ما تزال قضية القصور في الاستعدادات لوقوع زلزال تشغل هيئات رسمية وبحثيّة عدّة في إسرائيل. وعاد مراقب الدولة مؤخراً إلى تناول القضية بعد مرور أقل من عام واحد على إصداره تقريراً في هذا الشأن، وذلك بسبب الزلزال المدمّر في سورية وتركيا قبل نحو ثلاثة أشهر، والذي أثار جدلاً في إسرائيل بشأن درجة الاستعداد لكارثة مشابهة.
جاء في مقدمة هذا التقرير الخاص الجديد الذي وضعه المراقب على طاولة الكنيست ونُشر للجمهور العام، أن دولة إسرائيل تقع بالقرب من الصدع السوري الأفريقي، وبالتالي يزداد خطر وقوع زلزال شديدة القوة. الافتراض الشائع هو أن هناك احتمالية عالية في أنه سيحدث خلال الخمسين سنة القادمة زلزال قويّ في المنطقة الواقعة بين جنوب لبنان وجنوب البحر الميت.
يقدم هذا التقرير، كما يكتب معدّوه، بالإضافة إلى التقارير السابقة لمراقب الدولة التي تناولت جهوزية دولة إسرائيل للزلازل، صورة الفشل متعدد السنوات في استعداد الدولة لحدوث زلزال، وخصوصاً في بلدات الضواحي الواقعة على طول خط الصدع السوري الأفريقي. وتؤكد نتائج التقرير ضرورة القيام بعمل كبير يتضمن رؤية طويلة المدى من أجل تحسين استعداد البلاد لحدوث زلزال شديد القوة.
ويشير المراقب أنه "في بداية شهر شباط 2023، تلقينا تحذيراً ملموساً للنتائج المدمرة التي قد تحل بدولة إسرائيل يوم وقوع زلزال شديد القوة"، وذلك عندما وقع زلزال بمثل هذه القوة، وكان مركزه جنوب تركيا، في الطرف الشمالي من الصدع السوري الأفريقي، والذي أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص وإصابة عشرات الآلاف الآخرين، وانهيار أكثر من 12000 مبنى، حيث أن أكثر من 500.000 شخص أصبحوا معدمين ومشرّدين. ويؤكد: "منذ ذلك الحين، واصلت الهزات الارتدادية ضرب منطقتنا بوتيرة عالية، وهذه الهزات محسوسة جيداً في دولة إسرائيل".
وهو يشدّد: لا تملك الحكومة المركزية أو السلطة المحلية القدرة على منع الزلازل، لكن لديها القدرة على الحد من أضرارها، من خلال بناء المباني التي تلبي معايير البناء وتقوية المباني التي تحتاج إلى تقوية. وهذا بالإضافة إلى الاستعداد المسبق واتخاذ الإجراءات الأولية الضرورية لما قبل حدوث الزلزال، وكذلك للتعامل معه في أثناء حدوثه وفور ذلك. وكل هذا من أجل مساعدة السكان على التعافي في أسرع وقت ممكن من الكارثة، وإعادة بناء حياتهم والعودة إلى روتين الحياة الكاملة والطبيعية قدر الإمكان.
سيناريوهات قاتمة: قتلى بالمئات ودمار هائل للمباني
جمع التقرير المعطيات المتوفرة من أبحاث مختلفة ليقدم صورة خطيرة. فوفقاً للسيناريوهات المستنتَجة، من المتوقع أن يكون حجم الإصابات والأضرار التي تلحق بالمباني الواقعة ضمن مناطق نفوذ بلديات بيسان وطبريا وصفد وكريات شمونه ومجلس حتسور هجليليت المحلي واسع النطاق. على سبيل المثال، من حيث الإصابات في الأرواح، من المتوقع حدوث حوالي 370 حالة وفاة؛ وإصابة نحو 440 شخص بجروح خطيرة جداً وخطيرة، وحوالي 1860 إصابة أخفّ. من حيث الأضرار المحتملة التي ستلحق بالممتلكات، من المتوقع حدوث أضرار جسيمة حتى درجة التدمير لحوالي 570 مبنى، وسيعاني حوالي 2240 مبنى من أضرار خفيفة إلى متوسطة.
في السياق نفسه، نشرت "قيادة الجبهة الداخلية" وثيقة مفصّلة افتتحها بالقول: من المتوقع أن تحدث في إسرائيل هزة أرضية قوية، من الممكن أن تتسبب بكارثة جماعية مع آلاف القتلى والمصابين ودمار كبير لمبانٍ وللبنية التحتية. وتشير إلى أنه: على مدار التاريخ حدثت الكثير من الهزات الأرضية (في البلاد)، قسم منها كان قوياً جدا وفتاكاً. وتُعلمنا التجربة في العالم أنه في كل مكان حدثت فيه هزات أرضية في الماضي، من المتوقع حدوث هزات أرضية في المستقبل. لذلك من المتوقع حدوث هزة أرضية قوية أخرى في إسرائيل، لكن لا يمكن التوقع متى ستحدث وما مدى قوتها. فبالرغم من أنه لا يمكننا أن نمنع الهزة الأرضية القادمة، فبمقدورنا تقليص نسبة المصابين، لأنه ليست الهزة هي التي تعرضنا للخطر، انما الأغراض والمباني الموجودة حولنا، التي من الممكن أن تنهار وتؤذينا. لذلك فإن اتخاذ إجراءات تجهيز لهزة أرضية والسلوك الصحيح عند حدوث هزة أرضية، من شأنهما أن ينقذا الحياة.
كشف الفحص الرقابي أيضاً أنه لا يوجد معيار ملزم فيما يتعلق بمعدات الطوارئ التي يجب على السلطات المحلية امتلاكها وصيانتها في مستودعات الطوارئ الخاصة بها، كجزء من استعدادها للتعامل مع أحداث الطوارئ، بما في ذلك حدث الزلزال.
هذه نقطة أكدها معهد الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست، وقد أصدر تقريراً مفصلاً عن مشكلة المباني والبيوت التي تعرّف كـ "خطرة" أو "في خطر انهيار" على قاطنيها أو مستخدميها. وأشار إلى انعدام صورة واضحة سواء للعدد الدقيق لهذه المباني ومواقعها وكذلك لوجود أنظمة موحدة وسياسة واضحة للتعاطي مع المشكلة.
سلسلة قرارات طويلة اتخذتها الحكومة ولم تنفذها بالكامل
يقول التقرير: لم يتم تنفيذ الخطة الرئيسية (تاما 38) في بلديات بيسان (بيت شان)، طبريا، صفد وكريات شمونه والمجلس المحلي في حتسور هجليليت، على الرغم من أنها جميعاً في مناطق معرضة لوقوع أضرار جسيمة من الزلزال، وذلك على الرغم من أن (تاما 38) كانت الخطة الرئيسة لتنفيذ سياسة الحكومة لتقوية المباني. كما تبين أنه خلال الفترة التي تناولتها الرقابة، لم يتم بعد تقوية 1124 (93 بالمئة) من المباني التي تقرر تعزيزها في هذه السلطات المحلية، والتي تبلغ تكلفة تقويتها مع إضافة الحماية 2.34 مليار شيكل.
خطة (تاما 38) هي اختصار لـ "خطة هيكلية قطرية" والتي صيغت وفقاً لتقرير المراقب "من أجل تعزيز تقوية المباني التي شُيدت قبل العام 1980" حيث "أعدّ المجلس الوطني للتخطيط والبناء خطة هيكلية وطنية لتعزيز المباني القائمة ضد الزلازل". وتحثّ الخطة السلطات المختلفة على تقوية المباني من خلال التمتين والتكثيف وكذلك من خلال الهدم وإعادة البناء، حيثما تقتضي الحاجة. ولحثّ الجهات ذات الصلة بالعمل في نطاقها تم منح حقوق بناء موسعة وتقصير الإجراءات البيروقراطية لإصدار رخص البناء، وقد افقت الحكومة على الخطة في نيسان 2005.
يعدّد التقرير القرارات الحكومية التي اتّخذت وظلّت عملياً بدون تطبيق، كما يلي:
في القرار الحكومي 425 الصادر في أيلول 2006، تقرر تبني توصيات لجنة المديرين العامين بشأن تشجيع تقوية المباني القائمة، من أجل ضمان مقاومتها للزلازل، كجزء من تنفيذ الخطة الهيكلية القطرية لتقوية المباني ضد الزلازل (تاما 38).
في القرار الحكومي رقم 3021 الصادر في كانون الثاني 2008، تقرر تخصيص ميزانية لتنفيذ توصيات لجنة المديرين العامين كجزء من تنفيذ الخطة الهيكلية القطرية لتقوية المباني ضد الزلازل.
نص القرار الحكومي رقم 4331 الصادر في كانون الأول 2008 على تخصيص ميزانية متعددة السنوات بقيمة 3.5 مليار شيكل، موزعة على 25 عاماً، بدءاً من ميزانية العام 2009، لتقوية المباني العامة ضد الزلازل.
في القرار الحكومي 590 الصادر في تشرين الثاني 2020، تقرر إنشاء طاقم لفحص أدوات إضافية للتشجيع على تعزيز المباني السكنية ضد الزلازل في المناطق المعرضة للخطر في مناطق الضواحي.
في قانون التخطيط والبناء (تعديل رقم 139)، 2022، تم وضع ترتيبات لتعزيز تقوية المباني ضد الزلازل، كبديل للخطة الهيكلية القطرية لتقوية المباني ضد الزلازل. وفقاً للتعديل، يتم توسيع صلاحيات اللجان المحلية للموافقة على المخططات مع إضافة حقوق البناء في أحد هذه المسارات: هدم وإعادة بناء المباني، هدم المباني وإضافة مناطق البناء على قطعة أرض أخرى، تقوية المباني أو تقويتها وإضافة مناطق البناء على قطعة أخرى.
70 بالمئة من المدارس التي بحاجة إلى التقوية ما زالت تنتظر
كشف التقرير أيضاً أنه في حوالي 70% من المدارس التي تم تحديدها على أنها بحاجة إلى التقوية لم يتم تنفيذ ذلك، ومن هنا يتبين أنه فعلياً لم يتم تعزيز 38 مدرسة من أصل 54 تم تحديدها على أنها تحتاج إلى التقوية. بالإضافة إلى ذلك، كشف التقرير أن عمليات التدقيق التي أجرتها قيادة "الجبهة الداخلية" تشير إلى تدني مستوى استعداد بلدية بيسان والمجلس المحلي في حتسور هجليليت للتعامل مع الحوادث الطارئة، بينما مستوى جاهزية بلديتي طبريا وصفد جيدان فقط، وجاهزية بلدية كريات شمونه جيدة جدا.
فصّل التقرير قائلاً إنه في بلديتي بيسان وصفد تمت تقوية نحو 10% و 17% فقط على التوالي من المباني المدرسية الواقعة ضمن نطاق سلطتهما - في بلدية بيسان، لم يتم بعد تعزيز 9 مدارس من أصل 10 تم تحديدها لتعزيزها. في بلدية صفد لم يتم بعد تعزيز 10 من أصل 12 مدرسة تقرر تعزيزها. وعموماً، فإن معدل التقدم في تعزيز المباني في بلديات بيسان وطبريا وصفد وكريات شمونه وفي المجلس المحلي حتسور هجليليت بطيء. وبالرغم من علم السلطات المحلية بالحالة المادية للعديد من المدارس التي تتطلب تقوية فورية في مواجهة الزلزال في منطقة نفوذها، والتي قام مكتب المراقب بفحصها، فإنه تم تقوية حوالي 30% فقط من هذه المدارس حسبما تقتضي الحاجة.
أمام هذا الوضع، يشير التقرير إلى أنه يجب على السلطات المحلية الخاضعة للفحص تقديم طلبات إضافية إلى وزارة التربية والتعليم لتقوية المدارس المتبقية التي تحتاج إلى تعزيز في منطقة نفوذها، والعمل بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم لتخصيص الميزانيات وتوفير الوسائل (مثل استبدال المباني) وتعزيز في مؤسسات التخطيط، بهدف تسريع وضمان تعزيزها في أقرب وقت ممكن. ويشدّد على أن الاستثمار في تقوية المدارس وزيادة مقاومتها للزلازل يعد أمراً ضرورياً للغاية نظراً للضرر الجسيم الذي قد يلحق بالعديد من الطلاب والموظفين الذين سيكونون متواجدين في المباني التعليمية في أثناء وقوع الزلزال. ويضيف منوّهاً إلى أن وزارة التربية والتعليم لديها ميزانيات كاملة لتقوية الأبنية التعليمية، ويجب على السلطات المحلية استخدام الميزانية لتحسين جاهزية سكانها وزيادة سلامتهم.
على الحكومة والحكم المحلي العمل بسرعة وبحزم
يختتم المراقب تقريره بالتشديد على أن التجربة الدولية تظهر أن الاستثمار المبكر في الاستعداد للزلزال يقلل بشكل كبير من الإصابات في الأرواح والأضرار بالممتلكات عند حدوثها، وبالتالي فإن أفضل طريقة لتقليل الضرر ومنع حدوث كارثة كبرى بسبب الزلزال هي تحسين متانة المباني - المباني السكنية، المباني العامة والبنية التحتية - مقابل الزلزال.
يجب على رئيس الحكومة، وزير الدفاع، وزير البناء والإسكان، وزير الداخلية، وزير المالية وكذلك لجنة التوجيه المشتركة بين الوزارات للتأهب للزلازل، العمل على تعزيز استعداد دولة إسرائيل والسلطات المحلية للتعامل مع الزلازل، ولا سيما فيما يتعلق بالسلطات المحلية في الضواحي الواقعة على طول خط الصدع السوري الأفريقي.
يوصي مكتب مراقب الدولة بأن تعمل الوزارات الحكومية ذات الصلة - وزارة المالية، وزارة الدفاع، وزارة الداخلية، وزارة البناء والإسكان - وكذلك اللجنة التوجيهية المشتركة بين الوزارات للاستعداد للزلازل بالتعاون مع بلديات بيت شان، طبريا، صفد وكريات شمونه والمجلس المحلي في حتسور هجليليت والسلطات المحلية في الضواحي الواقعة على طول خط الصدع السوري الأفريقي، لتشكيل آلية لتقوية المباني في تلك السلطات وتحديد الموارد اللازمة لهذا الغرض. وعلى ضوء الميزانية الكبيرة المطلوبة لتقوية المباني والبنية التحتية في بلدات الضواحي، ومعظمها ذات وضع اجتماعي واقتصادي متدنٍ، فإن هذا يتطلب التزام جميع الجهات المهنية والتخصيص المناسب للموارد. يجب على الحكومة والحكم المحلي العمل بسرعة وبحزم لمعالجة هذه القضية، ويفضل أن يكون ذلك في أقرب وقت.