وافقت الحكومة الإسرائيلية، بتاريخ 20 كانون الثاني 2022 وبشكل نهائي، على شراء ثلاث غواصات جديدة من ألمانيا على أن تدخل الخدمة خلال السنوات التسع القادمة. من المتوقع أن تستبدل الغواصات الجديدة ثلاث غواصات قديمة سيتم اعتبارها خارجة عن الخدمة في وقت لاحق. وبذلك تحاول إسرائيل أن تحافظ على نفوذها العسكري في عمق البحار عبر أسطول مكون باستمرار من ست غواصات يتم تحديثها تباعا. هذه المقالة تلقي الضوء على أسطول الغواصات الإسرائيلية وتتناول صفقة الشراء الجديدة في ظل انتهاء عهد المستشارة أنجيلا ميركل في ألمانيا وبداية التحول في العلاقات العسكرية ما بين إسرائيل وألمانيا.
وصلت إسرائيل في أعقاب حرب الاستنزاف بين إسرائيل ومصر والتي أعقبت حرب العام 1967، إلى قناعة بوجوب تطوير سلاحها البحري باعتباره امتدادا استراتيجيا لقوتها العسكرية في المنطقة. من بين القرارات التي تم اتخاذها فيما بات يعرف بالموجة الثالثة لتحديث سلاح البحر الإسرائيلي والتي بدأت العام 1973، قرار تطوير أسطول الغواصات الإسرائيلي بشكل ملموس. سابقاً، حافظت إسرائيل على أسطول مصغر يشمل ثلاث غواصات فقط. في البداية، كان لدى إسرائيل غواصتان من طراز S تدعيان "التنين" و"راهاف". وفي العام 1968، اشترت إسرائيل غواصة ثالثة أطلقت عليها اسم "داكار" وكانت قد خدمت سابقا ضمن سلاح البحر البريطاني قبل أن تشتريها إسرائيل وأضيفت عليها بعض التحسينات. بيد أن هذه الغواصة الأخيرة لم تصل إلى شواطئ إسرائيل، بل غرقت وهي في طريقها من بريطانيا وعثر على حطامها بعد أكثر من ثلاثين سنة. راجع قصة الغواصة الإسرائيلية المفقودة من العام 1968 من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3fPoWYl وعليه، ظل أسطول الغواصات الإسرائيلية يحتوي على غواصتين فقط.
استبدلت إسرائيل في منتصف السبعينيات، الغواصتين القديمتين، بثلاث غواصات جديدة من طراز T-Class. أطلقت إسرائيل على أسطول غواصاتها الجديد اسم "أسطول الموجة"، وهذه الغواصات كانت تدعى "التنين"، راهاف" و"جال". ومع أن الغواصات الثلاث تم بناؤها في موانئ لصناعة الغواصات في بريطانيا من قبل شركة فايكرز، إلا أن المشرف الفعلي على تخطيط وهندسة الغواصات كانت ألمانيا الغربية. وقد خدمت الغواصات الثلاث التابعة لأسطول الموجة ما بين 1974 و1999. وتعتبر هذه أطول فترة لخدمة الغواصات في إسرائيل بدون أن يتم استبدالها أو تحسينها بشكل ملموس. في هذه السنوات، قامت إسرائيل بتطوير أنواع مختلفة من الصواريخ والطوربيدات البحرية لدرجة أن الغواصات التي كانت تملكها باتت قديمة وغير قادرة على مجاراة التكنولوجيا الصاروخية لإسرائيل. على ما يبدو، فإن العلاقة ما بين إسرائيل وألمانيا فيما يخص تسليح إسرائيل كانت تلقى احتجاجات من قبل الشعب الألماني في حينه وهذا ما ساهم أيضا في عرقلة تطوير سلاح الغواصات الإسرائيلي. مثلا، في العام 1974، وبمجرد أن دخل أسطول الموجة خدمته في إسرائيل، بدأت إسرائيل التفكير في المرحلة القادمة لتطوير أسطول الغواصات، وبالفعل عقدت اتفاقية مع ألمانيا لشراء ثلاث غواصات جديدة من طراز T-Class. لكن الاحتجاجات داخل ألمانيا حالت دون إتمام هذه الصفقة بسرعة. وكان على إسرائيل أن تنتظر حتى العام 1999 لتسلم الغواصات الجديدة والتي أطلق عليها اسم "أسطول الدولفين". وعلى ما يبدو، فإن الحرب على العراق في العام 1991 كانت قد لعبت دورا في إتمام هذه الصفقة. فقد اتضح أن ألمانيا، وفي خضم الحرب، كانت قد باعت للعراق كميات ضخمة من الأسلحة وساهمت في تطوير منشآت عسكرية عراقية عدة. لقد لعبت هذه المساعدات الألمانية للعراق دورا ملموسا في تعجيل إتمام صفقة الغواصات مع إسرائيل، بعد أن عرضت إسرائيل نفسها في الإعلام الغربي على أنها في الطريق إلى فقدان تفوقها العسكري لصالح النظام العراقي. وعليه تم التسريع في بناء الغواصات الألمانية.
ويعتبر "أسطول الدولفين" إضافة نوعية لسلاح البحر الإسرائيلي كونه يمثل خلاصة التكنولوجيا العالمية في صناعة الغواصات. وصل سعر كل غواصة إلى حوالي 340 مليون دولار، وهي مؤهلة لحمل صواريخ بعيدة المدى، ومعدة للقيام بضربات ثانية. والضربة الثانية هي الضربة العسكرية الانتقامية التي قد تقوم بها أي دولة بعد تعرضها إلى هجوم نووي أو دمار شامل، بحيث أن الغواصة تعتبر القطعة العسكرية التي تقيم في أعماق البحار وبعيدا عن الشواطئ المدمرة وتكون قادرة على التصرف حتى في حال انقطاع الاتصال بينها وبين القيادة.
في بداية العام 2000، قررت إسرائيل توسيع أسطولها من الغواصات ليصل إلى ست غواصات تخدم بشكل متزامن. وعليه، تم التحضير لبناء ثلاث غواصات جديدة من طراز "دولفين" أيضا من خلال صفقة أسلحة إسرائيلية- ألمانية. لكن الغواصات الجديدة كانت تحمل هذه المرة تكنولوجيا جديدة تدعى AIP والتي تتيح توليد طاقة وأكسجيناً بشكل تلقائي بدون أن تحتاج الغواصة إلى الصعود إلى سطح المياه. بناء على هذه التكنولوجيا، تستطيع الغواصات الجديدة أن تظل فترات طويلة جدا في أعماق البحار، وبعيدا عن الرادارات. وصلت الغواصة الأولى من هذه الطراز إلى إسرائيل في العام 2014، ووصلت الثانية في العام 2016، ومن المتوقع أن تصل الثالثة في العام 2023. وتصل تكلفة كل غواصة إلى حوالي 400 مليون يورو. وقد ارتبطت هذه الغواصات الثلاث بقضية فساد ورشوات تورط فيها رجال أعمال وأشخاص آخرون مقربون جدا من رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو. تعرف هذه القضية في إسرائيل باسم "قضية الملف 3000"، والتي ما تزال تنتظر تشكيل لجنة رسمية للتحقيق بشأنها. وقد كان من المتوقع أن تصادق الحكومة الإسرائيلية الحالية بزعامة بينيت- لبيد على إنشاء هذه اللجنة، إلا أن بينيت قرر في اللحظة الأخيرة تأجيل البت في قرار إنشائها لمدة أسبوع آخر كي يتسنى له الإعلان عن إتمام صفقة شراء جديدة من نفس الشركة الألمانية.
ستقوم إسرائيل وفق الاتفاق الجديد الذي أعلن عنه في الأسبوع الماضي، بشراء ثلاث غواصات جديدة من طراز أكثر تطورا. تم إبرام الصفقة قبل حوالي ثلاثة أعوام، على أن تصل تكلفة كل غواصة إلى حوالي 450 مليون دولار. بيد أن ألمانيا عادت وقررت مضاعفة التكلفة لتصل إلى حوالي مليار دولار للغواصة الواحدة. ومع ذلك، أقرت الحكومة الإسرائيلية هذه الصفقة مدعية بأن ألمانيا قامت ببيع غواصات لدول أخرى وفق التكلفة الجديدة بسبب إدخال تعديلات تكنولوجية لا سابق لها. وتشمل الصفقة الجديدة التي تم الإعلان عن تفاصيلها في الأسبوع المنصرم، إقامة مركز تدريب داخل إسرائيل يحتوي على أجهزة محاكاة لتدريب الضباط البحريين وبالتالي توفير عشرات الملايين من الدولارات التي كانت ستصرف على تدريبهم في أعماق البحار. كما أن الصفقة تشمل تعهداً من قبل الشركة الألمانية صانعة الغواصات بأن تشتري مواد حربية من إسرائيل، بالإضافة إلى معدات ومواد خام بقيمة تصل إلى حوالي 850 مليون يورو. يونتان ليس، إسرائيل واقفت على اتفاق لشراء ثلاث غواصات من ألمانيا، هآرتس، 20 كانون الثاني 2022. أنظر الرابط التالي: https://www.haaretz.co.il/news/politics/.premium-1.10549117 وقد لاقت هذه الصفقة ترحيبا من قبل بعض القادة السياسيين في إسرائيل. فقد أثنى وزير الدفاع بيني غانتس، ووزير الخارجية يائير لبيد، على هذه الصفقة التي ستعزز النفوذ العسكري الإسرائيلي. في المقابل، انتقد عاموس جلعاد، وكان سابقا مسؤول القسم السياسي- الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية، هذه الصفقة مشيرا إلى أن زيادة قدرات إسرائيل العسكرية هو أمر لا خلاف عليه، بيد أن الإشكالية تكمن في آليات اتخاذ القرارات المتعلقة بتوزيع ميزانيات الجيش وتوقيت هذا التوزيع. هل تحتاج إسرائيل فعلا إلى تسع غواصات؟، معاريف، 21 كانون الثاني 2022. أنظر الرابط التالي: https://www.maariv.co.il/news/military/Article-892779 خصوصا وأن الغواصات قد تلعب دورا هامشيا في مواجهة أعداء إسرائيل الفاعلين في المنطقة، مثل حزب الله، بحيث أن سلاحي الجو والبر هما من الأسلحة التي يجب الاستثمار فيها إلى جانب المجال الاستخباراتي.
وربما كان قرار الحكومة الإسرائيلية بشأن شراء هذه الغواصات له أسباب سياسية تتعلق بعلاقة إسرائيل مع ألمانيا والتي من المقرر أن تشهد تحولات نوعية بعد انتهاء ولاية المستشارة الألمانية ميركل. في الشهر الأخير، فاز المستشار الألماني أولف شولتس، وهو اشتراكي- ديمقراطي متحالف مع التيارات الخضراء في ألمانيا، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى الاعتقاد بأن ميركل قد تكون المستشارة الأخيرة التي تناصر إسرائيل بشكل شبه أعمى. فمثلا، صرحت وزيرة الخارجية أنالنا باربوك، عن حزب الخضر الألماني، بأن ألمانيا قد تمتنع عن تزويد أسلحة نوعية إلى المناطق التي تشهد توترات أمنية، الأمر الذي تم تفسيره على أنه إشارة إلى الغواصات الإسرائيلية. وعليه، وجدت إسرائيل نفسها مضطرة إلى الموافقة على صفقة الغواصات التي بدأتها ميركل حتى بعد مضاعفة ثمنها، وفي الوقت الذي تشهد فيه إسرائيل جدلا داخليا حول قضايا فساد مرتبطة بالغواصات التي اشتراها نتنياهو قبل حوالي العقد.وري دوري، زيادة أسعار الغواصات هي فقط البداية. نقلة في العلاقات الإسرائيلية- الألمانية، غلوبس، 18 كانون الثاني 2022. أنظر الرابط التالي: https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001399040
في السابق، انطوت العلاقة ما بين إسرائيل والحكومة الألمانية في أعقاب الهولوكوست على تقديم مساعدات مالية وعسكرية ألمانية إلى إسرائيل. ومع أن إتمام الصفقة التي عقدت العام 1979 تم تأجيله بحوالي ربع قرن، إلا أن الحكومة الألمانية موّلت جزءاً كبيراً من الغواصات الثلاث التي اشترتها إسرائيل. حسب التقديرات، مولت ألمانيا حوالي 83% من تكلفة الغواصات (أي أنها دفعت تكلفة غواصتين ونصف غواصة). bid. لكن ألمانيا التي كان من المقرر أن تساهم بتمويل 33% من تكلفة الغواصات الجديدة، سوف لن تمول الزيادة المفاجئة بالأسعار والتي تم فرضها فجأة في أعقاب انتقال الحكم فيها. وعليه، يمكن القول إن مساهمة ألمانيا في تمويل الغواصات الإسرائيلية الجديدة ستهبط إلى حوالي 20% فقط.