صدر عن معهد الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست الإسرائيلي مؤخراً بحث تمت كتابته بطلب من "لجنة الأمن القومي" البرلمانية. وهو يتناول، كما جاء في مقدمته، الشكاوى المتعلقة بالمخالفات التي يرتكبها رجال الشرطة (أثناء الخدمة أو خارج الخدمة) والجهات التي تتعامل معهم.
وهو يفصّل أن الجهات الرئيسة التي تتعامل مع الشرطة في الشكاوى هي: قسم التحقيقات مع عناصر الشرطة (ماحش) في النيابة العامة بوزارة العدل – وهو هيئة مستقلة تحقق في شبهات ارتكاب جرائم جنائية عقوبتها السجن لأكثر من عام، وتقدم الاتهامات كتابياً في الحالات التي وجدت مناسبة. الجهة الثانية هي: الإدارة التأديبية للشرطة – المخولة باتخاذ الإجراءات التأديبية والإدارية ضد عناصر الشرطة، وكذلك مخالفات القوانين الأخرى والمخالفات المتعلقة بالكفاءة المهنية للشرطة أو بالجوانب المهنية. أما الجهة الثالثة فهي وحدة شكاوى الجمهور في الشرطة، وهي هيئة تتعامل مع جميع شكاوى الجمهور بخصوص الشرطة؛ بعض هذه الشكاوى يتعلق بعناصر الشرطة.
سيتم التركيز هنا على الشكاوى التي قدّمت إلى قسم التحقيقات مع عناصر الشرطة (ماحش). وبموجب معطيات البحث في الأعوام 2019-2022 تم تقديم حوالى 4400-3250 شكوى لهذا القسم سنويا، ولا توجد بيانات عن معظمها من حيث تقسيمها حسب أنواع الجرائم. والتبرير هو أن "نظام الكمبيوتر الخاص بماحش لا يمكنه توفير مثل هذا التقسيم إلا في الحالات التي يتم فيها استجواب عنصر الشرطة مع تحذير، وهي الحالات القليلة".
عدد الشكاوى التي أغلقها ماحش عام 2022 أكبر مما تسّلمها!
بالإضافة إلى ذلك، تصل إلى ماحش كل عام العديد من التفاصيل التي تسمى "المواد الشرطية" – المعلومات التي تنقلها الشرطة وفيها شكاوى مواطنين تم التحقيق معهم ضد ضباط الشرطة. ماحش قال لمركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست إنه اتصل مع المواطنين الذين قدموا الشكاوى، لكن في معظم الحالات تم التنازل عن الشكاوى، وفي بعض الأحيان فقط وفي الحالات القصوى، أدت هذه المعلومات التي قدمتها الشرطة إلى إجراء تحقيق جنائي.
وبحسب البيانات التي قدمها ماحش إلى مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست، ففي العام 2022، تم تقديم 3249 شكوى ضد عناصر شرطة. تم التحقيق مع 468 عنصر شرطة مع إنذار وتم تقديم 69 لائحة اتهام جنائية، بعضها في ملفات تم فتحها في السنوات السابقة. كما تم إجراء تحقيق جنائي أولي في 1188 حالة - وهو إجراء يهدف إلى التأكد من الادعاءات الواردة في الشكوى أو لدحضها، والتحقق مما إذا كان هناك مجال للتحقيق مع إنذار. وتمت إحالة 384 قضية من ماحش إلى الإدارة التأديبية للشرطة – تم تحويل 351 منهم مع توصية بإخضاع عناصر الشرطة لإجراءات تأديبية، و33 منها تم إحالتها مع قرار بتقديم الشرطيين إلى محاكمة تأديبية. ويستدلّ من المعلومات أن جميع القضايا التي صدر بها قرار بمحاكمة تأديبية، كانت متعلقة بالعنف الذي ارتكبته عناصر الشرطة أثناء الخدمة.
كذلك، أحال ماحش في ذلك العام 739 قضية إلى وحدة شكاوى الجمهور في الشرطة، وأغلقت 366 قضية بادعاء أن ماحش لا يملك صلاحية التعامل معها، كما تم إغلاق 3365 قضية، بعضها تم فتحه في أعوام سابقة. ويتضح أن قسم التحقيقات عجز عن تقديم بيانات عن أسباب إغلاق جميع الملفات! وبالإضافة إلى الشكاوى المقدمة والبالغ عددها 3249 ففي العام 2022، تلقى أيضاً 1758 تفصيلاً من المواد الشرطية، والتي، كما ذكرنا، لا تؤدي عادةً إلى الإجراءات الجنائية.
ازدياد الشكاوى ضد الاستخدام غير القانوني للقوة من طرف الشرطة
في العام 2022، تم تقديم 1124 شكوى بشأن الاستخدام غير القانوني للقوة من طرف عناصر الشرطة. ويتضح أن نظام الكمبيوتر في ماحش لا يسمح بتوفير البيانات التي من شأنها توضيح عدد الحوادث التي وقعت أثناء "حصول اضطرابات" وما هي الوسائل التي تم استخدامها في استعمال القوة. ويدعي ماحش أن هناك نظام كمبيوتر قيد الإنشاء من شأنه أن يسمح بذلك مستقبلا.
لم يقم ماحش حتى الآن بجمع بيانات عن المجموعات السكانية التي ينتمي إليها المواطنون المشتكون. وقد انتهت مؤخراً في مكتب المدعي العام للدولة، عملية أجراها طاقم عمل لتصنيف المشتكين حسب مجموعات السكان – الأصل أو القومية. حاليا لم يتم الإعلان رسميا عن نتائج عمل الطاقم، لكن بحسب تقارير إعلامية هناك نية لجمع مثل هذه البيانات ونشرها.
الشكاوى الـ 1124 بشأن الاستخدام غير القانوني للقوة من قبل عناصر الشرطة، هي حوالى ثلث (34%) الشكاوى المقدمة لماحش (من أصل 3,249 شكوى).
هذه الشكاوى الإلكترونية التي تم تقديمها إلى ماحش، لا تشمل "المواد الشرطية" التي تم تحويلها إلى ماحش مباشرة من الشرطة على المسار الإداري. ويقول بحث معهد الكنيست إنه: يمكن الافتراض أن جزءاً كبيراً من المواد الشرطية يحتوي على شكاوى متعلقة بالاستخدام غير القانوني للقوة من طرف عناصر الشرطة.
ويتضح أن الشكاوى على الاستخدام غير القانوني للقوة من طرف عناصر الشرطة قد ارتفع بنسبة كبيرة العام 2022 قياساً بالأعوام السابقة. وهذه معلومات لم يقدمها ماحش من تلقاء نفسه، بل فقط بعد تقديم طلب حرية معلومات ضده. ووفقا للبيانات فقد تم خلال الأعوام 2017-2021 تقديم 4134 شكوى إلى ماحش تتعلق باستخدام القوة غير القانوني من قبل عناصر الشرطة، أي 827 شكوى سنويا في المتوسط، مما يعني أن عدد الشكاوى المقدمة في العام 2022 كان أكبر بنحو 36% من المتوسط في الأعوام الخمسة التي سبقته.
"لا معلومات" لدى ماحش عن ظروف استخدام القوة غير القانونية
حين يصل الأمر مرحلة لوائح الاتهام، يتضح أنه خلال الأعوام 2017-2021، تم تقديم 48 لائحة اتهام فقط على الاستخدام غير القانوني للقوة، أي حوالى 1% فقط من الشكاوى الـ 4134 التي قدمها مواطنون ضد عناصر شرطة. وعندما طلب مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست من ماحش بيانات تتيح معرفة عدد الأحداث التي تم فيها استخدام القوة غير القانونية أثناء "حصول اضطرابات" وما هو نوع الإجراء الذي استخدمته الشرطة (على سبيل المثال، استخدام خراطيم المياه أو الهراوات وما إلى ذلك،) - فقد أجاب ماحش بأن نظام الكمبيوتر الخاص به لا يستطيع توفير مثل هذه البيانات.
ويلاحظ البحث أن الاستخدام غير القانوني للقوة قد يكون مرتبطاً بمخالفة جنائية من تلك التي يحقق فيها ماحش، ولكن يتم اعتبارها على أنها مخالفة في المجال التأديبي التي يرتكبها عناصر الشرطة. لذلك فإن هذه المخالفات قد تتلقى علاجاً تأديبياً فقط وليس جنائياً.
يجب التنويه بأن ماحش قد أغلق تقريبا جميع الملفات التي كانت تتعلق بشكاوى لمواطنين عرب أو جهات عربية ضد عناصر في الشرطة، نفذت اعتداءات على خلفية عنصرية، ولكون المعتدى عليهم عرباً. فمثلا، أعلن قسم التحقيق مع الشرطة بتاريخ 23/11/2021، عن إغلاق ملف الشكاوى على الاعتداء على متظاهرين في أم الفحم في شباط 2021. بل كتب لمركز "عدالة" القانوني أنه لن يقوم بالتحقيق فيما يصفه المتظاهرون والمركز القانوني بالقمع الوحشي للمظاهرة والتي استخدمت الشرطة خلالها العنف المفرط لقمع المتظاهرين وأدت إلى إصابتهم بإصابات عديدة وخطيرة.
رفض الغالبية الساحقة من الشكاوى على التعامل العنصري للشرطة
بموازاة هذا، ففي الأعوام 2019-2022، عالجت وحدة شكاوى الجمهور في الشرطة 3069 توجهاً صنفت على أنها شكاوى ضد رجال الشرطة (في المتوسط 767 شكوى سنوياً). وأصدرت خلال هذه الأعوام 2984 قراراً بخصوص شكاوى ضد عناصر الشرطة، في وقت إنشاء البيانات (شباط 2023). وقررت الوحدة أن 51% من الشكاوى غير مبررة، و28% منها مبررة، وتم تعريف 21% منها على أنها غير مثبتة، أي شكاوى لم يتم فيها بعد الانتهاء من التحقيق. هنا أيضاً ردت وحدة شكاوى الجمهور في الشرطة على طلب مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست بأنه ليست هناك إمكانية لتقسيم بيانات الشكاوى بحسب الخصائص الشخصية للمشتكين، مثل الانتماء إلى مجموعة سكانية.
وينوّه البحث: لكن توجد لدى الوحدة بيانات عن الشكاوى المقدمة بسبب العنصرية. في الأعوام 2018-2022، تم تقديم 107 شكاوى وتم اتخاذ قرار بشأن 74 منها. ويتبيّن أن تسع شكاوى فقط بسبب العنصرية (12%) اعتُبرت مبررة؛ أما معظم الشكاوى (72%) فقد رأت وحدة شكاوى الجمهور أنها غير مبررة.
ويستدرك بحث المركز أنه يذكر في هذا السياق نتيجتين من الاستطلاعات المنشورة على الموقع الإلكتروني لوحدة التنسيق الحكومية في وزارة العدل لمكافحة العنصرية، حيث أفاد 37% من المواطنين ذوي الأصول الأثيوبية الذين شاركوا في الاستطلاع أنهم واجهوا العنصرية أو التمييز من عناصر الشرطة. بينما أفاد 8% من المواطنين العرب الذين شاركوا في الاستطلاع أنهم واجهوا العنصرية أو يعرفون شخصاً تعرض للعنصرية من قبل عناصر في الشرطة.
هذه الصورة القاتمة للعنف البوليسي لن تزداد إلا قبحاً
يجدر التذكير بأن تقرير الوحدة الحكومية لمكافحة العنصرية في تطرقه إلى عمل ماحش، عدّد التوصيات التي كانت قدمتها الوحدة لتحسين عمل هذا القسم. لكن اتضح أن هناك أمورا بديهية لم تُنجز بعد، فيما يرتبط بمواجهة السلوكيات والتعابير العنصرية في جهاز الشرطة. مثلا، في نظام المعلومات المحوسبة التي تسمح بجمع البيانات حول الشكاوى والقضايا في ماحش، ليست هناك طريقة لتحديد هوية مقدمي الشكاوى والفئة السكانية التي ينتمون إليها، بمختلف المعايير. ولا يتضمن هذا النظام أية إمكانية تسمح بالتعرف على الشكاوى التي جاءت على خلفية تعامل عنصري لعناصر شرطة مع مواطنين. علماً بأن الادعاء المركزي الذي تطرحه الشرائح الأساسية التي تصرّح بأنها تتعرّض لتعامل عنيف ومسيء من قبل الشرطة، هو أن السبب الأساس لذلك هو العنصرية، سواء أكانت ضد مواطنين عرب أو يهود من أصول أثيوبية أو من المتدينين اليهود الحريديم.
الحقيقة هي أنه لم تقدم أية لائحة إتهام ولا أية شكوى ولا أي نقد على عشرات حالات القتل والتسبب بجراح لمواطنين عرب برصاص الشرطة، التي يفترض بماحش أن يحقق فيها. مثلا، جاء على موقع مركز "عدالة" أنه لم يتم تقديم أي شرطيّ مسؤولٍ للمحاكمة في أكثر من 55 حالة قتل لمواطنين عرب من قبل رجال الشرطة منذ العام 2000. وأبرز الملفات هو ملف القتل الجماعي الذي اقترفته الشرطة لشبّان عرب في أكتوبر العام 2000. ولكن ليس هذا فقط، ففي جميع حالات القتل في الفترات اللاحقة لمواطنين برصاص الشرطة، لم تقدم أية لوائح اتهام ولا حتى انتقادات واقتصر الأمر على التبريرات، أي أن قسم التحقيق مع عناصر الشرطة وقف في صف عناصر الشرطة المشتبه بقيامهم بإطلاق رصاص على مواطنين – وهذه هي النتيجة الفعلية.
وفي هذه الأيام العصيبة التي يتزعم الشرطة فيها وزير كهاني مثل إيتمار بن غفير، ويتم إطلاق أيدي الشرطة لارتكاب العنف واستخدام القوة المفرطة حتى ضد ذوي المخطوفين الإسرائيليين في قطاع غزة، لا يحتاج المرء إلى خيال فعّال كي يتيقّن من أن هذه الصورة القاتمة للعنف البوليسي لن تزداد إلا قبحاً وعنصرية، خصوصاً ضد الأقلية العربية الفلسطينية وضد مستضعفي المجتمع الإسرائيلي.