المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
التدمير المتعمّد لغزة: مشهد من جباليا. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 29
  • وليد حباس

منذ اليوم الأول للحرب على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، اعتقدت إسرائيل أن هجومها العسكري الشامل سيمكنها من فرض أجندة "اليوم التالي" لقطاع غزة. وفي الخطاب السياسي الإسرائيلي، يتعلق "اليوم التالي" للحرب بمركبات أساسية هي: 1) من هي الجهة التي ستدير القطاع وشرعيتها دولياً ومحلياً؛ 2) مستقبل سلاح المقاومة والبنية العسكرية؛ 3) علاقة إسرائيل مع قطاع غزة تشمل إمكانيات فرض احتلال جديد أو العودة للاستيطان؛ 4) إعادة الإعمار وتمويله وشروطه، وهو ما سعت إسرائيل إلى تحويله إلى الملف الأقوى بيدها عبر تدمير غير مسبوق في نطاقه.

ومع ذلك، فإن حضور حركة حماس في قطاع غزة، كما تكشف منذ بدء تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى، وعودتها التدريجية كسلطة شبه حصرية على القطاع يعقد المشهد أمام إسرائيل. هذه المقالة تستعرض مواقف الأحزاب السياسية في إسرائيل من "اليوم التالي" للحرب.

  1. بنيامين نتنياهو: حزب الليكود

الليكود هو الحزب الأكبر في إسرائيل، ويقود الحكومة الإسرائيلية الحالية بعد حصوله على 32 مقعداً.

بنى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مسيرته السياسية على مبدأ أن أمن إسرائيل يجب أن يكون الأولوية المطلقة. منذ بداية الحرب، كرر نتنياهو التأكيد على أن "حماس يجب أن تُباد تماماً- عسكرياً وسياسياً". ويصر على أنه لن يكون هناك أي دور لحماس في أي ترتيب مستقبلي، وأن إسرائيل يجب أن تحافظ على سيطرتها طويلة الأمد لمنع عودة الحركة. تشمل خطة نتنياهو لغزة نزع السلاح بالكامل، مما يعني إزالة جميع الأسلحة والأنفاق والقدرات العسكرية بشكل تام. كما أوضح أن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة الأمنية على غزة إلى أجل غير مسمى، بما في ذلك إنشاء منطقة عازلة على طول منطقة الحدود. لكن بينما تقول خطة نتنياهو ما "لا يجب أن يكون"، فإنها تتجنب الخوض فيما "يجب" أن يكون. ففيما يتعلق بإدارة غزة، استبعد نتنياهو كلاً من حماس والسلطة الفلسطينية التي وصفها بأنها "غير فعالة وضعيفة".

إحدى القضايا الكبرى غير المحسومة هي ما إذا كان نتنياهو يدعم عودة المستوطنات اليهودية إلى غزة. حتى الآن، لم يعلن دعمه أو رفضه الصريح لهذه الفكرة، مع علمه بأن العديد من وزراء وكادرات حزب الليكود شاركوا في مؤتمرات "العودة لاستيطان غزة". أما بالنسبة لإعادة إعمار غزة، فقد أوضح نتنياهو أن أي إعادة بناء ستتم وفق الشروط الإسرائيلية. وقال: "لن تكون هناك إعادة إعمار من دون نزع السلاح بالكامل وإزالة التطرف. لن نسمح باستخدام الموارد مجدداً للإرهاب". كما أكد أن المساعدات الدولية ستكون تحت رقابة صارمة، ولن يُسمح بدخول أي أموال أو مواد إلى غزة بدون إشراف إسرائيلي. ويقتصر دور المجتمع الدولي، وفقاً لرؤيته، على تقديم المساعدات فقط ضمن شروط أمنية إسرائيلية مشددة.

  1. ب. سموتريتش: حزب "الصهيونية الدينية"

حصل هذا الحزب في الانتخابات الأخيرة على 7 مقاعد. بيد أن الاستطلاعات الأخيرة تشير إلى تراجع حجمه البرلماني في إسرائيل.

يدعم بتسلئيل سموتريتش احتلالاً عسكرياً كاملاً للقطاع، حيث صرّح قائلاً: "في اليوم التالي في غزة سيكون هناك حكم عسكري، لأنه إما نحن أو حماس". ويدعو سموتريتش إلى إعادة الاستيطان اليهودي في "غوش قطيف" ومناطق أخرى في غزة. وفي اجتماع لكتلته البرلمانية في الكنيست، قال: "حيثما توجد مستوطنات ونشاط مدني، يكون هناك جيش وأمن على المدى الطويل".  يعارض سموتريتش أي دور للجهات الدولية أو للسلطة الفلسطينية في إدارة غزة بعد الحرب، حيث صرّح: "من يظن أن الحل في غزة سيكون مشابهاً للحلول السابقة، لا يفهم أين يعيش. لا قطر، لا مصر، وبالتأكيد ليس سلام فياض". ويدعم سموتريتش تشجيع هجرة سكان غزة إلى دول أخرى بالتعاون مع الدول العربية. كما أعرب عن تأييده لفكرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن نقل سكان غزة إلى دول مجاورة، قائلاً: "الفكرة بمساعدتهم على إيجاد أماكن أخرى لبدء حياة جديدة وجيدة هي فكرة رائعة". يعارض سموتريتش أي تقوية للسلطة الفلسطينية، سواء في غزة أو في الضفة الغربية، كما عبّر عن رفضه لأي تسهيلات اقتصادية للسلطة، قائلاً: "لن تكون هناك أي تسهيلات اقتصادية!".

  1. بن غفير: حزب "قوة يهودية"

بشكل غير متوقع، حصل هذا الحزب على 6 مقاعد في الانتخابات الأخيرة، وهو صاحب أكثر موقف متشدد من الصفقة الحالية، وترجح الاستطلاعات بأن حجمه في تزايد وقد يصل ما بين 6-8 مقاعد.

يدعو إيتمار بن غفير إلى إعادة احتلال القطاع بالكامل، مشدداً على ضرورة أن تكون إسرائيل هي المسيطرة الوحيدة عليه. كما يطالب بإعادة بناء المستوطنات اليهودية في مناطق مثل غوش قطيف، التي تم إخلاؤها في العام 2005، مؤكداً أن وجود المستوطنات يعزز الأمن الإسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك، يقترح بن غفير تشجيع الهجرة الطوعية للفلسطينيين من غزة، من خلال تقديم حوافز مالية لهم بالتعاون مع دول عربية. وقد أشار إلى أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يظهر "بعض الانفتاح" تجاه هذه الفكرة. وفيما يتعلق بحركة حماس والسلطة الفلسطينية، يعارض بن غفير بشدة أي دور لهما في إدارة قطاع غزة بعد الحرب، داعياً إلى اتخاذ إجراءات عسكرية حاسمة ضد حماس ورافضاً أي مفاوضات معها.

  1. بيني غانتس: "المعسكر الرسمي"

حصل هذا الحزب في الانتخابات الأخيرة على 12 مقعداً، وتمنحه الاستطلاعات الأخيرة حجماً يتراوح ما بين 9-11 مقعداً.

موقف بيني غانتس وحزب "المعسكر الرسمي" بشأن "اليوم التالي" في قطاع غزة يرتكز على عدة مبادئ رئيسة، تشمل رفض بقاء حركة حماس في الحكم، واستبعاد عودة السلطة الفلسطينية إلى السيطرة على غزة بصيغتها الحالية، وضمان حرية العمل الأمني لإسرائيل، إضافة إلى إقامة "حيّز أمني" يمنع عودة "التهديدات الإرهابية" من القطاع. كما يؤكد غانتس على ضرورة إشراك جهات دولية وعربية في إدارة غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية.

أما في ما يتعلق بإدارة غزة مستقبلاً، فقد أبدى غانتس دعمه لإنشاء "سلطة محلية غير إرهابية" تضم جهات فلسطينية، لكن تحت إشراف دولي وعربي. في كلمة ألقاها أمام أعضاء "المعسكر الرسمي" في 12 كانون الأول 2023، أكد أن "اليوم التالي يجب أن يشمل جهات دولية، دولاً عربية معتدلة، وعناصر فلسطينية غير مرتبطة بالإرهاب."

غانتس أوضح أيضاً أن إسرائيل ستحافظ على حرية العمل الأمني داخل غزة، وفق نموذج شبيه بالضفة الغربية. ففي تشرين الثاني 2023، قال: "لا يمكننا السماح بعودة تهديد إرهابي جديد، لذلك سنضمن حرية العمل الأمني في غزة، كما نفعل في يهودا والسامرة." (الضفة الغربيّة)

وعلى الرغم من تصاعد الدعوات من اليمين الإسرائيلي، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، لإعادة المستوطنات إلى غزة، لم يُبدِ غانتس دعماً لهذا التوجه. كما أكد أن إسرائيل لا تسعى إلى فرض سيطرة مدنية على القطاع، قائلاً في مقابلة مع "أخبار 12" في كانون الأول 2023: "لا مصلحة لنا في السيطرة على حياة مليوني فلسطيني في غزة، لكننا لن نسمح بأن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر 2023."

  1. يائير لبيد: حزب "يوجد مستقبل"

تراجع حجم وأهمية هذا الحزب بشكل ملحوظ خلال الحرب. في انتخابات العام 2022 حصل لبيد على 24 مقعداً، وتمنحه الاستطلاعات الأخيرة حجما ضئيلا يتراوح ما بين 7-9 مقاعد.

يرى يائير لبيد أن السبيل الوحيد لإنهاء حكم حركة حماس في قطاع غزة وتحقيق الأمن الإقليمي هو من خلال صفقة دبلوماسية واسعة النطاق تشمل اللاعبين الإقليميين، بما في ذلك السلطة الفلسطينية. في مؤتمر عُقد في تل أبيب، صرّح لبيد قائلاً: "إذا لم تشرع إسرائيل في عملية دبلوماسية كبيرة، فإن حماس ستعود ببساطة إلى حكم غزة، وسنفوت فرصة تاريخية". وأضاف أن رفض الحكومة الإسرائيلية الحالية إشراك السلطة الفلسطينية في غزة يؤدي إلى بقاء حماس كسلطة حاكمة في القطاع، مشدداً على ضرورة وجود بديل لمنع استمرار حكم الحركة.

في ما يتعلق بالاستيطان والسيطرة الإسرائيلية على غزة، لم يُظهر لبيد دعماً لإعادة المستوطنات إلى القطاع أو فرض سيطرة مدنية إسرائيلية مباشرة عليه. وهو يركز بدلاً من ذلك على ضمان أمن إسرائيل وإعادة إعمار غزة من خلال المشاركة الدولية والإقليمية.

  1. يائير غولان: "الديمقراطيون"

في الانتخابات الأخيرة حصل حزب العمل على 4 مقاعد فقط بينما فشل حزب ميرتس اليساري في اجتياز نسبة الحسم. بعد اندماج الحزبين في العام 2023 تحت اسم "الديمقراطيين" تقدر الاستطلاعات بأن حجمهما معاً يتجاوز 10 مقاعد، وقد يصل إلى 17 مقعداً.

بالنسبة ليائير غولان، رئيس الحزب، فإن الوضع في قطاع غزة لا يتعلق فقط بالأمن، بل يشمل أيضاً ضرورة إنهاء دائرة العنف ومعالجة المسألة الفلسطينية (وإن كان هذا الخطاب لا يزال حاضراً بخجل). ويتفق "الديمقراطيون" الذين تشكلوا بعد دمج حزب العمل مع حزب ميرتس ضمن حزب يصف نفسه باليسار- الوسط، على ضرورة نزع سلاح حماس، لكنهم يجادلون بأن القصف المتكرر لغزة لن يحقق سلاماً طويل الأمد. وفي شباط 2024، قال غولان: "لا يمكنك قصف طريقك نحو السلام. ما لم نعالج الأسباب الجذرية للصراع، سنظل عالقين في حرب لا تنتهي"، ويؤكد أن الحصار والاحتلال يجب أن ينتهيا لتحقيق أي حل حقيقي.

الخيار الأفضل حسب "الديمقراطيين" هو حكومة فلسطينية موحدة تحكم كلاً من غزة والضفة الغربية، مع السعي في النهاية نحو حل الدولتين. ويرون أن السلطة الفلسطينية يجب أن تلعب دوراً، لكنها بحاجة إلى إصلاحات لتصبح أكثر ديمقراطية وشفافية.

يعارض اليسار بشدة المستوطنات اليهودية في غزة، واصفاً إياها بأنها "غير قانونية وتشكل خطراً على أي أمل في السلام". كما يدعو إلى مشاركة دولية قوية، خاصة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، في إعادة إعمار غزة وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان. وعلى عكس الأحزاب الأخرى، يجادل بأن إعادة الإعمار يجب أن تبدأ فوراً، دون شروط سياسية. وفي شباط 2024، شدّد غولان على ذلك بقوله: "لا يمكن احتجاز مليوني شخص في غزة كرهائن بينما يتجادل السياسيون حول المستقبل. المساعدات الإنسانية يجب أن تكون الأولوية".

  1. أفيغدور ليبرمان: حزب "إسرائيل بيتنا"

حصل هذا الحزب على 6 مقاعد في انتخابات 2022، وتقدر الاستطلاعات حجمه اليوم بحوالي 12-14 مقعداً.

قدم أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، خطته لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، مؤكداً على خمسة إجراءات رئيسية: 1) إيقاف تام لتوريد الكهرباء والمياه والوقود من إسرائيل وإغلاق جميع المعابر، مع تحويل الاعتماد على مصر عبر معبر رفح وميناء العريش. 2) تنفيذ عمليات عسكرية استباقية داخل غزة كما في الضفة الغربية، مع استهداف قادة ومقاتلي حماس بدون تمييز. 3) إنشاء "محور أمني" داخل قطاع غزة بعمق كيلومتر، مع تهديد كل من يتجاوزه. 4) منع أي تعامل مع الأونروا داخل إسرائيل وطرح قانون لإعلانها كمنظمة إرهابية. 5) رفض تولي إسرائيل إدارة القطاع، مع دعوة المجتمع الدولي، خاصة مصر والجامعة العربية، لتولي هذه المهمة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات