المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بيني غانتس.. من قائد لـ "الوسط" إلى عبء عليه.
بيني غانتس.. من قائد لـ "الوسط" إلى عبء عليه.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 789
  • برهوم جرايسي

 تدخل الحملة الانتخابية الإسرائيلية، هذا الأسبوع، المرحلة الحاسمة، وهي الأسابيع الثلاثة الأخيرة، قبل يوم الانتخابات البرلمانية التي ستجري في 23 آذار الجاري، إذ تبدأ الصورة تتضح أكثر، وتتقارب استطلاعات الرأي لمؤشر أوضح حول النتيجة النهائية، على الرغم من الحالة الاستثنائية التي تجري فيها الانتخابات بسبب الحالة الصحية، التي قد تنعكس ولو بشكل محدود على نسبة التصويت. ويظهر منذ الآن، أن احتمال حرق الأصوات قائم بين القوائم التي تمثل الجمهور غير المتجانس، المعارض لاستمرار حكم بنيامين نتنياهو، وبات مقلقا للقوائم التي تمثله. وتتزايد الضغوط على بيني غانتس وغيره للانسحاب من الحملة الانتخابية. من جانب آخر، فإن الأزمة الاقتصادية بدأت تتكشف بعمقها في الشارع على مستوى البطالة والأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، وقد يكون لها دور في اتجاهات التصويت.

ويظهر في المشهد العام للاستطلاعات أن قائمة "أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس، متأرجحة أكثر من غيرها، عند نسبة الحسم- 3.25%، وبدرجة أقل قائمة ميرتس، التي تمنحها استطلاعات الرأي ما بين 4 إلى 5 مقاعد. في حين أن القائمة الاقتصادية برئاسة محاسب الدولة العام الأسبق يارون زليخا، تحصل على نسبة 2% كحد أقصى، وهي بعيدة عن نسبة الحسم، لذا فإن الضغوط تتكثف بشكل خاص على غانتس وزليخا لينسحبا من المنافسة الانتخابية، ما سينقذ عشرات آلاف الأصوات من احتمال الحرق، وكلها من الجمهور المعارض لاستمرار حُكم نتنياهو، بدعوى أن هذه الأصوات ستعزز قوائم في ذات الفريق.

وحتى الآن، حسب تقارير، فإن قائمة "الديمقراطيين" تستعد للانسحاب من المنافسة، وهي لا تصل إلى حتى نسبة 1% من المصوتين، وتدور أحاديث حول أن قائمة البروفسور زليخا ستنسحب خلال أيام، في حين أن غانتس يخوض معركة ضد مطالبيه بالانسحاب، ومن بينهم 130 ضابط احتياط في الجيش الإسرائيلي. وسيكون من الصعب رؤية غانتس ينسحب من الحملة الانتخابية، لأنها بالنسبة له لحظة انكسار، وهو القائد العام الأسبق للجيش، ومن ناحية أخرى، فإن هذا الانسحاب قبل الوصول إلى يوم الانتخابات، سيكلفه ملايين الدولارات، التي صرفها حتى الآن على الحملة الانتخابية، وسيكون محروما من أي تمويل رسمي، ما يعني أنه حتى لو تيقّن غانتس من صعوبة اجتيازه نسبة الحسم، وأراد الانسحاب، فسيكون على مطالبيه ضمان من يسدد له الفاتورة العالية للمصاريف التي أنفقها في الحملة الانتخابية.

وبحسب وصف صحيفة "معاريف" لتصريحاته، يدعي غانتس في مقابلات أجريت معه في الأيام الأخيرة، لصد الضغط عليه، أنه "مقاتل قفز على القنبلة اليدوية كي ينقذ دولة إسرائيل من انتخابات رابعة. وهو مقتنع بأنه أخذ من نتنياهو نصف حكومة، وقرر جدول أعمال، وحمى جهاز القضاء ومنع الضم. والآن مهمته إحباط "مؤامرة نيسان" التي يعدها نتنياهو: ’إلغاء المحاكمة، إقالة المستشار القانوني للحكومة والبقاء في الحكم إلى الأبد’".

وتقول المحللة السياسية في صحيفة "معاريف" أوريت ليفي، في مقال لها في نهاية الأسبوع الماضي، إنه في إطار السعي لعدم حرق الأصوات، في الفريق المعارض لنتنياهو، فإن "أساس الضغط يمارس على بيني غانتس كي ينسحب منذ الآن. في الانتخابات السابقة علق مصوتو اليسار- الوسط عليه الأمل بتغيير نتنياهو. أما الآن فيشيرون إليه كمن يعرض المعسكر للخطر. غانتس هو حالة كلاسيكية لزعيم كان طريقه إلى الجحيم السياسي مرصوفا بالنوايا الحسنة. وقد ربح باستقامة كل ما يقال عنه. كانت لديه معلومات استخبارية في الزمن الحقيقي، ولكنه اختار أن يتجاهل كل تحذيرات "مصابي بيبي" ودخل بعيون مفتوحة إلى الفخ الذي أعده له نتنياهو".

ويرى المحللون الإسرائيليون أن نتنياهو يخوض حملة انتخابية أفضل من الجولات الانتخابية الثلاث الأخيرة، لأنه ضمن عدم "حرق أصوات" في معسكر اليمين الاستيطاني، بضم حركة "قوة يهودية" ("عوتسما يهوديت")، برئاسة إيتمار بن غفير، المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة، إلى تحالف مع حزب "الصهيونية الدينية"، وفي ذات الوقت، أضعَفَ تحالف أحزاب اليمين الاستيطاني، كي لا يكون جسما برلمانيا بقوة قريبة من قوة حزب الليكود.

كذلك فإن ممارساته منذ انتخابات آذار 2020، أدت إلى شق تحالف "أزرق أبيض"، وعمليا نسف هذا التحالف الذي حقق في آخر انتخابات 33 مقعدا. ويضاف إلى هذا، انشقاق حزب من الأحزاب الأربعة التي شكلت القائمة المشتركة، المستمرة بثلاثة أحزاب، ولكن كل نتيجة ستحصل عليها، والقائمة المنشقة عنها، لن تحقق 15 مقعدا معا، كما كان في انتخابات آذار 2020. وتساهم في هذه النتيجة، مؤشرات لتراجع نسبة التصويت بين العرب، من 64% في الانتخابات السابقة، إلى 56% في الانتخابات المقبلة، بحسب سلسلة من الاستطلاعات.

وبحسب المحللة أوريت ليفي، السابق ذكرها هنا، فإن الليكود قد يحقق تقدما عن النتيجة التي يحصل عليها حاليا، 28 مقعدا، كما أنه برأيها لا أساس لإعلان نتنياهو أنه لن يمنح بن غفير، رئيس حركة "قوة يهودية"، حقيبة وزارية، وأنه في حال عرف نتنياهو بأنه لن تكون أغلبية من دون ضم بن غفير للحكومة فإنه سيضمه. ولكن المحللة التي تعتمد في تقييمها على طريقة عمل نتنياهو، لم تأخذ بالحسبان اعتراض أحزاب مرشحة للانضمام لحكومة كهذه، على ضم بن غفير لها كوزير.

الأزمة الاقتصادية وقنبلة البطالة

حتى الآن أظهرت التقارير الاقتصادية الرسمية، الصادرة عن وزارة المالية ومكتب الإحصاء الحكومي، أن عمق الأزمة الاقتصادية في العام الماضي 2020، جاء "أخف وطأة" من التقديرات التي انتشرت بشكل متتال خلال العام الماضي، وهذا نهج معروف، بأن يتم طرح تقديرات سيئة، فإن وقعت تكون التقديرات قد صدقت، ولكن إن كانت الحصيلة أسوأ بدرجة أقل، فإن الحكومة تسجل هذا لنفسها كإنجاز، ولكن من تحت كل هذه العناوين الكبيرة للاقتصاد، هناك واقع أزمة اقتصادية ملموسة على مستوى الجمهور الذي تراجع استهلاكه بنسبة 11%، بينما البطالة الفعلية، بمعنى الذين لا أماكن عمل تستوعبهم بعد الرفع الكلي للإغلاق، ستكون بمثابة قنبلة في وجه كل حكومة جديدة بعد الانتخابات، خاصة وأنه توجد فوضى في الإحصائيات الدقيقة، حسب تقرير اقتصادي صحافي، ولكن في كل الأحوال، فإن الحديث عما بين 8% إلى 9% بطالة فعلية.

فعلى صعيد الوضع الاقتصادي في العام الماضي 2020، أعلن مكتب الإحصاء المركزي أن الاقتصاد سجل انكماشا بنسبة 2.4%، رغم التقديرات الأولية التي تحدثت عن انكماش يتراوح ما بين 5.5% إلى 7%. ثم انخفضت التقديرات في نهايات العام الماضي إلى ما بين 3.3% وحتى 3.7%، من حجم الناتج العام، في العام الماضي.

ويقول مكتب الإحصاء إن حجم الناتج العام انخفض في العام الماضي إلى مستوى 1.386 ترليون شيكل، أي ما يعادل 426 مليار دولار، وفق سعر صرف الدولار في هذه الأيام (حوالي 3.26 شيكل للدولار). وإن العجز في الميزانية العامة، بلغ 11.2% من حجم الناتج العام، بمعنى 155 مليار شيكل (47.5 مليار دولار)، في حين أن التقديرات كانت تتحدث عن قرابة 13.5% من حجم الناتج العام، بمعنى أن العجز كان أقل بنحو 32 مليار شيكل من التقديرات الأولى.

وقبل هذا، أعلنت وزارة المالية أن حجم الدين العام بلغ في العام الماضي نسبة 73% من حجم الناتج العام، بمعنى ما يزيد بقليل عن ترليون شيكل. وكانت التقديرات تتحدث عن ارتفاع الدين إلى نسبة 78%، مقابل نسبة 60% من حجم الناتج العام في نهاية العام 2019.

وحسب التقارير الاقتصادية الإسرائيلية، فإن كل المعطيات الاقتصادية للعام الماضي، جاءت أخف وطأة مقارنة مع الوضع القائم في العالم كله، وبالذات مقارنة مع الدول المتطورة، التي تعد إسرائيل نفسها واحدة منها. إلا أن المعطيات الأكثر دقة، عادة تصدر ما بين الثلث الأول، وحتى النصف الأول من كل عام، عن العام الذي سبق، ولكن المعطيات الحالية تبقى مؤشرا، إذ جرت العادة على أن تكون التعديلات، في حال كانت، طفيفة.

ورغم كل هذا، فإن كل حكومة ستتشكل بعد الانتخابات، ستكون مطالبة من طرف المؤسسات المالية الإسرائيلية: البنك المركزي ووزارة المالية، وأيضا من المؤسسات المالية العالمية، مثل صندوق النقد والبنك الدولي، بأن توجه ضربات اقتصادية للجمهور، كي تخفض العجز في الموازنة العامة، وتقلص حجم الدين العام.
وكانت تقديرات لبنك إسرائيل المركزي قد تحدثت عن أن إسرائيل ستعود إلى مسار النمو الاقتصادي، بالقدر الذي يعوّض خسائر العامين الماضي والجاري.

والأزمة الأكبر في الاقتصاد الإسرائيلي ستكون على مستوى الجمهور، وبشكل خاص في جانب البطالة، فحتى الآن تؤكد كافة التقارير الصحافية الاقتصادية، أن هناك فوضى عارمة في المعطيات الاقتصادية، ومن الصعب معرفة الأعداد الحقيقية لمن هم في بطالة فعلية، بمعنى أنهم فقدوا مكان عملهم كليا، وبين أولئك الذين هم في حالة "إجازة ليست مدفوعة الأجر"، ويتلقون مخصصات بطالة استثنائية، وقسم منهم لا يعرف أنه فقد مكان عمله كليا، ولم يبلغ دائرة التشغيل، ومؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية (مؤسسة التأمين الوطني).

فحسب تقرير شهر كانون الثاني الماضي، فإن عدد الذين كان في دائرة البطالة، إن كانوا مفصولين كليا من العمل، أو في حالة "إجازة ليست مدفوعة الأجر"، حوالي 800 ألف شخص، وهم يشكلون نسبة 18.5% من إجمالي القوى العاملة في إسرائيل. ومن المفترض أن يكون هذا العدد تراجع في النصف الثاني من شهر شباط المنصرم، على ضوء الرفع التدريجي للإغلاق، ولكن القيود ما تزال قائمة في بعض القطاعات، وبشكل خاص في قطاع الخدمات، مثل المطاعم ومرافق الطعام، التي تفتح أبوابها جزئيا، دون المكوث في المكان، وأيضا في قطاع المشتريات، مثل محلات الملبوسات والكماليات وغيرها.

فقد قال تقرير أخير إن عدد المسجلين رسميا كعاطلين كليا عن العمل، في النصف الأول من شهر شباط المنصرم، لامس 180 ألف شخص، أي قرابة 4.3%، ولكن حينما يتم فتح أبواب الاقتصاد كليا، فإن هذا العدد مرشح لأن يتضاعف، ويصل إلى نحو 9% من إجمالي القوى العاملة. وهذا لأن المعطّلين عن العمل إما أنهم لم يعرفوا أنهم فقدوا كليا مكان عملهم، أو أنهم عرفوا ولكنهم لم يبلغوا مكتب التشغيل، لأن هذا لن يغير شيئاً في حجم المخصصات التي يتلقاها.

وكانت تقارير سابقة قدّرت أن عدد المصالح الاقتصادية في إسرائيل قد تقلص في العام الماضي بنحو 40 ألف مصلحة. ويضاف إلى هذه المصالح التي أغلقت أبوابها كليا، مصالح أخرى قلصت عدد العاملين فيها، وبضمنها شركات ضخمة جدا في الاقتصاد الإسرائيلي، مثل شركة الطيران شبه الرسمية "إلعال"، التي بدأت في إجراءات لفصل سريع لـ 600 عامل لديها، من أصل 6 آلاف عامل في الشركة، وهذا في إطار عملية فصل ألفي عامل، بمعنى أن الشركة ستغلق 33% من أماكن العمل لديها، وهذا ليس فقط بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الأزمة الصحية، وإنما أيضا بسبب المنافسة على الخطوط الجوية.

المشكلة الجدية التي تنتظر جمهور المعطّلين عن العمل هي أن مخصصات البطالة الاستثنائية، ستنتهي فترتها مع انتهاء شهر حزيران المقبل، فهذه المخصصات منحت لمن لا يشملهم قانون البطالة، من عمر 20 عاما إلى 28 عاما، ومن دون تحديد فترة زمنية لهم ولغيرهم، بحسب ما ينص عليه القانون، إلا أن كل هذه الاستثناءات ستنتهي بعد أقل من 4 أشهر من الآن، وسيجد عشرات الآلاف وأكثر من العاطلين عن العمل أنفسهم من دون مخصصات ومن دون أماكن عمل تستوعبهم.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات