المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
إدارة بايدن وإسرائيل: لا انقلابات متوقعة.
إدارة بايدن وإسرائيل: لا انقلابات متوقعة.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1001
  • عبد القادر بدوي

بمجرّد إعلان النتائج النهائية للانتخابات الأميركية وخسارة دونالد ترامب، بادرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، وكذلك المراكز البحثية المهتمة بالشأن السياسي والأمني، للحديث عن طبيعة التغيّرات التي ستشهدها الفترة المقبلة كنتاج لتغيّر الإدارة الأميركية السابقة. ومنذ تسلّم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن للسلطة كثرت التوقعات عن السياسة التي ستنتهجها إدارته من الملفات المختلفة، لا سيما ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والاتفاق النووي مع إيران؛ باعتبارهما الملفين الأكثر تأثراً بسياسة إدارة ترامب خلال سنوات حكم الأخير؛ بالمعنى السلبي للفلسطينيين والإيرانيين، وبالمعنى الإيجابي لإسرائيل.

وعلى الرغم من تأكيد الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، أن ولايته لن تكون استمراراً لولايتي الرئيس الديمقراطي السابق، باراك أوباما، فإن التوقعات الإسرائيلية من الإدارة الأميركية الجديدة قد تغيّرت بمجرّد إعلان النتائج النهائية للانتخابات الأميركية وخسارة ترامب الذي أبدت إدارته تماهيا شبه مطلق مع إسرائيل وسياساتها، وتبنّيا، شبه مطلق أيضاً، لموقف الأخيرة من مختلف القضايا؛ الملف النووي الإيراني؛ القضية الفلسطينية؛ العلاقة مع مؤسسات النظام الدولي المختلفة.

إن سقف التوقعات الإسرائيلية من الإدارة الأميركية الجديدة بات مُختلفا عن السابق، وهذا ما يُمكن استنتاجه، على الأقل، من الخطاب الإسرائيلي، الإعلامي والسياسي، الذي انتقل من خانة الهجوم والثقة بالنفس، إلى خانة الدفاع والتهديد برفض الخيار الأميركي، على الأقل فيما يتعلّق بمسألة العودة الأميركية للاتفاق النووي مع إيران وإن كان بشروط جديدة. فإسرائيل، وعلى مدار سنوات، سعت ولم تزل، لإبقاء إيران في خانة "الشيطان" الإقليمي والدولي، الذي يجب على كل العالم "الحر" كبح جماحه ومحاصرته، ولا ترغب في أن تستعيد إيران بعضا من قوتها من خلال الاتفاق الذي كانت ترى فيه إسرائيل تنازلاً دولياً لإيران سيُمكّنها في نهاية المطاف من الوصول إلى القنبلة النووية المنشودة وهو الأمر الذي ترى فيه إسرائيل تهديداً خطيراً لها على المستويات كافة.

في هذه المقالة، سنحاول التطرّق لأبرز التوقعات الإسرائيلية من الإدارة الأميركية الجديدة، إلى جانب بعض المقترحات، من خلال استعراض أهم ما ورد في ورقة صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" (INSS) في مطلع الشهر الحالي، وأعدّها كل من شمعون شتاين وعوديد عيران (عمل الأول كسفير لإسرائيل بين 2001-2007، والثاني كسفير لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي بين 2002-2007) بعنوان "في ضوء التعاون عبر الأطلسي: أهم نقاط الجدل والخلاف مع إسرائيل". جدير بالذكر أن الأفكار الواردة أدناه تُعبّر عن رأي كاتبي الدراسة فقط.

تُسلّط الورقة الضوء على استئناف إدارة بايدن للحوار مع أوروبا بعد فترة قطيعة، نسبياً، شهدتها فترة ولاية ترامب، وتأثير ذلك على علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي واحتمالية اندلاع المواجهة بينهما، ويُجادل الكاتبان أن ثمة خلافات مؤكّدة ستنشأ بين إسرائيل والإدارة الأميركية الجديدة والاتحاد الأوروبي على حدٍ سواء، في المستقبل القريب، طالما استمرت إسرائيل بانتهاج سياستها التي كانت سائدة في عهد إدارتي ترامب وأوباما. ويستند الكاتبين في هذا الطرح على أن السياسة الخارجية الأميركية التي أعلنت عنها إدارة بايدن ستخلق نوعاً من التعاون بين أميركا وأوروبا- وهو التعاون الذي غاب نسبياً في عهد إدارة ترامب- سيتمخّض عنه عودة الولايات المتحدة كلاعب رئيس في مختلف القضايا في الشرق الأوسط، وتعاون أوروبي- أميركي في مواجهة "التحديات المشتركة"، الأمر الذي سيؤثّر بالضرورة على القضايا المشتركة مع إسرائيل (الملف النووي الإيراني والقضية الفلسطينية)، وهي القضايا التي تريد الأخيرة أن تُبقي على موقفها منها (الموقف الإسرائيلي) كموقف مُهيمن، وناظم في الوقت نفسه، للموقف الدولي وفي مقدّمته موقف كل من الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي كما كان قائماً بالفعل في عهد إدارة ترامب، على الأقل بالنسبة للإدارة الأميركية من هذه الملفات، بشكل يضمن لإسرائيل مصالحها أولاً وأخيراً، ومصالحها هنا كما تراها هي، وليس كما يراها غيرها.

إن الملامح العامة لسياسة إدارة بايدن الخارجية اتّضحت، على الأقل بالنسبة لمُعدّي هذه الورقة، من خلال موقف هذه الإدارة المُعلن في المؤتمر الأمني السنوي الذي عُقد في ميونيخ؛ حيث تُشير هذه الملامح إلى تغيير عميق يتّضح في نيّة إدارته العودة للعمل الدولي واستعادة أميركا لدورها كلاعب رئيس في مختلف القضايا خلافاً لموقف ترامب، ومن أبرز تجلّياتها: النية للعودة إلى اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ؛ الموقف من منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان؛ الرغبة بتعزيز الحقوق والحريات العالمية؛ تقوية التحالفات الدولية لمواجهة التحديات العالمية المشتركة (الصين وروسيا مثلاً). في الوقت نفسه، ينظر الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في قضايا إشكالية أخرى، جُلّها في الشرق الأوسط- الملف النووي الإيراني والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، الأمر الذي سيخلق نوعاً من "التنسيق" في الموقف، والذي سيقود للتنسيق في الخطوات العملية بالضرورة، تجاه هذين الملفين على وجه التحديد. من هنا ترى الدراسة أن على إسرائيل أن تشعر بالقلق من عملية "إحياء" الشراكة بين الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، خاصة في ملفي إيران والعملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لذلك عليها أن تنتهج سياسة مختلفة عن تلك السائدة في عهد الإدارة الأميركية السابقة.

بالنسبة لإيران

ترى الدراسة أن نيّة إدارة بايدن بالعودة للاتفاق النووي الموقّع مع إيران العام 2015 باتت واضحة، من خلال الطلب الأميركي المُقدّم للشركاء الأوروبيين الثلاثة في الاتفاق بتهيئة الظروف لعقد اجتماع تشارك فيه إيران والولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب محاولات الوساطة الصينية في هذا الملف. وعلى الرغم من أن الشروط المحيطة بالاتفاق ومضامينه قد تكون مختلفة هذه المرة؛ إلا أن هذه القضية ستكون مصدراً مفتوحاً للاختلاف والجدل بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة بايدن تبعاً لما ستتمخّض عنه الجهود الأميركية- الأوروبية في هذا الشأن، لا سيّما وأن التصريحات الإسرائيلية- ليس آخرها المواقف المُعلنة لأفيف كوخافي وبنيامين نتنياهو- رافضة بشدّة لمسألة العودة للاتفاق النووي مع إيران وداعية لزيادة الضغط الدولي عليها بدلاً من تخفيفه. بناءً عليه، سيضع هذا الموقف بكل تأكيد إسرائيل، وكذلك بعض الدول الخليجية، في موقف ضعيف، لكنه مواجِه، لقرار الإدارة الأميركية في حال تمّ الاتفاق من جديد مع طهران حول نشاطاتها النووية والأسلحة والصواريخ التي ترى فيها كل من إسرائيل وبعض هذه الدول خطراً حقيقياً على أمنها واستقرارها، بل ووجودها أيضاً.

لذلك؛ إسرائيل أمام خيارين لا ثالث لهما: العودة للمواجهة مع الإدارة الأميركية- قد تكون عواقب هذه المواجهة أشدّ من تلك التي خاضتها مع إدارة أوباما في السابق- أو انتهاج سياسة الحوار المستمرّ مع الجميع، وفي مقدّمتهم الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي لدفعهم لتبنّي مطالب إسرائيل ومصالحها في هذا الشأن.

بالنسبة للعملية السياسية بين الفلسطينيين وإسرائيل

بات واضحاً وجود نيّة أميركية للتخلّي/ التراجع عن "صفقة القرن" كمرجعية لتسوية الصراع، مثلما فعلت الإدارة الأميركية السابقة (إدارة ترامب)، وتتجه لدعم حل الدولتين، جغرافياً على الأقل، مع الاستمرار باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وهو الأمر الذي حظِي بترحيب من قبل الاتحاد الأوروبي، أو على الأقل، الدول الفاعلة فيه. وعلى الرغم من أن الأجندة الأميركية والأوروبية تحتوي على قضايا أكثر أهمية من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وتسويته؛ إلا أن أي حكومة إسرائيلية تُفسّر ذلك على أنه فرصة لتكثيف الاستيطان، خاصّة في القدس الشرقية، ستكون مخطئة، حيث من المتوقع أن يستمرّ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية بمراقبة النشاط الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية، ولن يكون مُستبعداً البتّة خيار التوجه إلى مجلس الأمن هذه المرة لكبح جماح إسرائيل في هذا الجانب على غرار ما حدث في نهاية ولاية الرئيس باراك أوباما.

في هذا السياق أيضاً، تبرز مخاطر إقدام إسرائيل على منع إجراء الانتخابات الفلسطينية، حال حصلت، في القدس الشرقية كما هو مُتفق عليه في اتفاقات أوسلو، وفي حال حدوث ذلك، ستكون له بكل تأكيد آثار سلبية على علاقتها مع الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية الجديدة اللتين تُبديان رغبة شديدة بالحفاظ على هذه الاتفاقات بالحدّ الأدنى ومنع تفاقم الأوضاع من خلال الخطوات أحادية الجانب. لذلك على إسرائيل، برأي الكاتبين، أن تُبادر لجملة من الخطوات التي من شأنها إنعاش الاقتصاد الفلسطيني، بما في ذلك في المناطق المُصنّفة (ج)، والقيام بتسهيلات لقطاع غزة، وإفراج جزئي ومشروط عن بعض الأسرى الفلسطينيين، مظهرةً بذلك حسن نية وتعاوناً مع الإدارة الأميركية الجديدة طالما أن الظروف الحالية، وفي المستقبل القريب كذلك، لن يتمخّض عنها حل شامل مع الفلسطينيين. هذه الخطوات ستُعزّز من التعاون الإسرائيلي- الأميركي- الأوروبي بوصف إسرائيل جزءاً من العالم الغربي، وكما تُعرّف عن نفسها كذلك على الدوام، الأمر الذي يفرض عليها أن تُبدي ارتياحاً، حتى وإن كان ظاهرياً، من مواقف الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي الساعية لتقوية المعسكر الغربي ضدّ الخصمين "المستبدّين" الصين وروسيا. هذا الموقف الإسرائيلي من شأنه أن يخفّف من المعضلات التي قد تواجهها إسرائيل في حال زادت التوترات العالمية، وزادت معها حدّة الخلافات مع الإدارة الأميركية الجديدة والاتحاد الأوروبي في القضايا المطروحة أعلاه.

تُعالج الورقة، من منظور إسرائيلي مُختلف، وربّما ليس سائداً ولا يلقى رواجاً كبيراً في إسرائيل- كما نستدّل على ذلك على الأقل من التوجّهات الرسمية الإسرائيلية على مستوى الخطاب وكذلك الفعل- مسألة طبيعة العلاقة الإسرائيلية- الأميركية- الأوروبية المتوقعة في عهد الإدارة الأميركية الجديدة، من خلال تسليط الضوء على أهم النقاط التي قد تبدو خلافية بين الأطراف، خلافاً لما كان قائماً في عهد ترامب الذي أبدى تماهيا شبه مطلق مع توجّهات إسرائيل وسياساتها في المنطقة، ولا سيّما حيال ملف الصراع مع الفلسطينيين والملف النووي الإيراني.

إجمالاً؛ إن طرح هذه الورقة محكوم بمنطق الرغبة الإسرائيلية الساعية لإعادة العلاقات الإسرائيلية مع الحزب الديمقراطي الأميركي لوضعها الطبيعي بعد أن شهدت نهاية فترة حكمه الأخيرة (نهاية ولاية أوباما) مواجهة بين نتنياهو وإدارة أوباما، والتي شغل فيها بايدن منصب نائب الرئيس، في إطار المسعى الإسرائيلي لإبقاء العلاقات قوية ومتينة مع الحزبين وعدم حصرها في الحزب الجمهوري، رغم أنه أبدى تأييداً وتماهياً مطلقاً مع إسرائيل خلال السنوات الأربع السابقة (فترة ولاية ترامب). لكن من وجهة نظرنا هنا، فإن معظم التخوفات الإسرائيلية، على الأقل المطروحة في هذه الورقة، تنطوي ربما على قدر من المبالغة، نظراً لأن الإدارة الأميركية الجديدة لن تُحدث تغييراً جوهرياً في موقف الإدارة السابقة من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل وستسعى أيضاً لإعادة نفسها، بوصفها ممثّلاً للحزب الديمقراطي، كداعم حقيقي للمصالح الإسرائيلية السياسية والأمنية وكسر "الاحتكار" الذي أظهرته إدارة ترامب، بوصفها ممثلاً للحزب الجمهوري، في رعاية إسرائيل ومصالحها كسباً لدعم يهود أميركا. وإن فترة ولاية أوباما كانت الشاهد الأكبر على ذلك.

 

المصطلحات المستخدمة:

باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات