يذكر أعضاء الكنيست الليكوديون القدامى جلسات لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست في العام 1994، التي حارب فيها وزير الخارجية شمعون بيرس من أجل كسب ثقة أعضائها، بصحة إتفاق "غزة أريحا أولا". الليكوديون الشّكّاكون سألوا وزير الخارجية: "وماذا سيحدث لو أن الفلسطينيين أطلقوا قذائف الكاتيوشا على أشكلون؟". "سندوسهم مثل القمل"، أجاب بيرس بحزم، وجسّد طريقة تطبيق ذلك بحركة من أصابعه. مع الأيام، تحققت نبوءة نواب اليمين التشاؤمية، ووقف بيرس على رأس مجموعة الوزراء التي حاولت قدر الامكان لجم الحملات العسكرية التي بادر إليها الجيش الاسرائيلي، كرد على الصواريخ من غزة.هذا التذكير مقدم كخدمة لبيرس لتوضيح الانطباع السيء الذي يثيره، في سعيه لإقناع زملائه في الحزب بالانضمام مرة أخرى إلى حكومة برئاسة أريئيل شارون. من المؤسف قول ذلك، لكن بيرس يبدو كمن أصيب بعوارض الظاهرة المعروفة عند السياسيين الذين حققوا البطولات: هم لا يعرفون متى عليهم التوقف، هم لا يشعرون بأن تصرفاتهم تبدو فجأة منقطعة عن الواقع؛ لا تتحدث ثانية إلى القلب ولا تثير الاحترام كما كانت تفعل.
كما في وعد دَوْس <الارهاب> الفلسطيني كالزواحف، يحاول بيرس الآن تجنيد دعم لخطوة واحدة فقط يمكن التراجع عنها، للوهلة الأولى، في كل لحظة: البدء بمفاوضات إئتلافية مع شارون ووضع شروط من خلالها، لاختبار نواياه. لكن رؤساء "العمل"، والجمهور الواسع أيضًا، تعلموا معرفةَ ديناميكيةِ المفاوضات الائتلافية، وبالأخص، حللوا شيفرة مغامرات بيرس. هم يعرفون أنه بعد أن يضع رِجلاً على عتبة الباب الذي يحاول عمرام متسناع إغلاقه، سيأتي تعليل آخر وعرض آخر، وإلى جانبهما كالعادة الوعد بأنه يمكن إعادة العجلة إلى الوراء، في كل لحظة، وستُجند قوى محلية وخارجية لخلق وقائع تفتح هذا الباب على وسعه، لحمل منتخبي "العمل"، وبيرس على رأسهم، للعودة إلى طاولة الحكومة.
كل هذا كان سيكون شرعيًا، لو أن بيرس كان يملك سببًا موضوعيًا مقنعًا لضم "العمل" إلى حكومة شارون، ولكن، وعلى القدر الذي يمكن الحكم بموجبه، فإن دوافع بيرس هي شخصيةٌ خالصة. في الحكومة السابقة تلقى بيرس سلسلة طويلة من الاهانات من جانب شارون (من بينها: منعه من إلتقاء عرفات، رفض طلبات وزير الخارجية الحارة بالسماح للقائد الفلسطيني بالمشاركة في الصلاة في كنيسة المهد، تنكره لاتفاق "بيرس - أبو علاء")، لكنه لم يستخلص العبرة الواضحة وبقي في كرسيه. شارون ردّ بقوة على <الارهاب> الفلسطيني من دون إرفاق هذا الرد بمحفزات سياسية. إحتج بيرس على ذلك لكنه سلّم بإملاءات رئيس الحكومة. شارون تجاوز بيرس في لحظات مصيرية في النزاع (اجتياحات في غزة، تفعيل طائرات "إف 16" على منشآت فلسطينية، إغتيال قياديي <المخربين> في فترة هدوء خالية من العنف، الاستيلاء على "بيت الشرق"، تدمير "المقاطعة"، تحديد أهداف حملتي "السور الواقي" و"الطريق الصلبة" وغيرها) - فيما استمر بيرس بالتطلع إلى الأمام بأمل.
ليس بمقدور ممثلي "العمل" في الحكومة السابقة التدليل على إنجازات فعلية، في تليين توجه رئيس الحكومة إتجاه الفلسطينيين، وهم يعارضون جذريًا نتائج سياسته، كما أوضحوا في المعركة الانتخابية التي انتهت قبل خمسة أيام فقط. ما الذي لديهم إذن، ليبحثوا عنه ثانيةً، في حكومة يقف شارون على رأسها؟
وأيضًا: شارون يعلن أنه يتجه نحو اتفاق. إذا كانت هذه نيته حقًا، فإنه ليس بحاجة لتحفيز من اليسار، وجلوس "العمل" في حكومته سيكون زائدًا. وإذا ما احتاج لدعم برلماني نتيجة إثقال الأحزاب الصغيرة من شركائه من اليمين، في موضوع القيام بالتنازلات المؤلمة المطلوبة، فإن "العمل" سيمنحه المساعدة المطلوبة من موقعه في المعارضة. إنطلاقًا من كل الأسباب أعلاه، من المفضل أن يهدأ شمعون بيرس، وأن يجلس في كرسيه، وأن يمكّن عمرام متسناع من قيادة الحزب بحسب ما يفهم.
(هآرتس/ 2 شباط)
ترجمة: "مدار"
المصطلحات المستخدمة:
هآرتس, لجنة الخارجية والأمن, الكاتيوشا, الكنيست, رئيس الحكومة