المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو يحضر جلسة في إطار محاكمته بتهمة الفساد في محكمة بتل أبيب يوم 27 كانون الثاني الماضي. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 26
  • سليم سلامة

 لا يزال القلق يُحكم قبضته على الإسرائيليين في كل ما يتعلق بمستقبل النظام الديمقراطي في دولة إسرائيل في المدى المنظور، إذ لا تزال درجة التفاؤل بينهم حيال هذا الأمر مستقرة عند مستواها المتدني منذ ما يزيد عن نصف عام على خلفية فضائح الفساد الإداري والسلطوي عموماً واستمرار محاكمة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، منذ نحو 5 أعوام، في عدد من تهم الفساد الخطيرة خصوصاً، إلى جانب استئناف الائتلاف البرلماني الحاكم مساعيه بقوة كبيرة لإنجاز سنّ عدد من القوانين الأساسية التي تشكل صُلب وجوهر "برنامج الإصلاح القضائي" الذي أطلقه هذا الائتلاف في بداية ولايته الحالية، عقب الانتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي، ثم اضطر إلى الفرملة وعدم التقدم فيه بسبب حملات الاحتجاج الشعبي الواسعة التي عمّت إسرائيل، ثم بسبب حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة ابتداء من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وعلى مدار 15 شهراً متواصلة.

لكن، في مقابل ذلك، يظهر تحسن تدريجي ملحوظ ومستمر في مستوى تفاؤل الإسرائيليين حيال مستقبل الأمن القومي الإسرائيلي في المدى المنظور، وذلك بتأثير ما حققته إسرائيل من "إنجازات" عسكرية ـ إبادية ـ تدميرية في قطاع غزة، وفي جنوب لبنان لاحقاً، ثم احتلالها مساحات واسعة من الأراضي السورية وسط استغلال حالة الفوضى التي رافقت انهيار الجيش السوري وفرار رأس النظام، بشار الأسد.

هذا ما تُبيّنه نتائج استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الأخير، لشهر كانون الأول الماضي، الأخير من العام 2024 المنتهي، والتي نُشرت في منتصف شهر كانون الثاني الجاري. وطبقاً لهذه النتائج، فإنّ 59,2 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع (و57,1 بالمائة من المشاركين اليهود و69,3 بالمائة من المشاركين العرب) يعبّرون عن "تشاؤم عميق" و"تشاؤم عميق جداً" بشأن مستقبل النظام الديمقراطي الإسرائيلي في المدى المنظور، بينما لا يعبر عن تفاؤل ("كبير" أو "كبير جداً") سوى 37,4 بالمائة من مجمل المشاركين (و39,4 بالمائة من المشاركين اليهود و27,4 بالمائة من المشاركين العرب. أما المتفائلون بشأن مستقبل الأمن القومي الإسرائيلي في المدى المنظور فيشكلون 50,7 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و56,3 بالمائة من المشاركين اليهود و23,1 بالمائة من المشاركين العرب، مقابل المتشائمين ("كثيراً" أو "كثيراً جداً") الذين يشكلون 45,3 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و39 بالمائة من المشاركين اليهود و75,4 بالمائة من المشاركين العرب.

والمعروف أنّ "مؤشر الصوت الإسرائيلي" هو الاستطلاع الذي يجريه "مركز فيطربي للرأي العام والسياسات في إسرائيل " (في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" وكجزء منه) مرة كل شهر، ابتداء من نيسان 2019. وقد شمل استطلاع المؤشر لشهر كانون الأول الأخير عينة من المستطلَعين تألفت من 750 شخصاً من الذكور والإناث (600 منهم من اليهود و150 من العرب، في سن 18 سنة وما فوق) جرى استطلاعُ آرائهم خلال ثلاثة أيام ـ من الخامس حتى الثامن من شهر كانون الثاني الحالي. وتناول هذا الاستطلاع، كالمعتاد في كل شهر، مجموعة هي الأبرز من القضايا والأسئلة المطروحة على جدول الأعمال الإسرائيلي العام وتشكل القضايا المركزية التي يتداولها الإعلام الإسرائيلي بكثافة عالية خلال الفترة الأخيرة، وأبرزها: المزاج القومي العام ـ مستقبل النظام الديمقراطي في إسرائيل ومستقبل الأمن القومي الإسرائيلي؛ وضع دولة إسرائيل الاقتصادي (في أعقاب حرب الإبادة التدميرية التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفسطيني في قطاع غزة على مدى 14 شهراً، بموازاة حرب "هادئة" في الضفة الغربية بدأت تتصاعد حدتها وشراستها خلال الأسابيع الأخيرة بشكل خاص)؛ العودة إلى الحياة الروتينية الاعتيادية في إسرائيل؛ تأثيرات وتداعيات الوضع الراهن في سورية على دولة إسرائيل وما هو مستقبل "التواجد" (الاحتلال!) الإسرائيلي في ما تسميها إسرائيل "المناطق العازلة"؛ صفقة تحرير المخطوفات والمخطوفين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة؛ قانون تجنيد الشبان الحريديم في الجيش الإسرائيلي والمصادقة على الميزانية العامة للدولة للعامين المقبلين؛ الارتفاع المتوقع، بل المؤكد حتماً (في أعقاب الحرب إياها ونتيجة لها، بالطبع)، في غلاء المعيشة في إسرائيل؛ احتمالات عقد "صفقة ادعاء" مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في التهم الجنائية التي تجري محاكمته بشأنها منذ نحو 5 أعوام من دون أن تظهر في الأفق أية بوادر أو مؤشرات إلى نهايتها القريبة.

وضع إسرائيل العام و"صفقة ادعاء" لإنهاء محاكمة نتنياهو

 

على خلفية التحسن الذي يعتقد الإسرائيليون بأنه قد تحقق في الوضع الأمني، محلياً وفي المنطقة، في ضوء ما حققته إسرائيل خلال العام الماضي من "إنجازات" عسكرية، كما ذكرنا أعلاه، وما تبع ذلك من عودة الحياة في داخل إسرائيل إلى مجراها الطبيعي، تقريباً، واستقرار روتين الحياة المدنية فيها، تأتي نتائج هذا الاستطلاع لتعكس انحفاضاً جدياً في نسبة الإسرائيليين الذين يقيّمون وضع دولة إسرائيل حالياً بأنه "سيء" أو "سيء جداً" (45,9 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 40,8 بالمائة من المشاركين اليهود و70,7 بالمائة من المشاركين العرب)، مقابل ارتفاع معتدل في نسبة الذين يقيّمون وضع الدولة بأنه "جيد" أو "جيد جداً" (23,1 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 24,6 بالمائة من المشاركين اليهود و15,9 بالمائة من المشاركين العرب). مقابل هؤلاء جميعاً، تُبيّن النتائج أنّ 30,8 بالمائة من مجمل المشاركين و34,4 من المشاركين اليهود و13,4 بالمائة من المشاركين العرب يعتقدون بأن وضع إسرائيل اليوم هو "متوسط".

تبين هذه النتائج حجم الفجوة في تقييم وضع دولة إسرائيل اليوم بين اليهود والعرب المواطنين في إسرائيل. فرغم أن أقلية فقط من كل واحد من الجمهورين تعتقد بأنّ وضع إسرائيل اليوم هو "جيد" أو "جيد جداً"، إلا أن نسبة هؤلاء (الأقلية) بين اليهود هي أكبر بشكل واضح من نسبتهم بين العرب (25 بالمائة مقابل 16 بالمائة، على التوالي). أما نسبة الذين يقيّمون وضع دولة إسرائيل اليوم بأنه "متوسط"، فهي بين اليهود أعلى منها بكثير بين العرب (34 بالمائة مقابل 13 بالمائة فقط، على التوالي). والعكس تماماً هو الصحيح في نسبة الذين يقيّمون وضع دولة إسرائيل اليوم بأنه "سيء" أو "سيء جداً" ـ 71 بالمائة بين العرب مقابل 41 بالمائة بين اليهود.

في الإجمال، يمكن القول إن نتائج الاستطلاع في الأسئلة الثلاثة الأولى السالف عرضُها أعلاه (مستقبل النظام الديمقراطي، مستقبل الأمن القومي ووضع دولة إسرائيل) ترسم صورة واضحة في مدى سلبيتها الشديدة كما يراها المواطنون العرب في دولة إسرائيل، مقابل صورة أقل قتامة وسلبية بكثير بين المواطنين اليهود. غير أنّ تحليل هذه النتائج الخاصة بالجمهور اليهودي بحسب الانتماءات السياسية ـ الحزبية يقود إلى الاستنتاج بأنّ صورة الوضع في نظر اليهود الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من "معسكر اليسار ـ الوسط" الإسرائيلي هي أقرب بكثير إلى صورة الوضع في نظر المواطنين العرب، منها إلى صورة الوضع في نظر اليهود المنتمين إلى معسكر اليمين.

استكمالاً لهذه الصورة التي يحاول استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الأخير رسمها حول الوضع في إسرائيل حالياً وفي المدى المنظور، من خلال الأسئلة المذكورة وإجابات المستطلَعَة آراؤهم عليها، يطرح عليهم هذا الاستطلاع سؤالاً آخر، جديداً مكوّناً من شقّين اثنين، هو: بشكل عام، كيف سيكون العام 2025، حسب رأيك؟ أمّا شِقّا هذا السؤال فهما: أ ـ عليك أنت، شخصياً؟ ب ـ على دولة إسرائيل؟

على الشق الأول، يجيب 65,8 من مجمل المشاركين في الاستطلاع و68,8 بالمائة من المشاركين اليهود فيه و51,2 بالمائة من المشاركين العرب بأنّ العام الجديد (2025) سيكون "جيداً" أو "جيداً جداً" عليهم شخصياً، مقابل 25 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و22,1 بالمائة من المشاركين اليهود و38,9 بالمائة من المشاركين العرب يقولون إن العام الجديد سيكون "ليس جيداً" أو "ليس جيداً بالمرّة" عليهم شخصياً.

أما على الشق الثاني، فقد أتت الإجابات مختلفة تماماً. فقد قال 50 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع إن العام الجديد سيكون "غير جيد" أو "غير جيد، بالمرة" على دولة إسرائيل. وهذا ما قاله، أيضاً، 39,3 بالمائة من المشاركين اليهود و61,5 بالمائة من المشاركين العرب. في المقابل، قال 41,2 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع إن العام الجديد سيكون "جيداً" أو "جيداً جداً" على دولة إسرائيل، وهو ما قاله، أيضاً، 46,1 بالمائة من المشاركين اليهود و28,6 بالمائة من المشاركين العرب.

ومع استمرار محاكمة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، التي ستدخل في عامها السادس على التوالي قريباً (بدأت، رسمياً، في 24/5/2020. وهذا أمر غير مسبوق في تاريخ دولة إسرائيل، أن تستمر محاكمة جنائية مثل هذا الوقت الطويل جداً وبشكل غير معقول، الأمر الذي يتنافي مع أحكام قانون الإجراءات الجنائية التي تقضي بضرورة إدارة المحاكمة الجنائية بصورة يومية وإنهائها في أقصر مدة ممكنة)، سأل استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" المشاركين فيه عمّا إذا كانوا يتفقون مع الرأي القائل بأنه ينبغي إنهاء هذه المحاكمة/ المهزلة التي تعود بضرر جسيم على مبدأ "المساواة أمام القانون" وعلى ثقة الجمهور بالجهاز القضائي، وذلك من خلال التوصل إلى "صفقة ادعاء" يُمنَح نتنياهو بموجبها عفواً فورياً في مقابل اعترافه بالتهم الموجهة إليه واعتزاله الحياة السياسية.

ورداً على هذا السؤال، قال 39,6 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و36,1 بالمائة من المشاركين اليهود و56,6 بالمائة من المشاركين العرب إنهم "يوافقون" أو "يوافقون جداً" على ذلك، بينما قال 48,7 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و51,9 بالمائة من المشاركين اليهود و33 بالمائة من المشاركين العرب إنهم "يرفضون" أو "يرفضون قطعياً" مثل هذا "الحل".

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات