اعتبر الباحث دورون ماتسا، في الدراسة التي صدرت مؤخرا عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، وجاءت بعنوان "أنماط المقاومة لدى الأقلية العربية – الفلسطينية في إسرائيل: استعراض تاريخي ونظرة إلى المستقبل"، مثل غيره من الأغلبية الساحقة من الباحثين الإسرائيليين، أنه "منذ نشر وثائق
الرؤى المستقبلية العربية، في العامين 2006 و2007، على أيدي مجموعات من المثقفين العرب في إسرائيل تحت رعاية لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية، برز تصاعد التوتر بين دولة إسرائيل والأقلية العربية التي تعيش داخلها".
إلا أن ماتسا لفت إلى أنه "خلافا لأحداث أكتوبر 2000... فإن جهات في الجمهور العربي في إسرائيل عملت في (هبّة) 2015 من أجل احتواء الأحداث الاحتجاجية (في البلدات العربية داخل إسرائيل) ومنع تصاعدها، لكن هذا الأمر لم يساعد على تبديد التوتر الحاصل في العلاقات بين العرب واليهود. وهذه الأحداث، وخاصة عملية إطلاق النار التي نفذها عربي من مواطني إسرائيل (نشأت ملحم) في وسط تل أبيب، في الأول من كانون الثاني الماضي، عززت علامات الاستفهام حيال جانبين هامين في العلاقة بين السكان العرب والدولة".
الجانب الأول هو العلاقة بين اليهود والعرب. واعتبرت الدراسة في هذا السياق أنه "منذ العام 2007، مارست حكومات إسرائيل المختلفة سياسة جدلية تجاه الأقلية العربية، استندت إلى أساسين مركزيين، يبدوان متناقضين، لكنهما كملا الواحد منهما الآخر عمليا وأحدثا منطقا إستراتيجيا واحدا: في المحور الأول عملت الحكومات المختلفة، بصورة نشطة وبدعم صامت، على إقصاء الأقلية العربية عن الحقل السياسي والثقافي في إسرائيل. وفي المحور الثاني، نفذت الحكومات سلسلة أنشطة من أجل دمج الوسط العربي في الاقتصاد الإسرائيلي".
وتابعت الدراسة أن "الكنيست بات حلبة الأحداث المركزية لدفع المحور الأول قدما"، من خلال سن قوانين وطرح مشاريع قوانين معادية للعرب وعنصرية هدفت إلى "المس بالحقوق الجماعية للأقلية العربية"، مثل إلغاء مكانة اللغة العربية كلغة رسمية في إسرائيل. وبحسب الدراسة فإن هذه الخطوات بلغت ذروتها برفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست الأخيرة إلى 25ر3%، "وبين غايات هذه الخطوة تقليص عدد الأحزاب العربية في الكنيست، لكنها حققت العكس وأدت إلى توحيد القوى، لأول مرة في تاريخ التمثيل العربي، وإلى تشكيل ’القائمة العربية الموحدة’". ويشار إلى أن تمثيل العرب في الكنيست قبل رفع نسبة الحسم كان عشرة نواب، وبعد رفع هذه النسبة، في الانتخابات العامة الأخيرة أصبح عددهم 13 نائبا يمثلون القائمة المشتركة، وثالث أكبر كتلة برلمانية.
والمحور الثاني هو خطوات اتخذتها الحكومة الإسرائيلية بهدف دفع دمج مواطنين عرب في الاقتصاد الإسرائيلي. وأوضحت الدراسة أن "هذه الخطوات اندمجت جيدا مع الأفكار النيو – ليبرالية لحكومة اليمين – الوسط، التي رأت أنه من الصواب زيادة الإنتاج القومي بواسطة دمج الأوساط الضعيفة في المجتمع الإسرائيلي (العرب والحريديم) في سوق العمل"، وذلك بهدف "خفض إنفاق الدولة على هذه الأوساط، وبذلك يتم إبطاء تحولهم إلى عبء على ميزانية الدولة وعلى الطبقة الوسطى". ويشرف على هذه الخطوات مكتب رئيس الحكومة، الذي أقام لهذا الغرض "السلطة من أجل تطوير الوسط العربي، الدرزي والشركسي"، التي تسعى إلى زيادة نسبة العمل بين النساء، وتشجيع نمو المصالح التجارية الصغيرة، بادعاء أنه يشكل أساسا لزيادة أماكن العمل.
وقالت الدراسة إن عملية دمج العرب في الاقتصاد "غايتها تخفيف المفعول السلبي لعملية الإقصاء السياسي – الثقافي، ومنع حدوث غليان في الوسط العربي بواسطة إحداث أفق اقتصادي للسكان العرب، يستند إلى تحسين مستوى حياتهم وزيادة احتمالات تشغيلهم". ووفقا للدراسة، فإن حكومات إسرائيل اتبعت هذه السياسة منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، "عندما اقترحت حكومات إسرائيل على أجزاء من السكان العرب تعويضا على شكل تحقيق الذات على أساس شخصي، مقابل مجهود المؤسسة بقمع تطور الشعور القومي الفلسطيني بين العرب مواطني إسرائيل". وفي حينه، وظّفت السلطات أكاديميين عربا في الوزارات.
وأكدت الدراسة على أن السياسة التي تبنتها حكومة نتنياهو، منذ العام 2009، واعتمدت على "إقصاء واحتواء الأقلية العربية"، استندت بالأساس إلى "برنامج فكري تبلور منذ قيام الدولة، رغم أن بعض عناصره تغير مع مرور الوقت. وهكذا، فإن مجهود الحكومات الأولى في إسرائيل من أجل منع تبلور الأقلية القومية العربية كأقلية قومية فلسطينية منفصلة، استبدل بمجهود لإبعاد هذه الاقلية عن الحقل السياسي – الثقافي الإسرائيلي. ورغم ذلك، فإن الهدف الإستراتيجي بقي مشابها، وهو إرساء الحيز العام – المدني في إسرائيل كحيز ذي هيمنة يهودية مطلقة. كذلك فإنه مكان المجهود من أجل دمج المتعلمين العرب بالوزارات والسلك الحكومي، الذي ميز سبعينيات القرن الماضي، حلّ في السنوات العشر الماضية مجهود دمج الوسط العربي في الاقتصاد الإسرائيلي. وبقي الهدف الإستراتيجي كما كان، وهو إنشاء حيز يمكن فيه أن يتطور السكان العرب، من خلال التعتيم على الأهمية المركزية لعملية الإقصاء السياسي".
وبحسب الدراسة، فإن الاحتجاجات لدى الأقلية العربية في أعقاب الهبة الشعبية الفلسطينية في القدس والضفة الغربية، في تشرين الأول من العام الماضي، وضعت علامة استفهام حول العلاقة بين احتجاجات الشبان العرب وبين نمط السياسة التي تمارسها حكومة إسرائيل منذ العام 2009، أو "إلى أي مدى بالإمكان النظر إلى الاحتجاجات العربية على أنها تعبر عن استياء واضح للأقلية العربية في إسرائيل من السياسة الحكومية التي جرى تبنيها في السنوات العشر الأخيرة؟".
الجانب الثاني للعلاقة بين الأقلية العربية والدولة على خلفية الهبة الشعبية الفلسطينية هو أنماط أنشطة الأقلية العربية في إسرائيل وارتباطها بسياسة الحكومة. وأكدت الدراسة على أنه منذ العام 1948، عندما بات العرب أقلية في إسرائيل، "أصبح التوتر والشرخ القومي أحد التوترات المركزية التي تصف المجتمع الإسرائيلي... والعلاقات بين الدولة ومواطنيها العرب معقدة جدا وحساسة. كما أن ديمومة حضور الأقلية العربية في الدولة، التي ترسخت في أعقاب حرب الأيام الستة (حرب حزيران العام 1967)، وإدراك المؤسسة الإسرائيلية والأقلية نفسها أن الواقع السياسي للأقلية العربية الفلسطينية في دولة يهودية غير قابل للتغيير، مثلما كان يأمل قادة إسرائيل وقسم من المجتمع العربي نفسه، لم تسهّل أبدا من التوترات القومية. كذلك فإن محاولة إسرائيل إضعاف الهوية الفلسطينية للأقلية العربية، وفصلها عن المنظومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحويل الفلسطينيين في إسرائيل إلى ’عرب إسرائيل’، لم تؤدِ إلى الاندماج الكامل للأقلية العربية في دولة إسرائيل".
ولفتت الدراسة أيضا إلى أنه رغم مرور عشرات السنين على النكبة، إلا أن الأقلية الفلسطينية "استمرت في التعبير عن عدم ارتياحها من الظروف التاريخية التي أدت إلى تحويلها من أغلبية إلى أقلية قومية في دولة يهودية. كما أنها وجهت احتجاجاتها ضد سياسة الحكومات الإسرائيلية، التي وصفت السكان العرب بأنهم تهديد إستراتيجي و’طابور خامس’ محتمل، وخلال ذلك عمّقت عدم المساواة الاقتصادية – المدنية لهذه الأقلية".
ورأت الدراسة أن "مسعى الأقلية العربية من أجل إعادة تعريف الواقع بواسطة أدوات مقاومة، كان غايته أحد أمرين: تصحيح الواقع القائم بصورة جزئية، مثل تغيير سياسة منح المخصصات الحكومية للسكان العرب، أو تغيير الشروط التي تعرف علاقات العرب واليهود في إسرائيل من الأساس، وذلك، على سبيل المثال، بواسطة المطلب المدني – الديمقراطي لتغيير طبيعة الدولة وأسس نظامها، التي تكرس التمييز ضد العرب، وإحداث ’سقف زجاجي’ يمنع تحويل الأقلية العربية إلى جزء جوهري وكامل من المجتمع الإسرائيلي".
وأشارت الدراسة إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية والمؤسسة السياسية اليهودية عموما التفتت دائما إلى "عنصر العنف" لدى الأقلية العربية وما إذا كانت هذه الأقلية ستنتفض، وما هو توقيت انتفاضة كهذه، على غرار الأسئلة المطروحة حيال الفلسطينيين في الضفة والقطاع. "ويدل هذا التوجه على مفهوم ينظر إلى الأقلية العربية في إسرائيل من وجهة النظر اليهودية على أنها خطر أمني".
ووصفت الدراسة هذه النظرة اليهودية إلى الأقلية العربية بأنها "أحادية الأبعاد" في قراءة المجتمع العربي في إسرائيل، وأن هذه "نظرة ضيقة تفوّت إمكانية النظر إلى السكان العرب بصورة مركبة وكاملة أكثر". إذ اعتبرت الدراسة أن تحولات اجتماعية وسياسية طرأت على الأقلية العربية، وأن قراءة هذه التحولات "هو أمر هام، خاصة بالنسبة لصناع القرار في إسرائيل، لأن بإمكانهم توفير أدوات هامة لتحليل المجتمع العربي، إلى جانب منح إمكانية للتعرف على الفرص المحتملة من أجل دفع غايات السياسة الحكومية تجاه هذه المجموعة السكانية".
تجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة لا تتطرق إلى عرب النقب ولا إلى الفلسطينيين في القدس المحتلة.