هل تخلّى حزب ميرتس، الذي يُعدّ الممثل المركزي والأوضح لما اصطلح على تسميته "اليسار الصهيوني" في إسرائيل، عن مبادئه الأساسية وأطروحاته المركزية، لا سيما في المجال السياسي عموما وما يتصل منه بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني خصوصاً، بتحالفه الحالي مع إيهود باراك، الذي أشغل في السابق مناصب رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وحزبه الجديد (الذي أطلق عليه اسم "إسرائيل ديمقراطية" وأعلن عن تأسيسه في حزيران الأخير)، في إطار تحالف انتخابي أطلق عليه اسم "المعسكر الديمقراطي" (يضم أيضاً عضو الكنيست ستاف شافير، التي انفصلت عن حزب "العمل") لخوض الانتخابات للكنيست الـ 22، المقرر إجراؤها في السابع عشر من أيلول الجاري؟
هذا السؤال يشغل بال أوساط غير قليلة تعتبر نفسها جزءاً من "اليسار" الإسرائيلي عموماً، ومنه الصهيوني أيضاً، ويشكل مصدر أرق لديها، وخاصة في ضوء التصريحات المتكررة التي تعمد إيهود باراك إطلاقها منذ إعلان التحالف الثلاثي في إطار "المعسكر الديمقراطي"، ويطرح من خلالها رؤية فكرية ومقترحات سياسية تبدو مناقضة تماما لطروحات حزب ميرتس المعروفة والثابتة منذ سنوات طويلة جداً، أو غير منسجمة معها على الأقل.
ومن المعروف أن حزب ميرتس تعرض، ولا يزال يتعرض، لانتقادات لاذعة جداً، بل لهجوم حاد ومتكرر، في الحلبة السياسية الإسرائيلية وفي المجتمع الإسرائيلي (اليهودي) عامة، ليس من أوساط اليمين (سواء "المعتدل" منه أو "المتطرف") فحسب، ولا من أوساط تعتبر في عداد ما يسمى "الوسط" السياسي، فقط، بل أيضاً من أوساط أخرى يجري تأطيرها ضمن ما يسمى "اليسار" الإسرائيلي، وفي مقدمتها بالطبع حزب العمل، بتقلباته وتحولاته المختلفة.
ورغم هذه الانتقادات كلها، إلا أن "شيئاً واحداً لا يمكن انتزاعه من هذا الحزب"، كما يقول ميرون رابابورت، محرر موقع "سيحاه ميكوميت" ("محادثة محلية") الإسرائيلي ذي الميول "اليسارية"، في تقرير خاص نشره على هذا الموقع (5/9/2019 ـ بعنوان "المعسكر الديمقراطي: إيهود باراك ابتلع ميرتس") ويحاول من خلاله الإجابة على السؤال الذي سجلناه في الفقرة الأولى، أعلاه، من هذا المقال.
أما هذا "الشيء الواحد" فهو، بحسب رابابورت، "أن حزب ميرتس كان واضحاً جداً كل الوقت: يجب إنهاء الاحتلال ـ كما ورد في البرنامج السياسي للحزب ـ ويجب التوصل إلى حل الدولتين، إسرائيل وفلسطين، وهنالك شريك فلسطيني للسلام". وأضاف رابابورت: "وهذا، في الوقت الذي تهربت فيه أحزاب الوسط، على اختلاف أشكالها، وكذلك حزب العمل (في الفترة غير البعيدة التي سبقت رئاسة عمير بيرتس الحالية أيضا) من أي تطرق للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وتخوفت من مجرد ذكر كلمة "احتلال" في الحيز العام".
ويضرب رابابورت على هذا مثالاً "طازجاً"، نسبياً: قبل انتخابات الكنيست الـ 21، التي جرت في شهر نيسان الماضي، سافرت رئيسة الحزب آنذاك، تمار زاندبرغ، إلى رام الله "لالتقاء هذا الشريك الفلسطيني، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، محمود عباس، في الوقت الذي لم يكن فيه أي حزب يهودي بمثل هذا الحازم في هذا الشأن". ويضيف: "ناهيك عن أن ميرتس قد عزز جداً، خلال السنوات الأخيرة، موضوعة الشراكة اليهودية ـ العربية، بل وناقش بجدية إمكانية أن يتحول إلى حزب يهودي ـ عربي برئاسة مشتركة".
مع وضد!
على هذه الخلفية، تحديداً، تبدو تصريحات إيهود باراك، المرشح رقم 10 في لائحة مرشحي "المعسكر الديمقراطي" للانتخابات الوشيكة (والتي تحمل شارتها الانتخابية أحرف "م رص"/ ميرتس بالعبرية)، وما تضمنته من مواقف سياسية، بمثابة "انحراف واضح" عن المواقف السياسية التي يعتمدها حزب ميرتس، يطرحها وينافح عنها منذ عقود. حتى دفع البعض من بين الحلفاء الجدد إلى القول إن باراك، بتعمد طرح هذه الموقف الآن والإصرار على نشره على نطاق واسع، إنما يتصرف كمن "يمشي مع، لكنه يقول الضدّ"!
فقد عرض إيهود باراك مواقفه السياسية هذه، خلال الأسابيع الأخيرة، في جملة من المناسبات وعلى عدد من المنابر، كان من بينها ـ حتى الآن ـ مقال نشره في صحيفة "هآرتس" (يوم 22/8/2019) بعنوان "إما تسوية إقليمية ومفاوضات وإما الانفصال"، محاضرات ومقابلات صحافية عديدة. والملفت للنظر أن باراك "يعترف"، في جميع هذه المقابلات والمحاضرات والتصريحات، بأن القضية الفلسطينية هي "الفيل في الغرفة". صحيح أنه يفعل هذا ويبدو، به، استثنائياً تماماً في الواقع والخطاب السياسيين السائدين في إسرائيل هذه الأيام، من حيث تجاهل الأغلبية الساحقة من الأحزاب السياسية والمرشحين كل ما يتصل بالقضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، سبل وآفاق حله، إلا أن المقترحات التي يطرحها باراك لمعالجة هذا "الفيل" لا تشمل بالضرورة مقترحيّ الأساس اللذين بإمكانهما، وبواسطتهما، فقط، يمكن حل القضية الفلسطينية وحل الصراع ـ إنهاء الاحتلال أو إقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانب دولة إسرائيل!
يقول رابابورت إن باراك يقرّ، مثلاً، بأنه من المفترض أن يشكل حل الدولتين، حقاً، هدفاً نهائياً لأية مفاوضات سياسية تجرى مع "السلطة الفلسطينية" (دون أن يذكر منظمة التحرير الفلسطينية، مطلقاً، بوصفها المفاوض الرسمي الذي يمثل الجانب الفلسطيني!)، غير أنه إذا ما تبين أنه من غير الممكن التوصل إلى اتفاق نهائي، فسيكون على إسرائيل المبادرة، من جانب واحد، إلى ضم "الكتل الاستيطانية"، بما فيها مستوطنتا "أريئيل" و"كدوميم" الواقعتين في عمق مناطق الضفة الغربية، على بعد 20 كيلومتراً إلى الشرق من "الخط الأخضر"، والإبقاء على السيطرة العسكرية الإسرائيلية في بقية مناطق الضفة الغربية إلى حين استئناف المفاوضات بين الطرفين. وباختصار، يرى باراك إن إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل ليسا جزءاً من "مبادئ الأساس" كما يعرضها برنامج حزب ميرتس السياسي، بل هما مجرد "احتمال" أو "خيار" آخر، لا الخيار المفضل بالضرورة.
"الواجهة السياسية لميرتس"!
صحيح أن حزب "إسرائيل ديمقراطية" هو واحد فقط من مركّبات ثلاثة تشكل، معاً، تحالف "المعسكر الديمقراطي" لانتخابات أيلول الحالي (سوية مع حزب ميرتس و"الحركة الخضراء" برئاسة ستاف شافير)، إلا أن إيهود باراك يتولى، في إطار الحملة الانتخابية لهذا التحالف الثلاثي، المسؤولية المباشرة عن "الملف السياسي"، بينما يهتم رئيس ميرتس الجديد، نيتسان هوروفيتس، بملف "الدين والدولة" أساساً، فيما تتولى ستاف شافير المسؤولية عن "ملف المناخ". وعلى هذا، فقد أصبح إيهود باراك، عملياً، بمثابة "الواجهة السياسية لحزب ميرتس"! حتى أنه لم يجد غضاضة أو حرجاً في القول، في لقاء مع الصحافي عميت سيغال، ضمن "مؤتمر المؤثِّرين" (يوم 5/9)، إن "المعسكر الديمقراطي يقف إلى يمين حزب العمل"! مما أربك أوساطاً واسعة جداً من قيادات حزب ميرتس، نشطائه ومصوتيه، التي تموقع هذا الحزب إلى يسار حزب العمل على الدوام وتعتبره "اليسار الحقيقي" في إسرائيل.
علاوة على هذا: صحيح أن يائير غولان، النائب السابق لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي والمرشح الأول عن حزب إيهود باراك ("إسرائيل ديمقراطية") ضمن قائمة تحالف "المعسكر الديمقراطي" الانتخابي (المكان الثالث فيها)، لم يخش في السابق استخدام كلمة "أبارتهايد" حين كان يتحدث عن أخطار استمرار السيطرة الاحتلالية الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية، إلا أنه يعرض ـ في المقابل ـ خطة سياسية لضم أحادي الجانب، أوسع حتى مما يقترحه إيهود باراك نفسه، بحيث يشمل أيضاً مستوطنة "كريات أربع" في الخليل وجميع مستوطنات غور الأردن. وهذا، ناهيك عن أن غولان أعلن ـ كما أفصح في مقابلة إذاعية مع إذاعة "كان" الإسرائيلية ـ أنه "يفضل ائتلافاً حكومياً مع أفيغدور ليبرمان (حزب "إسرائيل بيتنا" الترانسفيري) على ائتلاف حكومي مع القائمة المشتركة أو اعتماداً عليها"، وهو ما يتناقض تماماً مع طرح حزب ميرتس المعروف بشأن تفضيل تحالف مع "القائمة المشتركة" (التي يعتبرها "شريكا طبيعيا")، أو اعتمادا عليها، على أي تحالف مع ليبرمان وحزبه اليميني المتطرف.
بعض انزعاج، لكن لا نقاشات جدية!
بعد هذا، وفي العودة إلى مفتتح هذه المقالة، يُطرح السؤال أعلاه من جديد، هنا: هل تخلى حزب ميرتس، إذن، وبمثل هذه السهولة الفائقة، عن مبادئه الأساس التي شكلت عماد فكره وممارساته على مدى سنين طويلة جداً؟
في باب "الخطوط الأيديولوجية التوجيهية"، ضمن اتفاقية التحالف بين الأحزاب الثلاثة المذكورة أعلاه في إطار "المعسكر الديمقراطي"، يمكن بسهولة ملاحظة اختفاء تعابير مثل "إنهاء الاحتلال" أو "حل الدولتين للشعبين"، بينما تم استبدالهما ـ وغيرهما ـ بنص ضبابي يتحدث عن "السعي إلى تحقيق السلام واتفاق سياسي". وهذا، في الوقت الذي يتحدث فيه برنامج حزب العمل السياسي (بقيادة آفي غباي سابقاً وعمير بيرتس حالياً!)، وبنص صريح، عن خيار "الدولتين للشعبين" باعتباره الحل الأمثل المرجو للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني والذي ينبغي السعي نحو تحقيقه.
يقول ميرون رابابورت، في "سيحاه ميكوميت"، إنه من الصعب الادعاء بأن هذا الغياب، الملاحظ بصورة بارزة، في برنامج "المعسكر الديمقراطي" يثير نقاشات جدية، ذات قيمة وأثر، في داخل حزب ميرتس، رغم ما فيه من تخلٍ واضح عن مكوّنات أساسية من برنامجه السياسي. ومع ذلك، يضيف رابابورت، فإن المحادثات التي أجراها مع عدد من قادة الحزب، من الصف الأول، تبين بصورة جلية أن هذا الغياب "يثير قدراً من الانزعاج، دون شك"!
ثمة من يدعي بأن الفجوة بين مواقف باراك ومواقف ميرتس التي تعتبر مواقف "كلاسيكية" ليست فجوة كبيرة وبأن كلا الطرفين يتفقان على "95 بالمئة من القضايا"! بينما يشدد آخرون على هذه الفوارق ويبدون تخوفات جدية من أن اليمين قد يُحسن استغلال وتجيير حقيقة أن ثمة في حزب ميرتس بالذات من يتحدث عن ضم مناطق فلسطينية محتلة إلى السيادة الإسرائيلية، في خطوة من جانب واحد، وهو ما سيعود بضرر سياسي وجماهيري جسيم على هذا الحزب، حاضراً ومستقبلاً. لكن الجميع، المقللين من شأن الاختلافات السياسية والمشددين على خطورتها، يجدون لأنفسهم عزاء في حقيقة أن "باراك يطرح الموضوع السياسي على جدول الأعمال وعلى طاولة النقاش الانتخابي"!! خاصة وأن الأغلبية الساحقة من بين أعضاء ميرتس وقياداته، حسبما يقول رابابورت، "تعتبر التحالف مع إيهود باراك الأمر الأهمّ، لأنه يضمن لحزب ميرتس حملة انتخابية متحررة من الخوف من خطر عدم تجاوز نسبة الحسم والسقوط والاختفاء تماماً عن التمثيل البرلماني، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة جداً".
ويقول هؤلاء "بأمل كبير"، كما يضيف رابابورت، إنه "بعد يوم 17 أيلول القريب، سيختفي باراك من حياة الحزب، إثر عدم انتخابه لعضوية الكنيست"! ما يعني أنهم لا يتوقعون لتحالف "المعسكر الديمقراطي" الفوز بعشرة مقاعد في انتخابات الكنيست الـ 22.
وينقل رابابورت عن "كثيرين من أعضاء وقادة ميرتس" تشبيههم إيهود باراك بـ "الجزء السفلي من صاروخ ثلاثيّ المراحل" ـ بعد أن يطلق ميرتس إلى الفضاء، يفترض أن يتفكك وأن يسقط أرضاً ليتحطم!
"الاحتلال ـ الموضوع الأكثر أهمية"!
عضو الكنيست السابق موسي راز هو من أكثر الذين يمكن اعتبارهم "معبرين صادقين" عن هذا المزاج العام في حزب ميرتس، بكونه ممثلاً بارزاً للتيار "المعادي للاحتلال" في الحزب وللتيار الداعم، بقوة، للشراكة اليهودية ـ العربية، سواء في داخل الحزب (خاض، مع عضو الكنيست عيساوي فريج، محاولة غير مسبوقة لتغيير دستور الحزب وإتاحة إمكانية تقاسم رئاسة الحزب بين شخصين، رئيسين مشاركين، أحدهما عربي وثانيهما يهودي. لكن هذه المحاولة منيت بالفشل في المؤتمر العام للحزب، إذ تمّ رفضها بأغلبية ساحقة) أو في المجتمع الإسرائيلي عامة.
يعرب موسي راز عن رضاه من تحالف حزبه مع إيهود باراك ويشدد، في حديثه مع رابابورت، على أن "هذا التحالف زاد ووسع النقاش العام حول الاحتلال"، وهو (الاحتلال) ما يعتبره راز "الموضوع الأكثر أهمية، على الإطلاق"، إذ يؤكد: "أنا ضد الضم الأحادي الجانب، حتى لو لحجر واحد، سواء بدعم أميركي أو بدونه". ولا يخفي راز خلافاته مع إيهود باراك، بما في ذلك حول أكذوبة الـ "لا شريك" (فلسطيني) التي اختلقها باراك ولم يتراجع عنها أو يتنصل منها حتى الآن، لكنه يعتقد بأن هذه الخلافات "ليست على هذه الدرجة من الأهمية والجدية"، موضحاً: "أنا أفضّل أن يقول إيهود باراك ـ الذي لتصريحاته وزن جماهيري أكبر من وزن تصريحاتي أنا أو تصريحات هوروفيتس (رئيس حزب ميرتس)، بحكم كونه رئيساً سابقا للحكومة ووزيراً سابقا للدفاع ورئيسا سابقا لهيئة أركان الجيش ـ أموراً أتفق معه حول 95% منها فقط، من أن يكون أشخاص يحملون المواقف نفسها مثلي أنا تماماً، لكنهم لا يجرؤون على قولها والتصريح بها، بمن في ذلك أعضاء كنيست من حزبي أنا"!! وفي هذا، يلمح راز، بصورة قوية، إلى رئيس الحزب الجديد، نيتسان هوروفيتس، المقلّ كثيراً في التعبير عن مواقفه في القضايا السياسية الكبيرة، لا سيما منذ تأسيس تحالف "المعسكر الديمقراطي" بوجه خاص. ويثير هذا "الصمت"، الذي يلتزمه هوروفيتس في قضايا الاحتلال والصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، كما في قضية العلاقات اليهودية ـ العربية في داخل إسرائيل أيضا، غضباً ملحوظاً لدى أوساط غير قليلة في داخل حزب ميرتس ودوائر مؤيديه، وهو ما يعبر عنه "أحد قادة ميرتس"، كما يصفه ميرون رابابورت، بالقول: "نحن صوت الحقيقة في السياسة الإسرائيلية. وحتى لو نكن جزءا من الائتلاف الحكومي، إلا أن صوتنا هو الذي يرسم الحدود ويصمم الوعي العام. أما الآن، فلا شيء من هذا، إطلاقاً. ثمة خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها. هذا ليس استراتيجية سياسية، بل تصرف صبياني"!
ويتفق أوري زكي، عضو إدارة حزب ميرتس سابقاً والرئيس السابق لمؤتمر الحزب العام، مع رأي موسي راز وتقييمه بشأن أهمية "حقيقة أن إيهود باراك، كممثل للمعسكر الديمقراطي، هو الذي يصرّح في القضايا السياسية، لأن الموضوع السياسي والفلسطيني غائب عن المعركة الانتخابية الحالية". لكن زكي يرى أن مضمون تصريحات باراك "إشكالي جداً"، لأن هذه المواقف "لا تنسجم مع مواقف حزب ميرتس وطروحاته، وخصوصا ما يتعلق منها بالضم من جانب واحد، على ضوء استعداد إدارة دونالد ترامب توفير كل الدعم اللازم لهذا الإجراء الأحادي الجانب". ويشدد زكي على أن "الحل موجود في رام الله والقدس. ثمة في الجانب الفلسطيني شريك، حتى لو كان ضعيفاً".
شرعية خطيرة لخيار الضمّ!
يبدي كثيرون من أعضاء ومؤيدي ميرتس، كما يرى رابابورت، تخوفات جدية من أن يسيء اليمين استغلال تأييد إيهود باراك ويائير غولان لخيار ضم مناطق فلسطينية محتلة من جانب واحد، "حتى لو كان مطروحاً كخيار بديل في حال فشل المفاوضات مع الجانب الفلسطيني"! ذلك أن هذه التصريحات وما تطرحه من مواقف "توفر شرعية خطيرة لخيار الضم من جانب واحد"، كما ينقل رابابورت عن شخصية "قيادية رفيعة في حزب ميرتس"، كما يصفها، وتضيف: "إذا ما تشكلت بعد الانتخابات القريبة حكومة يمينية، فسيكون خيار الضم مطروحاً بقوة على جدول الأعمال، وعندئذ سيقولون لنا: "في ميرتس نفسها، أيضاً كان تأييد لهذا الخيار". وفي مثل هذه الحالة، لن يجدي ميرتس أي نفع القول إن إيهود باراك ويائير غولان هما اللذان أيدا وهما لا يمثلان موقف حزب ميرتس، إذ خاض الحزب معه انتخابات الكنيست في قائمة انتخابية واحدة".
لكن القاسم المشترك الذي "يوحد الجميع في ميرتس اليوم"، كما يقول رابابورت، هو "الخشية مما سيحدث يوم 18 أيلول الجاري"، غداة يوم الانتخابات للكنيست الـ 22: أي وزن وأي معنى سيكون لحزب ميرتس في إطار كتلة "المعسكر الديمقراطي" البرلمانية، في الكنيست، وكجزء منها؟ فمن بين المرشحين الـ 11 الأوائل في اللائحة الانتخابية لهذا التحالف، ثمة أربعة فقط يمثلون حزب ميرتس، بينما يمثل السبعة الآخرون "الحركة الخضراء" برئاسة ستاف شافير و"إسرائيل ديمقراطية" برئاسة إيهود باراك. وعن هذا، تحديداً، تقول إحدى "القياديات الرفيعات في ميرتس"، كما يصفها رابابورت: "أتمنى أن نعود لنكون صوتاً صافياً وواضحاً يوم 18 أيلول. أنا واثقة من أن ممثلي ميرتس الأربعة في الكنيست لن يرفعوا أيديهم مؤيدين الضم الأحادي الجانب أو أي إجراء من هذا القبيل، لكنني لست واثقة بالنسبة للآخرين".
أما موسي راز فيقول: "لدي تخوفات كبيرة، لا أستطيع إنكارها أو تجاهلها. تحالف المعسكر الديمقراطي مكون من ثلاثة أطراف/ كتل، وابتداء من يوم 18 أيلول سنكون في حاجة قوية لتأكيد وتعزيز خطنا السياسي بشأن ضرورة إنهاء الاحتلال وتعميق الشراكة اليهودية ـ العربية".
لكن الصوت السياسي الصادر عن "المعسكر الديمقراطي" بأكمله والمعبر الأساسي عنه، هذه الأيام، هو صوت إيهود باراك، وحده تماماً تقريباً. وهو صوت يضع القضية الفلسطينية في المركز، حقاً، لكن باراك نفسه كان قد قال أشياء مماثلة قبل قمة "كامب ديفيد" في العام 2000 أيضاَ. وهو ما يتذكره ويذكره الجميع. وما أن اصطدمت المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية ببعض المصاعب والعقبات آنذاك، حتى سارع إيهود باراك إلى التنصل منها والإعلان، من على كل منبر، إنه "ليس هنالك شريك فلسطيني"، وهو ما أدخل العملية السياسية، و"اليسار الإسرائيلي" السياسي، في أزمة لا يزالان يتخبطان فيها حتى الآن. وبالنظر إلى تصريحات باراك السياسية اليوم، لا يبدو أن ثمة تغييراً جدياً قد حصل لديه أو أنه نادم على ما فعل.
أما السؤال المثير الذي يختتم به رابابورت تقريره هذا فهو: "في العام 2000، وضع إيهود باراك حزب العمل على منحدر بدأ يتهاوى منه، ليس عددياً فقط، وإنما فكرياً أيضاً وهذا هو الأهمّ. ولهذا، ينتصب السؤال: هل سيفعل (باراك) الشيء نفسه لحزب ميرتس الآن؟"
المصطلحات المستخدمة:
الخط الأخضر, كريات أربع, هآرتس, باراك, الكنيست, رئيس الحكومة, ستاف شافير, عمير بيرتس, أفيغدور ليبرمان