شجب الكاتب العالمي جابرييل جارسيا ماركيز، الحائز على جائزة نوبل للآداب، المجازر التي يرتكبها رئيس الوزراء الاسرائيلي اريئيل شارون ضد الشعب الفلسطيني، ورشحه لنيل جائزة نوبل في القتل. وأعرب ماركيز، في مقال نشرت "الرأي" الأردنية ترجمة له، عن إعجابه ببطولة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم حرب الإبادة التي يتعرض لها، واعتبر أن حصول مناحيم بيجين على جائزة نوبل للسلام تكريماً لجرائمه بمثابة إحدى عجائب الدنيا.
وتالياً نص ما كتبه ماركيز:
إنه لمن عجائب الدنيا حقاً أن ينال شخص، كمناحيم بيجين جائزة نوبل في السلام، تكريماً لسياسته الإجرامية التي تطورت في الواقع كثيراً خلال السنوات الماضية على يد مجموعة من أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة، إلا أن الموضوعية تفرض أن نعترف بأن الذي تفوق على الجميع هو الطالب المجدّ اريئيل شارون. وعلى أي حال، فإن فوز مناحيم بيجين بجائزة نوبل للسلام يظل من عجائب الدنيا حقاً، ولا يخفف من دهشتي القول إن الدنيا مليئة بالطرائف، إن هناك ما هو أغرب.
المهم أن هذا ما حدث، ولا طريقة الآن لتبديله. فاز مناحيم بيجين بجائزة نوبل للسلام لسنة 1978، مناصفة مع أنور السادات، رئيس جمهورية مصر في حينه، جاء ذلك كنوع من المكافأة على اتفاقية براقة أرست قواعد السلام من طرف واحد هو العربي.
الرجلان اقتسما الجائزة، لكن المصير اختلف من أحدهما إلى الآخر، الاتفاقية ترتب عليها في حالة أنور السادات انفجار بركان الغضب داخل جميع الدول العربية، فضلاً عن أنه، ذات صباح من أكتوبر 1981- دفع حياته ثمناً لها. أما بالنسبة لبيجين، فلقد كانت هذه الاتفاقية نفسها بمثابة الضوء الأخضر، ليستمر بوسائل مبتكرة في تحقيق المشروع الصهيوني الذي لا يزال حتى هذه اللحظة يمضي قدماً. أعطته الجائزة أول الأمر الغطاء اللازم حتى يذبح – بسلام - ألفين من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات داخل بيروت سنة 1982.
المؤكد أن اتفاقيات كامب ديفيد، بالإضافة إلى جائزة نوبل للسلام، تجاوزت شخص مناحيم بيجين، لتشمل أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة، خاصة ناظرها الجديد اريئيل شارون. جائزة نوبل في السلام فتحت الطريق على مصراعيه لقطع خطوات متزايدة السرعة نحو إبادة الشعب الفلسطيني، كما أدت إلى بناء آلاف المستوطنات على الأرض الفلسطينية المغتصبة.
لن ننسى - نحن الذين نقاوم فقدان الذاكرة - الوعاء الفكري لممارسات النازية. ارتكز هتلر على نظرية المجال الحيوي لتحقيق مشروعه التوسعي باحتلال أرض الغير، وقد قال بيجين صراحة أن الأراضي المحتلة في 1967 هي ممتلكات يهودية ليس من حق أحد أن يطالب باستعادتها. الركيزة الثانية هي ما سماه الحل النهائي لمشكلة اليهود.
معسكرات الاعتقال سيئة السمعة كانت في نظره المخرج المناسب. إبادة جماعية، يولغ في سرد وقائعها لتبرير إبادة جماعية أخرى. أما حكاية الملايين الستة من اليهود ضحايا هتلر، فلقد انضمت إلى ترسانة الخرافات اليهودية، تمهيداً لإعادة ارتكابها من جديد تحت غطاء جائزة نوبل للسلام.
استندت نظرية المجال الحيوي الصهيونية إلى أن اليهود شعب بلا أرض، وأن فلسطين أرض بلا شعب. هكذا قامت الدولة الإسرائيلية، غير المشروعة في 1948. فلما تبين أن هناك شعباً، وأن في فلسطين شعباً يسكن في أرضه، كان من الضروري، حتى لا تكون النظرية، مخطئة إبادة الشعب الفلسطيني، وهو ما يتم بصورة منهجية منذ أكثر من خمسين عاماً، لكن جائزة نوبل للسلام، بالإضافة إلى اتفاقية كامب ديفيد، اتخذت شكل الإذن الدولي بالقتل الذي لا يجرمه أحد. وقد تمكنت أجهزة الإعلام التي يسيطر عليها اليهود من إقناع البلهاء في الغرب بهذه الأكاذيب، مستثمرة عقدة الذنب عند القتلة، فباركوا المزيد من المذابح، لولا أن العالم استيقظ فجأة على أن هناك شيئاً اسمه الشعب الفلسطيني. ولم يلفت الانتباه إليه تمثيله الدبلوماسي أو مشاركته في المحافل الدولية. ما لفت الانتباه إلى وجوده هو هذا الأنين الصادر عن شعب يتعرض للإبادة.
تهامس الجميع على استحياء: الظاهر أن هنا شعباً فلسطينياً، وأنه لسبب ما توارى عن الأعين طوال هذه السنوات. الشعب الفلسطيني بالفعل ظل مختبئاً في منطقة اسمها تجاهل الآخرين، اسمها ليل الضمير البشري. حسناً، ماالعمل الآن؟ الحل عثرت عليه مجموعة من أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة لتصبح فلسطين، تمشياً مع النظرية، أرضاً بلا شعب، وعلى الذين يتكاثرون كالأرانب ليقاوموا الفناء أن يبادوا بسلام.
وقد تصادف أن كنت في باريس، عندما ارتكب شارون - بغطاء من جائزة نوبل في السلام - مجازر صبرا وشاتيلا. قتل أثناء الغزو ثلاثين ألف فلسطيني أو لبناني، كما تصادف أن كنت في باريس عندما فرض الجنرال ياروزيلسكي سلطة العسكر ضد إرادة الأغلبية من شعب بولندا، أصابت الأزمة البولندية أوروبا بصدمة جعلتها تترنح من الغضب. أنا شخصياً قمت بالتوقيع على عدد كبير من البيانات التي تندد باغتيال الحرية في بولندا. كذلك، فقد شاركت في الاحتفالية التي أقيمت تكريماً لبطولة الشعب البولندي، بمسرح بيرادي بار) تحت رعاية وزارة الثقافة الفرنسية). وعلى العكس من ذلك تماماً ساد نوع من الصمت الرهيب عندما اجتاحت القوات الشارونية لبنان. علماً بأن أعداد القتلى أو المشردين هناك لا تسمح بأي مقارنة مع ما حدث في بولندا. ظهرت في الحال النظرية السوفييتية التي تدعو إلى الأخوة بين القوى العظمى على حساب أي شعب أو أي مذابح.
هناك بلا شك أصوات كثيرة على امتداد العالم تريد أن تعرب عن احتجاجها ضد هذه المجازر المستمرة حتى الآن، لولا الخوف من اتهامها بمعاداة السامية أو إعاقة الوفاق الدولي.
أنا لا أعرف هل هؤلاء يدركون أنهم هكذا يبيعون أرواحهم في مواجهة ابتزاز رخيص لا يجب التصدي لـه بغير الاحتقار. لا أحد عانى في الحقيقة كالشعب الفلسطيني. فإلى متى نظل بلا ألسنة، ولم أجد من يومها من يدعوني إلى أي احتفال ببطولة الشعب الفلسطيني في أي مسرح تحت رعاية أي وزارة.
هذا ما يدفعني الآن إلى التوقيع على هذا البيان بشكل منفرد. أنا أعلن عن اشمئزازي من المجازر التي ترتكبها يومياً المدرسة الصهيونية الحديثة، ولا يهمني رأي محترفي الشيوعية أو محترفي معاداة الشيوعية. أنا أطالب بترشيح اريئيل شارون لجائزة نوبل في القتل، سامحوني إذا قلت أيضاً إنني أخجل من ارتباط اسمي بجائزة نوبل. أنا أعلن عن إعجابي غير المحدود ببطولة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الإبادة، على الرغم من إنكار العظمى الأعظم أو المثقفين الجبناء أو وسائل الإعلام أو حتى بعض العرب لوجوده.
بشكل منفرد، إذن، أنا أوقع على هذا البيان باسمي، جابرييل جارسيا ماركيز.