أكدت الاتفاقيات الائتلافية للحكومة الإسرائيلية الحالية أن رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش سيتولى سلطات واسعة على الضفة الغربية والإدارة المدنية، من دون أن تتضح بالملموس طبيعة هذا الدور. في يوم الخميس، 23 شباط 2023، وقع يوآف غالانت (وزير الدفاع) وسموتريتش (الوزير الثاني داخل وزارة الدفاع)، على اتفاق لم ينشر، بموجبه تبينت حدود صلاحيات هذا الأخير. يتضمن الاتفاق إنشاء "دائرة استيطان" داخل الإدارة المدنية، ومنحها إلى "مستوطن" ليتولاها. تنظر هذه المقالة في الإسقاطات المحتملة لما تم الاتفاق عليه بخصوص الإدارة المدنية.
1. الاتفاق الذي وُقع في 23 شباط 2023 بين غالانت وسموتريتش، هو محاولة، على ما يبدو مقبولة من الطرفين، من أجل تحديد صلاحيات سموتريتش. والسبب "المعلن" هو أن الجيش لن يقبل بتولي شخص مدني (المقصود سموتريتش) أي صلاحيات على العساكر والضباط. وعليه، تم استثناء سموتريتش من كل نشاطات الإدارة المدنية المتعلقة بالأمن، بما يشمل التنسيق الأمني مع الفلسطينيين.
2. في المقابل، فإن سموتريتش سيقوم بإنشاء "قسم الاستيطان" داخل وزارة الدفاع ويضع على رأسها الرئيس السابق للمجلس الاستيطاني لمنطقة بنيامين (المنطقة الواقعة بين رام الله ونابلس). القسم مسؤول عن تنظيم كل ما يتعلق بالاستيطان، سواء من ناحية التوسع على الأرض، أو من ناحية تنفيذ مشروع "المواطنة المتساوية" الذي يهدف إلى تحسين الخدمات المدنية والإدارية للمستوطنين لمساواتهم بالمواطنين الإسرائيليين داخل إسرائيل. في خطوة موازية، سيضع سموتريتش نائبا "مدنيا" لرئيس الإدارة المدنية يكون مسؤولا عن كل ما يتعلق بشؤون المستوطنين، والمستوطنات، والبنى التحتية، والبناء، والخدمات. هذا الشخص "المدني" سيتبع وظيفيا ومهنيا إلى رئيس "قسم الاستيطان". لكنه تنفيذيا سيتبع إلى رئيس الإدارة المدنية (ضابط جيش). إضافة إلى ذلك، ثمة أمور أخرى إجرائية قد نتطرق إليها في مقالة لاحقة.
3. هذا قد يعني أمرين: أولا، لأول مرة منذ العام 1967، سيتمكن المستوطنون أنفسهم من إدارة مشروع الاستيطان بكل ما يحمله هؤلاء المستوطنون من طموحات و"هداية" توراتية لتوسيع الاستيطان. ثانيا، يحق للمستوطنين أن يخططوا ما يشاؤون، بيد أن التنفيذ قد يخضع لسلطة الجيش نفسها وحساباتها الأمنية. لكن في واقع الأمر، قد لا يتعلق مدى توسع الاستيطان بالرواية "الأمنية" للجيش بقدر ما يخضع لموازين القوى بين الصهيونية الدينية و"وزارة الدفاع" بحيث لا يؤول الأمر إلى انهيار الائتلاف.
4. الاتفاق بحد ذاته مخالف للقانون الدولي، والبنود بحد ذاتها قد تدين دولة إسرائيل. والسبب هو أن "الوجود" الإسرائيلي في الضفة الغربية مصنف دوليا على أنه "احتلال مؤقت"، وبالتالي كان هناك القبول الدولي بوجود قيادة عسكرية لإدارة شؤون الأراضي المحتلة (أي الإدارة المدنية). وعليه، من المنطقي أن تضم هذه الإدارة كل الأقسام التي تعنى بتنظيم حياة السكان القابعين تحت الاحتلال (المقصود الفلسطينيين). بيد أن وجود "قسم الاستيطان" داخل الإدارة التي من المفترض أن تدير الشؤون المدنية في فترة "الاحتلال المؤقت"، هو إثبات على أن هذا الاحتلال ليس مؤقتا، وعلى أن الإدارة المدنية ما هي إلا منظم لمشروع الاستيطان.
5. بيد أن قوة سموتريتش قد لا تكمن في الترتيبات البيروقراطية أو المتعلقة بهيكلية الإدارة المدنية، بقدر ما تكمن في قدرته على التقرير أمام الجيش. وعليه، فإن العديد من بنود الاتفاقيات الائتلافية المتعلقة بالاستيطان، تكمن في "تشريع" تشريعات ملزمة، وليس في ما يتعلق بالصلاحيات داخل الإدارة المدنية. لكن الإعلام الإسرائيلي، بكل أطيافه، لم يلتفت إلى أهمية التشريعات التي يسوقها سموتريتش داخل الكنيست عند مناقشته لاتفاقية صلاحيات سموتريتش على الإدارة المدنية. مثلا، عند الحديث عن إعادة الاستيطان في مستوطنات شمال الضفة الغربية التي تم الانسحاب منها العام 2005 ضمن خطة شارون للانفصال، فإن الجيش قد لا يسمح لسموتريتش بالعودة إليها بسبب عدم "قانونية" استيطانها حسب القانون الإسرائيلي. لكن، في حال سنّ الكنيست قرارا بخلاف ذلك، وهو ما يحصل خلال هذه الأسابيع، فإن الجيش الإسرائيلي سيعمل على مساعدة سموتريتش للعودة إليها.
6. الصهيونية الدينية، وبالتشاور مع مجلس مستوطنات "ييشع"، وبوجود دعم مكثف من قبل منظمات يمينية مثل "فوروم كوهيلت"، يقوم بتقديم تشريعات غير مسبوقة تتعلق بالاستيطان. هذا يعني أن إعادة بناء مستوطنة أفاتار على جبل صبيح سيتحول إلى قانون ملزم. وبالمثل، العودة إلى المستوطنات المخلاة في شمال الضفة الغربية. كما أن هناك قوانين تلزم بأن تتضمن ميزانية الحكومة في تشرين الثاني 2023 ميزانيات مخصصة، بشكل غير مسبوق، للمشروع الاستيطاني. هذا قد يعني أن صلاحيات سموتريتش داخل الإدارة المدنية لا تنبع من المواقع الوظيفية التي يتحكم بها، بقدر ما تنبع من "قوة القانون" الذي يقوم بتشريعه، بشكل حثيث، داخل الكنيست.
7. السيناريو المتوقع خلال العامين 2023-2024، هو أن الصهيونية الدينية ستتمكن، وبشكل زاحف، من السيطرة على كل الأقسام والدوائر التي تعنى بتوسيع الاستيطان داخل الإدارة المدنية. وقد لا تسعى إلى توسيع الوحدات الاستيطانية بشكل واضح، وإنما إلى فرض المشاريع والمخططات التي قد تغير شكل الضفة الغربية مستقبلا (وليس خلال العامين التاليين)، وتبقى نافذة حتى في حال انهيار الائتلاف الحكومي الحالي. وعلى العكس من إيتمار بن غفير الذي يقوم بإدارة صلاحياته على وزارة الشرطة بشكل بلطجي، وأرعن، وغير مخطط له (كما يبدو الأمر حتى الآن)، فإن سموتريتش يتلقى نصحاً من منظمات ومتبرعين ذوي تخطيط بعيد المدى، ويسعون إلى تحقيق الاستيطان في نهاية المطاف وليس لإطلاق تصريحات.
إن إحدى نقاط "عدم مهنية" وسائل الإعلام الإسرائيلية (أو بالأحرى أجندتها التضليلية) هي تركيزها على الاتفاق بين غالانت وسموتريتش من زاوية "من ربح؟"، أو "من استطاع سحب صلاحيات أكثر من الآخر؟". غير أن النقاش الأكثر معقولية لدور سموتريتش لا بد أن يتمحور من حول قدرته على إحداث نقلة نوعية في طبيعة أراضي "ج"، ومدى ترسخ المشروع الاستيطاني فيها، وهي قدرة، على ما يبدو، واسعة.