ليست هذه هي المرة الاولى التي يقف فيها حزب الليكود، بعد فوز انتخابي كبير، أمام التحدي أو الإغراء المثير بتطبيق ما ينادي به الحزب من أهداف وشعارات. وبعبارة اخرى: هل يجرؤ الليكود الآن، بعدما أجهز على اتفاق اوسلو نهائياً، وألحقَ هزيمة ماحقة بأجندة اليسار، على ترجمة ما حفلت به دعايته الانتخابية من شعارات ومواقف سياسية؟جميع الدلائل، وليس في ذلك مفاجأة، تشير الى أن الليكود سيتهرب في هذه المرة أيضاً، من هذا التحدي وسيتملص بألف ذريعة من لحظة الحقيقة المخجلة، اللحطة التي يتعين فيها عليه الوقوف لوحده وراء دفة القيادة ليجسد اللغو الخطابي الذي يتشدق به (الليكود) منذ ما يربو على الثلاثين عاماً. ففي هذه الحقيقية سيتبين، كالمعتاد، أن المهمة غير قابلة للتنفيذ، ذلك لأن الليكود يفتقد في الواقع الى اجدنة خاصة ذات احتمالات للتحقق على أرض الواقع.
ومن هذه الناحية، فقد نشأ تقليد لطيف في "الانقلابات" الانتخابية في اسرائيل، ففي حين ينقضّ منتصرو "العمل" بغطرسة الأسياد على غنائم النصر وهم يصرخون "سنقود البلاد.." و "فجر جديد أطل"، نجد أن منتصري الليكود يمتلئون تواضعاً ورهبة كما لو كانوا أنفسهم يعابون مغزى انتخابهم لقيادة دفة الحكم. وليس صدفة أن الخطوة الاولى التي قام بها مناحم بيغن بعد انتصاره التاريخي في انقلاب العام 1977 تمثلت في هرولته الى موشيه ديان، احد قادة "مباي" السابقين، ليطلب منه تولي منصب وزير الخارجية في حكومته. وها نحن اليوم نلحظ حدوث أمر مشابه بعد "الفوز التاريخي" الذي حققه الليكود الاسبوع الماضي، فأرئيل شارون يقوم بمحاولات مستميتة لضم حزب العمل الى حكومته، على الرغم من وجود حاجة ملحة او جوهرية تدعوه لذلك.
ولعل ذكر سام اسحاق رابين بالذات في خطاب الفوز الذي القاه ارئيل شارون غيلر ناجم عن نبل او مجرد كرم، كما ان تشبثه كالغريق بعكازة "العمل" المهشمة لا ينبع من "حرص على الرسميات"، وانما من منطلق الخوف ذاته، الذي يعتري الليكود، الخوف القديم النابع من رهبة العدمية والفراغ، ومن هاجس الخوف من البقاء وحيدا مع نفسه، ومن ادراكه بأن اجندة الرفض وخطاب التعنت المجردين من أي بعد براغماتي، لا جدوى او طائل منهما.
دعونا نتساءل، ما الذي منع مناحم بيغن بعد فوزه التاريخي الكبير (في انتخابات 1977) من تجسيد حلم وشعار حزبه بضم الضفة الغربية الى اسرائيل؟ وما الذي دفع نتنياهو للتوقيع على اتفاقيات واي ريفر؟ وما الذي يجعل شارون، وهو مهندس مواقف الرفض والتعنت والمتفوق على الجميع من هذه الناحية – يوافق الآن على قيام دولة فلسطينية؟ ما الذي يجعل الليكود يواصل التمسك بمنطق اوسلو القائل ان على السلطة الفلسطينية ان تحارب <الارهاب> لحساب اسرائيل؟ لعل الجواب يكمن في الحقيقة البسيطة والقاطعة وهي انه لا طريق ولا خيار امام الليكود سوى السير في نفس الطرق التي شقها حزب العمل. وكما قال شارون نفسه: "عندما اصبح رئيسا للوزراء فإن ما يرونه من هناك، لا يرونه من هنا".
اذن تجلى ابداع الليكود الاساسي كحزب حاكم وعلى الدوام في جملة الذرائع والمبررات التي يفسر بها عدم قدرته على تجسيد اجندته، واضطراره الى اشراك عدد من الوجه العمالية في حكومته – على الاقل.
دائماً شكلت "التهديدات والمخاطر" و "الوضع الامني" ذريعة مجربة لا تقل جدوى ونجاعة عن تجربة ومبادرات السلام.. كذلك شكلت مقترحات الاصلاح العاجل للوضع الاقتصادي المتدهور – والذي كان ينشأ على الدوام عقب تولي وزراء الليكود لحقيبة المالية – حجة رائعة لاستمالة وزراء العمل للانخراط في حكومة ليكودية.
دائما احتاج الليكود حزب العمل، ليتركز عليه في الحكومة وليغطي به اخفاقاته، والاهم، ليستخدمه كذريعة لعدم تحقيق اجندته الخاصة كحزب الليكود.
ولعل بعض رجالات اليمين من امثال تساحي هنغبي وافيغدور ليبرمن محقون في ازدراءاتهم وانتفاداتهم لرفض زعماء الليكود التحرر من هذا الشرك – شرك عقدة العمل – التي تقعدهم عن الانطلاق نحو تجسيد احلام اليمين.
(هآرتس، 31 كانون الثاني)
ترجمة: "مدار"