المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الانتخابات الإسرائيلية: مصداقية الاستطلاعات على المحكّ.  (أ.ف.ب)
الانتخابات الإسرائيلية: مصداقية الاستطلاعات على المحكّ. (أ.ف.ب)f
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 932
  • برهوم جرايسي

أظهرت النتائج النهائية للانتخابات الإسرائيلية في العقد الأخير، 5 جولات انتخابية، أن استطلاعات الرأي العام التي ظهرت خلال كل واحدة من الحملات الانتخابية، لم تنجح في الاقتراب كثيرا من النتيجة النهائية. وقد تكون الحلبة الإسرائيلية أمام هذه الحالة مجددا، في الانتخابات التي ستجري بعد أسبوعين، خاصة وأن الحديث عن معركة لتحقيق أغلبية هشة، إما لائتلاف الفوري مع حزب الليكود، وزعيمه بنيامين نتنياهو، أو خسارته لهذه الأغلبية بفارق طفيف، بمعنى أن الحديث يجري عن انتقال مقعدين الى ثلاثة من هذا الجناح الى الآخر. وبالتالي فإنه لا يمكن الحسم منذ الآن بأنه لن تكون حكومة ذات أغلبية بعد الانتخابات، والعكس صحيح.

وما تزال استطلاعات الرأي منذ نحو ثلاثة أسابيع، تطرح نتائج متشابهة مع فوارق طفيفة، وبحسب هذه الاستطلاعات، فإن فريق الائتلاف الفوري مع الليكود وبنيامين نتنياهو، لم يصل بعد إلى الأغلبية الحاسمة، 61 نائبا من أصل 120 نائبا، وأقصى ما يصل إليه هذا الفريق 58 مقعدا، وبضمنه قائمة "يمينا" بزعامة نفتالي بينيت، الذي قال في الأيام الأخيرة إنه إذا كان مصدر الأغلبية التي يحتاجها نتنياهو لتشكيل حكومته، فإنه لن يسمح بانتخابات خامسة.

في المقابل، هناك أربع قوائم تتأرجح حول نسبة الحسم، بمعنى حصولها على 4 مقاعد أو أن لا تتمثل كليا، وهي قوائم ميرتس، و"أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس، والقائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس، و"الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش. وفي حال لم تتخط أي واحدة من هذه القوائم نسبة الحسم فإنها ستحرق عشرات آلاف الأصوات، إذ حسب التقديرات، وفي حال كانت نسبة التصويت حوالي 71%، فإن نسبة الحسم 3.25% ستحتاج إلى ما يزيد عن 151 ألف صوت.

ونلمس في استطلاعات الرأي ثلاثة مواطن خلل، أو أن النتيجة فيها مبهمة، من حيث مصدر هذه القوة الزائدة، وهنا يجري الحديث عن قائمتي "يمينا" و"الصهيونية الدينية"، إذ يطغى على القائمتين التيار الديني الصهيوني، وهما كانتا ضمن تحالف "يمينا" في انتخابات آذار 2020، وحصل على 6 مقاعد، فيما تقول الاستطلاعات إن القوة الاجمالية للقائمتين 15 مقعدا.

أما الخلل الآخر، فهو الانتقاص من القوة المجتمعة لقائمتي المتدينين المتزمتين الحريديم، اللتين تمنحهما الاستطلاعات 15 مقعدا، بينما هما في ازدياد مستمر في قوتيهما الانتخابية، وهذا ما سنأتي عليه. كذلك فإن السؤال الأكبر، فيما يتعلق بالمجتمع العربي، هو ادعاء استطلاعات بأن الليكود سيضاعف قوته ثماني مرات تقريبا، مقارنة مع انتخابات أيلول 2019 وآذار 2020، وتدعي الاستطلاعات أنه سيحصل على ما يزيد عن مقعدين برلمانيين.

قائمتا التيار الديني الصهيوني الاستيطاني

حتى شهر تشرين الثاني الماضي، كانت قائمة "يمينا" التحالفية، لأحزاب اليمين الاستيطاني، برئاسة نفتالي بينيت، تحصل في استطلاعات الرأي على ما بين 19 وحتى 22 مقعدا، بدلا من 6 مقاعد في الانتخابات الأخيرة، في آذار 2020. وهذه النتيجة طرحت الكثير من الأسئلة، حول طبيعة هذا الارتفاع الحاد، الذي تم تفسيره إسرائيليا، على أن مصدر القوة هذه هو من جمهور انتقل من التحالف السابق لـ"أزرق أبيض" في أعقاب تفككه.\

ولكن هذا التفسير لم يكن مقنعا كافيا، لأن الحديث عن تحالف يطغى عليه التيار الديني الصهيوني، الذي يتشدد دينيا. وما أن أعلن المنشق عن الليكود، جدعون ساعر، عن تشكيل حزب جديد، يخوض الانتخابات المقبلة، حتى انهارت قوة "يمينا" في الاستطلاعات إلى 14 مقعدا، وحتى إلى 11 مقعدا. وهذا يدل على أن الجمهور العلماني في اليمين واليمين الاستيطاني، لجأ في الاستطلاعات لقائمة "يمينا" كونها ظهرت وكأنها معارضة لاستمرار نتنياهو، رغم أن هذا ليس دقيقا. وما أن ظهر حزب "أمل جديد لإسرائيل"، برئاسة اليميني الاستيطاني المتشدد سياسيا جدعون ساعر، حتى انتقل هذا الجمهور إليه.

واللافت أنه في استطلاعات الرأي، وعلى الرغم من الانشقاق الذي وقع في تحالف "يمينا"، وخروج قائمة منافسة له، بزعامة بتسلئيل سموتريتش، رئيس حزب "الصهيونية الدينية"، ومتحالفة مع حركة "قوة يهودية"، المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة، فقد واصلت قائمة يمينا" حصولها على 11 مقعدا، والقائمة المنشقة على ما بين 4 إلى 5 مقاعد. ما يعني أن الحديث يجري عن 15 مقعدا بالمجموع.

وتطرح هذه نتيجة علامات سؤال أخرى. فصحيح أن الليكود يخسر في استطلاعات الرأي ما بين 6 إلى 8 مقاعد من مقاعده الـ 36 اليوم، وقد تكون قائمتا "يمينا" و"الصهيونية الدينية" استفادتا من هذه الخسارة، إلا أن قسما من هذه المقاعد يتجه بطبيعة الحال إلى ساعر، الذي انضم له عدد من نواب الليكود، من الولاية الحالية ومن دورات سابقة.

وهنا نشير إلى أن زعيم "يمينا" نفتالي بينيت، المتدين الصهيوني، وشريكته العلمانية أييلت شاكيد، يحاولان جر جمهور علماني يميني الى تحالفهما، إلا أن القائمة التي تشكلت يهيمن عليها التيار الديني الصهيوني، وأن دعاية هذه القائمة تتجه أكثر حيث المنافسة الأشد، أمام الليكود وقائمة "الصهيونية الدينية"، في معسكر المستوطنات.
وما نريد قوله إن ارتفاع القوة المجتمعة لقائمتي اليمين الاستيطاني من 6 مقاعد اليوم إلى 15 مقعدا، في غضون عام واحد، قد يكون ناجما عن خلل في الاستطلاعات، أو أن التطرف السياسي والديني قد وصل الى مستويات أشد مما هي ظاهرة على وجه السطح.

خلل الاستطلاعات لدى الحريديم

كما ذكر سابقا، فإن الخلل في الاستطلاعات واضح في نتيجة قائمتي اليهود المتزمتين الحريديم، إذ تمنح كل الاستطلاعات تقريبا القائمتين 15 مقعدا، وحينما نتكلم عن 120 مقعدا في الكنيست، فإن لكل مقعد وزنه. وفي الجولات الانتخابية الثلاث السابقة، حصلت قائمتا الحريديم على 16 مقعدا مجتمعا.

في نيسان 2019، حصلت شاس ويهدوت هتوراة على 8 مقاعد لكل منهما، وفي تلك الانتخابات ارتفع عدد مقاعد غالبية القوائم التي عبرت نسبة الحسم، بعد أن بلغ حجم الأصوات التي اتجهت لقوائم لم تعبر نسبة الحسم حوالي 8% من إجمالي المصوتين، ما يوازي 10 مقاعد برلمانية.

ولكن شاس ويهدوت هتوراة حافظتا على عدد المقاعد في جولتي الانتخابات التاليتين، أيلول 2019، وآذار 2020، بحصول شاس على 9 مقاعد، ويهدوت هتوراة على 7 مقاعد. وفي كل واحدة من هاتين الجولتين، كانت يهدوت هتوراة تخسر في اليوم الأخير لصدور النتائج النهائية مقعدها الثامن لصالح الليكود، بفعل عدم كفاية فائض الأصوات، ما يعني أن القائمة في الجولتين كانت على حافة المقعد الثامن.

في مراجعة لنتائج آخر جولات انتخابية، منذ العام 2015، وحتى قبل عام، آذار 2020، وجدنا أن عدد أصوات قائمتي الحريديم في ارتفاع مستمر. ويساهم في هذا، بقدر كبير، التكاثر الطبيعي بنسبة تقارب 4% سنويا، في حين أن إجمالي عدد ذوي حق الاقتراع يرتفع سنويا بما بين 1.7% إلى 1.9%.

ومعروف أيضا، بناء على تحليل نتائج الانتخابات، أن 95% من الأصوات التي تحصل عليها قائمة يهدوت هتوراة للحريديم الغربيين الأشكناز، هي من جمهور الحريديم. بينما النسبة لدى شاس تهبط الى 70%، لأن شاس ما تزال تحصل على أصوات من أحياء وبلدات اليهود الشرقيين، خاصة من الشرائح الفقيرة والضعيفة، ومن اليهود الشرقيين الذين ما زال نمط التصويت لديهم هو على أساس انتماء للطوائف الشرقية. وفي الانتخابات المقبلة، لم تعد قوائم يترأسها أحد من اليهود الشرقيين، سوى شاس.

واستنادا لتزايد أعداد الحريديم، وكونهم يسجلون أعلى نسبة إقبال على صناديق الاقتراع، بما يتجاوز نسبة 90%، وأيضا استنادا لنتائج الجولات الانتخابية الثلاث السابقة، فإن قائمتي الحريديم من المفترض أن تستكملا في الانتخابات المقبلة 17 مقعدا، أكثر بمقعد من الوضع القائم، وأكثر بمقعدين مما تشير له الاستطلاعات.

الليكود بين العرب

كذلك فإن الخلل الكبير والمبالغة غير المنطقية نجدهما في ادعاء استطلاعات رأي، مخصصة للمجتمع العربي، بأن الليكود سيحصل على أكثر من مقعدين من العرب في الانتخابات المقبلة، وهذا يعني ما بين 80 ألف إلى 85 ألف صوت، وهم سيشكلون قرابة 14.3% من إجمالي المصوتين العرب، وفق تقدير الاستطلاعات ذاتها بأن نسبة التصويت ستتراوح ما بين 57% إلى 60%.

ففي مراجعة لجولات الانتخابات الثلاث الأخيرة السابقة، وجدنا تراجعا حادا في عدد أصوات الأحزاب الصهيونية في الانتخابات، باستثناء انتخابات نيسان 2019، التي شهدت أول انقسام في القائمة المشتركة، وحصلت يومها الأحزاب الصهيونية مجتمعة، على حوالي 163 ألف صوت، أي أكثر من 32% من المصوتين العرب، الذين بلغت نسبة إقبالهم على صناديق الاقتراع في تلك الانتخابات ما يلامس نسبة 50%. وهذه المعطيات تشمل القرى العربية الدرزية، التي تصل فيها نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية ما بين 85% إلى 90%، وهم يشكلون نسبة 8.5% من إجمالي المصوتين العرب.

إلا أنه في الانتخابات التالية، ومع التئام القائمة المشتركة مجددا، وارتفاع نسبة التصويت بين العرب إلى حوالي 54%، فقد حصلت كل الأحزاب الصهيونية مجتمعة على 77 ألف صوت، وهذه شكلت نسبة حوالي 14% من إجمالي المصوتين العرب. وحصلت هذه الأحزاب على عدد الأصوات ذاته تقريبا، في انتخابات آذار 2020، ولكن في إثر ارتفاع نسبة التصويت الى 64% فإن نسبة أصوات الأحزاب الصهيونية انخفضت إلى 11.8%، من إجمالي المصوتين العرب.

من أضعف الأحزاب التي تمثلت في الكنيست، من حيث حجم الأصوات التي حصلت عليها من العرب، كان حزب الليكود، ففي كل واحدة من انتخابات أيلول 2019، وآذار 2020، حصل الليكود على حوالي 11 ألف صوت، وهذا العدد شكّل في انتخابات أيلول 2019 نسبة 2%، وفي انتخابات آذار 2020 نسبة أقل، وبلغت 1.8%، ولا يوجد أي مبرر أو مؤشر لرفع قوة الليكود بين العرب بثمانية أضعاف دفعة واحدة.

وتفرض هذه المعطيات علامات سؤال حول مدى دقة استطلاعات الرأي في المجتمع العربي، فحتى لو افترضنا أن الليكود سيحصل على أصوات عربية اتجهت في الانتخابات السابقة لأحزاب صهيونية أخرى، مثل الأصوات التي حصل عليها تحالف "أزرق أبيض"، فلا يمكن منطقيا أن يصل إلى هذا الحجم الذي تشير له الاستطلاعات حتى وإن كانت الغالبية الساحقة من المصوتين للأحزاب الصهيونية لا يجاهرون بموقفهم عادة.

نشير إلى أنه في الانتخابات السابقة، آذار 2020، حصل تحالف "أزرق أبيض" على أقل من 31 ألف صوت عربي، من بينها 21600 صوت في القرى العربية الدرزية، والغالبية الكبيرة من هذه الأصوات ستكون عائمة في الانتخابات المقبلة، نظرا لتفكك تحالف "أزرق أبيض"، ولا يوجد في القائمتين المنبثقتين عنه، "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، و"أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس، مرشح عربي، ففي الانتخابات السابقة كانت المرشحة غدير مريح في تلك القائمة التحالفية، وقررت الانسحاب من الحياة السياسية، تمهيدا للانتخابات المقبلة.

امتحان استطلاعات الرأي العام

أقصى ما يمكن أن تقدمه استطلاعات الرأي العام هو توجه ما للنتيجة النهائية، ولكن طالما أن المعركة هي على مسألة أغلبية مطلقة أو دونها لفريق الليكود وبنيامين نتنياهو الفوري أو لكل معارضي استمرار حكمه، مع الاختلافات والتقاطبات بينهما، وأن الحديث يجري عن زحزحة مقعدين إلى ثلاثة من هذه الجهة إلى الأخرى، فإن كل نتيجة واردة، خاصة وأن نسبة التصويت التي ستؤثر عليها الأوضاع الصحية، ولربما حالة الجو في ذلك اليوم، ستلعب هي أيضا دورا في حسم نتيجة القوائم التي تتأرجح عند نسبة الحسم، وسقوط أي منها قد يغير توزيعة المقاعد بشكل ملموس.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات