إجماع كتل الائتلاف ومعها كتل المعارضة الصهيونية في الكنيست، في الأسبوع الماضي، على قانون حظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، "الأونروا"، التابعة للأمم المتحدة، في المناطق الخاضعة لما تسمى "السيادة الإسرائيلية"، وهنا القصد القدس الشرقية المحتلة، وما ألحق بها من بلدات ومخيمات بعد احتلال العام 1967، يؤكد أن هذا الإجراء أبعد من مجريات الحرب على قطاع غزة،ومزاعم مشاركة عدد قليل من عاملي الوكالة في أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بل هو استغلال لما حدث، كي يتم تطبيق مشروع سياسي قائم منذ سنوات طويلة، وبلوره معهد تابع للوكالة الصهيونية، يقضي بإنهاء وجود وكالة "الأونروا"، بزعم أن وجودها، من زاوية رؤية إسرائيل والحركة الصهيونية، "يخلّد اللجوء الفلسطيني"، وبالتالي إبقاء القضية الفلسطينية.
نص القانونين وانعكاسهما المباشر
أقر الكنيست الإسرائيلي بأغلبية أصوات كتل الائتلاف والمعارضة الصهيونية، يوم 28 تشرين الأول 2024، مشروعي قانونين مترابطين. وينص القانون الأول على:
1. "هدف القانون منع كل نشاط لوكالة الأونروا، في مناطق دولة إسرائيل".
2. "لا تقيم الأونروا، ولا تشغل أي ممثلية لها، ولا تقدم أي خدمات، ولا أي نشاط، بشكل مباشر أو غير مباشر، في المنطقة السيادية لإسرائيل".
في حين يضع القانون الثاني إجراءات لتطبيق القانون الأول، وهي:
1. "الغاء المعاهدة القائمة بين إسرائيل ووكالة الأونروا، التي تم توقيعها يوم 14 حزيران 1967.
وزير الخارجية (الإسرائيلي) يبلغ الأمم المتحدة بانتهاء مفعول المعاهدة مع الأونروا، خلال 7 أيام من يوم إقرار هذا القانون.
2. يُحظر على أي سلطة من سلطات الدولة (الإسرائيلية)، بما في ذلك جهات ومؤسسات وأفراد، يتولون مهمات ومسؤوليات عامة بموجب القانون، إقامة أي تواصل مع الأونروا أو أي جهة من طرفها.
3. لا يوجد في تعليمات هذا القانون ما يمنع أي إجراءات جنائية ضد العاملين في وكالة الأونروا، بما في ذلك أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أو حرب "السيوف الحديدية" (الحرب على غزة)، أو أي اجراء جنائي بموجب قانون مكافحة الإرهاب- 2016 (الإسرائيلي)، أو ما يمنع القيام بإجراءات ضد هؤلاء العاملين".
وهذان القانونان هما دمج لعدة مشاريع قوانين قدمها أعضاء كنيست من الائتلاف والمعارضة، لكن أحد مشاريع القوانين هذه ينص على اعتبار وكالة "الأونروا" منظمة إرهابية، وبادرت لهذا القانون كتلة "إسرائيل بيتنا" المعارضة، بزعامة أفيغدور ليبرمان، وقد أقر بالقراءة التمهيدية قبل عدة أشهر، إلا أن هذا التعبير لم يتم شمله في القانونين اللذين تم إقرارهما، وكما يبدو بسبب ما يترتب على تعريف كهذا، مثل ملاحقة "الأونروا" أينما تواجدت في البلاد، وحتى العالم، وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة.
ويدخل هذان القانونان حيز التنفيذ بعد 90 يوما من نشرهما في الجريدة الرسمية، بمعنى التوقيع عليهما رسميا من رئيس الكنيست ورئيس الحكومة ورئيس الدولة، أي أنهما سيدخلان حيز التنفيذ في نهاية شهر كانون الثاني من العام المقبل.
نشير هنا إلى أن القانونين حظيا بتأييد 92 نائبا من كتل الائتلاف وغالبية كتل المعارضة الصهيونية، وهي "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، و"المعسكر الرسمي" بزعامة بيني غانتس، و"إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، في حين أن نواب كتلة حزب العمل الأربعة انسحبوا من جلسة التصويت على القانونين، لكن لم يصدر عن الحزب وكتلته البرلمانية، أي موقف معارض لهما.
الإجراء الأول سيكون إغلاق مكتب الوكالة في القدس الشرقية المحتلة، هذا إذا بقي مفتوحا ويعمل حتى ذلك اليوم، وحظر كل نشاط للوكالة، من مساعدة وإغاثة وتعليم غيره، بشكل خاص في مخيم شعفاط، وأيضا قلنديا، شمال القدس المحتلة، لكونهما باتا جزءا من المدينة بموجب قانون الضم في العام 1968.
لكن القانون يحظر على المؤسسات والأجهزة والجهات الإسرائيلية الرسمية والعامة أي تعامل وتعاون مع وكالة "الأونروا"، بمعنى أن هذا من المفترض أن يسري أيضا على جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يعني إلغاء كافة تسهيلات مرور عاملي الوكالة، وأيضا البضائع، وهناك من يتحدث عن إلغاء كافة الإعفاءات الضريبية الممنوحة للوكالة، بصفتها تابعة للأمم المتحدة، وهذا يعني عرقلة عمل الوكالة أيضا في هاتين المنطقتين المحتلتين.
مشروع سياسي سبق القانونين
ما بين العامين 2006 و2008 بلور ما يسمى "معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي"، التابع للوكالة الصهيونية، مشروعا سياسيا يهدف إلى إنهاء عمل وكالة "الأونروا" كليا في العالم، وليس فقط في إسرائيل، وبهدف أكبر، إنهاء قضية اللجوء الفلسطيني، وبالتالي إنهاء القضية الفلسطينية، كقضية أرض ووطن، من نظرة صهيونية وإسرائيلية.
وهذا المعهد الذي تأسس في السنوات الأولى من سنوات الألفين، وكان يترأس مجلس إدارته يوم إعداد ذلك المشروع، دينيس روس، المستشار السابق لرؤساء أميركان سابقين، يضع مشاريع استراتيجية أمام الحكومة الإسرائيلية، وأمام الوكالة الصهيونية ومنظمات تابعة لها في العالم.
وكانت تعمل على تركيز مشروع ضرب "الأونروا" في المعهد، عينات ويلف، التي انتخبت لعضوية الكنيست في انتخابات العام 2009، ضمن قائمة حزب العمل برئاسة إيهود باراك، في حينه، وظهر لاحقا أنها حملت معها المشروع إلى الكنيست، ومنه إلى حكومة بنيامين نتنياهو، التي كان شريكا فيها يومها حزب العمل. وخلال تلك الولاية البرلمانية، الـ 18، تبنى نتنياهو ذلك المشروع، لكن لم يظهر الأمر على الملأ كليا.
في مطلع العام 2011، بادر إيهود باراك إلى انشقاق في حزبه العمل، حينما أيقن أن غالبية الكتلة البرلمانية، وأيضا غالبية أعضاء المجلس العام للحزب، يؤيدون الخروج من حكومة نتنياهو. وشكّل باراك حزب "هعتسمؤوت" (الاستقلال) وكانت ويلف من فريقه.
في مراجعتنا لأحداث تلك الفترة، في ما يتعلق بموضوع وكالة "الأونروا"، فقد سعت النائبة ويلف، بموافقة رئيس حكومتها نتنياهو، ورئيس حزبها باراك، للضغط على الإدارة الأميركية، برئاسة باراك أوباما، من خلال منظمة "إيباك" الأميركية الصهيونية، لوقف التمويل الأميركي لوكالة "الأونروا"، من خلال سن قانون أميركي يُلزم بتغيير تعريف من هو لاجئ فلسطيني.
ففي منتصف العام 2012، كشف النقاب عن سعي ويلف ومنظمة "إيباك" لتعديل القانون الأميركي، بشكل يحدّد عدد اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948، وبهدف لاحق لقطع المساعدات عن الأبناء والأحفاد للضغط بهدف توطينهم في أماكن اللجوء، ما يلزم لجنة المساعدات الأميركية بالحصول على معلومات من "الأونروا" منذ العام 1948 في مخيمات اللجوء، وفصلهم عن الأبناء والأحفاد، في خطوة تمهيدية يهدف لها اللوبي الصهيوني، للضغط مستقبلا على وكالة الغوث، لقطع المساعدات عن الأبناء والأحفاد، لدفعهم على التوطن في أماكن اللجوء، حيث هم الآن.
لربما من المهم الإشارة إلى كيفية تغيّر السياسات الإسرائيلية، ففي تلك الأيام، قيل أيضا إن ويلف توجهت بداية إلى من كان مسؤول الدائرة السياسية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، الجنرال احتياط عاموس جلعاد، وهو من أبرز واضعي الاستراتيجيات السياسية العسكرية، وكانت له مكانة اعتبارية خاصة.
إلا أن جلعاد عارض مبادرة ويلف، وبحسب ما نشر في صحيفة "هآرتس" في حينه، قال جلعاد لويلف، برسالة في محاولة لثنيها عن محاولتها، إن ما تقومين به هو "خط أحمر"، لأنها خطوة تضرب "الأونروا". وكتب: "إن تقليص مشكلة اللاجئين الفلسطينيين هو مصلحة إسرائيلية واضحة، ولكن إلى جانب هذا، فإن الأونروا تقوم بمهمة هامة لتقديم المساعدات للجمهور الفلسطيني، ويجب عدم الإقدام على خطوات من شأنها ضرب هذه الخدمات، لأن استمرارها مصلحة إسرائيلية"، بمعنى أن جهات أخرى ستحل محل "الأونروا" لتقديم هذه الخدمات.
إلا أن ويلف لم تقبل بهذا الرد، ولذا توجهت إلى رئيس الحكومة نتنياهو الذي رحب بخطوتها، ومن بعده وزير الخارجية، في حينه، أفيغدور ليبرمان ومستشار نتنياهو يومها، رون ديرمر (حاليا وزير)، اللذين دعما هما أيضا الفكرة، وعلى أساس هذا الدعم، توجهت ويلف إلى الولايات المتحدة لعرض الفكرة على أحد النواب الأميركان، الذي تبنى الموضوع وطرحه كمشروع قانون على الكونغرس الذي أيده.
لكن هذا المشروع لم يتم في ظل إدارة الرئيس أوباما، حتى وصل إلى البيت الأبيض دونالد ترامب، وشرع في مطلع العام 2018 بضرب التمويل الأميركي للأونروا، إذ أعلن في حينه نيته خفض أو حتى وقف المساهمة الأميركية.
ونذكر قبل هذا حملة ترامب الانتخابية في الحزب الجمهوري، حينما دعا في منتصف آب 2015، إلى نقل الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى جزيرة بورتوريكو، من أجل بسط ما يسمى "إسرائيل الكبرى".
وفي الفترة نفسها، بمعنى أوائل العام 2018، كشف النقاب أيضا عن مخطط لحكومة بنيامين نتنياهو لطرد وكالة "الأونروا" من مدينة القدس الشرقية المحتلة، ونطاقها الذي حددته حكومة الاحتلال في العام 1967.
لاحقا، خلال إدارة جو بايدن الحالية، تم إعادة معظم التمويل الأميركي للأونروا، الذي يجب أن يكون بمقدار يفوق 250 مليون دولار سنويا، إلا أن الإدارة الأميركية جمّدت التمويل في العام 2024، بعد مزاعم الحكومة الإسرائيلية بمشاركة 12 موظفا في الوكالة، من أصل 13 ألف موظف فيها، في هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وخلال الحرب المستمرة شهدنا استهداف مدارس ومرافق تابعة للأونروا في قطاع غزة، بزعم ملاحقة وضرب المقاتلين الفلسطينيين.
الرد الدولي لا يوحي بفاعلية للضغط على إسرائيل
سبق سن القانونين تقارير إسرائيلية تحدثت عن أن التوجهات العالمية للحكومة الإسرائيلية كانت قد بدأت قبل سن القانونين بصيغتهما النهائية، ببضعة أيام، رغم أن مشاريع القوانين لهذا الغرض دخلت مسار التشريع منذ عدة أشهر. وكان اللافت أن الإدارة الأميركية اختارت التوجه للمعارضة البرلمانية، وبالذات لرئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، كي لا يعطي دعما للقانونين، إلا أن الأخير أكد رفضه لهذا التوجه، مشددا على أهمية مثل هذه القوانين بالنسبة لإسرائيل، بحسب ما نشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
كذلك كانت توجهات من الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، قبل وبعد سن القانونين، وبعث برسالة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يؤكد فيها أن قوانين كهذه ضد منظمة تابعة للأمم المتحدة فيها خرق لميثاق الأمم المتحدة.
وأعلنت النرويج نيتها التوجه للمحكمة الدولية ضد القانونين، رغم أنه ليس للمحكمة أي قدرة تنفيذية. وبموازاة كل هذا، صدرت بيانات من دول العالم، وعدد من الدول العربية، وأيضا جامعة الدول العربية، تندّد بهذا الإجراء القانوني.
إلا أن كل هذا لا يبدو أنه سيُثني الحكومة الإسرائيلية، ويجعلها تتراجع، وتطلب من الكنيست إلغاء القانونين أو حتى تجميدهما؛ خاصة على ضوء الإجماع الصهيوني حولهما، خاصة وأنه لم تظهر لدى الدول أو في أروقة الأمم المتحدة النيّة لاتخاذ إجراء ضد الحكومة الإسرائيلية بخرقها ميثاق الأمم المتحدة الذي وقعت عليه.
وستتجه الأنظار الآن إلى كيفية تطبيق هذين القانونين ومعالجة تبعاتهما، فإغلاق مكتب الوكالة في القدس سيكون أمرا مفروغا منه، لكن كيف سيتم التعامل مع المدارس التي تديرها الوكالة في مخيمي شعفاط وقلنديا، وغيرها من الأمور.
والأمر الأبرز في متابعة تطبيق هذين القانونين، هو كيفية تعامل سلطات الاحتلال الإسرائيلي وجيشها، مع عمل ونشاط وطواقم وكالة "الأونروا" في سائر أنحاء مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, هآرتس, باراك, الكتلة, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, يائير لبيد, أفيغدور ليبرمان