المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1852
  • مريم فرح

بعد مرور شهر على بداية الحرب ضد قطاع غزة، تستمر إسرائيل في ملاحقة فلسطينيي الداخل في مختلف جوانب حياتهم اليومية. وفي هذه الأثناء انتقلت المضايقات من مرحلة التحقيقات ومتابعة الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى مرحلة إصدار لوائح اتهام بناءً على قانون "مكافحة الإرهاب" بطريقة لم يسبق لها مثيل. وحتى تاريخ 7 تشرين الثاني 2023، وصل عدد حالات التحقيق والاعتقال التي تم التبليغ عنها إلى مركز عدالة القانوني إلى 215 حالة (منها 58 حالة في القدس المحتلة)، بما في ذلك 58 حالة للنساء تم إجراء تحقيقات أو اعتقالات بحقهن، بالإضافة إلى تقديم 27 لائحة اتهام في الداخل.

 فيما يتعلق بالشرطة، أعلنت النيابة العامة الإسرائيلية في بيان صدر يوم الأربعاء الماضي، أن عدد لوائح الاتهام التي قدمتها منذ بدء الحرب على غزة ضد مواطنين عرب بلغ 60 لائحة اتهام، قدمت جميعها بمصادقة المستشارة القانونية للحكومة والمدعي العام. وأنها قامت بالتحقيق في 430 حالة تتعلق بمنشورات تحريضية على الإرهاب منذ بداية الحرب، منها 192 حالة تم إجراء تحقيقات فعلية فيها. كما أعلنت الشرطة  يوم الأربعاء الماضي أنها اعتقلت المحامي سري خورية، سكرتير حزب الجبهة في شفاعمرو، بشبهة نشره منشورات تحريضية. وقامت نقابة المحامين في إسرائيل باقالة خورية من رئاسة مركز نقابة المحامين في شفاعمرو. 

ووجهت النيابة العامة الإسرائيلية تهمتين رئيسيتين إلى معظم المعتقلين: الأولى تتعلق بالتحريض على الإرهاب، والثانية تتعلق بالتماهي مع منظمات إرهابية. تستند هذه التهم إلى قانون "مكافحة الإرهاب" الذي تم اعتماده في العام 2016. يجدر بالذكر أن عدداً كبيراً من لوائح الاتهام المقدمة تستهدف النساء. ويجب أن نشير إلى أن هذه التحقيقات والاعتقالات تلقت دعماً كبيراً من النائب العام للدولة، المحامي عميت إيسمان. وأوضح مركز عدالة أن من بين الحالات التي وصلت إليه، كان هناك 104 حالات (تحقيق أو تهديد) ناتجة عن منشورات على منصات التواصل الاجتماعي.

وتسعى النيابة العامة لتمديد فترة الاعتقال على ذمة التحقيق إلى أطول فترة ممكنة حتى تستوفي شروط تقديم لوائح الاتهام بتهم التحريض على الإرهاب، والتي تحتّم موافقة ثلاث جهات مختلفة في مكتب النيابة العامة: المدعي العام للدولة، المستشار القانوني للحكومة، ونائب المدعي العام للشؤون الخاصة. حيث أن النيابة العامة تقدّم مع لوائح الاتهام هذه طلبات اعتقال حتى نهاية الإجراءات القانونية، وترفض أن يتم إطلاق سراح المتهمين إلى اعتقال منزلي بشروط مقيّدة، بل وتستأنف إلى المحاكم المركزية على أي قرار إطلاق سراح مشروط وذلك بحجة أن المتهمين يشكلون خطراً على الجمهور، ولا يمكن الاكتفاء في ظل الحرب الراهنة ببدائل للاعتقال.

يذكر أنه وفقا للقانون والتعليمات، فإن فتح تحقيق بملفات التحريض يستوجب موافقة المدعي العام، إلا أنه في الوضع الراهن تم إعطاء الضوء الأخضر لمحققي الشرطة لفتح ملفات تحريض دون حاجة إلى الموافقة، حيث يتم استصدارها بأثر رجعي إذا اقتضت الحاجة. وفي مقارنة بين الفترة من العام 2018 إلى العام 2022، قدمت النيابة العامة متوسط 18 لائحة اتهام في السنة الواحدة، ما مجموعه 88 لائحة اتهام خلال هذه الفترة. ولكن منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول وحتى يوم 2 تشرين الثاني 2023، قدمت النيابة العامة 34 لائحة اتهام[1].

تمديد اعتقالات غير مسبوق

قامت النيابة العامة بتقديم لوائح اتهام ضد المحامي أحمد خليفة ومحمد طاهر جبارين بتهم "التحريض على الإرهاب" والتماهي مع تنظيم إرهابي أثناء مشاركتهما في مظاهرة. وقد طلبت النيابة من المحكمة الإبقاء على المتهمين في حالة اعتقال حتى تقديم لوائح اتهام رسمية. يجدر بالذكر أنه تم تمديد اعتقال المتهمين خمس مرات، وهذا لم يحدث منذ ما يقرب من 25 عاماً - تمديد اعتقال متظاهر على ذمة التحقيق لهذه الفترة الطويلة. وقد حاولت النيابة أيضاً طلب تمديد اعتقال الممثلة ميساء عبد الهادي، ولكن المحكمة رفضت هذا الطلب. الجديد في هذا السياق هو أن المحكمة، التي عادةً ما ترفض طلبات النيابة بتمديد الاعتقال، أصبحت تخضع لضغوط من النيابة العامة تحت ذريعة حالة الحرب والطوارئ. وحتى الآن، وصل إلى مركز عدالة 50 لائحة اتهام، وجميعها تتضمن طلباً لتمديد الاعتقال. 

قوانين وسياسات عنصرية في الأفق 

بالإضافة إلى تغيير السياسات والتعديلات على قوانين سحب الجنسية ومكافحة الإرهاب التي يجري العمل عليها مؤخراً، صادقت الكنيست في القراءتين الثانية والثالثة، يوم الأربعاء الماضي، على قانون يجرم "استهلاك محتوى إرهابي"، حيث صوت لصالح القانون 13 عضواً في الكنيست مقابل اعتراض أربعة أعضاء. ووفقاً لأحكام القانون، فإن "المنظمات الإرهابية" المُدرجة في نص القانون هي "حماس" و"داعش".

وبالإضافة إلى ذلك، كلف وزير العدل، ياريف ليفين، مختصين بإعداد قانون يمنع إنكار المجزرة ويفرض عقوبات قاسية على من يقوم بهذا الفعل[2]. جاء هذا التكليف بعد الضجة التي أثارتها عضو الكنيست عن القائمة الموحدة، إيمان خطيب ياسين، في تلفزيون الكنيست، حيث صرحت بأنها لم تشاهد الفيديو الذي بثه الجيش إلا أنها، وفق المعلومات التي وصلتها، لم تكن هناك أي أحداث تتضمن ذبحاً للأطفال أو اغتصاباً للنساء. وبعد ذلك، أكدت أنه في حالة وجود مثل هذه الأحداث فعلياً، فإنها تعتبرها أمراً مخجلاً. ولم يساعدها اعتذارها لاحقاً في تجنب مطالبات بالاستقالة ومحاولات عزلها سياسياً.

 

120 طالباً يواجهون لجان الطاعة في مختلف المؤسسات الأكاديمية

على صعيد الطلاب في الجامعات الاسرائيلية،  يتم التحريض على مئات الطلاب في الجامعات وتم تقديم 120 طالباً للجان الطاعة حتى اليوم وفقا للهيئة الطلابية المشتركة، 40 طالباً منهم تم تجميد دراستهم أو فصلهم بشكل نهائي من المؤسسة الأكاديمية. 

 يذكر أنه وفقا لدستور الجامعات الإسرائيلية لا يمكن للجامعة فصل طالب بناء على منشور على  شبكات التواصل الاجتماعي الخاص به.   وهذه السياسة غير مسبوقة تحولت من سياسة تمييز ضد الطلاب العرب إلى قمع الطلاب.  أما التهم التي توجه للطلاب في لجان الطاعة فهي دعم الإرهاب والتحريض،  وأحياناً تتم محاسبة طالب جامعي بسبب نشره لآيات قرانية يتم  تفسيرها من قبل المؤسسة الأكاديمية. 

وتحاول الآن الهيئة الطلابية المشتركة أن تستنفد سبل الانتصاف القانونية من خلال استئناف قرارات لجان الطاعة لمساعدة الطلاب على العودة إلى مقاعد الدراسة.   كما قامت الهيئة بالتوجه الأسبوع الماضي إلى جامعات شريكة للجامعات الإسرائيلية في العالم وممولين وسفراء للتدخّل ومساعدة الطلّاب الفلسطينيّين في الجامعات الإسرائيليّة، وأشارت الهيئة إلى أن قسماً من هؤلاء تعهدوا بفحص القضية مع الجامعات الإسرائيلية. 

كما طالبت الهيئة بعقد جلسات مع إدارة الجامعات الاسرائيلية لتضع مطالبها ولتوفير حماية للطلاب العرب في الجامعات،  كما أنها تتواصل مع محاضرين عرب ويهود تقدميين لحثهم على التدخل ضد هذه الإجراءات التعسفية.  كما طالبت الهيئة الطلابية مع مركز عدالة المستشارة القانونية للحكومة بفتح تحقيق بشأن ما جرى مع الطلاب العرب في كلية نتانيا.  

ملاحقة صحافيين

يتعرض الإعلاميون والصحافيون إلى  مضايقات، فبعد محاولة الاعتداء على مراسل قناة "العربي" أحمد دراوشة خلال البث الحي  من  قبل رجل أمن،  وتعرض مراسل "روسيا اليوم" فهمي شتيوي إلى المضايقات من قبل الشرطة خلال عمله، قام الإعلامي حاييم إتجار منذ أسبوعين بملاحقة مراسل قناة "الجزيرة"  إلياس كرام وقام مؤخراً بملاحقة وتحريض على مراسلة قناة "الميادين" هناء محاميد ونصب  لها كمينا خلال تواجدها في البريد وهددها واتهمها بدعم الإرهاب ومنعها من دخول سيارتها ومعه مجموعة من المصورين. وقد وصلت للجنة العربية للطوارئ وائتلاف المجتمع المدني للطوارئ 12 حالة اعتداء على صحافيين منذ بداية الحرب.  

إقالات من  العمل

 وصلت للجنة العربية للطوارئ وائتلاف المجتمع المدني 82 حالة إقالة منذ بداية الحرب وحتى تاريخ 4 تشرين الثاني 2023، إلى جانب تسجيل 171 منشوراً تحريضياً ضد الفلسطينيين في الداخل.

وفيما يتعلق بمركز كيان - تنظيم نسوي، فقد تلقى 550 قضية متنوعة، تشمل الفصل من العمل، والتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، والتهديد، والملاحقة على منصات التواصل الاجتماعي. وتشير الإحصائيات إلى أن 74% من هذه القضايا تتعلق بالفصل عن العمل، و10.5% منها تتعلق بقضايا السايبر، كما أن 74% من المتوجهات هن نساء.

ويشير مركز كيان إلى وجود حالات مضايقات للنساء، حيث يتم ابتزازهن إلكترونياً من خلال إنشاء حسابات مزيفة بأسماء نساء واستخدام صورهن، مع تهديد بفضحهن.

وفي قراءة أولية للتداعيات الاقتصادية للحرب على النساء العربيات، أشارت هيئة الطوارئ الاقتصادية إلى أن النساء بشكل عام، والنساء العربيات بشكل خاص، كنّ الأكثر تأثراً في سوق العمل. وقد أدت هذه الحرب إلى تغيير في أنماط عمل النساء في سوق العمل.

المحكمة العليا تخضع للشرطة وتمنع المظاهرات

أما على صعيد الحراك الشعبي والجماهيري، فبعد منع الشرطة عقد اجتماع عربي يهودي قبل ثلاثة أسابيع، عقدت المتابعة يوم الثلاثاء الماضي اجتماعاً حضره نشطاء وأكاديميون وحقوقيون ومختصون عرب ويهود عبر تطبيق الزووم. وتمت خلال الاجتماع مناقشة سبل وقف الحرب ووقف الملاحقات والمحاكمات في المجتمع العربي.

بالمقابل، رفضت المحكمة العليا، في 8 تشرين الأول، التماساً تقدم به مركز عدالة نيابة عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب الشيوعي الإسرائيلي، اعتراضاً على قرار الشرطة برفض ترخيص مظاهرتي أم الفحم وسخنين،  وتعليمات المفوض العام للشرطة، شبتاي ليفي، التي تمنع المظاهرات المناهضة للحرب. وجاءت أسباب رفض المحكمة متسقة مع ادعاءات الشرطة بعدم توافر قوات كافية لضمان سلامة الأمن العام. وقد زعمت الشرطة أن قواتها مشغولة في مناطق أخرى بسبب الحرب، وبالتالي ليس بإمكانها التعامل مع المظاهرات في الوقت الحالي. ورفض المدعون إمكانية تنظيم المظاهرات في أماكن مغلقة، ونتيجة لذلك، رفض القضاة طلب تنظيم المظاهرات المطلوبة. واعتبر الملتمسون هذا الإجراء تصعيداً خطيراً يستهدف الفلسطينيين ويشكل انتهاكاً جسيماً لحقوق حرية التعبير والتنظيم.

 

[1] https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001461504

[2] https://www.israelhayom.co.il/news/politics/article/14789140

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات