المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1018
  • برهوم جرايسي

طُرحت مسألة مدى تماسك كتلة "أزرق أبيض" وأيضا الليكود من جديد بعد انتخابات أيلول، على ضوء التعقيد الكبير الذي ظهر من نتائج تلك الانتخابات. فمسألة تماسك "أزرق أبيض" كانت موضع شك بعد انتخابات نيسان، على ضوء ما ظهر وكأن لبنيامين نتنياهو أغلبية مطلقة فورية، مع أفيغدور ليبرمان. أما اليوم، فإن إعادة الانتخابات أوضحت لقادة "أزرق أبيض"، أن تحالفهم مجد بشرط استمراره، في حين أن استمرار تماسك الليكود مشروط ببقاء نتنياهو على رأسه.

في هذه المعالجة نستعرض الاحتمالات في كل واحدة من الكتلتين.

الليكود

منذ 14 عاما، وبشكل متواصل، يُحكم بنيامين نتنياهو قبضته على حزب الليكود، وبشكل غير مسبوق في تاريخ الأحزاب الإسرائيلية، وبالذات في الحزبين التاريخيين، فصحيح أن قبله تزعم الحركة مناحيم بيغن، على مدى 34 عاما، إلا أنه كان شخصية تاريخية مؤسسة، ومرجعيته مؤسسات الحزب، يحكمها فكر عقائدي واضح المعالم. فقد كان بيغن زعيما لحركة حيروت، منذ نهاية سنوات الأربعين، وفي العام 1973 أقامت الحركة حزب الليكود الحالي، مع أحزاب صغيرة انصهرت فيه. ورغم تلك الزعامة المتواصلة، إلا أنه من حول بيغن كانت شخصيات تاريخية أخرى مؤسسة، وذات وزن سياسي.

أما نتنياهو فقد عمل خلال السنوات الماضية على تصفية التيار السياسي العقائدي في الحزب، وشخصيات لها اسمها وحضورها في الحلبة الإسرائيلية، وبضمن ذلك عمل على إبعاد كل منافس له، أو من كان يفكر بمنافسته على رئاسة الحزب، ولهذا فإن كل انتخابات لرئاسة الحزب في السنوات الـ 12 الأخيرة، كانت أشبه بمسرحية، ومهمة نتنياهو فيها أن يحصل على ما يزيد عن 80% من الأصوات.

وهذه السطوة المطلقة على الحزب، لم تبق في الحزب شخصيات ذات وزن، بل إن كل الشخصيات التي ترد أسماؤها كمرشحة لخلافة نتنياهو في رئاسة الحزب، هي مجرد شخصيات ظل، لا تجرؤ على منافسة نتنياهو، وكلها تقريبا تعلن أنها ستتنافس على رئاسة الحزب بعد نتنياهو.

ولكن قبل أقل من أسبوعين، أطلق نتنياهو بالون اختبار، كعادته، بأن أعلنت "مصادر من حوله" نيته إجراء انتخابات سريعة لرئاسة الحزب، وعلى الفور أعلن النائب غدعون ساعر عن استعداده لخوض المنافسة. وفي اليوم التالي أعلنت ذات "المصادر" أن ما يقصده نتنياهو هو جمع المجلس العام للحزب، الذي يضم قرابة 4 آلاف عضو، لطلب تجديد الثقة به، على ضوء تعثر تشكيل الحكومة الجديدة.

وفي خلفية ما يطرحه نتنياهو من خلال "المصادر"، أن أحد السيناريوهات المطروحة هو أنه إذا ما فشل نتنياهو، ومن بعده بيني غانتس بتشكيل الحكومة، يتيح القانون لرئيس الدولة أن يعرض على أعضاء الكنيست، تسمية مرشح آخر لتشكيل الحكومة، بمعنى ليس رئيس الليكود، أو رئيس تحالف "أزرق أبيض". وهذا سيناريو احتمالاته ضعيفة للغاية، وسيكون ممكنا، فقط إذا ما قرر نتنياهو اعتزال السياسة. ومسألة الاعتزال، حسب تقديرات المحللين، ليست واردة لدى نتنياهو بشكل عام، ولكن بشكل خاص في هذه الفترة، التي يحاول فيها منع تقديم لوائح اتهام ضده في قضايا فساد. ونتنياهو معني بمواجهة هذه القضايا وهو يجلس على كرسيه، ولكن هناك شك كبير في ما إذا سيكون بمقدوره الاستمرار في منصبه، في حال صدر قرار نهائي بتقديمه للمحاكمة، وهو قرار سيحتاج لمرور أشهر عدة، دون سقف زمني محدد.

ولكن في حال تنحي نتنياهو عن الحكم، بإرادته أو مُرغما، فإن الليكود من بعده لن يبقى على حالة التماسك التي يظهر فيها، لأنه لا توجد من بعد نتنياهو شخصية ذات وزن، قادرة على السيطرة على الليكود، بالشكل الذي سيطر به نتنياهو، ما يعني العودة إلى حالة التيارات والشخصيات المتناحرة، وهذا ما قد يؤدي إلى ضعف الليكود.

ونضيف إلى هذا، أن نتنياهو لم يسيطر فقط على حزبه، بل أيضا فرض سطوته على أحزاب اليمين الاستيطاني، بما في ذلك كتلتا المتدينين المتزمتين، التي تعلن التزامها برئاسة نتنياهو للحكومة، أكثر من التزامها تجاه حزبه. ويُستثنى من هذا، حتى الآن، أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، ولكن هذا الشخص يعتمد على عامل المفاجأة، وحساباته الأولى والأخيرة هي تلك التي تضمن بقاءه على الساحة، وأن يمسك بحلقة قوية، كما هي حاله اليوم، كبيضة قبّان لليمين الاستيطاني.

وأبرز اسمين يجري التداول بهما للتنافس على رئاسة الليكود، هما وزير الخارجية يسرائيل كاتس، الذي يقول إنه سينافس بعد نتنياهو، والنائب غدعون ساعر، الذي تولى مناصب وزارية في حكومات نتنياهو السابقة، وقرر اعتزال السياسة في نهاية 2014، وعاد لها تمهيدا لانتخابات نيسان الماضي. وحسب التقارير، فإن بين ساعر ونتنياهو مشاحنات ساخنة، إلا أن ليس لساعر القوة للتغلب على نتنياهو.

بطبيعة الحال، فإن نزول نتنياهو عن المسرح، سيفسح المجال أمام أسماء أخرى، منها من تعرف أن ليس لديها احتمال كبير للفوز، ولكنها ستنافس لغرض إثبات الوجود في صدارة قيادة الليكود، وبناء مركز قوة في الحزب، مثل الوزير غلعاد إردان، أو النائب الجديد رئيس بلدية القدس السابق نير بركات وغيرهما.

"أزرق أبيض"

بعد انتخابات نيسان، التي أفرزت 65 مقعدا لصالح الليكود وشركائه، بمن فيهم حزب أفيغدور ليبرمان، وقبل تمرد الأخير على شريكه السابق، كان يدور حديث عن أنه من الصعب رؤية تحالف "أزرق أبيض" ينهي الولاية البرلمانية متماسكا، فهو يضم ثلاثة أحزاب، وفي مقدمة القائمة ثلاثة رؤساء أركان سابقون، إضافة إلى زعيم حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد.

وفي هذا التحالف خليط سياسي؛ في بعض نواحيه سيكون خليطا صداميا، فالحزب الأصغر في هذا التحالف، "تلم" وله 4 نواب، أسسه ويترأسه وزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون، وهم جميعا من قلب اليمين الاستيطاني المتطرف. ويعلون من أبرز المتمسكين بما تسمى "أرض إسرائيل الكاملة"، ومعه الباحث اليميني يوعز هندل وغيرهما.

أما حزب "يوجد مستقبل"، المنصاع لرئيسه لبيد، فيطغى عليه الطابع اليميني، واليميني العنصري، وكتلة هذا الحزب شاركت في الولاية العشرين قبل السابقة، في عشرات القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان. فهذا الحزب هو المبادر لاحتجاز أموال الضرائب الفلسطينية، رغم أنه كان في المعارضة. ولكن فيه أيضا عدد قليل من النواب المحسوبين أكثر على ما يسمى "اليسار الصهيوني".

والحزب الثالث، "مناعة لإسرائيل"، الذي أسسه رئيس الأركان الأسبق بيني غانتس، هو أيضا يضم خليطا سياسيا، وقسم من نوابه من ذوي الرتب العالية بالأجهزة العسكرية والأمنية والاستخباراتية، وقسم من نوابه ما تزال هويتهم السياسية مجهولة. وعلى أساس هذه التركيبة، كان الاستنتاج بأنه تحالف لن يصمد كثيرا.

إلا أن إعادة الانتخابات، والنتائج التي أظهرت هذا التحالف كمنافس جدي لليكود، رغم ضعف إمكانياته لتشكيل الحكومة، من المفترض أن تعيد حسابات كل واحد من الأحزاب الثلاثة، بمعنى أنهم أيقنوا أن تحالفهم وشراكتهم السياسية هي اقوى لكل واحد من الأحزاب، خاصة بعد بلورة برنامج سياسي يميني، يتيح لهم التعايش معه، إذ لم يذكر البرنامج حل الدولتين، من جهة، ولا "أرض إسرائيل الكاملة"، من جهة أخرى، ولكن البرنامج ينص على ضم كل الكتل الاستيطانية، وسريان ما تسمى "السيادة الإسرائيلية"، على كل "الإسرائيليين في يهودا والسامرة"، بقصد المستوطنين في المستوطنات الواقعة خلف جدار الاحتلال.

ولهذا، وخلافا لما ظهر بعد انتخابات نيسان، فإن احتمالات حدوث انشقاق في هذا التحالف باتت أضعف من ذي قبل، خاصة إذا بقي نتنياهو في قيادة الليكود، لأن جميع أحزاب تحالف "أزرق أبيض" متفقة على عدم المشاركة في حكومة يترأسها نتنياهو.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات