قوائم اليمين تنافس على الحسم و"يسار الوسط" على اجتياز نسبة الحسم!
اشتد في الأيام الأخيرة حراك الاصطفافات الانتخابية، إلا أن الذروة تحتاج لشهر من الآن، حتى اليوم الأخير لتقديم قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الـ 24، التي ستجري يوم 23 آذار المقبل. وفيما الاصطفافات في معسكر اليمين تهدف للتنافس على رأس هرم الحكم، فإن الاصطفافات في ما يسمى "اليسار" و"يسار الوسط" بحسب التعريفات الإسرائيلية، تقلق غالبيتها مسألة اجتياز نسبة الحسم. واللافت منذ الآن أن غالبية الأحزاب الصهيونية بما فيها اليمين، تخطط لكيفية اقتحام الشارع العربي، على ضوء الأزمة المستمرة في القائمة المشتركة، وتزايد علامات السؤال حول استمرارها، وعلى أي أسس سياسية.
فخلافا للجولات الانتخابية الثلاث الماضية، يبدو أن اليمين واضح الرؤية أكثر، خاصة وأنه بعد استطلاعات الرأي في الأشهر الأربعة الأخيرة، باتت تتضح عملية جنوح نسبة لا بأس بها من مصوتي التحالف السابق لأزرق أبيض، في الجولات الانتخابية الثلاث، نحو قوائم في اليمين تعبيرا عن خيبة أملها.
فقد رأينا استطلاعات الرأي تمنح تحالف اليمين الاستيطاني "يمينا"، الذي يرتكز أساسا على التيار الديني الصهيوني، ما بين 18 إلى 22 مقعدا، مقابل هبوط الليكود لمعدل 30 مقعدا. وطرحت علامات سؤال على هذه النتيجة غير المفهومة. إلا أنه ما أن أعلن جدعون ساعر انشقاقه عن الليكود، وتشكيل حزب جديد، حتى اقتنص استطلاعيا، من تحالف "يمينا"، ما بين 7 إلى 9 مقاعد، ما يمكن تفسيره بأن هذا هو جمهور صوّت للتحالف السابق لأزرق أبيض، فلجأ من باب اللامفر لتحالف "يمينا"، وها نحن نراه يلجأ لساعر، الذي يتبنى المواقف اليمينية الاستيطانية المتشددة، ولكنه يظهر في الوقت ذاته بمظهر العلماني.
رغم أن كل استطلاعات الرأي ما تزال تمنح الليكود مركز الصدارة، من 26 إلى 28 مقعدا، إلا أنه في المقابل، تمنح حزب ساعر ما بين 17 إلى 21 مقعدا، وتحالف "يمينا" ما بين 13 إلى 14 مقعدا. وإذا ما أخذنا هذه الاستطلاعات كمؤشر، فبالإمكان القول إنه في اليوم التالي للانتخابات، قد يشكل ساعر وتحالف "يمينا" ما يمكن تسميته "جبهة برلمانية"، ترفع شعار "فقط ليس نتنياهو"، وهذه شراكة برلمانية ممكن أن تقبل بها كتلتا الحريديم وأحزاب أخرى. لكن من السابق لأوانه الإبحار أكثر في هذه الفرضية، غير أنها بالتأكيد تقلق شخص نتنياهو، الذي جعل من الليكود مشروعا شخصيا له في السنوات الأخيرة.
متاهة "الساحة المقابلة"
قد يكون مصطلح "الساحة المقابلة" ليس دقيقا، كونه يجمع خليطا من القوى، مثل "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وهو من عقر معسكر اليمين الاستيطاني، وحزب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، الذي شارك في حكومة يمين برئاسة بنيامين نتنياهو (2013- 2015)، وأحزاب أخرى في طور التشكيل، بتنا نسمع عنها تباعا، ولكن جوهر خطابها يبدو ملتصقا بجوهر الفكر الصهيوني: "دولة الشعب اليهودي"، "مساواة مدنية لجميع المواطنين"، وهذه تعني أولوية التعريف اليهودي لإسرائيل، وكونها "دولة الشعب اليهودي في العالم"، ما يلغي ضمنا الحق الفلسطيني، وعدم الاعتراف بالفلسطينيين في إسرائيل كأقلية قومية أصلانية في وطنها لها حقوق قومية.
نجم الأيام الأخيرة هو رئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي (76 عاما)، الذي قرر بعد 22 عاما من جلوسه على كرسي رئاسة بلدية أكبر مدينة اقتصادية، مركز الاقتصاد الإسرائيلي، بفوزه في خمس جولات انتخابية بلدية متتالية، أن يتجه الى الكنيست، على رأس حزب جديد أقامه. وانضم له على الفور، وزير العدل من كتلة "أزرق أبيض" آفي نيسانكورن، الذي يغادر حاليا منصبه وكتلته، ولربما سيلحق به نواب آخرون من ذات الكتلة، مثل مقدمة البرامج الإخبارية السابقة ميكي حايموفيتش، وغيرها.
وأعلن خولدائي أنه معني بأن يشكل قطبا موازيا، يمثل ما أسماه "يسار الوسط"، مرتكزا عمليا على شعبيته في منطقة تل أبيب الكبرى، التي كانت طوال عشرات السنين، معقل ما يسمى إسرائيليا "اليسار الصهيوني". إلا أن هذا التأييد تراجع تباعا في العقدين الأخيرين على وجه الخصوص، ضمن التحولات السياسية في الشارع الإسرائيلي، نحو اليمين واليمين الاستيطاني.
وجاء إعلان خولدائي بعد أيام من إعلان مماثل للنائب المنشق عن حزب "يوجد مستقبل" عوفر شيلح، الذي قال هو أيضا إنه ينافس على ما يسمى "يسار الوسط"، إلا أن أول استطلاع صدر بعد إعلانه، منحه أقل من 1% من الأصوات (0.8%)، على غير عادة الأحزاب الجديدة التي تمنحها استطلاعات الرأي تمثيلا ما من الجمهور. ونتيجة شيلح تحمل رسالة واضحة، تكشف ضُعف المعسكر الذي يريد المنافسة فيه، خاصة وأنه في ذات المعسكر نرى حزب ميرتس، المعرّف إسرائيليا على أنه حزب "يساري"، وتمنحه استطلاعات الرأي ما بين 5 إلى 6 مقاعد. في حين أن استطلاعات الرأي منحت حزب خولدائي ما بين 6 إلى 7 مقاعد ويضاف إلى هذا أن حزب "يوجد مستقبل"، يقتطع هو أيضا جزءا من مصوتي "اليسار"، رغم توجهات زعيمه اليمينية الواضحة.
وحسب تقارير تظهر تباعا، فإن هذا ليس المطاف الأخير للإعلان عن أحزاب أو تشكيلات انتخابية جديدة تريد المنافسة على أصوات "يسار الوسط"، أو "الوسط يسار"، من بينها محاولات شخصيات سياسية سابقة وقديمة من أحزاب العمل وميرتس وكديما، قررت أن تجرّب حظها للعودة الى البرلمان، تحت يافطة "قائمة يهودية عربية"، ولكن جلّ حراكها حاليا يجري في الشارع العربي، ومن هذه الأسماء رئيس الكنيست الأسبق ورئيس الوكالة الصهيونية الأسبق أبراهام بورغ، ورئيس بلدية حيفا السابق يونا ياهف، وغيرهما.
ومن شأن هذه الاصطفافات أن تنعكس "سلبا" على قوة حزب "يوجد مستقبل"، الذي ما زال يحصل في استطلاعات الرأي على 13 إلى 14 مقعدا، وهي تقريبا ذات حصته في التحالف السابق لأزرق أبيض، في انتخابات آذار العام الماضي.
لكن منذ الآن، ضربت هذه الاصطفافات كتلة "أزرق أبيض" وزعيمها وزير الدفاع بيني غانتس، الذي باتت تمنحه استطلاعات الرأي ما بين 4 إلى 5 مقاعد، وهي نتيجة في حال استقرارها، قد تدفعه إلى الانسحاب من المنافسة، لأن عدد المقاعد هذا، هو عمليا صراع مع نسبة الحسم، 3.25%، التي تعني 4 مقاعد في الكنيست.
احتمال أن تكون تحالفات بين عدد من الأحزاب قائم وقوي ما يعزز قوتها، لأنها ستكون أكثر إقناعا لجمهور محسوب على "وسط اليسار"، ويريد عنوانا جديا له، بعد خيبة أمله من تحالف أزرق أبيض، بعد الانتخابات الأخيرة. كذلك فإننا قد نشهد عودة شخصيات في السياسة الإسرائيلية، وأبرزها تسيبي ليفني، التي حسب تقارير يفاوضها رئيس حزب "يوجد مستقبل"، للانضمام الى قائمته. ورسميا، فإن ليفني ترأس حزب "الحركة" رغم انسحابها من المنافسة في انتخابات نيسان 2019، ولاحقا بعد أن لم تجد تحالفا ينقلها الى "بر الأمان".
أفول نجومية الجنرالات
في الانتخابات المقبلة سنلمس، كما يبدو، أفول نجومية كبار الجنرالات، فعلى مدى عشرات السنين، اعتمدت غالبية الأحزاب على دعم من جنرال وأكثر. وعدد من رؤساء أركان الجيش انتقلوا الى السياسة بعد خلعهم البزة العسكرية، واثنان منهم باتا رئيسي حكومة، إسحق رابين وإيهود باراك، ومعهما الجنرال البارز أريئيل شارون.
إلا أن مكانة العسكريين تراجعت في السنوات الأخيرة، وهذا أيضا نتيجة لنهج بنيامين نتنياهو، الذي أبعد الجنرالات من الجيش وأجهزة المخابرات عن منابر التواصل المباشر مع وسائل الإعلام والجمهور.
ولربما أن تجربة الثنائي بيني غانتس وشريكه غابي أشكنازي، بشق تحالف أزرق أبيض، وانضمامهما لحكومة برئاسة نتنياهو، ساهمت في تراجع ثقة الجمهور بقدرة جنرالات على إحداث تغيير.
وفي الأسبوع الماضي، أعلن رئيس أركان الجيش السابق غادي أيزنكوت عدم خوضه الانتخابات المقبلة، ونشر مقالا في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تضمّن دعوة واضحة للتغيير، وانتقد بشكل غير مباشر، نهج بنيامين نتنياهو. والسبب الذي يمكن استنتاجه من قرار أيزنكوت هو أنه حسب القانون المتعلق بانتقال كبار قادة الجيش والأجهزة الاستخباراتية، وكبار مسؤولي أجهزة الدولة، للسياسة، فإنه لن يكون بمقدوره تولي حقيبة وزارية، إلا في نهاية شهر نيسان من العام المقبل 2022، ما يعني أن أيزنكوت قد يتخذ قرارا آخر مستقبلا.
كذلك فإن جنرالا بارزا آخر في الكنيست حاليا، النائب موشيه يعلون (71 عاما)، أعلن أنه لن يواصل تحالفه مع حزب "يوجد مستقبل"، إلا إذا تراجع عن موقفه، وكذا بالنسبة لرئيس "يوجد مستقبل" يائير لبيد، الذي أظهر عدم نيته استمرار التحالف، الباقي من التحالف السابق لأزرق أبيض. وحتى الآن، لا يبدو أن أيا من الأحزاب الناشئة معنية بيعلون، الذي قد تكون فرصه أقوى في الحزب الذي أقامه جدعون ساعر، رغم أن يعلون، بموجب استطلاعات، لا يحظى بشعبية خاصة تضيف لأي قائمة ينضم لها.
الهجوم على الصوت العربي
يوحي المشهد الحالي بهجوم متوقع على الصوت العربي من الأحزاب الصهيونية، وآخرها ليس إلا رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي اعتمد في السنوات الأخيرة، وخاصة في الجولات الانتخابية الثلاث، هجوما عنصريا شرسا على العرب، وعلى قوتهم الانتخابية، وتحذير اليهود من تدفقهم على صناديق الاقتراع، فإذا به يعلن في نهاية الأسبوع أنه معني باختراق الشارع العربي، وأن لديه مؤشرات بحصوله على كمية من الأصوات.
وقال نتنياهو، في نهاية الأسبوع الماضي، إن الليكود سيحصل على مقعدين في الكنيست من الجمهور العربي. أما الوزير تساحي هنغبي فقال لقناة التلفزيون الرسمية إن الليكود "سيقتطع أصواتا من مصوتي منصور عباس"، حسب تعبيره. وانضم لهما بهذه الحماسة المفرطة الوزير أوفير أكونيس.
من السابق لأوانه أخذ تصريحات نتنياهو ووزرائه على محمل الجد، رغم أنه قام يومي الخميس والجمعة الماضيين بزيارة غير معلنة سابقا، إلى مركزي تطعيم ضد كورونا في مدينتي الطيرة وأم الفحم.
كذلك فإن خولدائي وشيلح وميرتس والتشكيلة التي ما تزال قيد التبلور وفي مركزها أبراهام بورغ، يعلنون أنهم سيخترقون الشارع العربي في الانتخابات المقبلة. وهذه "الشهية الزائدة" على الصوت العربي ظهرت بعد انتخابات آذار 2020، وحصول القائمة المشتركة على 15 مقعدا، بعد أن حظيت بنحو 82% من أصوات العرب، وفي المناطق التي لا تأثير لأجواء التجنيد في الجيش، حصلت القائمة على ما يزيد عن 92%، وهناك بلدات منحت القائمة المشتركة ما بين 96% إلى 99%.
لكن ليس فقط نتائج انتخابات آذار هي التي قادت الى هذا الهجوم على الصوت العربي، بل بسبب الأزمة المستمرة في القائمة المشتركة، وتزايد احتمالات انشقاقها لقائمتين، وهبوطها في استطلاعات الرأي الى 11 مقعدا، مقابل 15 مقعدا حصلت عليها في انتخابات آذار الماضي.
قالت سلسلة استطلاعات رأي ظهرت في الأيام الأخيرة إن 91% من العرب يريدون استمرار القائمة المشتركة بتركيبتها الرباعية الحالية، وفقط 3% أعلنوا رفضهم كليا لاستمرارها بموجب التركيبة الحالية.
في المقابل، فإن "القائمة العربية الموحدة"، الذراع السياسية للحركة الإسلامية (الجنوبية)، تبث رسائل وشروطا سيكون من الصعب القبول بها، ما يهدد استمرار القائمة المشتركة، رغم أن "الموحدة"، ومعها حركتها الإسلامية، تعلنان عن خيارهما باستمرار القائمة المشتركة، وكذا بالنسبة للأحزاب الثلاثة الأخرى، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير.
وتتجه الأنظار للحركة العربية للتغيير، برئاسة النائب أحمد طيبي، لأن القائمة الموحدة من الصعب عليها اجتياز نسبة الحسم من دون تحالف داعم، وفي هذه الحالة يجري الحديث عن الحركة العربية للتغيير. ويُجمع المراقبون على أنه في حال قررت الحركة البقاء في القائمة المشتركة، فهذا سيدفع "الموحدة" لإبداء ليونة، واستمرار القائمة في وضعيتها الحالية من حيث التركيبة.
يشار إلى أنه على الرغم من الأزمة الناشئة في القائمة المشتركة فإن حصولها في الاستطلاعات على 11 مقعدا يُعد نواة صلبة قد تكون مرتكزا لزيادتها في الانتخابات المقبلة، وتكون أقرب للحفاظ على قوتها الحالية. وحسب التقديرات، فإن نسبة العرب من ذوي حق التصويت ستكون في الانتخابات المقبلة 16% ولربما تقفز عنها بنسبة طفيفة، من أصل حوالي 6.6 مليون ذوي حق اقتراع. إلا أنه بسبب الفجوة في نسبة الإقبال على التصويت، التي معدلها في السنوات الأخيرة حوالي 10%، باستثناء انتخابات نيسان 2019، التي وصلت إلى حوالي 20%، فإن نسبة العرب تتراجع في يوم الانتخابات إلى 14.5% من إجمالي الناخبين، وهذا يعني قرابة 18 مقعدا من أصل 120 مقعدا.
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, يديعوت أحرونوت, باراك, الكتلة, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, موشيه يعلون, تساحي هنغبي