منظمة "لنكسر الصمت": بعد تحليل هذه الشهادات تتضح صورة مقلقة حول حدوث تغيير هائل في أنماط قتال الجيش الإسرائيلي وفي إطار هذا التغيير تفقد قيم مثل "طهارة السلاح" و"حياة الإنسان" معناها
بعد ثمانية شهور من انتهاء الحرب العدوانية على قطاع غزة، نشرت منظمة "لنكسر الصمت" الإسرائيلية، أمس الاثنين، شهادات أدلى بها حوالي سبعين جنديا وضابطا إسرائيليا شاركوا في الحرب، وتحدثوا فيها عن العمليات العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي وكشفوا من خلال شهاداتهم عن جرائم ارتكبتها القوات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
وتكشف شهادات الجنود والضباط التعليمات التي تلقوها بشأن إطلاق النار وعمليات التدمير الهائلة خلال الحرب.
وعقبت منظمة "لنكسر الصمت" بالقول إنه "بعد تحليل هذه الشهادات، تتضح صورة مقلقة حول حدوث تغيير هائل في أنماط القتال التي ينفذها الجيش الإسرائيلي. وفي إطار هذا التغيير، فإن قيما مثل ’طهارة السلاح’ و’حياة الإنسان’ فقدت معناها".
وقال ضابط إسرائيلي في شهادته إنه "يتم إطلاق قذائف مدفعية قبل وصول القوات، ويُبلغ السكان، وتُلقى المناشير ومن ينجح بالهرب نجا، وعندها يتم إطلاق النار. وأنا أتحدث عن إطلاق نار مكثف للغاية. وسلاح الجو يعرف كيف يُنزل (يهدم) بيتا في حيّ، لكن هذا لا يعني أن جميع البيوت التي بجواره لا تُصاب. وهذه البيوت تُصاب المرة تلو الأخرى، وبعد ذلك تسقط".
وأضاف الضابط نفسه "هل بالإمكان حقا عزل بيت في حي مكتظ بالمباني؟ لا أعرف. ما أعرفه هو أن النتيجة الفعلية هي مساحات مستوية كان يتواجد فيها بيوت. أحياء كاملة تم محوها".
إحدى الممارسات التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي يطلق عليها تسمية "أطرق السطح"، ويتم بموجبها تحديد بيت على أنه هدف لغارة ينفذها سلاح الجو، ولكن يكون هناك تخوف بأنه يتواجد مدنيون في البيت. ولذلك يتم الاتصال بهذا البيت وتحذير سكانه بأن هجوما وشيكا سيحدث وعليهم مغادرة البيت فورا. وبعد ذلك يتم إطلاق صاروخ صغير باتجاه مكان قريب من البيت أو على سطح البيت، ثم يتم إلقاء قنبلة كبيرة تؤدي إلى تدمير البيت بالكامل. لكن قسما من شهادات الجنود أظهر أن الجيش لم يكن يمنح الوقت الكافي لسكان بيوت لمغادرتها قبل قصفها.
وقال ضابط في شهادته "كان هناك بيت مؤلف من ست طبقات في خربة خزاعة. وأذكر أنه كانت هناك معلومات استخبارية ساخنة عن لقاء نشطاء (مقاتلين فلسطينيين). وقائد الخلية تواجد هناك بكل تأكيد، وقرروا أن ينفذوا ’أطرق السطح’ وبعد ذلك مباشرة إنزال القنبلة، خلال 26 ثانية إلى دقيقة. ولا تنجح القوات دائما باستيضاح ما إذا تواجد هناك مواطنون، ورغم ذلك يقصفون". وقال جنود آخرون في شهاداتهم إن "المهلة ربما تسمح للنشطاء بالهرب، لكن ليس للآخرين وبالتأكيد ليس المسنين".
وكرر جنود في شهاداتهم الحديث عن سياسة إطلاق النار، بحيث أن الهدف هو خلق الانطباع لدى الفلسطينيين بأن أي هجوم ينفذونه يتم الرد عليه بإطلاق نار كثيف وبصورة غير تناسبية، إلى جانب الاهتمام بإصابة أقل عدد ممكن من القوات الإسرائيلية، حتى لو كلف ذلك قتل مدنيين فلسطينيين.
وقال ضابط شارك في القتال في منطقة دير البلح في شهادته، إن "تعليمات إطلاق النار متشابهة جدا. كل من يتواجد في الداخل يشكل تهديدا، والمنطقة يجب أن تكون خالية من البشر. وإذا لم نر أحدا يلوح براية بيضاء، أو يصرخ ’أستسلم’، فإنه يشكل تهديدا ويوجد إذن بإطلاق النار عليه". وأضاف أنه من أجل أن يعتبر أحد ما مشتبها به "يكفي أن يتواجد في منطقة القتال. والمقولة التي ترددت في الجيش هي أنه ’لا أحد هناك غير ضالع بالقتال’. وأي شيء يتحرك هو مشبوه ويجب إطلاق النار عليه".
ووفقا لشهادات عدد من الجنود، فإنهم كانوا يحصلون يوميا على صور لمنطقة معينة في قطاع غزة التقطت من الجو، لكن هذه الصور كانت دائما مختلفة عن اليوم السابق نتيجة للدمار الذي يسببه القصف الإسرائيلي، وبعض الأحياء كانت مدمرة بشكل كامل.
وقال ضابط في سلاح المدرعات وشارك في القتال في مدينة غزة إن التعامل مع أي شخص يحمل منظارا أو ينظر باتجاه القوات الإسرائيلية "يتم التعامل معه على أنه مخرب وكأنه يطلق النار عليك. ولذلك يتم إطلاق النار عليه. ولا نطلب إذنا ولا إيضاحات. وإذا نظر أناس عليك من نافذة بيت، فإنهم، بكلمات جميلة، لن ينظروا إليك بعد الآن".
وقالت منظمة "لنكسر الصمت" إن الشهادات ترسم صورة لمبدأ مركزي رافق الأنشطة العسكرية الإسرائيلية في القطاع خلال العدوان، وهذا المبدأ يقضي بتعرض القوات إلى الحد الأدنى من الخطر عليهم، حتى لو كان الثمن هو المس بمدنيين فلسطينيين لا علاقة لهم بالقتال. وأدت هذه السياسة الإسرائيلية إلى "مس هائل وغير مسبوق بالسكان والبنية التحتية المدنية في قطاع غزة".
وقال أحد الجنود في شهادته إن تعليمات إطلاق النار التي وجهها الضباط كانت تحمل رسالة مفادها أن "كل شخص يتواجد في منطقة الجيش الإسرائيلي، في منطقة احتلها الجيش، هو ليس مواطنا. هذه كانت نقطة الانطلاق".
وتحدث جندي في سلاح المشاة، تواجدت وحدته في شمال القطاع، عن إطلاق نار باتجاه مسن فلسطيني اقترب من القوات في ساعات الظهر. وقال الجندي في شهادته إن "الشاب (الجندي) في الموقع العسكري، ولا أدري ما الذي جرى له، شاهد مواطنا، وأطلق النار عليه، ولم يصبه جيدا. واستلقى المواطن على الأرض هناك، وكان يتلوى من الألم". وقال جندي آخر كان شاهدا على هذه الواقعة، إن أحد الجنود اقترب من المسن الجريح ونفذ عملية التأكد من القتل، ثم حضرت إلى المكان جرافة "دي9" وغطت الجثة بالتراب.
وقال جندي من وحدة مشاة تمركزت في جنوب القطاع في شهادته إنه تم إطلاق النار من طائرة بدون طيار على امرأتين وقتلهما لأنهما كانتا تمسكان هاتفين محمولين. وبحسب مزاعم الجيش فإن هاتين المرأتين اشتبه بهما بالضلوع في القتال لكن الجندي قال في شهادته "انتابني شعور بأن هذا كذب". وأضاف الجندي أن ضابطا اقترب منهما وتأكد أنهما لا تحملان سلاحا، لكنه وصفهما في تقريره بأنهما "مخربتان".
وقال جندي آخر في شهادته إنه في اليوم الأول للعدوان أطلق جنود النار على فلسطينية وقتلوها رغم أنها لم تشكل أي خطر على القوات. وتحدث أحد الجنود في شهادته عن أن قائد سريته أمر الجنود بإطلاق قذائف باتجاه بيوت الفلسطينيين لتخليد ذكرى مقتل أحد جنود السرية. وأضاف الجندي في شهادته أن "قائد الدبابة قال ’اختر أبعد بيت، لكي تصيبه القذيفة بقوة كبيرة’. وكان هذا نوعا من الانتقام".
ووصف جندي في شهادته مباراة بين الجنود، بعد ثلاثة أسابيع من بدء العدوان، على إطلاق النار باتجاه سيارة تمر في شارع تعبر فيه سيارات وشاحنات وأحيانا سيارات إسعاف. وقال الجندي نفسه إنه كان يدرك أنه يطلق قذائف باتجاه مواطنين، وفسر ذلك بالقول إنه "بعد ثلاثة أسابيع في غزة، وفيما تطلق النار باتجاه أي شيء يتحرك أو لا يتحرك، وبكميات جنونية، فأنت لم تعد أنت... الخير والشر يختلطان وتفقد الأخلاق، وقد كان هذا شبيهاً بلعبة كمبيوتر".