المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يعتقد أكثر من الثلثين (67%) من اليهود الذين صوتوا في الانتخابات الإسرائيلية الماضية، في نيسان المنصرم، لأحزاب معسكر اليمين في إسرائيل بأن الأذرع السلطوية المكلفة بتطبيق القانون "تلاحق نتنياهو بدوافع سياسية ـ حزبية، بغية إسقاطه وإبعاده عن سدة الحكم" ويعبر أكثر من هؤلاء عن عدم الثقة بمؤسسات الدولة المختلفة! هذه من أبرز النتائج التي تمخض عنها استطلاع خاص للرأي العام أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" في نهاية شهر آب الأخير لتقصي وكشف "مواقف مصوتي اليمين في قضايا مختلفة".

أغلبية الثلثين الذين يؤمنون بأن أذرع السلطة المكلفة بتطبيق القانون تلاحق نتنياهو بدوافع سياسية ـ حزبية وتسعى إلى إبعاده عن سدة الحكم هي من بين مصوتي أحزاب الحريديم و"اتحاد أحزاب اليمين"، بينما ترفض ذلك الأغلبية بين مصوتي "إسرائيل بيتنا" (بزعامة أفيغدور ليبرمان) و"كولانو" (بزعامة موشيه كحلون، الذي عاد في الأثناء إلى حزبه الأم، الليكود) و"غيشر" (بزعامة أورلي ليفي- أبكسيس، التي تحالفت في الأثناء مع حزب العمل في قائمة انتخابية واحدة لخوض انتخابات الكنيست القريبة، في السابع عشر من أيلول الجاري).

ورأت أغلبية مصوتي الأحزاب اليمينية الإسرائيلية (63%) أنه حتى إذا ما تقرر تقديم لائحة اتهام ضد بنيامين نتنياهو، فسيكون قادراً على القيام بمهام منصبه رئيساً للحكومة كالمعتاد، في موازاة "المعركة القضائية" التي سيخوضها (أو: سيُرغَم على خوضها!) "من أجل إثبات براءته".

وهنا، أيضاً، شكل مصوتو أحزاب الحريديم الأغلبية من بين هؤلاء، بينما قالت أغلبية مصوتي "إسرائيل بيتنا" و"كولانو" و"غيشر" إن نتنياهو لن يكون قادرا على القيام بمهام منصبه بصورة لائقة في حال تقديم لائحة اتهام ضده واضطراره إلى صرف ساعات طويلة جدا وطاقات كبيرة جدا على هذا "الصراع القضائي".

بين الاستمرار والاستقالة أو الاعتزال المؤقت

سأل معدو الاستطلاع المشاركين فيه: إذا ما قرر المستشار القانوني للحكومة، في أعقاب جلسات الاستماع، تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، فأي الخيارات التالية تفضل؟ فأعرب أكثر من نصف مصوتي اليمين (53%) عن تأييدهم لاستمرار نتنياهو في إشغال منصب رئيس الحكومة، حتى لو تقرر تقديم لائحة اتهام جنائية ضده: قال 30% من هؤلاء إن الخيار الأفضل، الأول، من وجهة نظرهم هو استمرار نتنياهو في مزاولة مهام منصبه الحالي طوال فترة المحاكمة، مهما طالت، فيما قال 23% منهم إنهم يؤيدون منحه الحصانة التي تحول دون إمكانية تقديمه إلى المحاكمة. وعبر 21% آخرون عن رأيهم بأنه يجب اعتزال نتنياهو الحياة السياسية، ثم عودته إليها إن تمت تبرئة ساحته في المحكمة، بينما أيد 18% استقالة نتنياهو في حال تقديم لائحة اتهام بحقه، وأيد 6% آخرون التوقيع على "صفقة ادعاء" يعتزل نتنياهو بموجبها الحياة السياسية نهائياً ومطلقاً مقابل التنازل عن تقديمه إلى محاكمة جنائية.

في التوزيعة الحزبية لهؤلاء، يتضح أن الإمكانية المفضلة لدى مصوتي الليكود، أحزاب الحريديم واتحاد أحزاب اليمين هي "استمرار نتنياهو في إشغال منصبه، خلال المحاكمة"، مقابل أغلبية في الأحزاب اليمينية الأخرى تفضل "الاستقالة، أو الاعتزال المؤقت".

من تحليل هذه المواقف في المسائل المختلفة التي تتعلق بوضعية رئيس الحكومة، نتنياهو، وبالجهاز القضائي والأذرع المكلفة بتطبيق القانون، يتضح أن ثمة بين مصوتي الأحزاب اليمينية في الانتخابات الأخيرة (نيسان الماضي) مجموعتين مختلفتين: المجموعة الأولى ـ تضم المصوتين لأحزاب الليكود، الحريديم واتحاد أحزاب اليمين، الذين ترى أغلبية ساحقة من بينهم أن أذرع تطبيق القانون في إسرائيل "تلاحق نتنياهو بدوافع سياسية ـ حزبية" وأنه حتى إذا ما قرر المستشار القانوني للحكومة تقديم لائحة اتهام جنائية ضد نتنياهو، فإن عليه الاستمرار في إشغال منصبه الحالي كالمعتاد. المجموعة الثانية ـ تشمل مصوتي "إسرائيل بيتنا" (أفيغدور ليبرمان)، "كولانو" (موشيه كحلون)، اليمين الجديد (نفتالي بينيت) و"غيشر" (أورلي ليفي- أبكسيس)، الذين ترى الأغلبية الساحقة من بينهم أنه "لا ملاحقة لنتنياهو" وأنه يتعين على نتنياهو اعتزال الحياة السياسية إذا ما تقرر تقديم لائحة اتهام جنائية بحقه (الاستقالة كخيار أول، يليه خيار الاعتزال لفترة مؤقتة).

الموازنة بين السلطات

حيال إمكانية توصل المستشار القانوني للحكومة إلى قرار يقضي بتقديم نتنياهو إلى محاكمة جنائية، طرح حزب الليكود وائتلافه اليميني اقتراحاً بتشريع ما اصطلح على تسميته "فقرة التغلب" التي تتيح للكنيست إعادة سن أي قانون، أو بند من قانون، تقرر المحكمة العليا شطبه وإلغاءه بدعوى عدم دستوريته، لتعارضه مع نصوص وأحكام أحد "قانونيّ الأساس" المركزيين في مجال حقوق الإنسان ـ "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته" و"قانون أساس: حرية العمل".

في الرد على سؤال "هل تؤيد سن فقرة التغلب؟"، قال 52% من مصوتي أحزاب اليمين إنهم يؤيدون، بينما قال 21% آخرون منهم إنهم يؤيدون سن هذه "الفقرة" فقط كـ"جزء من رزمة تشريعية يكون هدفها فحص مجمل العلاقة بين السلطات المختلفة وطرح بديل مناسب لضمان التوازن المطلوب". وقال 14% من مصوتي اليمين إنهم يعارضون هذا التشريع، فيما قال 13% آخرون إنهم "لم يبلوروا موقفا بهذا الشأن"، أو "لا يعرفون ما هي فقرة التغلب، أصلا".

واستمراراً لهذا السؤال، سئل المشاركون في الاستطلاع عن مدى موافقتهم على تعزيز قوة السياسيين ومنحهم صلاحيات أخرى، على حساب الجهاز القضائي "القوي جدا، أكثر مما يجب"! وفي الرد على هذا السؤال، تبين أن المصوتين لأحزاب اليمين الإسرائيلي منقسمون على أنفسهم، بين مؤيد ومعارض، مع رجحان طفيف لمجموعة الموافقين: 47% منهم يوافقون، مقابل 43% لا يوافقون.

أما في التوزيعة بين الأحزاب، فيتضح أن ثمة فروقات كبيرة وبارزة بين (مصوتي) الأحزاب اليمينية المختلفة في مدى الموافقة: فبينما تؤيد أغلبية المصوتين لأحزاب الحريديم و"اتحاد أحزاب اليمين" منح السياسيين المزيد من القوة، يؤيد ذلك أقل من نصف المصوتين لأحزاب الليكود، اليمين الجديد و"زهوت"، بينما يعارضه معظم المصوتين لأحزاب "إسرائيل بيتنا"، "كولانو" و"غيشر".

وسئل المشاركون في الاستطلاع عن موقفهم بشأن مدى أهمية المحافظة على الرقابة القضائية على قرارات الكنيست والحكومة لمنع أصحاب المناصب الرسمية المختلفة من إساءة استغلال صلاحياتهم، فقالت أغلبية كبيرة من بين مصوتي الأحزاب اليمينية كلها (67%) إنها تؤيد الإبقاء على هذه الرقابة، بينما عارض ذلك 24% منهم.

وردا على سؤال آخر، قال 68% من مصوتي الأحزاب اليمينية إنهم يؤيدون إنشاء لجنة خبراء خاصة تناط بها مهمة وضع وتقديم توصيات بشأن السبل الأفضل للموازنة بين السلطات المختلفة (التشريعية، التنفيذية والقضائية)، بينما عارض 16% من مصوتي الأحزاب اليمينية إقامة مثل هذه اللجنة.

قانون الحصانة

قال أكثر من نصف المصوتين لأحزاب اليمين في إسرائيل (55%) إنهم يعارضون تشريع قانون الحصانة الذي يرمي إلى منح منتخبي الجمهور حصانة من مغبة تقديمهم إلى المحاكمة خلال تأدية مهام مناصبهم، وأعربوا عن موافقتهم على القول إن "الحصانة لمنتخبي الجمهور من مغبة تقديمهم إلى المحاكمة خلال فترة إشغالهم مناصبهم تخلق حالة من عدم المساواة بين المواطنين أمام القانون". في المقابل، قال 30% إنهم يوافقون على القول إن "منتخبي الجمهور قد فازوا بثقة الشعب، ولذا ينبغي منحهم حصانة من مغبة محاكمتهم خلال إشغالهم مناصبهم".

الثقة بمؤسسات الدولة

فحص الاستطلاع مدى ثقة مصوتي الأحزاب اليمينية بعدد من مؤسسات الدولة المركزية: الشرطة، الكنيست، المستشار القانوني للحكومة والمحكمة العليا.

وقد بينت نتائج الاستطلاع إن نسبة المؤسسات التي لا تحظى بأية ثقة (بين جمهور مصوتي اليمين) أو التي تحظى بدرجة متدنية من الثقة هي أعلى بكثير جداً من نسبة المؤسسات التي تحظى (بين هؤلاء المصوتين) بثقة عالية جداً أو بثقة عالية.
الشرطة: المصوتون لحزب "غيشر" هم الوحيدون الذين كانت نسبة الذين لديهم ثقة بالشرطة الإسرائيلية أعلى من نسبة الذين لا ثقة لديهم بها. أما مستوى الثقة الأدنى بالشرطة فقد سجل بين المصوتين لأحزاب الحريديم.

الكنيست: بين المصوتين لأحزاب "اليمين الجديد"، "إسرائيل بيتنا" والليكود هناك تعادل بين نسبة الذين لديهم ثقة بالكنيست الإسرائيلي ونسبة الذين لا ثقة لديهم به. أما بين مصوتي الأحزاب اليمينية الأخرى، فنسبة الذين لديهم ثقة بالكنيست متدنية جداً، وهي أقل بكثير من نسبة الذين لا ثقة لديهم به (بالكنيست).

المستشار القانوني للحكومة: أظهرت نتائج الاستطلاع نسبة مرتفعة جدا من الثقة بالمستشار القانوني للحكومة بين مصوتي حزب "غيشر"، مقابل نسبة ثقة متدنية بين مصوتي أحزاب الحريديم و"اتحاد اليمين".

المحكمة العليا: كما في مسألة الثقة بالمستشار القانوني للحكومة، كذلك في الثقة بالمحكمة العليا. فقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن المصوتين لأحزاب الحريديم و"اتحاد اليمين" عبروا عن مستوى متدن من الثقة بالمحكمة العليا، مقابل نسبة مرتفعة بين المصوتين لأحزاب "إسرائيل بيتنا"، "غيشر" و"كولانو". أما بين مصوتي حزب الليكود فقد انقسموا على أنفسهم بالتساوي ـ تعادل بين من لديهم ثقة بالمحكمة العليا ومن لا ثقة لديهم بها.

إجمالا، تفيد نتائج هذا الاستطلاع الخاص بأن أغلبية كبيرة من بين المصوتين لأحزاب اليمين الإسرائيلية يعبرون عن مستوى متدن من الثقة بمؤسسات الدولة المختلفة ـ الشرطة، الكنيست، المستشار القانوني للحكومة والمحكمة العليا. وقد بينت النتائج أن المستوى الأكثر تدنياً من الثقة بهذه المؤسسات هو بين مصوتي أحزاب الحريديم و"اتحاد أحزاب اليمين"، مقابل درجة عالية من الثقة بهذه المؤسسات بين مصوتي "غيشر"، "كولانو" و"إسرائيل بيتنا".

"حكومة وحدة قومية"

انقسم المصوتون للأحزاب اليمينية الإسرائيلية في إسرائيل فيما بينهم في مسألة تأييد/ معارضة تشكيل حكومة "وحدة قومية" بعد الانتخابات الوشيكة للكنيست الإسرائيلي الـ 22، في 17 أيلول الجاري، مع رجحان طفيف جدا للمعارضين. فقد قال 42% منهم إنهم يؤيدون تشكيل مثل هذه الحكومة، بينما قال 44% منهم إنهم يعارضون.

وفي توزيعة الأحزاب، تبين أن ثمة تأييداً واسعاً لحكومة "وحدة قومية" بين مصوتي "غيشر"، "كولانو" و"إسرائيل بيتنا"، يفوق المعارضة بكثير، بينما يتساوى المؤيدون والمعارضون لها بين مصوتي الليكود، "اليمين الجديد" و"زهوت". أما بين مصوتي الأحزاب الحريدية و"اتحاد أحزاب اليمين"، فالمعارضون لإقامة حكومة "وحدة قومية" أكثر بكثير من المؤيدين لها.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات