إذا كان ردّ الفعل الفلسطيني المرحب بالقرار الأخير الذي صدر عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي قد تميز بالترحيب وباعتباره قراراً تاريخياً، (بحق، طبعاً، في بعض جوانبه ومعانيه، رغم أن الطريق نحو اعتقال ومحاكمة مسؤولين إسرائيليين ما زال طويلاً جداً، إن تمّ أصلاً، كما سنبيّن لاحقاً)، فمن الطبيعي جداً، إذن، أن يكون رد الفعل الإسرائيلي والأميركي هو الغضب العارم، حد الجنون، حيال هذا القرار، التشديد على رفضه ومحاولة الطعن في مصداقيته ومشروعيته، بل الطعن في مصداقية المحكمة الدولية بالمجمل وشن هجوم كاسح عليها ورميها بأقذع الأوصاف، حدّ وصف قرارها الأخير هذا بأنه "لا ساميّ"!!
ليست صدفة، إطلاقاً، أن يأتي هذا الهجوم على المحكمة الدولية من هاتين الدولتين تحديداً، والآن بالذات، على خلفية حقيقتين أساسيتين: الأولى، أن إسرائيل والولايات المتحدة ليستا من ضمن الدول الـ 138 التي وقعت على "ميثاق روما" الذي أنشِئت محكمة الجنايات الدولية العام 2002 بموجبه ووفق مواد نظامه الأساس التي تتعلق، أساساً، بجرائم إبادة الشعوب (جينوسايد)، الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحروب المختلفة؛ والثانية، أن إسرائيل والولايات المتحدة تواجهان الآن احتمال إجراء تحقيقات جنائية مع مسؤولين رسميين كبار فيهما، سياسيين وعسكريين؛ إسرائيل ـ على خلفية احتلالها المستمر في المناطق الفلسطينية وجرائمه المختلفة، التي لا تعد ولا تحصى؛ والولايات المتحدة ـ على خلفية احتلالها في أفغانستان وما تخلله من جرائم حرب ارتكبها الجيش الأميركي، قواته وقادته وجنوده، ضد الشعب الأفغاني. وعلى هذه الخلفية، بالذات، كان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قد وقعّ في حزيران الماضي (2020) على مرسوم رئاسيّ يسمح بفرض عقوبات اقتصادية على مسؤولين كبار في المحكمة الجنائية الدولية كانوا ضالعين في محاولات الدفع نحو التحقيق مع ومحاكمة جنود أميركيين عن جرائمهم في أفغانستان، أو مع جنود ومسؤولين من دول حليفة للولايات المتحدة، من ضمنها إسرائيل. وقد قضى المرسوم الرئاسي المذكور بمصادرة ممتلكات جميع أولئك المسؤولين في المحكمة الدولية، إضافة إلى منعهم وأفراد عائلاتهم من الدخول إلى الولايات المتحدة.
ولأن قرار المحكمة الأخير يفتح الباب، ولو نظرياً على الأقل ـ في هذه المرحلة، كما سنوضح لاحقاً ـ لفتح تحقيقات جنائية ضد مسؤولين رسميين إسرائيليين، سياسيين وعسكريين، حاليين وسابقين، بمن في ذلك رؤساء المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، ثم احتمال إصدار مذكرات اعتقال بحق هؤلاء، فهو (القرار) يُحدث زلزالاً قد يضع دولة إسرائيل في مواجهة "تسونامي" سياسي وقضائي غير مسبوق، ما يعني أنه من المؤكد أن إسرائيل ستباشر قريباً جداً، مع الولايات المتحدة أو بالتعاون والتنسيق التامّين معها، إلى شن حربٍ شعواء شرسة ضد المحكمة الجنائية الدولية، في مركزها تشويه صورة المحكمة ونزع شرعيتها (وربما قضاتها بشكل شخصي، أيضاً) ومن غير المستبعد أن تذهب نحو فرض عقوبات إضافية على المسؤولين فيها وتشديد العقوبات التي جرى فرضها من قبل.
القرار، خلفيته، مرتكزاته، حيثياته وتبعاته
ينص القرار الذي اتخذته محكمة الجنايات الدولية، مساء يوم الجمعة الأخير (5 شباط)، بأغلبية اثنين من أعضاء هيئتها المؤلفة من ثلاثة قضاة ومعارضة رئيس الهيئة (هي هيئة ثابتة التركيبة الشخصية في المداولات التمهيدية السابقة للمحاكمات) على الاعتراف بأن "فلسطين هي دولة"، من حيث عضويتها في "ميثاق روما" فقط ـ وليس من حيث الاستقلال السياسي، فهذا ليس من صلاحية هذه المحكمة بالطبع. وأوضحت المحكمة أن قرارها هذا يرتكز على قواعد الاختصاصات القضائية المنصوص عليها في وثائق تأسيس المحكمة، إذ أنها لا تملك الصلاحية الدستورية للبت في قضايا الاستقلال السياسي، ولذا فهي لا تقرر بشأن الصراع على الحدود وفق القانون الدولي ولا تقرر سابقة قضائية بشأن قضية الحدود المستقبلية، وإنما هو (القرار) "لضرورة تحديد الصلاحية/ الولاية الإقليمية، فقط". واعتبرت المحكمة أن القرار "ليس فصلاً لنزاع حدودي بموجب القانون الدولي ولا حكماً مسبقاً على مسألة أي حدود مستقبلية"، بل "لغرض وحيد هو تحديد الاختصاص القضائي الإقليمي للمحكمة". لكن، يجب التنويه إلى أن المحكمة اتخذت قرارها هذا استناداً إلى قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 19/67 (من يوم 29/11/2012) الذي منح فلسطين مكانة "دولة غير عضو" وأقرّ حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفي الاستقلال في دولته في إطار "المناطق الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967". ويقضي قرار المحكمة هذا، بالتالي، بأن الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية تمتد إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل (الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة) وتشملها. معنى هذا أن المدعي العام للمحكمة مخول صلاحية فتح وإجراء تحقيقات جنائية في جرائم الحرب التي تُتَّهم إسرائيل باقترافها في المناطق الفلسطينية.
يشكل قرار محكمة الجنايات الدولية هذا إقراراً للخلاصات التي توصلت إليها المدعية العامة للمحكمة، فاتو بنسودا، ومفادها المركزي توفر الأساس القانوني لإجراء التحقيق في جرائم حرب إسرائيلية ارتُكبت في المناطق الفلسطينية. كما يفتح قرار المحكمة الباب أمام إجراء تحقيقات جنائية مع حركة "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى وقادتها، أيضاً.
وكانت بنسودا قد طلبت رأي المحكمة القانوني بشأن اختصاصها وولايتها القضائية في الأراضي التي تحتلها إسرائيل قبل فتح تحقيق رسمي، وذلك بعد إعلانها يوم 18 كانون الأول 2019 أنها قد خلصت إلى الاستنتاج بأنها وجدت "أساساً معقولاً للاعتقاد بأن جرائم حرب قد ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة". ووصفت بنسودا آنذاك الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية المسلحة (مثل "حماس" وغيرها) كجناة محتملين، مما يمكن أن يتيح "فتح تحقيق جنائي بشأن الوضع في فلسطين"، أي التحقيق مع دولة إسرائيل ومع "حماس" وتنظيمات فلسطينية أخرى بشأن ممارساتها في المناطق الفلسطينية. وأكدت بنسودا، في حينه، أن التحقيق "لن يبدأ على الفور"، بل طلبت من قضاة المحكمة الجنائية تقديم رأيهم الاستشاري المهني في المسألة في مدة أقصاها 120 يوماً، بحيث يجيبون فيه على السؤال المركزي بشأن مدى صلاحية المحكمة الجنائية الدولية الخوض في هذه المسألة وإجراء هذا التحقيق في هذه المناطق.
وحددت بنسودا، في نص طلبها إياه إلى المحكمة، أربع حالات عينية قالت إنها تستدعي التحقيق بشكل خاص، هي: * الأولى ـ ثلاثة حوادث قام الجيش الإسرائيلي خلالها بشن "هجمات غير تناسبية" في قطاع غزة إبان عدوان "الجرف الصامد" في العام 2014؛ * الثانية ـ إطلاق حركة "حماس" وتنظيمات فلسطينية أخرى النيران نحو مواطنين في قطاع غزة بصورة متعمدة واستخدام المواطنين دروعاً بشرية خلال العدوان في العام 2014؛ * الثالثة ـ أعمال البناء في المستوطنات، والتي وصفتها بنسودا بأنها "جرائم حرب نفذتها جهات إسرائيلية كانت ضالعة في نقل مواطنين إسرائيليين إلى الضفة الغربية ابتداء من حزيران 2014"؛ * والرابعة ـ جرائم حرب نفذها جنود الجيش الإسرائيلي الذين كانوا متورطين في إطلاق النيران الحية في اتجاه الفلسطينيين الذين شاركوا في مظاهرات عند الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة في آذار 2018 (مسيرات العودة).
كي يتوصل قضاة المحكمة الجنائية الدولية إلى قرارهم الذي يقدم رأيهم القضائي، كما طلبته منهم المدعية العامة للمحكمة، كان يتعين عليهم النظر في جملة من الأسئلة والإجابة عليها، قبل أن يخلصوا إلى استنتاجهم النهائي: هل للمحكمة الجنائية الدولية صلاحية للنظر في الشكاوى الفلسطينية بشأن جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة منذ العام 1967؟ في مقدمة هذه الأسئلة اثنان مركزيان هما:
السؤال الأول: هل هناك دولة فلسطينية؟ وإن كانت ثمة دولة فلسطينية، فما هي المناطق الخاضعة لسيطرتها ومسؤوليتها؟ هو السؤال الأول والمركزي لأن هذه المحكمة، وفق دستورها، مخولة صلاحية النظر فقط في الجرائم التي ارتُكبت في داخل حدود دولة عضو في "ميثاق روما"، انضمت إليه بالتوقيع عليه. في الإجابة على هذا السؤال، يجري فحص ما إذا كان مصطلح "دولة" المستخدَم في سياق العضوية في "ميثاق روما" وما يشتق منه بشأن صلاحية المحكمة، مطابق لمصطلح "دولة" المستخدَم في السياق الأوسع، الخاص بالقانون الدولي عموماً.
السؤال الثاني: ما هو مصدر الصلاحيات الجوهرية المخولة للمحكمة الجنائية الدولية؟ تنبع أهمية هذا السؤال من الادعاء الإسرائيلي بأن صلاحية المحكمة مستمدة من الدول الأعضاء فيها (في المحكمة) وتسري عليها، فقط لا غير. غير أن المحكمة اتخذت منحى آخر تماماً، كما حصل في مرات وتجارب سابقة، في جوهره أن مصدر صلاحياتها الأساس هو المجتمع الدولي ومصلحته الحيوية في منع ارتكاب جرائم ضده وضد البشرية، كما هو وارد في مقدمة "ميثاق روما" نفسه، وكذلك مجلس الأمن الدولي المخول صلاحية توكيل المحكمة الجنائية الدولية بمهمات تحقيق جنائية دولية.
تمهيداً للنظر في طلب بنسودا وإصدار قرارها، أمهلت المحكمة الدولية دولة إسرائيل حتى 24 حزيران الماضي (2020) كي تقدم إليها موقفها في القضية، غير أن إسرائيل اختارت تجاهل المحكمة وطلبها وعدم التجاوب معها، إمعاناً من طرفها في ضرب شرعية المحكمة والطعن بها، استناداً إلى موقفها الأساس الزاعم بأن "صلاحية المحكمة لا تسري سوى على الدول الأعضاء فيها فقط"، ولهذا فهي "لا تملك صلاحية التحقيق مع مسؤولين إسرائيليين"، لأن إسرائيل ليست عضواً فيها (لم تنضم إلى "ميثاق روما" ولم توقع عليه، كما ذكرنا، هي والولايات المتحدة).
ينتقل القرار الآن من الناحية الإجرائية، إلى المدعية العامة، بنسودا، نفسها، بعدما منحتها المحكمة المسوّغ القانوني والضوء الأخضر. على بنسودا الآن أن تقرر ما إذا كانت ستجرى التحقيقات أم لا؟ هل سيتم استدعاء مسؤولين إسرائيليين، سياسيين وعسكريين (وكذلك فلسطينيين، ربما، كما أوضحنا أعلاه) للتحقيق معهم جنائياً، بتهمة الضلوع في ارتكاب جرائم حرب؟ من هم الذين سيتم استدعاؤهم ومتى سيجرى التحقيق معهم؟ وقد يتطور الأمر، أيضاً، إلى إصدار مذكرات إحضار واعتقال في حال رفض أحد المستدعين المثول أمام المحكمة.
في تعقيبها الأول على قرار المحكمة، مساء الجمعة، قال بيان صدر عن مكتبها إن "المدعية العامة تدرس قرار القضاة وستقرر خطواتها اللاحقة، دون أي تحيز أو مراءاة وباستقلالية تامة، طبقاً للتفويض المثبت في ميثاق روما".
مع ذلك، ينبغي التأكيد ـ كما أشرنا آنفاً ـ على أنه حتى تقرر إجراء التحقيق، فليس من المؤكد أن ينتهي الأمر إلى إصدار أوامر اعتقال أو إلى تقديم لوائح اتهام ضد مسؤولين إسرائيليين، ذلك أن أحد الشروط الأساسية لانتقال التحقيق في مثل هذه الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية هو ما يقضي به "مبدأ التكامل" (Complementarity) بشأن اختصاص المحكمة، كما هو وارد في "ميثاق روما": "لا تتدخل المحكمة الدولية في الحالات التي تقوم فيها الدولة المعنية نفسها بالتحقيق في هذه الحالات بصورة فعالة". وفي هذا الصدد، كانت بنسودا أعلنت، في كانون الأول 2019، أنها "لا تزال تفحص ما إذا كانت الإجراءات القضائية التي اتخذتها إسرائيل حيال هذه الحوادث كافية وتنفي الحاجة القانونية ـ وفق أحكام القانون الدولي ـ لإجراء تحقيق جنائي دولي" (من الواضح أن هذا الكلام لا ينطبق على كل ما يتعلق بالاستيطان والمستوطنات، ولهذا فقد تكون هذه هي المشكلة الأكبر بالنسبة لإسرائيل)، بينما قالت بنسودا عن الجانب الفلسطيني ("حماس" والتنظيمات الأخرى) إنه "لا دليل على تحقيقات أجريت بشأن أمور وقعت في مدينة غزة".
خلاصة القول إن ورطة إسرائيل الأساسية في سياق قرار محكمة الجنايات الدولية الأخير وتبعاته تتمثل في اضطرارها إلى المناورة بين خيارين أحلاهما مُرّ: إما المشاركة في إجراءات المحكمة ـ إذا ما تقرر إجراء التحقيق وعند بدئه ـ كطرف مُدعَى عليه، بما يمنح المحكمة الشرعية التي دأبت إسرائيل على إنكارها ونزعها عنها حتى الآن؛ وإمّا مقاطعة هذه الإجراءات بما يتيح المجال أمام حصول تطورات لا تحمد عقباها بالنسبة لإسرائيل، دولةً وقيادات، من الممكن أن تشمل إصدار مذكرات اعتقال سريّة بحق مسؤولين إسرائيليين، دون أن تعلم إسرائيل بها ودون أن يعلم الشخص المعني بذلك، ما سيضطرها إلى اعتماد إجراءات عديدة ومختلفة في كل ما يتعلق بسفر المسؤولين، السياسيين والعسكريين، السابقين والحاليين، إلى خارج البلاد خشية إلقاء القبض عليهم واعتقالهم في أية دولة من الدول الـ 138 الأعضاء في المحكمة (في "ميثاق روما")، لأن "الميثاق" يلزم هذه الدول بتنفيذ أمر الاعتقال حال هبوط المشتبه به المعني على أراضيها ثم نقل المعتقَل إلى المحكمة في لاهاي. وتشمل هذه الدول الأغلبية الساحقة جداً من الدول في القارتين الأوروبية والأميركية (باستثناء الولايات المتحدة، بالطبع)، عدداً من الدول الأفريقية، أستراليا، اليابان ودولاً أخرى عديدة في القارة الآسيوية.
ثمة خيار ثالث قد تلجأ إليه إسرائيل هو استخدام محامين خصوصيين، لا يمثلون دولة إسرائيل بصورة رسمية، للظهور أمام هيئات المحكمة وقضاتها، لكنه يشكل اعترافاً واضحاً، وإن يكن غير مباشر، بالمحكمة وصلاحياتها.
ترحيب فلسطيني، رفض إسرائيلي وقلق أميركي
بينما رحب الشعب الفلسطيني بهذا القرار واعتبرته السلطة الفلسطينية قراراً تاريخياً و"انتصاراً للعدالة وللإنسانية، ولقيم الحق والعدل والحرية، وإنصافاً لدماء الضحايا ولذويهم الذين يكابدون ألم فراقهم" (كما وصفه رئيس الحكومة، محمد اشتية)، دانت إسرائيل القرار ورفضته ودعت الدول الأخرى إلى رفضه، أيضاً، أعربت الولايات المتحدة، بإدارتها الجديدة، عن "قلق عميق" من صدور هذا القرار.
رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عقب على قرار المحكمة الدولية ببيان خاص قال فيه إن "المحكمة أثبتت اليوم، مرة أخرى، أنها جسم سياسي وليست مؤسسة قضائية"! مضيفاً أن المحكمة "تتجاهل جرائم الحرب الحقيقية وبدلاً من التحقيق فيها، تلجأ إلى ملاحقة دولة إسرائيل، الدولة ذات النظام الديمقراطي المتين، التي تقدس سلطة القانون وليست عضواً في هذه المحكمة أصلاً". وقال نتنياهو إن "قرار المحكمة هذا يشكل مساً بحق الدول الديمقراطية في الدفاع عن نفسها في وجه الإرهاب، كما أنه يخدم الجهات التي تسعى إلى تقويض الجهود الرامية إلى توسيع دائرة السلام". وختم نتنياهو بيانه مُعلناً: "سنواصل الدفاع، بكل الطرق، عن مواطنينا وجنودنا في وجه الملاحقات القضائية".
أما وزير الخارجية الإسرائيلية والرئيس السابق لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، فعقب على قرار المحكمة بالقول إنه "يشوه القانون الدولي ويجعل من هذه المؤسسة أداة سياسية طيّعة في خدمة الدعاية المعادية لإسرائيل" زاعماً بأنّ "المحكمة الجنائية الدولية لا تملك صلاحية النظر في الملف الفلسطيني"!! وأضاف: "قرار المحكمة بمثابة وسام تمنحه للإرهاب الفلسطيني ولرفض السلطة الفلسطينية العودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، بما يساهم بصورة فعلية في تعميق هوة الاستقطاب بين الجانبين"!
وقالت وزارة العدل الإسرائيلية أن أي تحقيق لم يبدأ بعد وأنه ليس ثمة أي "خطر" على مواطنين إسرائيليين محددين (المقصود: قادة سياسيون وعسكريون، حاليون وسابقون) في أعقاب القرار ونتيجة له، لكنها أشارت إلى أن "دولة إسرائيل تستعد لتوفير الدفاع القضائي الكامل لأي مواطن إسرائيلي تحاول المحكمة ملاحقته قضائياً، في حال الشروع في التحقيق".
من جانبه، وصف سفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، جلعاد إردان، قرار المحكمة بأنه "قرار مُخزٍ، مشوَّه ولاساميّ"! وأضاف: "هذا القرار هو جزء من هجمة ضد إسرائيل وجميع الدول الديمقراطية، لأنه يعترض على حقنا في حماية مواطنينا من الإرهاب ولأنه بمثابة جائزة للرفض والإرهاب الفلسطينيين"! معتبراً أن "خير دليل على ذلك هو أن الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا عضوين في هذا الجسم المشوّه"!
وأعلن رئيس لجنة الشؤون الأمنية والخارجية في الكنيست الإسرائيلي، عضو الكنيست تسفي هاوزر، أنه سيدعو لجنته إلى عقد جلسة طارئة عاجلة "للحصول على إجابات فورية حول طرق العمل التي تنوي إسرائيل اعتمادها لمواجهة هذا القرار والتصدي له".
وأعربت الولايات المتحدة الجمعة عن "قلقها العميق" حيال قرار المحكمة الجنائية الدولية. وصرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، للصحافيين قائلاً: "نحن قلقون بشدة حيال محاولات المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها على العسكريين الإسرائيليين"! وأضاف: "لقد تبنينا دائماً موقفاً مفاده أن اختصاص المحكمة يجب أن يشمل البلدان التي تقبله أو (القضايا) التي يحيلها مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة". وبعد أن قال للصحافيين: "علمنا بالقرار ونعكف على دراسته"، عاد بعد ساعات ليعلن، عبر تغريدة على حسابه في موقع "تويتر": "الولايات المتحدة ترفض قرار المحكمة في لاهاي"! وأضاف: "سنواصل تطبيق التزام الرئيس جو بايدن الكامل تجاه إسرائيل وأمنها، بما في ذلك رفض الإجراءات الرامية إلى المس بإسرائيل بشكل غير منصِف"!
أما منظمة "هيومن رايتس ووتش" فوصفت القرار بأنه "بالغ الأهمية"، وذلك على لسان بلقيس جراح، مستشارة "برنامج العدالة الدولية" في هذه المنظمة، التي أضافت أن القرار "يقدم أخيراً بعض الأمل الحقيقي في العدالة لضحايا جرائم خطيرة، بعد نصف قرن من الإفلات من العقاب".