يلقي تقرير جديد لمراقب الدولة الإسرائيلية الضوء على مشكلة تلوث الهواء مؤكداً أنه السبب البيئي الرئيس لحالات الوفيات والمرض في إسرائيل، وأن تكلفة تلوث الهواء الناجم عن وسائل النقل البري في العام 2018 بلغت حوالى 7.2 مليار شيكل، في حين قُدرت نسبة تكلفة تلوث الهواء من السيارات الثقيلة من هذا المبلغ بـ 61%. وهو يلقي مسؤولية تصحيح القصور في هذا الشأن على عاتق وزارات المواصلات والمالية وحماية البيئة والطاقة والداخلية وسلطة الضرائب وشركة الكهرباء.
يقول التقرير: ينطوي استخدام السيارات (وسائل النقل البري) على تأثيرات خارجية جديّة، بما في ذلك الضوضاء وازدحام الطرق، وعلى نحو خاص الأضرار الناجمة عن تلوث الهواء وانبعاثات غازات الدفيئة. يؤثر تلوث الهواء ككل على صحة وجودة حياة جميع السكان في إسرائيل، وتبلغ تكلفة التلوث الناجم عن النقل البري حوالى 7.2 مليار شيكل في بيانات العام 2018 - وهي ثاني أكبر تكلفة مقارنة بتكلفة التلوث الناتج عن توليد الكهرباء وأعلى من تكلفة التلوث الناتج عن كل من المكونات الأخرى. ومن هنا أهمية الأنشطة الرامية إلى الحد من هذا التلوث، سواء من خلال استيعاب تقنيات محركات جديدة للسيارات أو من خلال تقليل التلوث المنبعث من السيارات الموجودة.
ويؤكد أن تحقيق هدف الحد من تلوث الهواء الناتج عن النقل البري يكون بواسطة زيادة استخدام وسائل المواصلات العامة وتخفيف الرحلات التي تتم بالسيارات الخاصة إليها، وكذلك زيادة استخدام وسائل النقل الخفيفة مثل الدراجات والمشي. وفي جميع ما يتعلق بالسيارات الخفيفة (حتى 3.5 طن)، فإن الطريقة الواضحة لتقليل انبعاثات الملوثات هي التحول إلى السيارات الكهربائية، إذ تتمثل المزايا الرئيسة للسيارات الكهربائية في انعدام الانبعاثات المباشرة لغازات الدفيئة في الهواء وغياب انبعاثات الملوثات الأخرى، وانخفاض تكاليف الصيانة والقيادة الهادئة.
تلوث الهواء في إسرائيل مقارنة بالتلوث في دول أخرى
يورد التقرير معطيات من مقارنة تلوث الهواء الناتج عن وسائل النقل الناتج عن الملوثات الأربعة الرئيسة في إسرائيل مع دول أخرى، وهي تبيّن أن معدل التلوث الجزيئي (المواد الصلبة وقطرات السوائل في الهواء) من وسائل النقل في إسرائيل هو حوالى 15% من إجمالي التلوث الجزيئي في البلاد، وهو مرتفع نسبياً مقارنة بمتوسط التلوث في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD. ومعدل التلوث بأكسيد النيتروجين من وسائل النقل في إسرائيل هو حوالى 12% من مجمل التلوث بأكسيد النيتروجين وهو منخفض مقارنة عما هو موجود في دول OECD. وتلوث ثاني أكسيد الكربون، وهو جزء من غازات الدفيئة، في إسرائيل أقل من المتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - حصة النقل فيها حوالى 23.6% (على غرار الرقم الموجود في دول OECD).
أما بشأن الأضرار المالية المقدرة بسبب تلوث الهواء - بحسب بيانات وزارة حماية البيئة في آب 2021، فقد بلغت التكلفة التقديرية لتلوث الهواء الناجم عن وسائل النقل في العام 2018 حوالى 11.4 مليار شيكل من إجمالي تكلفة التلوث البالغة حوالى 31.2 مليار شيكل (حوالى 37% من التكلفة الإجمالية المقدرة للتلوث من كافة المصادر). وتبلغ تكلفة التلوث الناتج عن النقل البري حوالى 7.2 مليار شيكل، وهي التكلفة الثانية من حيث الحجم بعد تكلفة التلوث الناتج عن إنتاج الكهرباء، والتي تقدر بحوالى 9 مليار شيكل.
تأثير كبير غير متناسب للسيارات الثقيلة على التلوث
تكاليف التلوث الناجم عن السيارات الثقيلة: وفقاً للتقرير، في العام 2018، رغم أن نسبة السيارات الثقيلة (الشاحنات والشاحنات الصغيرة والحافلات والحافلات الصغيرة) من بين إجمالي عدد السيارات لم تتجاوز 10%، وبلغت حصتها من إجمالي عدد الركاب حوالى 18%، فإن نسبة تكلفة التلوث منها من إجمالي تكاليف النقل البري تبلغ حوالى 61%. ومن بين الأسباب الرئيسة لتلوث الهواء الناتج عن السيارات الثقيلة، محركات الديزل والعمر المرتفع نسبياً لهذه السيارات. مع ذلك، فليس لدى وزارة حماية البيئة ووزارة المواصلات خطة منهجية للعناية المستقبلية بهذه السيارات، ويُسمح لها بالتحرك على جميع الطرق الإسرائيلية باستثناء منطقتي الهواء النظيف.
في ما يخص عمر السيارات الثقيلة، تبيّن أن متوسط عمر الشاحنات، التي تنتج جزءا كبيرا من تلوث الهواء، يتزايد مع مرور السنين (من 5.1 سنة في عام 2000 إلى 9.4 سنة في عام 2021). ومن ناحية أخرى، هناك اتجاه للاستقرار في عمر السيارات الخاصة وانخفاض مستمر في متوسط عمر الحافلات. كما تبين أن نسبة الشاحنات الثقيلة التي يزيد وزنها عن 3.5 طن من إجمالي عدد السيارات، تبلغ 3.1% وحصتها من إجمالي عدد السيارات النشطة 6%، لكن نسبتها في تلويث الهواء 29%.
وفقا لبيانات العام 2023، هناك 42.402 سيارة ليست من "السيارات الثقيلة القديمة" التي تم تعريفها على أنها "ملوثة". تتم معالجة السيارات الثقيلة القديمة عن طريق تركيب فلاتر، وفي المقابل فإن معالجة السيارات "الملوثة" تقتصر على وضع ملصق عليها خلال اختبار الترخيص السنوي، ومنعها من دخول منطقتين نظيفتين في حيفا والقدس.
لا توجد معايير شاملة لإعلان مناطق "هواء نظيف"
يتضح من بحث مقارن بشأن إنشاء مناطق "هواء نظيف" ذات انبعاثات منخفضة، أن 17 دولة في الاتحاد الأوروبي أعلنت عن مناطق "هواء نظيف" في أكثر من 400 مدينة. بينما توجد في إسرائيل منطقتان فقط ذات هواء نظيف: القدس وحيفا. ويقول المراقب إن الإعلان عن منطقة منخفضة التلوث في إسرائيل يتم "من الأسفل إلى الأعلى"، أي أن الموضوع هو مسؤولية كل بلدية على حدة، وهي التي تبادر للتحرك. ولا توجد معايير شاملة لتحديد الأماكن التي سيتم إعلانها مناطق "هواء نظيف". أما في دول الاتحاد الأوروبي فيتم الإعلان والتوجيه "من الأعلى إلى الأسفل"، أي أنه يتم التعامل مع الموضوع في إطار "فوق الدول" كتوجيه من قبل الاتحاد الأوروبي، ومن هناك ينتقل ذلك إلى كل دولة ودولة. هنا أيضاً، ليس لدى وزارة حماية البيئة سياسة منتظمة أو خطة طويلة المدى في هذا الشأن، ويتم الإعلان عن منطقة منخفضة التلوث في إسرائيل من قبل السلطات المحلية كإمكانية وليس كواجب ملزِم.
وينوّه تقرير مراقب الدولة إلى أنه بعد تشغيل منطقة منخفضة الانبعاثات في حيفا، أجرت وزارة حماية البيئة فحصاً في آب 2020 لمقارنة جودة الهواء في أول عامين من تشغيل المنطقة مقارنة بـ 2017، قبل تنفيذه. واتضح أنه كان هناك انخفاض بنسبة 34% في تركيزات السخام في البلدة التحتى، بالإضافة إلى انخفاض بنسبة 19% في تركيزات أكسيد النيتروجين. وذكر التقرير أن التحسن في جودة الهواء كان أكثر وضوحاً في البلدة التحتا ولكنه كان جدياً أيضاً في منطقة مركز المدينة (حيّ الهدار).
وقف "تخريد" السيارات القديمة مع أنها أكثر تلويثا بـ 20 مرة
يشير مصطلح "تخريد السيارات" إلى تحويلها للخردة. ومصطلح "التقطيع" إلى تحطيمها. ويسمح برنامج "التخريد" التابع لوزارة المواصلات والسلامة على الطرق ووزارة حماية البيئة لأصحاب السيارات القديمة، بعمر 20 سنة فما فوق، بتسليمها إلى ساحات الخردة مقابل 3000 شيكل. يؤدي هذا إلى تقليل الأضرار الناجمة عن حوادث الطرق، وتقليل تلوث الهواء.
في الأعوام 2010 - 2013، تم تخريد 27.911 سيارة خاصة في إطار تنفيذ القرارات الحكومية الصادرة في الأعوام 2007 و2008 و2013. تم إيقاف برنامج التقطيع بسبب الاستنفاد الكامل للميزانية المخصصة له. في العام 2021، كان هناك 187.269 (5.7% من إجمالي السيارات) سيارة خاصة يزيد عمرها عن 16 عاماً و59.543 سيارة خاصة يزيد عمرها عن 20 عاماً (1.8% من السيارات الخاصة). ووفقا لوزارة حماية البيئة، فإن هذه السيارات أكثر تلويثا بـ 20 مرة من السيارات الحديثة.
يقول التقرير إنه على الرغم من العدد الكبير من السيارات القديمة التي يزيد عمرها عن 20 عاماً والتي تتحرك على الشوارع، فلا توجد سياسة منهجية لتجديد أو عدم تجديد برنامج "تخريد" السيارات الخاصة. كما أن برامج "تخريد السيارات" الخاصة المنفذ في الأعوام 2010 - 2013 وبرنامج "تخريد السيارات" الثقيلة المنفذ في الأعوام 2018 - 2020 لم يتضمنا حوافز لـ"تخريد السيارات" التجارية الصغيرة (سيارات بوزن إجمالي يصل إلى 3.5 طن)، رغم أنه في العام 2021 كان هناك 19337 سيارة من هذا النوع.
كذلك، هناك تراجع في عمل التفتيش والرقابة على السيارات القديمة. ففي الأعوام 2020 - 2022 انخفض عدد عمليات التفتيش التي تجريها وزارة حماية البيئة في مؤسسات الترخيص من 143 العام 2020 إلى 81 العام 2022، وانخفض عدد عمليات التفتيش في الحافلات من 200 تفتيش في العام 2021 إلى 171 تفتيشاً في العام 2022. وبحسب بيانات آذار 2023، تم العثور على 11 مخالفة في مؤسسات الترخيص وأساطيل السيارات بين أيلول 2016 وحزيران 2021، والتي فرضت عليها عقوبات بمبلغ إجمالي قدره حوالى 11.8 مليون شيكل.
توصيات التقرير للحد من تلوث الهواء الناجم عن السيارات
أوصى تقرير المراقب وزارة حماية البيئة ووزارة المواصلات بإضافة طرق لمعالجة السيارات الملوثة بالإضافة إلى وضع علامة لاصقة عليها ومنع دخولها إلى المنطقتين الهوائيتين النظيفتين. وأكد أن على وزارة حماية البيئة ووزارة المواصلات دراسة الجدوى الاقتصادية لـ"تخريد السيارات" الثقيلة، وإذا تبين أن ذلك مجدٍ من الناحية المالية، فيوصى بدراسة سبل تشجيع "تخريد السيارات" الثقيلة القديمة التي يصل وزنها إلى 12 طناً وهي ملوثة جداً. وعلى الوزارتين دراسة سبل الحد من التلوث الناتج عن السيارات التجارية الخاصة والصغيرة القديمة والملوثة للبيئة، بما في ذلك وضع خطة متابعة لتشجيع التخلص منها.
ويوصي المراقب وزارة حماية البيئة بإجراء مسح لبيانات منظومة رصد الهواء وتحديد المدن الأكثر تلوثاً، التي يمكن لإعلان مناطق "هواء نظيف" فيها أن يساعد بشكل كبير في تقليل تلوث الهواء. وذلك للبدء بإجراءات لترويج إعلان "مناطق الهواء النظيف" في هذه الأماكن بالتعاون مع السلطات المحلية. ويشدّد على أن تلوث الهواء يعتبر أكبر سبب بيئي للوفيات والمرض في إسرائيل، وبلغت تكلفة تلوث الهواء الناجم عن النقل البري في العام 2018 حوالى 7.2 مليار شيكل.
وحدّد المراقب أن عمليات الحد من تلوث الهواء الناجم عن السيارات التي تعمل بالبنزين ووقود الديزل والتحضير لدخول السيارات الكهربائية على نطاق واسع إلى إسرائيل، هي بمثابة حلول نظامية إلزامية لتنظيم مختلف المجالات، بما في ذلك معالجة السيارات شديدة التلوث، وتنظيم محطات الشحن في الوحدات السكنية ومحطات الشحن العامة للسيارات الكهربائية، إعداد قطاع الكهرباء لزيادة الطلب على الكهرباء الناتجة عن الزيادة المتوقعة في السيارات الكهربائية خلال السنوات القادمة، إعداد النظام الضريبي لدخول السيارات الكهربائية. ويجب على وزارات المواصلات والمالية وحماية البيئة والطاقة والداخلية وسلطة الضرائب وشركة الكهرباء أن تعمل بالتعاون مع السلطات المحلية، التي تلعب دوراً هاماً في بدء العمليات في مناطق نفوذها، لتصحيح أوجه القصور التي ظهرت في هذا التقرير.