المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
إحدى اللافتات الاستيطانية الترهيبية. (فيسبوك)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 40
  • ياسر مناع

على الطريق الواصل بين مدينتي رام الله ونابلس، وتحديداً بعد مستوطنة شيلو، تستوقفك لافتة ضخمة كُتب عليها باللغة العربية: "لا مستقبل لكم في فلسطين"! هذه اللافتة ليست الوحيدة، بل تُنشر نسخ منها في أماكن متفرقة من الضفة الغربية، لا سيما على الطرق الرئيسة المحاذية للمستوطنات الإسرائيلية والتي يعبرها الفلسطينيون يومياً. هذه المشاهد الاستفزازية تثير تساؤلات حول هوية من يقف وراءها والدوافع الكامنة وراء نشر هذه الرسائل التحريضية.

من خلال البحث، يتضح أن هذه اللافتات هي جزء من حملة تقودها منظمة استيطانية تُدعى "نقاتل من أجل الحياة"، التي تسعى لتعزيز مشروعها الاستيطاني عبر أساليب نفسية وعملية. في هذا المقال، سنتناول مضمون هذه اللافتات وأهدافها المعلنة والمستترة، بالإضافة إلى استعراض طبيعة المنظمة الاستيطانية التي تقف وراءها، وأساليبها الدعائية والأدوات التي توظفها لتحقيق رؤيتها، في سياق صراع عسكري، سياسي وفكري يحتدم على الأرض.

هوية المنظمة الاستيطانية

هيئة "نقاتل من أجل الحياة" واحدة من المنظمات اليمينية الاستيطانية التي تنشط في شمال الضفة الغربية، وهي تعكس توجهاً أيديولوجياً يتمحور حول تكريس السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية ورفض فكرة إقامة دولة فلسطينية. تأسست هذه المنظمة منذ العام 2022، ومنذ ذلك الحين تبنت استراتيجية متعددة الأبعاد تهدف إلى تحقيق أهدافها، كان أبرزها حملة دعائية مثيرة للجدل تضمنت وضع لافتات على الطرق الرئيسية تحمل عبارة "لا مستقبل بفلسطين" باللغة العربية، إلى جانب صور تظهر سكان غزة وهم يغادرون مناطقهم.[1]

تنطلق "نقاتل من أجل الحياة" من أيديولوجيا يمينية ترى أن الشعب الإسرائيلي يجب أن يحكم كافة "أرض إسرائيل"، بما يشمل الضفة الغربية. وترى المنظمة أن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ليس مجرد صراع جغرافي أو سياسي، بل هو صراع روحي ومصيري يرتبط ببقاء الشعب اليهودي وأمنه. وفقاً لهذه المنطلقات، تعارض المنظمة بشدة أي مفاوضات أو تسويات سياسية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، معتبرة أن مثل هذه الخطوات تهدد أمن إسرائيل ومستقبلها.[2]

هدف المنظمة: إنهاء الوجود الفلسطيني

تهدف "نقاتل من أجل الحياة" إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تخدم رؤيتها الأيديولوجية. أولاً، تسعى المنظمة إلى تعزيز الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية باعتباره أداة لتثبيت السيطرة الإسرائيلية ومنع أي احتمال لتقسيم الأراضي. ثانياً، تعمل المنظمة على مواجهة ما تصفه بـ"الإرهاب الفلسطيني"، من خلال أنشطة ميدانية وجمع معلومات استخباراتية، وتوجيه المستوطنين لتحمل مسؤولية أمنهم بأنفسهم. ثالثاً، تسعى المنظمة إلى تثبيط الأمل لدى الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة، وتشجيعهم على الهجرة من خلال حملات دعائية تسلط الضوء على ما تسميه "لا مستقبل بفلسطين".[3]

تتميز أنشطة المنظمة بتركيزها على الجانب الدعائي والعملي أيضاً[4]. حيث كانت حملة اللافتات التي وضعت على الطرق الرئيسة في الضفة الغربية من أبرز أنشطتها، حيث حملت عبارة "لا مستقبل بفلسطين"، واستهدفت تقويض أي آمال لدى الفلسطينيين بإمكانية إقامة دولة مستقلة.

 كما تنظم المنظمة احتجاجات ميدانية، مثل إغلاق الطرق أمام الفلسطينيين، في محاولة للضغط على الفلسطينيين وعرقلة سير حياتهم؛ كنوع من العقاب الجماعي.[5] علاوة على ذلك، تحث المنظمة المستوطنين على تحمل مسؤولية أمنهم الذاتي من خلال تنظيم دوريات استباقية والتصدي لمحاولات العمليات الفدائية. ومن أبرز رسائلها، تلك التي جاءت تحت عنوان: "إذا ألقيت عليك حجارة - لا تهرب"، حيث تدعو المستوطنين إلى الثبات وعدم الفرار أثناء تعرضهم للرشق بالحجارة. وتنطلق هذه الدعوة من مبدأ أن التهديدات الأمنية لا ينبغي التراجع أمامها، بل يجب مواجهتها والقضاء عليها[6].

على الصعيد السياسي، تمارس المنظمة ضغوطاً على الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ إجراءات مشددة ضد الفلسطينيين. من بين مطالبها البارزة، في 14 كانون الثاني 2024، وجّهت المنظمة رسالة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس جهاز الشاباك، محذرة من مخاطر ما وصفته بسياسة "المال مقابل الهدوء" التي تتبناها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وأكدت الرسالة على ضرورة وقف دخول العمال الفلسطينيين، مستندة إلى مزاعم بأن وجودهم يُستغل من قبل الفصائل الفلسطينية لجمع معلومات استخباراتية. وتستشهد في هذا السياق بهجوم حركة حماس المفاجئ في 7 أكتوبر، زاعمة أنه استند إلى معلومات تم جمعها من قبل عمال فلسطينيين.[7]

كذلك طالبت الرسالة، بوقف تحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية ما قد يؤدي إلى تصعيد أمني واسع النطاق، مشيرة إلى أن الرواتب التي تقدمها السلطة الفلسطينية لعائلات منفذي العمليات أصبحت دافعاً رئيساً للعمليات الفردية، فضلاً عن توفير بيئة حاضنة للمقاومة. وأضافت أن هذه الأموال لا تقتصر على تمويل العمليات الفردية، بل تُستخدم أيضاً لدعم حركة حماس، حيث يتمتع نشطاء الحركة بتأمين مالي من السلطة الفلسطينية. كما أشارت إلى تكريم قادة السلطة الفلسطينية لنشطاء المقاومة، معتبرين ذلك تشجيعاً غير مباشر على استمرار الهجمات وتصعيد العنف.

تعكس هذه الدعوات استراتيجية أعمق تهدف إلى تحقيق عزلة اقتصادية واجتماعية للفلسطينيين، في مسعى لإضعاف وجودهم، ما يعزز الضغط عليهم للهجرة.

وبرز في قيادة "نقاتل من أجل الحياة" الحاخام مناحيم بن شاحر ويديديا عسيس، وكلاهما من مستوطنة يتسهار، المعروفة بأنها معقل للتيار الاستيطاني. يتمتع الحاخام بن شاحر بنفوذ كبير في أوساط المستوطنين، حيث يتولى رئاسة مدرسة "يشيفات حومش". وقد ظهر بتاريخ 24 آذار 2023 في مقطع فيديو على موقع يوتيوب يدعو فيه إلى حرق وتدمير قرية حوارة جنوب نابلس، إضافة إلى جميع المناطق التي تشهد مقاومة. كما طالب بإغلاق كافة المساجد في الضفة الغربية قبل حلول شهر رمضان من العام نفسه.[8]

أما يديديا عسيس، فقد لعب دوراً مركزياً في تنظيم الاحتجاجات وإدارة الحملات الميدانية التي تهدف إلى معارضة السياسات الأمنية التي يتبعها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.[9]

أداة دعائية لتحطيم الأمل الفلسطيني

تشكل حملة اللافتات التي أطلقتها المنظمة إحدى أبرز أدواتها الدعائية، حيث تمثل هذه اللافتات جزءاً من استراتيجية نفسية وسياسية تهدف إلى التأثير على الروح المعنوية للمجتمع الفلسطيني. تضمنت اللافتات عبارات مثل "لا مستقبل في فلسطين"، مكتوبة باللغة العربية، إلى جانب صور تُظهر سكان غزة وهم يغادرون مناطقهم. وضعت هذه اللافتات بعد السابع من أكتوبر 2023 على الطرق الرئيسة في الضفة الغربية، ما يجعلها ظاهرة يومية للفلسطينيين الذين يمرون عبر هذه الطرق، ويواجهون رسائل مباشرة تستهدف تقويض إيمانهم بوجود مستقبل سياسي أو اقتصادي لهم في وطنهم.

تسعى الحملة لتحقيق أهداف متعددة، بعضها مباشر والآخر ضمني. أولاً، تهدف اللافتات إلى زرع الشعور باليأس لدى الفلسطينيين، حيث تسلط الضوء على ما تصفه المنظمة بأنه "استحالة إقامة دولة فلسطينية مستقلة".

وجاء على لسان أحد نشطاء المنظمة في مقابلة مع موقع القناة السابعة: "لأعوام تم تضليل العرب بأن هناك إمكانية لإقامة دولة فلسطينية، ما أعطاهم الأمل ودفعهم لتنفيذ عمليات فدائية، في العام الأخير لاحظنا في الضفة الغربية تزايد أعداد العرب الذين يقررون الهجرة إلى الخارج أو يفكرون في ذلك علناً، بعد أن أدركوا أن الشعب الإسرائيلي قرر عدم إقامة دولة فلسطينية"[10]. تأتي هذه الرسائل كجزء من رؤية أيديولوجية صهيونية تسعى لتثبيت فكرة أن السيطرة الإسرائيلية على كامل الأراضي هي حقيقة نهائية وغير قابلة للتفاوض.

ثانياً، تسعى اللافتات إلى تشجيع الهجرة الفلسطينية من خلال تقديم صورة مظلمة للمستقبل في فلسطين. إذ تظهر الرسائل وكأنها تقول للفلسطينيين إن الخيار الوحيد المتاح لهم هو المغادرة والبحث عن حياة أفضل في أماكن أخرى، وهو ما يتماشى مع أهداف المنظمة لتقليل التواجد الفلسطيني في المنطقة وتعزيز الهيمنة الديموغرافية للمستوطنين.[11]

ثالثاً، تحمل الحملة رسالة موجهة إلى المجتمع الإسرائيلي أيضاً، حيث تعمل على تعزيز السردية القائلة بعدم إمكانية التعايش مع الفلسطينيين. تأتي هذه الحملة بعد أحداث مثل 7 أكتوبر 2023، حيث صرحت المنظمة بأن "لا يمكن العيش بجانب عدو"، في محاولة لتبرير سياستها التي تعتمد على الاستيطان والطرد كوسائل للحفاظ على أمن المستوطنين.

على المستوى النفسي، تمثل اللافتات محاولة واضحة للتأثير على الروح المعنوية للفلسطينيين من خلال تقويض الأمل وزرع الشعور بعدم جدوى الاستمرار في المقاومة أو التمسك بأرضهم. تسعى المنظمة إلى خلق بيئة نفسية تعزز الإحباط وتجعل فكرة الهجرة خياراً منطقياً للكثيرين، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية والميدانية التي يواجهها الفلسطينيون.

أما على المستوى السياسي، فتظهر هذه الحملة خطاب اليمين الاستيطاني الإسرائيلي الذي بات يستخدام الأدوات الدعائية بشكل أكثر وضوحاً. اللافتات ليست مجرد أدوات تواصلية، بل هي جزء من استراتيجية تهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، حيث يتم استخدامها كوسيلة لتعزيز الخطاب الاستيطاني الذي يرفض فكرة حل الدولتين أو إقامة أي كيان سياسي فلسطيني.

 

[1] أفيجيل زايت. "لا مستقبل في فلسطين": حملة تشجيع الهجرة تثير الجدل بين الفلسطينيين"، مكور ريشون، 11.12.2024، للمزيد أنظر/ي https://www.makorrishon.co.il/news/801722/

[2] المصدر السابق.

[3] شلومي هلر. "لا مستقبل في فلسطين": حملة تشجيع الهجرة تثير الجدل بين الفلسطينيين"، موقع I24. 11.12.2024، للمزيد أنظر/ي https://www.i24news.tv/he/news/news/defense-news/artc-9d5938b6

[4] اليوتيوب. "نقاتل من أجل الحياة". للمزيد أنظر/ي https://www.youtube.com/watch?v=5tdixskxCtg&t=6s

[5] القناة 7. "سنفرض حصاراً على نابلس"، 31.05.2024، للمزيد أنظر/ي https://www.inn.co.il/flashes/995581

[6] تسفيكا سيغال. "الرسالة الاستثنائية الموجهة للسكان: "إذا أُلقي عليك حجر - لا تهرب"، بحدري حريديم، 19.06.2024، للمزيد أنظر/ي https://www.bhol.co.il/news/1665803

[7] كول يهودي. "هيئة "نقاتل من أجل الحياة" يحذر: "التجاهل سينتهي بكارثة"، 15.01.2024، للمزيد انظر/ي https://2u.pw/GMNTN74R

[8] اليوتيوب، "سؤال وجواب مع الحاخام مناحم بن شاحر، رئيس مدرسة يشيفات حومش: لماذا يجب محو حوارة وكيفية القيام بذلك ومن سيقوم به؟"، للمزيد أنظر/ي https://www.youtube.com/watch?v=a_xx7f-liDM

[9] سوراغيم. "محاولة للإسكات"، 09.04.2024، للمزيد أنظر/ي https://linksshortcut.com/BJoWD

[10] القناة السابعة، "لا مستقبل في فلسطين": حملة تشجيع الهجرة تثير الجدل بين الفلسطينيين"، 11.12.2024، للمزيد أنظر/ي https://www.inn.co.il/news/655844

[11] أفيجيل زايت، مصدر سبق ذكره.

المصطلحات المستخدمة:

مكور ريشون, القناة السابعة, دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات