المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قالت ورقة "تقدير موقف" جديدة صادرة عن "معهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب إنه منذ العام 2014، وعلى خلفية التدخل العسكري في سورية، اتخذت إيران سلسلة خطوات، بهدف تعزيز وضعها ونفوذها، وانتشارها العسكري، وانتشار وكلائها في سورية ولبنان. وأشارت إلى أن هذا الهدف ينبع أساساً من تطلّع إيران إلى بلورة كتلة من الدول يكون للشيعة فيها وضع مهيمن، يمتد من غرب أفغانستان حتى لبنان والبحر الأبيض المتوسط. ويُشتق هذا الهدف من رؤية إيران الاستراتيجية بأن الموقع المتقدم لها في مواجهة أعدائها موجود على مسافة بعيدة عن حدودها الغربية، في نطاق سورية - لبنان. وهذه الخطوات هدفت إلى ربط النظام في سورية بها وقتاً طويلاً، حتى في حال اضطرت إلى إخراج قواتها من سورية، و/أو انهيار نظام بشار الأسد.

ورأت الورقة، التي كتبها إفرايم كام، أحد كبار الباحثين في المعهد المذكور، أنه يمكن تقسيم هذه الخطوات الإيرانية إلى مجموعتين: الأولى تتضمن خطوات غرضها التأثير في الوضع الداخلي في سورية، وتعزيز النظام الحاكم فيها، والتأثير في علاقته بإيران. وتضمنت هذه الخطوات سلسلة اتفاقات اقتصادية تساعد نظام الأسد على إعادة إعمار الدمار الذي تسبب به لسورية، وتضمن مكانة إيران وعملية إعادة الإعمار. وهي تشمل نشاطات إيرانيةـ بموافقة وتشجيع نظام الأسد، ونقل سكان شيعة إلى سورية وتسلل القيم الإيرانية الدينية والثقافية إليها. ونظراً إلى أن هذه الخطوات لها علاقة بالوضع الداخلي في سورية، من الصعب على أي طرف خارجي، بمن فيه إسرائيل، لجمه أو التأثير فيه بصورة كبيرة، على الرغم من أن تعزيز مكانة إيران في سورية له دلالات سلبية بالنسبة إلى إسرائيل.

والمجموعة الثانية من هذه الخطوات لها أهمية أكبر بكثير بالنسبة إلى إسرائيل، لأنها تهدف إلى زيادة التهديد الإيراني إزاءها، وخصوصاً بواسطة تعزيز قدرات حزب الله اللبناني - وأيضاً الميليشيات الشيعية الأُخرى - في لبنان وسورية وحتى في العراق. وتشمل هذه الخطوات نقل كميات كبيرة من العتاد العسكري النوعي، في الأساس صواريخ باليستية وقذائف وصواريخ مضادة للدروع وصواريخ بحر - بر إلى سورية ولبنان، وإقامة مصانع في سورية ولبنان والعراق لإنتاج وسائل قتال وتطويرها. لكن بُعد المسافة من إيران تفرض بناء شبكة محاور استراتيجية تضمن لها استخداماً آمناً وتقلص التشويش عليها من عناصر معادية وعلى رأسها إسرائيل. وهذه الشبكة تتضمن ثلاثة مكوّنات مهمة: الممر البري الذي يبدأ من إيران ويمر في العراق إلى سورية ولبنان؛ ربط سكة الحديد الإيرانية بالعراق وسورية، بحيث تربط إيران والخليج العربي بالبحر المتوسط؛ قدرة على استخدام مرفأ سوري - في هذه الحال مرفأ اللاذقية - الذي سيمنح إيران موقعاً على البحر المتوسط.

وأكدت الورقة أنه في عملية بناء الموقع الاستراتيجي في سورية تواجه إيران العائق الإسرائيلي، بينما لم تطور حتى الآن، من جميع النواحي، رداً ملائماً على التفوق العسكري الإسرائيلي في هذه المواجهة. وجذور المشكلة هي المسافة البعيدة بين إيران والساحة السورية، التي تجعل من الصعب على إيران استخدام قواتها في الفضاء السوري، وتدني مستوى سلاح الجو الإيراني مقارنة بسلاح الجو الإسرائيلي. في هذا الوضع، حتى الآن لم يُستخدم سلاح الجو الإيراني أبداً في الساحة السورية، والدفاع الجوي الإيراني ليس ناجعاً بما فيه الكفاية، وروسيا لا تساعد إيران في منع هذه الهجمات. لذلك بقي سلاح الجو الإسرائيلي حراً تقريباً تماماً في مهاجمة أهداف تابعة للقوات الإيرانية والميليشيات الشيعية في سورية، بينما قلصت إيران ووكلاؤها الرد ضد أهداف إسرائيلية.

وتخلص الورقة إلى أن معنى ذلك هو أنه إذا نجحت إيران في استكمال بناء شبكة المحاور التي تخطط لها، فإن المشكلة ستظل هي نفسها - تفوّق سلاح الجو الإسرائيلي وقدرته الموثوق بها على إصابة أهداف مهمة في هذه الشبكة، بالاستناد إلى معلومات استخباراتية نوعية ودقيقة. وينطبق ذلك على المكونات الجديدة في هذه المنظومة - شبكة سكة الحديد والاستخدام الإيراني لمرفأ اللاذقية. وبرأيها سيتعين على إيران إذن أن تحاول بناء قدرات جديدة لرد أكثر إيلاماً، في استطاعته ردع إسرائيل عن مواصلة هجماتها.

وفيما يتعلق بمجموعة الاتفاقات بين إيران وسورية، جاء في الورقة:

المساعدة العسكرية الواسعة التي منحتها إيران لسورية منذ العام 2012، وفي الأساس منذ العام 2014، كانت ناجمة بالتأكيد عن مجموعة اتفاقات وقّعها الطرفان، الهدف منها ترتيب التدخل العسكري الإيراني في سورية والمساعدة الاقتصادية الواسعة التي منحتها إيران لها. مضمون هذه الاتفاقات لم يُكشف عنه، بما هو أبعد من ملامحه العامة، لكن لا شك في أنه كان لهذه المساعدة دور مركزي في نجاح نظام الأسد في البقاء وبداية انتعاشه. منذ العام 2018، وبعد أن اتضح أن نظام الأسد قد نجا من خطر الانهيار القريب، جرى الكشف، بالتدريج، عن تفصيلات عامة إضافية للاتفاقات الموقّعة بين إيران وسورية، والتي ستؤثر في شبكة العلاقات بينهما مستقبلاً. في الوقت عينه، من الممكن الافتراض أن جزءاً من هذه الاتفاقات، وخصوصاً في المجال العسكري، لم يُكشف عنه حتى بملامحه العامة - بين هذه الاتفاقات، كما يبدو، تلك التي لها علاقة بالمواجهة مع إسرائيل.

ضمن هذا الإطار، في آب 2018 وفي آذار 2019، وقّعت إيران وسورية مجموعة اتفاقات تتعلق بتوسيع النشاط العسكري بين البلدين، وإعادة بناء القوات العسكرية والصناعة العسكرية في سورية. هذه الاتفاقات أكدت أيضاً استمرار وجود المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية - صيغة يبدو أن الغرض منها التغطية على استمرار وجود عناصر "الحرس الثوري" و"فيلق القدس" والميليشيات الشيعية في سورية. على الصعيد الاقتصادي، في 2018-2019 وقّع الطرفان سلسلة اتفاقات تتعلق باستثمارات إيرانية في سورية، من أجل بناء مناطق دمرتها الحرب وإعادة إعمارها، وتزويد سورية بالنفط الإيراني، وفي مجالات النقل والسكة الحديد واستغلال المواد الخام.

والطرفان معنيان جداً بتوسيع العلاقات العسكرية والاقتصادية بينهما. بالنسبة إلى سورية، إيران تقدم لها أكبر مساعدة اقتصادية منذ سنوات، من دون وجود بديل. الدعم الإيراني الاقتصادي لسورية مهم، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، لمواجهة الدمار الذي سببته الحرب الأهلية. لهذا السبب لن يسارع نظام الأسد، كما يبدو، إلى المسّ بعلاقته بإيران، على الرغم من الضغوط التي تُمارَس عليه. في نظر النظام الإيراني، المساعدة الاقتصادية هي أداة مركزية لربط سورية بها، ومن أجل تعزيز نفوذها في المنطقة الواقعة بين إيران والبحر المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، في ضوء العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران والوضع الاقتصادي المتدهور، وفي ضوء الانتقادات الداخلية في إيران للأموال التي تحوّل إلى سورية، من المهم للنظام الإيراني أن يبين أن العلاقة بسورية تجلب فوائد اقتصادية حقيقية لإيران من ضمنها استثمارات إيرانية في سورية.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات