اريئيل شارون وصدام حسين وجورج بوش، وبقدر معين – زعيم "العمل" عمرام متسناع، جميعهم اسهموا في الاسبوع الاخير في وقف التدهور الجارف في قوة حزب السلطة في اسرائيل، "الليكود". لكن هؤلاء لم يكونوا وحدهم السبب في وقف الانحدار الذي افقد حزب شارون ستة مقاعد في الاستطلاعات. فقد اعادت تصريحاته اليومية حول نيته "محاربة الفساد" في حزبه الثقة الى قسم كبير من ناخبي "الليكود" المحتملين، الذين بدا لهم انه "يعني ما يقول".
رياح الحرب على العراق، التي هبت اساسا من على صفحات الجرائد اليومية الاسرائيلية، ساهمت ايضا في تنحية فساد الحزب الحاكم الذي طال شخصيات قيادية رفيعة قد يكون بينها وزير، عن الاجندة الانتخابية اليومية. ليس هذا وحده، فمتسناع، برأي مراسل الشؤون الحزبية في "هارتس" (26 ديسمبر)، بمعارضته الشديدة لحكومة الوحدة، حتى في وقت الحرب، نجح في إثارة غضب ناخبي "الليكود" و "العمل" على السواء. الاسرائيليون ما زالوا راغبين بالوحدة الوطنية، ومتسناع بدا لهم "خارجا عن السرب".
"الليكوديون"، الذين تملّكهم الخجل قبل اسبوع فسارعوا للبحث عن بيت اخر لهم، استردوا روعهم. وتقول الاستطلاعات الاخيرة انهم ما زالوا يجلسون على الجدار، "لكن قلبهم يخفق نحو الليكود". اذا لم يقع امر ما دراماتيكي في تحقيق الشرطة في فضائح الفساد الحزبي (مثل اعتقال وزير او شخصية مقربة من رئيس الوزراء)، وبالمقابل، اذا تصاعدت مخاطر الحرب، فسيعودون الى البيت، الى "الليكود".
يمكن بالطبع الاعتماد على شارون ووزير الدفاع شاؤول موفاز لكي يبذلا كل ما بوسعهما لتهويل احساس الاسرائيليين بالخطر الخارجي من جهة وتعميق القناعة بأنه "محظور استبدال السلطة في اوقات الحرب او عشية وقوعها"، من الجهة الاخرى. هذا ما بدأه شارون في الاسبوع الثاني على فضيحة الفساد في حزبه، في تصريحات ادلى بها خلال جولة له في قيادة الجبهة الداخلية، وهو ما واصله في مقابلة اعطاها للقناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي، فيما يشبه عرضا مرعبا ومليئا بالعناوين المخيفة، التي رفعت منسوب القلق لدى جمهور الناخبين مما يتربص بهم من "اخطار خارجية".
وبموجب استطلاع "هارتس" (الذي قامت به شركة "ديالوغ" باشراف البروفيسور كميل فوكس)، يتمتع "الليكود" اليوم بشعبية تمنحه 35 مقعدا في الاستطلاعات، كما كان الامر في الاسبوع الماضي، اما "العمل" فهبط الى 22 مقعدا، بما يقل بمقعد واحد عن الاستطلاع السابق .
"شينوي" يتضخم..
في هذه الاثناء يتواصل تضخم "ظاهرة شينوي": هذا الحزب، الذي يقول كل شيء ولا يقول شيئا، والذي يلتزم منذ اليوم بعدم الذهاب مع أي حزب وبالذهاب مع الجميع في نفس الآن، والذي يواصل تقاليده في كراهية "الحرديم"، ولكن بقدر اكبر من اللطف، يصل في الاستطلاعات الى 15 مقعدا مقابل 13 في الاسبوع الماضي. هذه حقيقة متقلبة، إذ أن نصف المنشقين عن احزابهم باتجاه "شينوي" يملكون آراء معتدلة. وفي حزب "العمل" يأملون بأن يكون التزامهم نحو "شينوي" واهيا بحيث يمكن جذبهم مجددا الى صفوف مؤيديه.
* الصورة لا تتغير
هناك تنقلات اضافية يظهرها الاستطلاع داخل الكتل المختلفة، لكن الصورة لا تتغير كثيرا بشكل عام: كتلة العمل – ميرتس والعرب تملك في الاستطلاع 39 مقعدا، اما كتلة الليكود – اليمين – الحرديم فلها 64 مقعدا، في حين تملك كتلة المركز التي تضم "شينوي" و "عام احاد" (المتأرجح عند حدود نسبة الحسم) 16-17 مقعدا. ولو جرت الانتخابات الان وكانت هذه النتائج حقيقية، لما تمكن شارون من تشكيل حكومة مستقرة. الامر ممكن على الورق، وستكون تلك حكومة متطرفة، واسيرة لدى افيغدور ليبرمن وايفي ايتام، وهذا ما لا يرغب به شارون. في هذه الحالة، يصبح "شينوي" "بيضة القبان"، ولكن لبرهة قصيرة فقط: سيحاول طومي لبيد رئيس الحزب اجبار شارون على اقامة "حكومة وحدة علمانية"، تعد مع "العمل" 72 نائبا، من دون "شاس" الذي يتقلص في الاستطلاعات، و "يهدوت هتوراه"، و "المفدال" و "الاتحاد القومي". لكن شارون لا يستطيع الموافقة على ذلك، لأنه سيتحول في هذه الحالة الى اسير بيد "العمل" و "شينوي".
الامكانية الاقرب الى المعقول هي ان يختار "شينوي" الجلوس في المعارضة، ليقوم شارون بتشكيل حكومة وحدة مع "العمل"، والمهاجرين الروس و "الحرديم" و "المفدال"، من دون اليمين المتطرف. مع 22 نائبا، سيبحث غالبية اعضاء "العمل" عن مقاعد مريحة على هيئة المقاعد الوزارية الوثيرة. وقد يبقى متسناع على موقفه ما يعني انه سيجد طريقه وحيدا الى المعارضة. وسيجد مركز "العمل" نفسه مطالَباً بالحسم بين الائتلاف والمعارضة. ومع هذا العدد من النواب (22) يمكن لحزب "العمل" ان يطالب بحقيبة رفيعة واحدة، هي غير التالية: فحقيبة الخارجية، بطبيعة الحال، ستؤخذ من نتنياهو، وشاؤول موفاز حتى لو لم ينتخب لعضوية الكنيست فسيبقى في وزارة الدفاع، وسيلفان شلوم سيبقى في المالية. امكانية اخرى هي ان تتواصل الاتصالات الائتلافية وتتواصل الى ما لا نهاية، لتقف في نهاية المطاف امام طريق مسدود.
* ورقة الوحدة الرابحة
ما زالت ورقة الوحدة التي نفعت شارون في انتخابات 2001 تعمل في صالحه في هذه الانتخابات ايضا. فقد اراد الشعب ويريد وسيريد حكومة وحدة عشية الحرب. كلما تعاظم الشعور بالخوف، فإن متسناع "المتزن والمستقيم والصادق ولكن غير المجرب" لن يظهر بمظهر الرجل المناسب للوقفوف برأس الدولة. فهو لا يكاد يكون موجودا، ولا يصنع من العناوين الصحفية سوى ذلك النوع الذي لا يساعده. قوة شارون طاغية عليه. وتأييده للمواقف الحمائمية لا يساعده في شدّ اصوات المركز، ومن دون انتقال مكثف من المركز الى حزبه فإنه لن يصبح رئيس حكومة الى الابد. والحقيقة الراسخة الان ان "العمل" لا ينجح في اختراق سقف الـ 21 – 22 نائبا. وحتى عندما كان "الليكود" في الحضيض وانكشف المستور من الفساد فيه، لم ينجح "العمل" في الاستفادة من هذه الفرصة المجانية. وفي ذلك يمكن القول ان شيئا ما داخل "العمل" لا بد ان يتغير!
هذا "الشيء" يشكل في هذه الايام مصبّ اهتمام الطواقم الاستراتيجية في "العمل". وهم يقولون انه لا توجد امكانات كثيرة امامهم سوى التصعيد بشكل حاد في الحملة ضد ارئيل شارون. والمخاطرة معروفة: كامبين عكسي قد يشكّل سيفا ذا حدّين، ولكن – ما هو البديل؟ فالنواة الصلبة في "العمل" بطبيعة الحال تراوح في منطقة العشرين مقعدا، لا اقل من ذلك. وقد تكون الطريق الى شد عدد من النواب من ناخبي "شينوي" الخروج بحملة لا هوادة فيها ضد شارون، كونه تغاضى عن دخول عناصر من عالم الاجرام الى مركز "الليكود" ومن هناك الى قائمته الانتخابية ومنها الى الحكومة. وفي ذلك يقولون في "العمل": "ربما يجب التخلص من الصيغ المعروفة والمريحة وبدء انطلاقة فيها مخاطرة، والقيام بشيء جريء. ربما يجب التوجه الى ناخبي "شينوي" و "الليكوديين" العقلاء ومخاطبتهم بما يلي: انتم تعرفون في داخلكم من هو المسؤول الحقيقي عن الفساد في الليكود. سمعتم وقرأتم موشيه ارنس وموشيه نسيم وما قالاه عما حدث هناك، وعليكم استخلاص النتائج". ("هارتس"، 26 ديسمبر). في وضع ليس لديه ما يخسره حياله، يمكن لحزب "العمل" ان يسير في هذا الخط.
* نتائج الاستطلاع قد تنقلب
يقول الاستطلاع ان 20% من ناخبي "الليكود" يدعون ان صدقية شارون تضررت نتيجة تحقيق الشرطة. لكن هناك مؤشرات على ان هؤلاء الناخبين يقولون ذلك لأنه يبدو لهم "الشيء الصحيح" قوله، وهم ينتظرون فرصة مناسبة للعودة الى بيتهم "الليكود". وفي جميع العيّنات الاستطلاعية يتضح ان 31% من المشاركين يعتقدون ان تحقيق الشرطة الحق ضرر بصدقية شارون.
ربع الناخبين يقولون انهم لم يقرروا بعد لمن سيصوتون، او انهم يميلون لعدم التصويت. هذه النسبة الكبيرة من المترددين تدل على ان نتائج الانتخابات قد تكون مختلفة تماما عما تبدو عليه في هذا الاستطلاع. قد يزيد عدد نواب "العمل" الى 25-26 نائبا، ولكن يمكن ان نتوقع بالتأكيد وضعا فيه "الليكود" يرتفع الى اكثر من اربعين مقعدا!