المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم: آري شفيطقبل موعد الانتخابات بثلاثين يوما تتعالى رائحة القنّب في الهواء. ليس قنّب الورقة الخضراء فحسب. وليس قنّب المخدرات الاوروبية الخفيفة كما لدى ميرتس فحسب. وانما قنّب طومي لبيد (اضرب الحرديم وانقذ البرجوازية)، وقنّب عمرام متسناع (انفذ بجلدك وتأمل خيرا) وقنّب ارئيل شارون (صدقية – تصميم واتزان، او: اتزان وتصميم وصدقية) ايضا.

ولا أحد يأبه لشيء. لا احد يحسب حسابا لشيء. انما يتعاطون الاكستازا (حبوب الهلوسة). يقدمون الرشاوى في "الليكود"، ويزيفون في "العمل"، ويتظاهرون في "شينوي". ويتمتمون في "ميرتس"، ويحلمون في "المفدال"، ويتآمرون في "الاتحاد القومي". الى حد انه يخيل احيانا ان دولة بكاملها تجلس مسطولة في صالونات بيوتها قبل ان يكون قد دهمها الليل.

السلطة الوطنية لمكافحة المخدرات قلقة: ما لا يقل عن 300 الف اسرائيلي تعاملوا بالخدرات في السنة الاخيرة. و 70 الف طالب ثانوي واعدادي تعاطوا المخدرات. وفي الاعمار 18-24 ارتفعت نسبة المتعاطين من 9،7% الى 13،5%. ووصلت نسبة الطلاب الجامعيين من مستهلكي القنّب 19،5%. والسلطة الوطنية للمكافحة تعاود الادعاء بأن كثيرين هنا لا يدركون وجود مادة بسايكو – نشطة تؤدي الى فقدان الذاكرة والبلبة والخلل في القدرة على اصدار الاحكام. وتحذر السلطة الوطنية من ان الـ THC الموجود في القنب يؤدي الى فقدان الاحساس بالزمن وفقدان القدرة على تحديد البيئة المحيطة.

لكن الاحساس بفقدان الزمن وادراك ما يجري من حولك هما القضية. انهما يعرّفان الحالة النفسية القومية. بعد كل ما اصابنا في السنوات الثلاث الاخيرة، هناك اسرائيليون كثيرون لا يريدون معرفة ماهية الزمن او رؤية المحيط بشكل صحيح. قبل أي شيء يمكن ان يصيبهم في السنوات الثلاث القادمة، هناك اسرائيليون كثيرون ممن لا يجدون لديهم الطاقة النفسية لمجاراة قسوة الواقع. لذلك ينهالون على كل حرف للوعي بالاشياء. ولذلك تجدهم يقعون في اغراء أي وهم. كل واحد بطريقته وكل واحد في مكانه يقوم بخفض رأسه "بالبانغ" (اداة تدخين الماريحوانا).

كل ذلك ليس جديدا: في طريق عودتهم من "طروادة" الى "ايثاكا"، رسا اوديب ورجاله في جزيرة آكلي اللوتس. غمر ساكنو الجزيرة ضيوفهم بتلك الاعشاب الحلوة المذاق التي ادخلتهم في تعب باعث على البله، وانستهم غاية رحلتهم. لكن اوديسه، وخلافا للقيادة الاسرائيلية الحالية، لم يترك رجالاتها غارقين في اوهامهم. فقد قادهم الى السفينة وفرض عليهم العودة الى مصارعة امواج البحر. اجبرهم على العودة الى الرحلة الطويلة نحو ايثاكا.

ارئيل شارون لا يتصرف على هذا النحو. اسهل لهذا المزارع العجوز ان نبقى نصف نائمين، وفاسدين ومشوشي الاحاسيس ومن السهل السيطرة علينا. لذلك فهو لا يأبه بتنظيم المجتمع الاسرائيلي في مجابهة التحديات الكامنة في طريقه. ولذلك لا يأبه بتنظيف حظائر هذا المجتمع. لا يرمم الاطواق الاجتماعية والرسمية التي تهدمت. بدلا من ذلك يبتسم بوجهنا ابتسامة عريضة كأنه برج: تريدون قليلا من الكعك؟ او المتبلات؟ ليس شيئا جديا، وانما شيء ما خفيف، ومريح للاستخدام.

المهمة صعبة بحيث لا نعرف اين نبدأ. هل يعيد الاستقرار الى الاقتصاد اولا ام يهزّ المجتمع ام يجري اصلاحات في السلطة؟ هل يقوم بإنبات طبقة قيادة جديدة ام يسنّ دستورا شاملا ام يقلب الجهاز السياسي المعطل رأسا على عقب؟ هل يجدد سلطة قانون حقيقية ام يعمل من اجل العدل الاجتماعي الاساسي ام يقوم بتطوير "كود" حقيقي؟ هل يرمم القدرة على الردع ام يرسم مخطط الانسحاب ام يتوصل الى بلورة منظومة من الانماط المتفق عليها؟ هذه كلها حيوية. وكلها مطلوبة لنا على استعجال. من دون هذه كلها لن نصمد في تحديات الالفية الثالثة.

لكن رئيس الحكومة لا يتعجل امره. ورئيس المعارضة "ليس بذي صلة". كذلك القوى الاخرى الفاعلة فوق الحلبة لا تعرض شيئا. اسرائيل تمضي الى الانتخابات الحالية في توقيت دراماتيكي لا شبيه له وفي داخل خواء فكري لم يسبق ان عرفنا مثله. وداخل ازمة اخلاقية مصيرية. لذلك لا عجب ان تكون الرائحة المصاحبة لانتخابات 2003 هي رائحة القنّب العذبة. رائحة العفن العذبة المتصاعدة من دولة شارون.

("هارتس"، 26 ديسمبر)

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, شينوي, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات