سبق أن تناولت العديد من المساهمات في مُلحق "المشهد الإسرائيلي" تقنية "بيغاسوس"- برنامج التجسّس التي طورته شركة صناعة السايبر الإسرائيلية الهجومية NSO Group – لا سيّما في الفترة الأخيرة التي برز فيها اسم الشركة والبرنامج في الصحف والتقارير والتحقيقات، حول استخدام هذه التقنية من قِبَل إسرائيل، والعديد من الأنظمة القمعية والاستبدادية حول العالم (بعد أن صدّرتها الشركة لها) لملاحقة النشطاء الحقوقيين والسياسيين والمعارضين حول العالم، بمن في ذلك دبلوماسيون وشخصيات رفيعة. هنا، سنحاول الوقوف على أبرز ما تضمّنته التقارير، التي صدرت مؤخراً، وبشكل مُتتابع، في الصحف الإسرائيلية، وتحديداً في صحيفة "هآرتس"، ومُلحق "كلكاليست" الاقتصادي، وتطرّقت إلى استخدام الشرطة الإسرائيلية لهذه التقنية في الفترة الأخيرة للتجسّس على المواطنين الإسرائيليين، وقائمة تضم "ضحايا" هذه التقنية حول العالم.
خلال الأسبوع المنصرم، وتحديداً في 18.01.2022، عادت قضية برنامج "بيغاسوس"- سيء السمعة- لتتصدّر، مجدّداً، عناوين الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية، لكن هذه المرة من زاوية مختلفة؛ إذ تضمّنت التقارير أن الشرطة الإسرائيلية قامت باستخدام هذه التقنية للتجسّس على المواطنين الإسرائيليين وشخصيات برزت في الاحتجاجات الإسرائيلية الأخيرة، حيث كشف تقرير أعدّه تومير جانون في الملحق الاقتصادي "كلكاليست" عن أن الشرطة الإسرائيلية استخدمت برنامج التجسّس الإسرائيلي الشهير "بيغاسوس" للتجسّس على بعض النشطاء الاجتماعيين في إسرائيل وملاحقتهم وتتّبعهم دون وجود أي أمر قضائي يسمح بذلك، وبشكل مخالف أيضا للوسائل والآليات "القانونية المعروفة"- على حد تعبيره- التي تُتيح للشرطة اللجوء لمثل هذه التقنيات في مواضع محدّدة وواضحة مثل "قانون التنصّت؛ قانون مُعطيات وسائل الإعلام ومعايير اختراق أجهزة الحاسوب والأجهزة النقالة" والتي تُشكّل بمثابة مرجع قضائي، يُطلب من الشرطة والأجهزة التنفيذية المختلفة الالتزام والتقيّد الصارم به قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أن استخدام الشرطة لهذه الخاصية ليس منفصلاً، بشكل أو بآخر، عن التحولات التي طرأت على عمل وحدة "التصنّت/ التجسّس" التابعة للشرطة خلال فترة روني ألشيخ، الذي عُيّن قائداً لجهاز الشرطة قادماً من "الشاباك- جهاز المخابرات العامة الإسرائيلي"، حيث تمكّن الأخير من إحضار العديد من "المتخصّصين" العاملين في وحدة التجسس التابعة للجيش والمعروفة باسم "وحدة 8200". تومر جانون، "كشف: هكذا يعمل برنامج بيغاسوس: نظرة من الداخل،" كلكاليست، 20.01.2022، https://bit.ly/3qRjWZx.
تُشير مُجمل التقارير الإسرائيلية، التي سلّطت الضوء على هذه القضية خلال الفترة الماضية، إلى أن الشرطة تتعمّد "عدم انتظار الإذن القضائي أو التشريعي" الذي يُشكّل بمثابة "سلطة كابحة" لمثل هذه الخطوة، كما أشارت إلى أن رئيسة المحكمة العليا، إستر حيوت، اعتبرت أن "كل عملية تفتيش للحاسوب أو الهاتف المحمول، تتضمّن تعدياً صارخاً على خصوصية الشخص المستهدف، وأن هذه العملية تتطلّب التحلّي بأقصى قدر من العناية والاهتمام!".تومر جانون، "استخدام تقنية NSO: هكذا تتهرّب الشرطة الإسرائيلية من الرقابة،" كلكاليست، 18.01.2022، https://bit.ly/3KzxqRp. أما المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت، فأكّد أن الشرطة الإسرائيلية قد استخدمت بالفعل برنامج "بيغاسوس" لتعقّب هواتف المواطنين الإسرائيليين، إلّا أن هذا الاستخدام قد تم "وفقاً للقانون"، في المقابل، عَلَت أصوات إسرائيلية عديدة طالبت بعدم الاكتفاء بتحقيق مندلبليت، وتشكيل لجنة تحقيق حكومية برئاسة قاض متقاعد للتحقيق في حيثيات تجسّس الشرطة الإسرائيلية على ناشطين وقادة الاحتجاج وموظفين حكوميين إسرائيليين خلال الفترة الماضية.
وفي الوقت نفسه، بعيداً عن السياق الإسرائيلي، نشرت صحيفة "هآرتس"، قائمة تتضمّن ضحايا برنامج "بيغاسوس" تضمّنت 450 شخصية ومؤسسة حول العالم خلال الفترة الماضية؛ ويُشير التقرير إلى أن "البرنامج سيء الصيت- بيغاسوس" قد أصبح برنامجاً معتمداً للتجسّس والمراقبة لدى العديد من أجهزة استخبارات الدول حول العالم، مستنداً بذلك إلى تحقيق أعدّه "مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية- أمنستي- ومجموعة متخصّصة في فحص الهجمات الإلكترونية والسيبرانية في جامعة تورنتو"، حيث أن من بين ضحايا البرنامج الـ 450 شخصيات سياسية ونشطاء حقوقيون وصحافيون في الهند؛ المكسيك؛ فرنسا؛ هنغاريا؛ السعودية؛ وصحافيون في "نيويورك تايمز"، ومسؤولون أميركيون بارزون، بالإضافة إلى تجسّس أجهزة الأمن الإسرائيلية على بعض الشخصيات والعاملين في بعض المنظّمات الفلسطينية غير الحكومية (كغسّان حلايقة- مؤسسة الحق؛ أُبي عابودي- مؤسسة بيسان؛ وصلاح حموري- مؤسسة الضمير، بالإضافة إلى ثلاث شخصيات لم يتم ذكرها بالاسم يعملون في المنظمات الفلسطينية غير الحكومية التي أقدمت الحكومة الإسرائيلية مؤخراً على تصنيفها كمنظمات "إرهابية")، كما جاء ضمن قائمة الضحايا خطيبة جمال خاشقجي التي تحمل الجنسية التركية (هاتيكا جينكيز)، ووضاح خنفر، المدير العام السابق لقناة "الجزيرة" الفضائية، إلى جانب الصحافي الاستقصائي تامر المسحال العامل في قناة "الجزيرة" و34 شخصية يعملون بين موظفين وإعلاميين ومدراء في القناة نفسها أيضاً، ويُشتبه في أن أجهزة الأمن السعودية أو الإماراتية تقف خلف الاختراق، إلى جانب العديد من النشطاء والمعارضين والصحافيين ورجال قانون وشخصيات سياسية حول العالم.للمزيد حول قائمة ضحايا برنامج "بيغاسوس"، أنظر/ي:
Omer Benjakob, “The NSO File: A Complete (Updating) List of Individuals Targeted with Pegasus Spyware,” HAARETZ, 20.01.2022, https://bit.ly/3u6y5V1.
في وقت سابق، وتحديداً في تشرين الثاني المنصرم، أدرجت واشنطن شركة NSO Group المسؤولة عن تطوير تقنية "بيغاسوس" الهجومية على القائمة السوداء، إلى جانب شركة صناعة السايبر الإسرائيلية الأخرى "كانديرو" كونها "تعمل ضد المصالح الوطنية والأمن القومي الأميركي وحقوق الإنسان حول العالم"، وقد جاءت هذه الخطوة في أعقاب انتشار تقارير عالمية أكّدت تعرّض الآلاف من الناشطين الحقوقيين والإعلاميين والمعارضين والشخصيات السياسية حول العالم بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لهجمات محتملة بواسطة برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي، وعلى الرغم من أن القرار وضع الشركة المطورة للبرنامج (NSO Group) في مأزق حقيقي يتعلّق بقدرتها على الاستمرار في تسويق برامجها التي تطوّرها باستمرار كبرنامج "بيغاسوس"، إلّا أن التقارير الصادرة مؤخراً، والتي استعرضناها أعلاه، تؤكّد على أن "بيغاسوس" أصبحت إحدى أهم الأدوات التي تستخدمها أجهزة الاستخبارات المختلفة حول العالم لاختراق أهداف محدّدة، وتحديداً الأنظمة القمعية التي تربطها علاقات أمنية قوية مع إسرائيل، ويزداد ذلك في حاجة الأولى باستمرار إلى أدوات القمع والتجسّس والمراقبة المختلفة لتستمرّ في إقصاء ومراقبة وتتبّع المعارضين والنشطاء السياسيين.
إن تسمية الشركة المُنتجة لتقنية "بيغاسوس" الهجومية- NSO- هي الأحرف الأولى من أسماء الشركاء الإسرائيليين الثلاثة مؤسسي الشركة ومالكيها الحاليين؛ نيف كرمي، شاليف خوليو وعومري لافي. وفي مادة منشورة في مُلحق "المشهد الإسرائيلي" في أواخر تشرين الثاني المنصرم، أشار الزميل أنطوان شلحت إلى العلاقات الوثيقة التي تربط الشركة المنتجة لبرنامج "بيغاسوس" بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حيث أقدمت الشركة خلال الفترة الماضية على استقطاب وتوظيف "نخبة" من المؤسسة الأمنية والتعاقد معها حتى قبل أن تُنهي عملها في المؤسسة الأمنية (أريئيلا بن أبراهام- رئيس الرقابة العسكرية في جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"؛ شارون شالوم- رئيس طاقم وزارة الدفاع؛ التعاقد مع مكتب MFU للعلاقات العامة والمملوك من قِبَل عوديد هرشكوفيتش نائب الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي سابقاً وغيرهم) في خطوة يعتبرها شلحت محاولة من الشركة للخروج من المأزق الذي وضِعت فيه مع بدء ظهور ضحايا هذه المنظومة في التقارير المختلفة، والتي طالت دولا عديدة حول العالم بما فيها دول "العالم الأول". للاستزادة حول هذا الموضوع، أنظر/ي:
أنطوان شلحت، NSO والعلاقات الوثيقة مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية!، المشهد الإسرائيلي، 22.11.2021، مدار، https://bit.ly/3fQo3Pq.