديدة" لرأس السنة يثبت في هذه النقطة ان لتلك المعطيات ما تستند اليه. فعندنا كذلك أعلن 76% من الجمهور انهم "راضون جدا"، ويا للعجب، أو مجرد "راضون" عن الحياة. فالدولة تتدهور، والانتفاضة تتواصل، والاقتصاد يتردى، والفساد يحتفل، وعرفات ايضا سيواصل جعل حياتنا مريرة في العام القادم، ولكن الاستنتاج العام لدى الجمهور في اسرائيل هو ان الوضع على خير ما يرام. من الجائز انه ليس جيدا، ولكنه فعلا غير فظيع.
وهذا التناقض، بين الواقع وبين الشعور العام، يتطلب، بداهة، تفسيرا. وربما ان الامر يتعلق بنوع من صدمة الحرب لجمهور مصدوم من ثلاث سنوات إرهابا. من الجائز ان الناس يرتاحون لعدم التذمر أمام طاقم استطلاع مجهول، وربما كذلك انهم يكذبون على أنفسهم من أجل ان تظهر الحياة أجمل. وبوسع كارهي الاعلام، من كل الاتجاهات، ان يزعموا ان كل أجواء الاحباط القاتمة هي أصلا نتاج خيال مشوه لعدد من الصحافيين الخائبين، في الوقت الذي يحتفل فيه "الشعب" منتشيا.
ولكن من المحتمل ان التفسير الحقيقي يكمن في الوطنية، بكل بساطة. فالاسرائيلي يستطيع ان يتذمر من الصباح حتى المساء، ولكن الإعلان الجارف بأنه غير راض عن الحياة هو بمثابة إعلان حجب ثقة. ورغم كل المصاعب، فإن اسرائيليا واحدا من كل خمسة يعلن انه كان يرغب في العيش في مكان آخر. وكان فيلسوف روماني قد كتب من القرن الاول ان "أحدا لا يحب بلاده لأنها كبيرة أو هامة، ولكنه يحبها لأنها ملكه". أو بكلمات اخرى، هذا ما لديه، وبهذا يجب ان ينتصر، أو على الأقل ان يحيا.
وكما هو متوقع، اختار الناس رئيس الحكومة أرييل شارون "رجل العام"، ولكن بفارق ضئيل عن شمعون بيريز، الذي استفاد بالتأكيد من قرب موعد إجراء الاستطلاع من حفل عيد ميلاده. وعميرام متسناع وبنيامين نتنياهو تنافسا، بداهة، على لقب "خيبة العام". أما ايهود باراك فقد حصل على أصوات أقل من صحافي في القناة الثانية للتلفزيون.
ورغم كل شيء، ما زال شارون خيار الفشل لدى الجمهور الاسرائيلي كرئيس للحكومة، فليس ثمة بين منافسيه المحتملين الأساسيين من يقترب من مكانته. ومن غير الواضح إن كان ذلك يشهد على قوة شارون أو على ضعف منافسيه، ومن الجائز ايضا ان هذا الوضع سيتغير ان أعلن أحدهم انه يتنافس فعلا على المنصب.
يعتقد معظم الجمهور ان لإسرائيل، على المدى البعيد، قدرة صمود اكبر من تلك التي يمتلكها الفلسطينيون، ولكن الوضع حتى الآن، هو تعادل بشكل أو بآخر، مع تمديد لا ينتهي.
الجماعات الأقل شعبية في الجمهور الاسرائيلي هي وفق الترتيب التالي: العرب، اليساريون، الحريديم وحركة شاس. وبكلمات اخرى، كل من هم في المعارضة.
معظم الجمهور لا يؤمن بأنه ستحدث في العام القادم أمور كبيرة، لا سيئة ولا جيدة.

معاريف 26/9/2003

لا مستقبل للجيل الصاعد

بقلم: سيفر بلوتسكر

الاسرائيليون يائسون. فللمرة الاولى يكشف استطلاع رأس السنة الذي تجريه صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن مخزون هائل من اليأس الكامن في قلب المجتمع الاسرائيلي. إذ يصف 43% من الاسرائيليين أنفسهم، عشية رأس السنة، باليائسين. وذلك مقابل 18% فقط من المتفائلين.
فبعد ثلاث سنوات من نشوب الانتفاضة، يجبي عبئها الاقتصادي والمعنوي ثمنه. وقد أصيبت بالضعف وتقلصت جينات التفاؤل المعهودة جدا لدى الاسرائيليين، وتغلبت عليها جينات التشاؤم. وهذا ليس من طبيعتنا، ولكن بعد 36 شهرا من الحرب الارهابية والأزمة الاقتصادية، تغير هذا الطبع، نحو الأسوأ.
والرسالة الأشد إحباطا في الاستطلاع تكمن في تقدير حوالى ثلاثة أرباع الجمهور 73% ان مستقبل الجيل الصاعد غير مضمون في اسرائيل. فما هو معنى "غير مضمون؟" إن ذلك يعني أننا، نحن جيل الآباء، فشلنا تماما، فشلنا فشلا ذريعا، في ضمان مستقبل أفضل لأولادنا، ولم ننجح في المهمة الأساسية لجيل مضى في توريث الجيل القادم شروط حياة أفضل.
ويأس هذا الجيل يلتقي مع يأس الجيل القادم ويعززه. وحسب نتائج الاستطلاع فإن 17% فقط من الاسرائيليين يعتقدون ان أبناءهم أكثر تفاؤلا منهم. ويعتقد 21% ان أولادهم أشد تشاؤما. وأن 26% من الاسرائيليين فكروا بالهجرة، وبالتأكيد فإنهم سيفسرون ذلك "من أجل الابناء". للأبناء ذاتهم الذين من أجلهم هاجر اليهود من دول الشتات الى دولة اسرائيل.
سنة عمليات اخرى
وفي الايام الفظيعة، ألقى التشاؤم ظله الاسود على توقعات العام المقبل. فالعام القادم، لن يكون حسب تقدير 80% من المشاركين في الاستطلاع، أفضل من السنة الماضية. فما كان هو ما سيكون، وسيكون سيئا وفقط أقلية ضئيلة، بين خمس وربع المواطنين، ترى في الشهور القادمة فرصة معقولة لانتهاء الانتفاضة ولتقدم ما في المفاوضات مع الفلسطينيين. وقد سلمت الاغلبية بست عمليات اخرى، وبانعدام اية مبادرة سياسية وببقاء ياسر عرفات في المقاطعة. وفقط 18% من الاسرائيليين يؤمنون بأنه سيتم طرد عرفات.

ويتجلى التشاؤم المثير لليأس في التآكل التدريجي والهام في صورة الزعامة لدى رئيس الحكومة شارون. فقد أخلى الاعجاب مكانه لعلامات الاستفهام. وحلت الشكوك محل المحبة. وعشية رأس السنة بقي شارون رئيس حكومة موثوقا فقط في نظر 49% من الاسرائيليين. وفي ذروة شعبيته بلغت مصداقيته 70%. وثمة أغلبية ضئيلة (53%) ما زالت تعتمد عليه، وهذا أقل بكثير من المتوقع في الوضع الخطير للمجتمع الاسرائيلي.
بل ان صورة شارون تصدعت في واحد من جدرانه الحديدية، معالجة الانتفاضة. إذ ان 51% من المشاركين في الاستطلاع يقررون ان معالجته للارهاب كانت فاشلة. وميزة شارون صارت عيبا.
وإذا كان التشاؤم السياسي الأمني غير أسود بما فيه الكفاية، فإن التشاؤم الاقتصادي هو قلب الظلام. فقط 26% من الاسرائيليين يتوقعون تحسن الوضع الاقتصادي في العام القادم. وينظر 37% الى الامام بخوف متصاعد. وفي نظرهم، الوضع سوف يزداد سوءا.
وماذا عن جيوبنا؟ سوف تفرغ: 43% من مواطني اسرائيل يتوقعون تفاقم سوء الوضع الاقتصادي الشخصي. وهي النسبة ذاتها التي تبدت في شباط 2003. وتكفي توقعات محبطة كهذه كي يغدو الوضع الاقتصادي أشد سوءا. فالناس اليائسون، الذين يخشون على مصيرهم الاقتصادي، يشترون أقل ويستثمرون أقل. كذلك فإن اليائسين لا يتمردون.
ووزير المالية بنيامين نتنياهو على ثقة بأن الجمهور لا يعرف الوضع: "حتى الآن لا يستوعب ما يجري هنا". فما الذي يجري؟ تحول كبير نحو الأحسن، حسب نتنياهو. ولكن معظم مواطني اسرائيل يختلفون معه ومع سياسته. 58% من الاسرائيليين لا يثقون بقدرة نتنياهو على قيادة الاقتصاد بنجاح. 56% يرون أداءه بشكل سلبي، و55% من الاسرائيليين يعتبرونه وزير مالية عديم المصداقية.
ووزراء المالية يعانون على وجه العموم من شعبية متدنية. وهذا يرتبط بالوظيفة. ويعرقل نتنياهو ماضيه وحاضره. ومنذ توليه وزارة المالية تبدى كجزار، فكل بضعة أسابيع يفرض تقليصات جديدة. ومع ذلك ليست هناك أية مقارنة بين وضع نتنياهو في وزارة المالية لدى الجمهور وبين وضع سلفه، سيلفان شالوم، لمصلحة نتنياهو.
ليس من دون رون
ويرفض الرأي العام في أغلبيته الاتفاق الذي يتبلور لتبادل الأسرى مع حزب الله، والذي لن يشمل رون أراد. فقط 28% من المشاركين في الاستطلاع يؤيدون صفقة كهذه، وهناك 16% آخرون يميلون لتأييدها. ويعارض الصفقة 40% وهناك 7% يميلون لمعارضتها. وشدة المعارضة أقوى من شدة التأييد. ومن بدأ المفاوضات للتبادل مع حزب الله، وفق شروطه، لم ينجح في إقناع الجمهور بحيوية ذلك.

يديعوت أحرنوت 26/9/2003

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات