المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 919

رفعت إسرائيل ستار الغموض الذي غطى عملياتها ضد إيران وضد من تعتبرهم وكلاءها في أراضي سورية.

ومنذ شهر أيلول الماضي يكشف كبار المسؤولين الإسرائيليين تفاصيل تتعلق بحجم الهجمات ويتحدثون عن عمليات محددة، مثلاً ضد أهداف إيرانية في مطار دمشق الدولي.

وهذا ما فعله في المرة الأخيرة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي قال في تصريحات أدلى بها إلى وسائل إعلام قبيل توجهه إلى المؤتمر الدولي في وارسو قبل أسبوع، إن الجيش الإسرائيلي هو من نفّذ الضربة العسكرية التي شُنّت ضد سورية يوم 11 شباط الجاري، وأكد أيضاً أن إسرائيل تعمل ضد إيران وضد محاولاتها التموضع في منطقة الشرق الأوسط كل يوم.

وأضاف نتنياهو أن صواريخ إسرائيل تستطيع أن تصل إلى مسافات بعيدة جداً وإلى كل عدو، بما في ذلك وكلاء إيران في المنطقة، في إشارة إلى حزب الله. وأشار إلى أن حكومته تعمل باستمرار بحسب فهمها ووفق الحاجة لمنع إيران وأتباعها من التموضع عسكرياً في منطقة حدود إسرائيل الشمالية وفي المنطقة بشكل عام، وتفعل كل ما يلزم لتحقيق هذا الهدف.

وكانت وكالة "سانا" السورية الرسمية للأنباء ذكرت أن المدفعية الإسرائيلية استهدفت بعد ظهر يوم 11 شباط عدداً من الأهداف في محافظة القنيطرة جنوب سورية، من دون التسبب بأي إصابات بشرية. وأضافت أن طائرة إسرائيلية مسيّرة من دون طيار قامت في وقت لاحق بإطلاق 4 صواريخ في اتجاه مستشفى القنيطرة وإحدى النقاط التابعة لقوات النظام، وأشارت إلى أن الأضرار اقتصرت على الماديات. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن إسرائيل استهدفت مناطق يوجد فيها مقاتلون من حزب الله وميليشيات محلية أخرى، وهو ما أسفر عن إصابة أربعة مقاتلين على الأقل من حزب الله وتلك الميليشيات.

وسبق للجيش الإسرائيلي أن هاجم قبل 4 أسابيع أهدافاً عسكرية لـ"فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، كما هاجم منصات صواريخ دفاعية للجيش السوري. وأعلن بيان صادر عن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي في حينه أن هذه الهجمات جاءت ردّاً على إطلاق صاروخ أرض - أرض من طرف القوات الإيرانية المتمركزة في سورية في اتجاه الأراضي الإسرائيلية شمال هضبة الجولان، تمكنت منظومة "القبة الحديدية" من إسقاطه.

ويدعّي المسؤولون الإسرائيليون أن كسر سياسة الغموض تساعد إسرائيل على إظهار تصميمها، وأن توضح لأعدائها خطوطها الحمراء، لكن بعض الخبراء الأمنيين يعترضون على ذلك.

وفي هذا السياق رأى الجنرال احتياط عاموس غلعاد، الذي شغل عدة مناصب رفيعة في قيادة الجيش الإسرائيلي، ومنصب رئيس القسم الأمني- السياسي في وزارة الدفاع، أنه على مرّ السنوات أثبتت سياسة الغموض الإسرائيلي في جملة مواضيع استراتيجية نجاعتها في تقليص مخاطر التصعيد وفي مواجهة الضغوط السياسية. ومن جهة أُخرى، فإن الوقوف علناً وراء عمليات تشكل انتهاكاً لسيادة الخصم وتلحق الضرر بأرصدته، يمكن أن تضخم حجم الإذلال والمسّ بكرامته، وأن تخلق لديه حافزاً قوياً للرد على إسرائيل.

وأضاف غلعاد، في سياق مقال نشره أخيراً في موقع "واينت" التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن قوة سياسة الغموض أثبتت نفسها مثلاً عندما أُعطي بشار الأسد هامش إنكار بعد أن خسر رصيداً ضخماً، هو المفاعل النووي العسكري في دير الزور. وعلى الرغم من معرفته جيداً بمن يقف وراء تدمير المفاعل، فقد أنكر وجوده، فكم بالحريّ مهاجمته، ولم يكشف عن الهجوم إلا بعد مرور عشرة أعوام على تدميره. وإسرائيل تصرفت بهذه الطريقة أيضاً بعد الألعاب الأولمبية في ميونيخ، عندما قامت طوال سنوات بتصفية حسابها مع كبار المسؤولين عن تنظيم "أيلول الأسود".

وبرأيه فإن التخلي عن سياسة الغموض يبعث برسالة مفادها أن إسرائيل مصرة على فرض خطوطها الحمراء العلنية في سورية، وهي منع الإرهاب وتهريب السلاح المتطور إلى حزب الله والتمركز العسكري الإيراني، لكن في الحساب الإجمالي، فإن هذه الرسالة لا تساهم بصورة كبيرة في تعزيز الردع، ومخاطرها تفوق فائدتها. والوقوف علناً وراء هجمات في سورية تنقل الكرة بصورة علنية إلى مرمى الطرف الثاني- روسيا وسورية وإيران- وتفرض عليه الحاجة إلى الرد، وتقضم قدرة إسرائيل على المحافظة على عملياتها تحت مستوى التصعيد، وتقلص هامشها للمناورة.

وقال إن التصريحات الإسرائيلية الرسمية المتعلقة بعمليات هجومية يمكن أن تربك روسيا وأن تمس علناً بصورتها كدولة عظمى، وبمكانتها في سورية والمنطقة، ويمكن أن تصوّر منظومة الدفاع الروسية وكأنها غير مفيدة. وهذه السياسات العلنية يمكن أن تعتبرها موسكو استفزازاً، وأن تدفعها إلى إغلاق نافذة النشاط الذي سمحت به لإسرائيل ضد التمركز العسكري الإيراني.

كما أن التخلّي عن سياسة الغموض يمكن أن يقرب بسرعة كبيرة اليوم الذي ستضطر سورية نفسها، ربما بدعم روسي، إلى الرد على مهاجمة أراضيها. ويبرز في هذا السياق كلام سفير سورية في الأمم المتحدة الذي سأل في نقاشات مجلس الأمن: هل فقط ردّ سوري على مطار بن- غوريون يمكن أن يجذب الانتباه إلى الاعتداءات الإسرائيلية على مطار دمشق الدولي؟

وإجمالاً يبرز بعد التصريحات العلنية الإسرائيلية ميل السوريين إلى التصريح بأن إسرائيل هاجمت في أراضيهم حتى عندما لا تتحمل إسرائيل المسؤولية، وهو ما يزيد التوتر العلني بين الدولتين. والبارز أيضاً أن الخطابات الإسرائيلية التي تكشف عن الإنجازات الكبيرة في منع تمركز إيران في سورية تشجع أيضاً "فيلق القدس" على الرد بمستوى أعلى، كما حدث عندما أطلق صاروخ أرض- أرض على إسرائيل. لكن يجب أن ننتبه إلى أن إيران نفسها تعمل في إطار صارم من الغموض وهامش إنكار فيما يتعلق بعملياتها في سورية وفي المنطقة بصورة عامة.

وفي الخلاصة يؤكد غلعاد أن قيام جبهة عسكرية ثانية في سورية هو تهديد استراتيجي من الدرجة الأولى، عملت إسرائيل حتى الآن بنجاح على منعه، ويجب أن تكون يقِظة كي تضمن المحافظة على إنجازاتها. كما يؤكد أن عمليات ناجحة تستند إلى استخبارات دقيقة تشكل ردعاً جيداً، وسياسة الغموض تزيدها قوة. وبناء على ذلك، إذا كانت سياسة الغموض يمكن أن تخفض ولو قليلاً من خطر التصعيد، وتساعد على المحافظة على حرية التحرك، فإنه يجب العودة إليها.

على صعيد آخر قال الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة الجنرال احتياط بيني غانتس، رئيس الحزب الجديد "مناعة لإسرائيل"، إنه تحت سلطته كرئيس للحكومة الإسرائيلية في المستقبل لن يكون لإيران سلاح نووي.

وأضاف غانتس، في سياق كلمة ألقاها أمام مؤتمر ميونيخ للأمن المنعقد في ألمانيا (الأحد)، أن أقوال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال المؤتمر بأن هناك احتمالاً كبيراً لنشوب حرب بين إسرائيل وإيران كاذبة ولا تمت إلى الحقيقة بأي صلة.
وأشار غانتس إلى أن هناك ثلاثة تحديات أساسية في منطقة الشرق الأوسط هي إيران المتطرفة، والإرهاب الإسلامي، وعدم الاستقرار. وأكد أن مواجهة هذه التحديات ستؤثر إيجابياً على أوروبا وعلى سلام العالم. كما أشار إلى أن ظريف يمثل نظام الشر، الذي يقمع النساء والمثليين، ويلاحق الأقليات ويمس بحقوق الإنسان، ويموّل الإرهاب في كل أنحاء العالم، ويشكل خطراً على الشرق الأوسط والعالم أجمع.

وقال غانتس إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو خصمه السياسي بالفعل، لكنه في الوقت ذاته أكد أنه عندما تكون إسرائيل تحت التهديد لا يوجد خلاف بينهما، وأنه في كل ما يتعلق بالموضوع الإيراني لا يوجد يمين أو يسار في إسرائيل بل إن الجميع يقفون صفاً واحداً.

وتطرق غانتس إلى حزب الله فوصفه بأنه أكثر منظمة إرهابية تشكل خطراً على الشرق الأوسط والعالم، وأكد أن على جميع الذين يريدون السلام والأمن والاستقرار في أوروبا العمل ضد حزب الله.
وأشار غانتس إلى أن إسرائيل باتت في الوقت الحالي قريبة إلى الدول العربية أكثر من أي وقت، وأكد أن هذه الدول فهمت أن إسرائيل ليست جزءاً من المشكلة، بل هي جزء من الحل.

وكان من المفروض أن يُشارك رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في مؤتمر ميونيخ إلا إنه ألغى مشاركته فيه وعاد إلى إسرائيل بعد مشاركته في مؤتمر وارسو للأمن والسلام في الشرق الأوسط، وهو ما ترك إسرائيل من دون تمثيل رسمي في الجلسة المُخصصة للشرق الأوسط في المؤتمر، ما دفع المنظمين إلى البحث عن شخصية إسرائيلية أخرى، ووقع اختيارهم على غانتس.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات