المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب محمد دراغمة

وضعت عملية تفجير الحافلة الإسرائيلية في القدس الغربية (19/8) الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، على مفترق طرق جديد، فإما العودة إلى مرحلة ما قبل الهدنة بكل ما فيها من مرارة العنف المنفلت، وإما سلوك مسار جديد للهدنة يلتزم فيه الجانبان بوقف كل أشكال وألوان العنف ضد الآخر.

فالمسار الأعرج السابق للهدنة التي أعلن عنها قبل أكثر من شهر ونصف قاد إلى الحالة الراهنة التي يقف فيها الطرفان اليوم أمام احتمالات الانفجار أكثر مما يقفان أمام أي من الاحتمالات الأخرى.

فقد حمل مسار الهدنة الفلسطينية معه من الثغرات ما يكفي لتعريضها لخطر الانهيار في كل لحظة وأمام أي حادث.

فالجانب الفلسطيني أعلنها هدنة مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر قابلة أو غير قابلة للتمديد، وذلك اعتماداً على تجاوب أو عدم تجاوب الطرف الآخر معها.

والطرف الآخر (الإسرائيلي) تجاهل ما تعنيه الهدنة من توقف للعنف ظهرت مزاياه في فترة امتدت حوالي شهر ونصف الشهر، غابت فيها عن الشاشات صور الأشلاء المتناثرة، واعتمدت سياسة تقوم على تغيير مسار الحرب وليس وقفها.

وبموجب السياسية الجديدة توقفت إسرائيل عن "العمليات الفاقعة" من اغتيال مباشر من الجو أو الأرض، وتوقفت أيضاً عن عمليات الاجتياح الشامل لمناطق السلطة الفلسطينية في غزة بما اصطبغت به من حصد أعداد كبيرة من الأرواح، لكنها واصلت العمليات الخاصة التي تستهدف كوادر وقيادات الأجنحة والمجموعات العسكرية.

وفي مستوى مواز واصلت إسرائيل مشروعها في بناء الجدار الفاصل الذي يحصد في طريقه مساحات هي الأوسع منذ الاحتلال عام 67، حتى بات يهدد في مراحله النهائية ما يزيد عن 50% من أراضي الضفة التي تضيق كل يوم على أهلها.

وعلى المستوى السياسي بقيت المفاوضات بين الجانبين أسيرة العقلية التفاوضية التقليدية الإسرائيلية التي تتوه فيها قضية وطنية تاريخية لشعب كبير قوامه ما يزيد عن تسعة ملايين نسمة في تفاصيل حياتية تتمحور حول بقاء أو عدم بقاء الحواجز على مداخل المدن، ومنح أو عدم منح المقاتلين الفلسطينيين الأمان في مدنهم.. وغير ذلك.

وتحولت إجراءات ما أطلقت عليه إسرائيل اسم "خطوات النية الحسنة" مقابل خطوة من قبيل الهدنة إلى ما يشبه المهزلة: إطلاق معتقلين لم يتبقَّ على نهاية أطول فترة حكم لواحد منهم أكثر من ثلاثة شهور، وإطلاق سراح جنائيين حريتهم قد تضر الفلسطينيين اكثر مما تنفعهم، وتسهيل المرور عبر حواجز الإذلال اليومي بدلاً من إزالتها.

وقد وضعت تطورات الموقف الإسرائيلي طيلة الفترة الماضية التي أعقبت الهدنة هذه المبادرة الفلسطينية على كف عفريت، فبدا من الطبيعي أن تتواصل ردود الفعل على كل فعل حتى عاد الوضع إلى حافة الانفجار مرة أخرى.

ويقول الدكتور باسم الزبيدي أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح: ما جرى غير مفاجئ، لأن الحكومة الإسرائيلية فهمت الهدنة على أنها فقط إحجام فلسطيني عن ممارسة.

وأضاف يقول: أي اتفاق يتجاهل جوهر القضية وهي قضية حقوق، ويتجاهل طبيعة المعركة، وهي معركة مع الاحتلال، لن يكتب له النجاح.

ويرى المراقبون أن الطريق الوحيد لمنع انفجار قد يستمر لفترة إضافية أخرى، يحصد فيها أعدادا أخرى من الضحايا بين الطرفين، يكمن في تصحيح مسار الهدنة بحيث تكون معه هذه الخطوة عملية تقف على ساقين بدلاً من ساق واحدة.

لكن الشروط التي تحاول الحكومة الإسرائيلية فرضها على الفلسطينيين، من قبيل الشروع الفوري في الاعتقالات، وتفكيك ما تسميه "المنظمات الإرهابية" لن تكون سوى وصفه أخرى لانفجار من نوع آخر لن يخرج منه أحد رابحاً، لا الفلسطينيين ولا الإسرائيليين...

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات