يثير أداء أجهزة الإرشاد الاسرائيلية، في الأيام الأخيرة، تخوفات كبيرة بشأن الجلبة والفوضى اللتين ستسودان في إسرائيل، في حال إطلاق صافرات الانذار الحقيقية. فبعد حوالي سنة ونصف السنة من المداولات، والتنسيقات والتحضيرات، يبث جهازا الإرشاد والتعليمات، السياسي والعسكري، على إختلاف أذرعهما المتنافسة والمتناقضة، حاليًا، البلبلة والتردد والحرج، أكثر بكثير من المواطن العادي. ومع قليل من الجهد، فإن هذه الأحاسيس – بمساعدة الاعلام الالكتروني- ستنتشر بين الجمهور العام أيضًا.
وقد تحدثوا في الجهاز الأمني، في الأيام الأخيرة، عن الحاجة لتهيئة الجمهور بشكل بطيء، ومرتب ودقيق إزاء التطورات. "ميليمتر بعد ميليمتر، ومن دون إثارة الهلع الزائد"، كما قال مصدر أمني. والنتيجة، حاليًا، هي طوفان من التوجيهات، التدريج الرسمي فيما بينها غير واضح، وهناك شك كبير في تبرير صدورها. قبل أسبوعين، إقترحوا التزود بمواد عازلة، ولكنهم تحفّظوا فورًا وقالوا إن الحديث يدور في الواقع عن توصية قديمة، صحيحة دائمًا، ولا يدور الحديث حاليًا عن توجيه رسمي. في اليوم التالي، عشية خطاب بوش، استعد الجيش الاسرائيلي في الظهيرة لنشر توصية رسمية "باستكمال التزود بالمواد". ولكن أجّل وقتها وزير "الأمن"، شاؤول موفاز، المصادقة على التوجيه، وأقتُبِسَ، في حديث مع متصفحي إنترنت، كمن يفضل تأجيل التوجيهات إلى حين إلقاء الخطاب، يوم الثلاثاء فجرًا. ولم تمر ساعتان بعدها، حين صادق موفاز على التوجيهات. ولم تُعطَ أية تفسيرات مرضية.
وفي يوم الثلاثاء، طُلب من الجمهور أن يهيئ الغرف المأطومة، لكنه نُبّه من فتح علب الكمامات. هذا "الوقف" غير مفهوم: ما دام الناس يهيئون الغرف، فلماذا لا يفتحون علب الكمامات؟ وما دام الهجوم، بتقدير الجيش، حتميًا، فما الضرر الذي يمكن أن ينبع من تدرّب الناس على إرتداء الكمامات ليوم آخر إضافي، خاصةً أن الحديث يدور عن عائلات مع أولاد، عليها أن تتعامل مع تنويعة كبيرة من الكمامات، لأعمار مختلفة؟ الكثير من الاسرائيليين اعتمدوا المنطق السليم وفتحوا علب الكمامات، من دون علاقة بالتوجيهات. ولكنهم فضلوا في الجهاز الأمني أن ينتظروا، حتى أمس، إلى حين وصول "العبث" إلى ذروته، حتى الآن على الأقل.
في ساعات المساء عُقدت جلسة تشاور برئاسة قائد الأركان، موشيه (بوغي) يعلون، للبحث في خطوات الارشاد القادمة. وقرر يعلون، كما هو متوقع، الانتقال إلى المرحلة القادمة: فتح علب الكمامات وإصدار توجيه بحملها إلى كل مكان. وصادق وزير "الأمن" على القرار، وأنتظر ليصادق عليه رئيس الحكومة.
وقبل إنتهاء نشرة الأخبار المسائية في القناة الثانية، فحص روني دانيئيل، المراسل العسكري في القناة، ما تقرر في القيادة العامة. ولم يستصعب دانيئيل، وهو مراسل خبير ومتمرس، إكتشاف الجواب. ولكنه كان عندها خارج الاستوديو، ولذلك نقل الخبر عن التعليمات المرتقبة عن طريق الهاتف. وقد طور المحررون المسؤولون عنه، والقلقون من المنافسة التي تفرضها القناة "10"، الخبر الذي أعطاه دانيئيل. وبدلا من إنتظار بيان الناطق العسكري، قاموا بإذاعة الخبر أن قيادة الجبهة الداخلية توصي بفتح علب الكمامات وحملها إلى كل مكان (هل ستأمر القناة الثانية، في المرة القادمة، الناسَ، بالخروج من الغرف المأطومة؟). كان هذا في الثامنة والنصف ليلاً، وقد أدت إذاعة الخبر إلى حالة هلع عند المنافسين.
في القناة "10"، حيث كانت نشرة الأخبار فيها في ذروتها، توجهوا إلى ألون بن دافيد، المراسل العسكري. "كانت في الدقائق الأخيرة عدة أنباء عن فتح علب الكمامات"، طمْأنَ بن دافيد. "تحدثنا الآن مع قائد الجبهة الداخلية، الكولونيل يوسف مشلب، الذي أوضح لنا: لا توجد حاليًا تعليمات كهذه". بن دافيد ليس مذنبًا - هذا ما قاله له المصدر المخوّل، مشلب، الذي انتظر بالفعل مصادقة شارون (المراسلون الذين توجهوا إلى الناطق العسكري، في تلك الدقائق، حصلوا على إنكارات مشابهة، أيضًا). ولكن ويا للعجب، في الساعة 8:55 صدر بيان عن الناطق العسكري وفيه التعليمات الأصلية: فتح الكمامات وحملها. مثلما أذاع دانيئيل ومثما تم إنكاره.
وهاكم ما جرى أمس مع عائلة "يسرائيلي" (الإسم حقيقي)، وهي عائلة إسرائيلية عادية، ومطيعة من مدينة (مستوطنة) "موديعين". في الثامنة والنصف سمع أبناء العائلة في القناة الثانية أنه يجب التدرّب على إرتداء الكمامات، فأخرجوها من الملجأ البيتي وفتحوا علبها. بعد عدة دقائق، إنتقلوا إلى المنافسين في القناة "10" وسمعوا التعليمات العكسية. في التاسعة، في القناة الأولى، اكتشفوا أن التعليمات الأولى سارية بالرغم من كل ذلك. ومن عليهم أن يصدقوا؟
حسنًا صحيح، القيادة الداخلية دشّنت أستوديو جديدًا وجميلاً، وللناطقة العسكرية أستوديو خاص بها أيضًا، والكثير من المختصين من كل الجهات، الذين يقدمون التوصيات بشأن ما يجب توصية الجمهور به. ولكن فعليًا، الاعلام هو الذي يملي النغمة، والجهات الأيضاحية الرسمية لا تستطيع منافسة الاعلام في وتيرة عمله. في العام 1991 كان هناك ناطق عسكري واحد وإعلام إلكتروني أجبر على توحيد بثه، ولكن الآن هناك العديد من الموضحين، لا يجتمعون في هرمية واضحة، وهم يديرون منذ الآن عراكًا من الشتائم والشماتة. كما أن الترسبات الشخصية (الجيش مقابل وزارة الخارجية؛ الضابطة ميري ريغف، مركزة جهاز الارشاد القومي مقابل قائدتها السابقة، الناطقة العسكرية روت يارون) بدأت بلعب دورها - وهذا يحدث هذه المرة مقابل إعلام متعدد القنوات، ينقاد البعض منها أصلا إلى الجنون، أحيانًا، جراء الحرب على "الريتينغ".
(هآرتس 20/3، ترجمة: "مـدار")