حتى الآن ثبتت صحة مقولة أن الحرب لا تندلع بين ديمقراطيتين. وكذا فإن مقولة أنه من الأفضل أن يتم عقد السلام مع دول ديمقراطية صحيحة أيضا: فالدولة الديمقراطية تلتزم باتفاقاتها، وكل حكومة جديدة تواصل السير من حيث توقفت سابقتها، وتتخذ قرارات على أساس التأييد الواسع – بخلاف الفئة المحدودة التي تستولي على الحكم والتي تصبح التزاماتها غير ذات معنى في اللحظة التي تستولي فيها فئة أخرى على الحكم في البلاد.
لقد حملت مقولات كهذه أشخاصا مثل ناتان شارانسكي وبنيامين نتانياهو على تأكيد أن إسرائيل الديمقراطية لا يمكن أن تصنع السلام مع الدول العربية غير الديمقراطية، وأن عليها الانتظار حتى تصبح هذه الدول ديمقراطية قبل توقيع اتفاقيات سلام معها. وإذا ما بقيت هذه الدول على حالها ولم تغير أنظمتها فإن على إسرائيل أن تطالب بهوامش دفاعية عريضة أثناء عقد السلام معها – عريضة إلى درجة تمنع هذه الدول مع عقد السلام معنا.
وفيما لم يتم في إسرائيل قبول هذا المفهوم بشكل واسع، ففي الولايات المتحدة، ولاسيما بالنسبة لإدارة بوش، فإنه يبدو أن القبول كبير لهذه الحجج: فقضية الدمقرطة تلعب دورا محوريا في الجهود الأميركية لدفع عملية السلام في المنطقة. وأي تعبير عن وجود تحفظ على هذا النهج الجديد يمكن تفسيره على أنه تحفظ على الديمقراطية، أو أنه، لا قدّر الله، تأييد للأنظمة الرجعية.
والحق هو أن أولئك الإسرائيليين الذين يثيرون مسألة الديمقراطية عند جيراننا كشرط مسبق لأي اتفاقية سلام ليسوا ممن يتطلع إلى ظهور الشريك الفلسطيني لكي يتم الاتفاق بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة فنتخلص من احتلال عمره 36 سنة ومن العبء الديموغرافي الذي سببه. هؤلاء يمينيون مقتنعون بأن الزمن في صالح إسرائيل، ويفهمون تماما أن العالم العربي لن يصبح ديمقراطيا في المستقبل القريب، ومستعدون أن ينتظروا ولو لعدة أجيال إلى أن تتغير الأنظمة المجاورة، لأنهم غير مستعدين لدفع ثمن السلام.
السؤال الحقيقي الذي يواجهنا ليس إن كان مفضلا أن نتوصل إلى اتفاقيات سلام مع جيران ديمقراطيين، ولكن ما إن كان يصح أن تنتظر إسرائيل عقودا إضافية إلى أن يحدث ذلك. أليست حقيقة أنه في العام 2010 سيكون هناك عدد من الفلسطينيين أكبر من اليهود غرب نهر الأردن كافية لحثنا على التوصل إلى اتفاق في وقت يسبق ذلك التاريخ؟ هل تستطيع إسرائيل تحمل عبء الاحتلال وإنفاق مواردها على المناطق المحتلة لعقود أخرى كثيرة؟ هل وضع الحرب المستمرة هو الوضع الذي نريد أن نربي أبناءنا وأحفادنا فيه بدلا من أن يعيشوا حياة طبيعية كما في معظم البلاد؟
كل من يجيب بالنفي يجب أن يستنتج أن السلام يجب أن يحل مع الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين عندما نجد التوازن الصحيح بين المصالح الوطنية للأطراف المختلفة بغض النظر عن الأنظمة. ربما أن الحرب لم تندلع حقا بين الديمقراطيات، ولكن معاهدات السلام والاتفاقيات الأخرى قد وقعت فيما بين الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية (وحتى بين إسرائيل وكل من مصر والأردن) بدون شعور أي طرف بالحاجة إلى طلب تغيير النظام عند الطرف الآخر قبل التوقيع. من المرجح أن يسرع السلام الإقليمي من عمليات الدمقرطة، ومن المرجح أن يحدث هذا أولا، لا أن تصبح أنظمة الشرق الأوسط ديمقراطية وأن يصبح المشهد بهذا جاهزا لاتفاقيات سلام مع إسرائيل.
إن جهود أميركا لدفع الديمقراطية في المنطقة تستحق منا الإعجاب والمساعدة. ونتذكر أن محاولات مشابهة بذلت من جانب الغرب في مصر وسوريا وبلدان عربية أخرى في الثلاثينات والأربعينات. وكانت تلك جهودا قوية تم بذلها في ظل وجود شعوب معظم أفرادها أميون، وقد فشلت. والمحاولة القادمة يجب القيام بها بحذر ومع الأخذ في الاعتبار ما حدث في الجزائر قبل سنوات قليلة عندما استغلت العناصر الإسلامية المتشددة النظام الجديد لأهدافها البشعة.
يوسي بيلين كان وزير العدل في حكومة إيهود باراك 1999 – 2001، ومهندسا لعملية سلام أوسلو.