قبل اسبوعين، في اعقاب عملية التفجير في حيفا، كتب دان مرغليت مقالاً وجّه فيه اللوم لنفسه على عدم الاستمرار في الكتابة التحذيرية من المماطلة في بناء واقامة الجدار الفاصل. حيرته هي الحيرة الكلاسيكية لدى كتاب المقالات ومحرري صفحات الرأي. هؤلاء واولئك غير معنيين بنشر ما قد نشر من قبل، واستعادة الآراء ذاتها، والتحذير مما تم التحذير منه من قبل.
لكن الواقع اقل اختلافاً وتنوعاً. في الأشهر الأخيرة، وتحت ستار التحضيرات للحرب ضد صدام، نجحت حكومة اسرائيل في دفع وتنفيذ سياسة وحشية جدًا ضد الفلسطينيين، بل وتصعيدها اكثر فأكثر، دون اي معارضة جماهيرية - لأن هذه المعارضة، ايضاً، تبدو مع مرور الوقت، مثل اسطوانة مشروخة. انها مملة.
بَلادة الأحاسيس وصلت الى درجة ان سلسلة الأحداث المتطرفة في الأيام الأخيرة لم تثر اي هزة في الرأي العام المحلي. هاكم التفاصيل الجافة: في يوم الاثنين (17/3)، قـُتل سبعة فلسطينيين في قطاع غزة، بينهم فتى في الـ 13 من العمر، وتم هدم منزل ناشط فلسطيني رافقه هدم عمارتين سكنيتين اخريين ملاصقتين له. وقبل ذلك بيوم، قتلت شابة امريكية حاولت اعتراض جرافة عسكرية اسرائيلية بجسدها. وفي نهاية الأسبوع الماضي، قتل اسرائيليان بنيران الجيش الاسرائيلي جنوب جبل الخليل.
ثمة العديد من الخطوط المتوازية بين موت الحارسين الاسرائيليين وموت الشابة الأمريكية، لكن وجه الشبه الأساسي هو في سهولة ملاحظة اليد الخفيفة على الزناد، في الحالتين. يكفي النظر الى نافذة سيارة الحارسين الاسرائيليين والى كمية الرصاصات التي مزقتها، او محاولة فهم مواصلة الجرافة العسكرية تقدمها بينما كانت الشابة تحاول اعتراضها وايقافها.
القتلى الاسرائيليون وصلوا، بالطبع، الى صدارة النشرات الاخبارية. الشابة الامريكية وصلت، بصعوبة، الى ذيول النشرات الاخبارية، ولم يتم التطرق الى موضوعها الا باقتضاب وبدون اي تفاصيل. في "نيويورك تايمز"، مثلاً، نشر عن مقتلها باسهاب وعرضت هناك رواية تقول ان الشابة قتلت في منطقة مفتوحة بينما كانت راكعة امام الجرافة العسكرية، كما يفعل زملاؤها اعضاء منظمتها في جميع مظاهراتهم. وقال اصدقاؤها انه حتى مكبر الصوت الذي كان بحوزتهم لم يسعفهم في جعل السائق يتوقف قبل ان يدوسها.
لكننا محظوظون (ليس واضحاً ان كان حظًا جيدًا ام سيئاً): فالأمريكيون ايضا، في جلَبة الحرب الوشيكة، ليس لديهم وقت لفتيات من هذا الصنف، ومن المرجح انهم هناك ايضًا لن ينشغلوا بها اكثر من يوم واحد. وهكذا، فان مقتل ريتشل كوري لم يسبب ضررًا جسيماً، ولذك سوف ننساه بأقصى السرعة.
المصيبة هي انه تمر اسابيع واسابيع اخرى، تتحول الى اشهر، تتحول الى سنين. الجيش الاسرائيلي يوغل في التطرف، اكثر فأكثر، في المناطق المحتلة والمحتلة مجددًا. وبالمقابل، تستغل حكومة اسرائيل الوقت لاحتلال المزيد من التلال وتحويلها الى مستوطنات غير قانونية تتحول، مع الوقت، الى مستوطنات عادية تماماً. بذريعة ان ليس ثمة من يمكن التفاوض معه، ووسط خلق تحالف هادىء بين رئيس الحكومة وبين المستوطنين الأكثر تطرفاً، يتم استغلال الوقت لتعزيز وتعميق السيطرة الاسرائيلية على الضفة الغربية وقطاع غزة. اننا نبني لكي نستطيع، لاحقاً حين تأزف ساعة التسوية، الاخلاء بحزن وأسى.
لكن ذلك سبق قوله مرات عديدة من قبل، فما الحاجة الى القول من جديد؟ بماذا سيساعد؟ ها هي الحرب في الخليج تبدأ، ولن يكترث احد بما يجري في المناطق (الفلسطينية). تستطيع الحكومة ان تفعل ما تريد. وحين نستيقظ ذات يوم، وسيكون ذلك متأخرًا جدًا، سنكتشف ان النشاط الاستيطاني الملعون لم يتوقف لحظة واحدة عن التوسع والتجذر، منذ السبعينات. وهذا بافتراض اننا سنصحو، يوماً ما.
(معريف، 19/3، ترجمة: "مـدار")